الخميس، 25 أبريل 2013

تفسير سورة الزمر (46-61) / من دورة الأترجة

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري



(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿٤٦﴾ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴿٤٧﴾ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٤٨﴾)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وارزقنا علماً ينفعنا، أما بعد :
 هذا هو المجلس الرابع من مجالس تفسير سورة الزمر نفعنا الله بها في هذه الدورة المباركة دورة الأترجة المقامة في جامع شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب في حيّ الخليج في مدينة بُريدة.
وقد وصلنا إلى قول الله -عز وجل- (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
يأمر الله -سبحانه وتعالى- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو بهذا الدعاء وأن يتوسّل إليه في أن يحكم بينه وبين هؤلاء الذين خالفوه في دين الله وفي أمر التوحيد خاصة. قال (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ومبدعهما ومنشأهما على غير مثال سابق.
(عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) تعلم كل شيء غاب وكل شيء شوهد، تعلم كل شيء، ما نبصره وما لا نبصره، ما نعلمه وما لا نعلمه، ما هو قريب منا واضح وما هو غائب عنا بعيد منا. (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وهذا قد تأوّله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعاء كان يدعو به في قيام الله، فكان إذا قام من الليل قال "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" تأملوا معي هذا الدعاء الجميل الكريم الذي نحتاج إليه وخصوصاً عندما تدلهِمّ الفتن وتكثر الخطوب ويحصل الخلاف والشر بين الناس فإن الإنسان يحتاج إلى عصمة من الله يعتصم بها وهذا الدعاء مما يُعتصم به ومما يكون سبباً في كون الإنسان يعرف المخرج من الفتن ويهتدي إلى الحق إذا ادلهمت عليه الأمور واختلطت عليه الأحوال.
قال الله -عز وجل- مبيناً عقوبته التي تنتظر أولئك الظالمين المستكبرين عن دعاء الله وحده المستنكفين عن قبول التوحيد قال (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أيّ شيء يصل إليه هؤلاء بحيث أنهم لو كان معهم ملء الأرض ذهباً ومثله معه لقدموه افتداء للعذاب الذي ينتظرهم لأنه عذاب شديد وعذاب لا طاقة لأحد به ، وأنا أقول لو أنزل الله بهم عذاباً دنيوياً في أبدانهم كسرطان أو غيره نجد الإنسان قد يفتدي نفسه فيبذل ماله كله في طلب الشفاء فيكف وربنا قد توعّد بعذاب خاص لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ووقعوا في شر أنواع الظلم وهو الشرك بالله .
/ قال (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) كانوا يقولون لئن بعثنا ليكونن لنا حال أحسن من حالنا في الدنيا (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) لو رجعت إلى الله سأجد خيراً من هذا الحال وهذه الدنيا الذي كنت فيها لأن الذي أكرمني في الدنيا سيكرمني في الآخرة، هكذا يعتقدون لكن الأمر على غير ما يعتقدون وعلى غير ما يظنون ويحسبون ولذلك قال الله (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) بدا لهم شيء لم يكونوا يتوقعونه ويظنونه ولم يجري في حسابهم ولم يدر في خلدهم. وهذه الآية كان يقرؤها بعض السلف فيخاف منها ، يخاف أن يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب ولكن نحن نرجو رحمة الله ونعلم من سعة رحمة الله -عز وجل- أننا ندرك من ربنا كل خير لكن يبقى المؤمن خائفاً وجلاً يخاف أن يكون قد اغترّ ويخاف أن يكون قد أساء في العمل وهو لا يدري. (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) ظهرت لهم سيئاتهم وأحصيت عليهم وعُدّت لهم عدّاً ورأوها بأم أعينهم ، ينظر الواحد منهم إلى سجل أعماله فإذا هو مد البصر وإذا به قد أحصى كل شيء كما قال الله -عز وجل- (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿٤٦﴾ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴿٤٧﴾ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴿٤٨﴾ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) يا ويلتنا يقولون لأنفسهم وهم ينظرون أن كل شيء قد أُحصي ، كل شيء قد كُتِب  ، كل شيء قد دوّن وسُجّل بكل دقة وأمانة من غير زيادة (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).
 قال الله (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ) نزل بهم (مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا ويضحكون منه ويسخرون جاء، الذي كانوا يقولون فيه لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هات العذاب (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) أعطنا العذاب الذي تعدنا به يا محمد قبل يوم الحساب، نحن نعفيك من العذاب يوم القيامة نريد العذاب أن ينزل بنا في الدنيا، يقولونه استهزاء وسخرية برسول الله . قال الله (وَحَاقَ بِهِمْ) نزل بهم الذي كانوا به يستهزئون.
/ ثم ذكر الله حالاً قد مرتّ بنا قبل في أول هذه السورة (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) وبيّنا كيف أن المشركين إذا نزلت بهم الضراء لم يلتجئوا إلا إلى الله ثم إذا أنعم الله عليهم يإذا هم شركون ويدعون مع الله غيره وهذا من عظيم جهلهم وقبيح فعلهم.
/ قال الله هنا (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ) أيّ ضرّ (دَعَانَا) إلتجأ إلينا وحدنا ولم يلتجئ إلى أحد لأنه يعلم أنه لا ينقذه مما هو فيه إلا الله. (دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا) أعطيناه وأنعمنا عليه بشيء من عندنا ، مال ، زوجة ، ولد ، بيت جاه منصب ، ملك ، بستان (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) أُعطيت هذا على علم من الله بأني أستحقه فلو لم أكن أستحقه ما أعطاني الله إياه لأن الله قد رضي عني وحمد فعلي ويعلم أني مستحق لهذا الذي أعطاني.
 أو يقال في قول آخر وكلا القولين يصح في حق الكفار : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) مني بأسباب الحصول عليه ، أنا هذا بكسبي وعقلي وفكري وتخطيطي وجدي واجتهادي ، أنا إنسان أُحسن كيف أحصل على المناصب وعلى الأموال وعلى ما أُريد في الدنيا أخطط وأصل إليه! سبحان الله! على علم مني بأسباب الحصول على تلك النعمة فهو يظن أن النعمة بتحصيله وكسبه وأنه هو الذي استطاع أن يحصّله كما قال قارون (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
/ قال الله -عز وجل- (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) يبتليك الله بالضراء فينظر إلى من ترجع ويبتليك الله بالسراء فينظر ماذا تقول ولذلك الله -عز وجل- ابتلى سليمان النبي الكريم الملك العظيم عندما قال (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) لم يقل سمعتم بأحد يحصل له الذي يحصل عندي! سمعتم بملك من ملوك الأرض يؤتى له بعرش من أقصى الأرض بلمح البصر؟! هذا ما حصل إلا لي وأمثالي، أنا الملك، ليس أحد فوقي، ليس شأن أحد من الخلق شأني، وبدأ يتبجح بما أوتي من الملك، لا، قال (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) لا إله إلا الله! هذا هو حال الأنبياء. وهنا قال (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) يفتن الله بها العباد فكل ما ينزل بك هو فتنة، "تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عوداً عوداً" – وفي رواية: (عوْداً عوْداً) يعني مرة بعد أخرى- أو (عوداً عوداً) أي مثل أعواد الحصير ، أنت  في كل ساعة تبتلى بسراء، ضراء، فتنة، ذنب وأشياء كثيرة ، وينظر إلى حالك مع كل شيء من هذه الأشياء هل أنت في كل الأحوال تستجيب لهدى ربك أو تستجيب لهوى نفسك؟ (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) قالوا إنما أوتينا ما أوتينا من النِعم والملك على علم منا بطرق الوصول إلى تلك الملك والأبهة والمتاع والجاه والمنصب. (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ما أغنى عنهم كسبهم أو الذي كانوا يكسبونه من متاع الدنيا الزائل، هؤلاء عاد الذين لم يخلق مثلهم في البلاد من طول أجسادهم وحسن خلقتهم وقوتهم حتى أن الله قال عنهم حاكياً (من أشد منا قوة) من شدة ما أوتوا من البطش والقوة والجبروت ماذا فعل الله بهم؟!
ثمود ماذا بنوا ؟! ماذا حصّلوا؟! كانوا يقصّون الجبل كما تُقصّ قطعة الجبن، يزخرفونه ويحسنونه ويحفرونه ويدخلون فيه المداخيل والبيوت، بيوتهم بقيت وهم أين هم؟ ذهبوا أهلكهم الله في ليلة لم تبقَ منهم باقية.
قال الله -عز وجل- (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ) أصاب أولئك (سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) أصابهم جزاء تلك السيئات التي كسبوها (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء) أي من أهل مكة يا محمد سيصيبهم سيئات ما كسبوا لأن الله لا يفرق بين الظالم في قوم نوح والظالم في قوم محمد، لا يفرق بينهم، ليس بين العباد وبين الله حسب ولا نسب ولا مصالح مشتركة، كلهم عبيده. (وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ) أي ليسوا بفائتين على الله ولن يعجزوا الله إذا طلبهم.
 (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ) لا تظنوا أن هذا الغنى الذي ينزل بكم وهذا المال الذي يعطيكم الله إياه أنه من عند أنفسكم بل هو من عند الله يبسطه لمن يشاء ويقدره على من يشاء فتنة وابتلاءا واختباراً ، فالذي بسطه له لم يبسطه لأنه يحبه ، والذي قدره عليه لم يقدره لأنه يبغضه ويكرهه بل فتنة ولذلك قال (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ) وفي بعض الآيات ( وَيَقْدِرُ لَه) الله يبسط الرزق لمن يشاء من العباد وقد يضيقه له أي من أجله لأنه لو وسعه عليه لكفر وما شكر. فقضية بسط الرزق وقدر الرزق وتضييقه ليس مرتبطاً بالإيمان بمعنى أن من آمن بُسط له في الرزق ومن كفر ضُيق عليه، لا، قد يبسط الله الرزق للكافر وقد يبسطه للمؤمن ، وقد يضيق الله الرزق على الكافر وقد يضيقه على المؤمن. (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
/ ثم قال الله -عز وجل-  وقد فتح المجال لعباده أن يتوبوا إليه وأن يُنيبوا إليه ويرجعوا فإنه مع شدة بطشه وشدة انتقامه لم يغلق الباب دون عباده بل قال :
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قال ابن مسعود: "هذه أرجى آية في كتاب الله" حيث إن الله قد نادى العباد وأضافهم إليه تشريفاً ، وبيّن أنهم عنما أذنبوا كانوا مسرفين على أنفسهم ونهاهم من القنوط من رحمة الله، وما قال لا تقنطوا من رحمتي بل أضاف الرحمة إليه ليُرجيهم بها ثم لما جاء إلى المغفرة قال (إنّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) فلم يستثنِ منها شيئاً وأكّد ذلك بمؤكّد قال (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ثم لما انتهى من ذلك أكّده مرة أخرى بقوله (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فأكّد الجملة الأخيرة بثلاث مؤكدات: "إنّ" و "هو" ضمير الفصل الذي يدل على التأكيد ، و"الغفور" و"الرحيم" الألف واللام للدلالة على التأكيد. كل ذلك ليفتح لعباده أبواب الرحمة ولئلا يقنطوا من رحمته . فيا من أسرفت على نفسك بالمعصية أقبِل على ربك ، ويا من أذنبت وأكثرت من الذنب وأخطأت وولغت في الخطيئة أقبل على الله فإن الله -عز وجل- يفرح بتوبة عبده ويُقبل عليه بمغفرته ويستر ذنبه ولا يؤاخذه به شيئاً بل إنه من كرمه -جل وعلا- يبدل سيئات العبد حسنات (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ).
هل هذه الآية عامة أو هي في التائبين من أهل التوحيد؟
قولان لأهل العلم وسبب النزول يدل على أنها عامة وسياق الآيات يدل على عمومها بمعنى أنها مفتوحة لكل مؤمن وكافر وبر وفاجر ولكل أحد من عباد الله لأنها جاءت بعد ذكر (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فالله يقول هذا عذابي فخافوا مني وأقبلوا عليّ ، لا تقنطوا من رحمتي فسياق الآيات يدل على هذا المعنى إضافة إلى قوله (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) وهذا هو الذي ذُكِر في أول السورة (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) 
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) فالسياق كما قال بعض العلماء يدلّ على أن الآية عامة وهذا هو الأقرب والأرجى أن يقال للناس جميعاً أقبِلوا على ربكم ولا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً فكل من أقبل على الله وتاب إليه تاب الله عليه وأما إن كان المقصود إن الله يغفر الذنوب جميعاً في الآخرة فلا، فعندنا من الآيات ما يقيّد ذلك وهو قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) فالذنب الذي لا يغفره الله ولا يقبل من أحد أن يقدم به على الله في الآخرة هو الشرك فإن تاب منه في الدنيا تاب الله عليه كما تاب على كثير من أو كل أصحاب رسول الله الذين كانوا في الجاهلية من المشركين.
/ قال الله (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) إرجعوا إلى ربكم (وَأَسْلِمُوا لَهُ) استسلموا له وانقادوا له وأقبلوا عليه بالطاعة لأن حقيقة العبودية هي الاستسلام التام لله، لاحظ نفسك هل أنت مستسلم لله أو لا؟ لأن بعض الناس يقول أنا مسلم ، تقول له الله يأمرك بهذا يقول هذا صعب ، الله يأمرك بهذا يقول هذه مشكلة والوقت والناس لا يريدون هذ الشيء ويستمر في الاعتراض على أوامر الله شيئاً فشيئاً حتى لا يكون من عبيد الله حقاً. فانتبه هل أنت مسلم إسلاماً حقيقياً لله منقاد لطاعته ، وإذا وقعت في ذنب أو معصية بادرت إلى التوبة وخشيت من ربك . قال الله (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) لا تجدون أحداً ينصركم من عذاب الله ، (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) كونوا متبعين لما أنزله الله إليكم من كلامه (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً) بغتة أي فجأة من غير مقدّمات ومن غير علامات بغتة يؤخذ الناس على حين غرة كما قال الله -عز وجل- (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
 قال (أَن تَقُولَ نَفْسٌ) أي لئلا تقول نفس (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) أي دعاكم الله وذكّركم وخوّفكم رغبكم وخوفكم وفتح لكم باب التوبة ، وفتح لكم باب الأمل والرجاء من أجل ألاّ تقول نفس  (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) على ما فرطت في حق الله -جل وعلا- وإن كنت في الدنيا لمن الساخرين (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي) أي لأجل ألاّ تقول هذه النفس (لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي) قد هداك الله ودلّك ووضع الحجة بين يديك ورغّبك وأبان لك الطرق وأوضح لك المحجّة فماذا ستقول؟ إنتبه. (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) يعني لو هداني الله في الدنيا ودلني على هذا الطريق لكنت من المتقين. (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يعني لو أعادني الله إلى الدنيا وسلّمني من هذا العذاب لكنت إذا عدت من المحسنين في أعمالهم وفي معاملتهم لربهم قال الله عز وجل- في سورة الأنعام (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) الذي لم ينجح في المرة الأولى سيستمر لأن الأعذار باقية والنفوس هي النفوس ما تتغير, ولذلك تلاحظون في الدنيا شاب يرسب في الامتحان يقول لو يعطوني يوم زيادة أراجع وأصلّح فيُعطى سنة زيادة ويعود لما كان عليه لأنه نفس الحجج تتكرر معه والتسويف واتباع الهوى الخ.
 قال الله -عز وجل- (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي) التي أنزلتها على رسولي (فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ) فما قابلتها بشيء إلا بالتكذيب كذّبت بها واستكبرت، تعاليت عن الإيمان بها. ولاحظوا هنا عندما يقول (اسْتَكْبَرْتَ) ليبيّن لك أن من أعظم أسباب وقوع الناس في الكفر والتكذيب ليس هو عدم وضوح الحق أو خفاء الأدلة أو التباس الحق بالباطل، لا، وإنما هو الكبر والحسد والطمع، إتباع الآباء والأسلاف، الخوف من الواقع، الخوف من المجتمع أشياء تصد الإنسان عن اتباع الحق مع علمه بالحق. كثير من اليهود والنصارى يعلمون أن دين الإسلام هو الحق وما يصدهم عن ذلك إلا احتقار المسلمين ، أو الاستكبار عن أن يتركوا ما هم عليه فيذهبوا إلى شيخ من شيوخ المسلمين قد يكون أقل منهم رتبة أو منصباً أو مالاً أو عرقاً فيكونون متعلّمين عنده ، وهذا رأيناه ، أو تجد أن له مالاً كثيراً عند النصارى وهذه قالها لنا عدد من النصارى قالوا نحن مستعدون أن نسلِم ونعلم أن الإسلام هو الحق لكن من يعطينا مثل ما يعطينا النصارى؟ هؤلاء يعطوننا سيارات ومرتّبات وبيوت وأسفار ومناصب كثيرة ، هذه ما نستطيع أن نتركها إذا أمّنتم لنا شيئاً منها في الإسلام تركنا ما نحن عليه. فالذي يصده عن اتباع الحق ليس هو خفاء الحق ولا الجهل به ولكن موانع كثيرة من الكِبر ،إيثار الدنيا، الهوى، إتباع الآباء وتقليدهم، حفظ المناصب، عدم تغيير العادات، عدم الخروج عن البيئة وضغطها أو المجتمع وما يريد.
 قال الله -عز وجل- (بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) كان أعظم أسباب وقوعك في الكفر تكذيبك واستكبارك واستنكافك عن طاعة الله وعن الانقياد لما جاء في كتاب الله .
قال الله -جل وعلا- (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ) في يوم القيامة أعظم علامة يعرف بها هؤلاء المكذبون سواد وجوههم وإنما ذُكر لون الوجه لأنه في الدنيا يُعرف بوجه الإنسان ما هو عليه من إيمان وكفر ، ومن حبور وسعادة ، من فرح وحزن وهؤلاء كانوا في الدنيا من أصحاب الوجوه الناعمة النضرة فالله يقلبها في الدار الآخرة سوداء مظلمة (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.
وتلاحظون في هذه السورة ذُكِر عذاب الوجوه أكثر من مرة قال (أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وقال هنا (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ) فوجوههم مسودة ويتقون بهذه الوجوه العذاب وهذا من أعظم ما يكون من النكال بهم، هذه الوجوه التي كانوا يعظمونها ويحترمونها ويأنفون أن يسجدوا بها لله يعذبها الله ويجعلها هي الوقاية من العذاب لباقي البدن فالإنسان ما يجد شيئاً يتقي به النار إلا الوجه -نسأل الله العافية- الذي كان يُوقى من أدنى شيء يصيبه.
وقد ذكر الله الوجوه في القرآن في مواطن كثيرة للدلالة على النعيم وخلافه:
 قال في سورة عبس (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) والعبوس بالوجه ولذلك ختم السورة بذكر الوجوه فقال (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴿٣٣﴾ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿٣٧﴾ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨﴾ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴿٣٩﴾) نسأل الله أن يجعل وجوهنا كذلك. (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴿٤٠﴾ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) ظلمة (أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) الكفرة في قلوبهم ، الفجرة في أعمالهم ، لأن الفجور في العمل والكفر في القلوب.
 وقال (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ) لمّا أراد أن يعبِّر عن مدى النعيم الذي يصيبهم قال (وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ثم قال (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) تعلوهم ذلّة تُعرَف على وجوههم (مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) سبحان الله! (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) لا إله إلا الله! من شدة السواد كأنما قُلِبوا، أرايت سواد الليل كأنما فُصِّل فقُطِع على وجوههم من شدة السواد الذي يكون عليهم، لا إله إلا الله!.
 إذا عندما يذكر الوجوه لأنها أعظم علامة يستدل بها على حال الإنسان.
 وقال في سورة الغاشية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ) الوجوه نفسها ناعمة، دعك من اللون، نعومة الوجه يدل على النضرة والحبور والسرور .
قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) ترى نضرة النعيم في الوجوه، وهذا نراه في الدنيا نرى بعض الناس -ماشاء الله- إذا رأيت وجهه عرفت من وجهه أنه لا يأكل إلا أطيب الطعام زلا ينام إلا في أحسن الغرف ولا يعامل بدنه إلا بأحسن معاملة مما أوتي من الترف والرفاهية والنعمة.
/ قال الله -عز وجل- (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) بلى والله إن في جهنم لمثوى عظيماً ومقرّاً ومستقراً لهؤلاء الذين يتكبرون فلا يتبعون أحسن ما أُنزل إليهم ، ولا يرجعون إلى الله فيتوبون إليه ، ويقبلون دعوته ولا يتّبعون هذا النبي الذي جاء بهذا الحق ، ولا يقبلون هذا التوحيد الذي جاءت به هذه السورة. (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ينجي الله الذين اتقوا بفوزهم، فوزهم بسبب أعمالهم وبسبب توحيدهم وقبولهم لما أنزله الله عليهم. (لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي لا يقربهم وعبّر عن المسّ لأنه أول مراحل الإصابة فإذا كان لا يمسُّهم فهو لا يُصيبهم ولا يؤذيهم ولا يدنو منهم (لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) لا يصيبهم شيء من الحَزَن ولذلك من دعاء المؤمنين في الجنة ومن حمدهم لله أنهم يقولون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) فأنت أيها المؤمن ستذوق الحَزَن في الدنيا الحزن على أمور كثيرة على ظلم الكفار لك وعلى بغيهم في حقك وعلى تنقصهم لقدرك وعلى كثر العقبات التي تحول بينك وبين تحقيق ما تريد وعلى كثير من البلايا والأمور لكن في الآخرة سيذهب منك هذا الحزن تماما ، كما أن الغلّ الذي كان لنا نصيب منه في الدنيا سيُنزع منا تماماً (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ).
أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يجعلني وإياكم جميعاً ممن تابوا إلى الله وأنابوا وأسلموا له وأخلصوا دينهم كله لله وأسأله بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم من أهل النعمة والحبور والسرور في جنات عدن وأن يجمعنا بدار الكرامة ودار النعيم على سرر متقابلين وصلى الله وسلم وبرك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لحفظ المقطع الصوتي :





_________________________________________
 مصدر التفريغ (بتصرف يسير) :
 http://www.tafsir.net/vb/forum32/thread28329-4.html#ixzz2RB4tSo7L

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق