الأحد، 8 سبتمبر 2024

تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس/ المحاضرة التاسعة

قوله تعالى: (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) الاعتزال هو: التباعد عن مخالطة الشيء، يعني التباعد عن المخالطة. فالمراد بالاعتزال هنا في قوله (وإذا اعتزلتموهم) في دينهم وفي عقيدتهم، فأنتم ابتعدتم عن دينهم وعن عقيدتهم وما يعبدون، يعني أنتم اعتزلتموهم وما يعبدونهم.
■ وفي قوله تعالى (إلا الله) (إلا) هاهنا أداة استثناء، والاستثناء هنا قد يكون منقطعا، وقد يكون متصلا.  
●ما معنى الاستثناء المنقطع؟ وما دلالته؟
●وما معنى الاستثناء المتصل؟ وما دلالته؟
■ فإذا كان استثناء متصلا فمعنى ذلك أن المستثنى من جنس المستثنى منه وهذا لا يكون إلا على معنى أنهم كانوا يعرفون الله ويوحدونه إلا أنهم كانوا يشركون به شيئا، فيكون هنا الاستثناء متصل والمعنى: وإذ اعتزلتموهم وكل ما يعبدونه إلا عبادتهم لله جل وعلا. يعني إذا كانوا هم يعرفون الله ويعبدونه إلا أنهم كانوا يشركون به فيكون المستثنى متصلا ويكون المعنى: وإذ اعتزلتموهم وكل ما يعبدونهم إلا عبادتهم لله تبارك وتعالى، لم تعتزلوهم في عبادتهم لله تبارك وتعالى.
■ ويكون استثناءا منقطعا بمعنى أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه. فيكون المعنى: وإذ اعتزلتموهم وكل ما يعبدون ثم أتى الاستثناء بـ (إلا) فتكون (إلا) بمعنى (غير) أي غير الله "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون غير الله تبارك وتعالى" فكان اعتزالكم لما يعبدونه السبب الرئيسي فيه أنهم يعبدون غير الله. (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) إذا كانوا يعرفون الله فيكون المعنى إلا عبادتهم لله، وربما يكونون لا يعرفون الله تبارك وتعالى وإنما هم أهل وثنية فإنه بذلك يكون المستثنى منقطعا وتكون (إلا) بمعنى (غير) "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون غير الله" إذا سبب اعتزالهم لهم أنهم وجدوهم يعبدون غير الله. هذا معنى (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون)، (إلا الله) إما استثناء متصل وإما استثناء منقطع.
قوله تعالى: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته) 
● (فأووا) أمر بالإيواء. 
● (إلى الكهف) (أل) في كلمة الكهف يحتمل أن تكون للعهد فيكون المراد: فأووا إلى الكهف المعهود الذي كنتم تلجؤون إليه لعبادة الله فيه. قيل إنهم كانوا يذهبون إليه ليعبدوا الله وحده تبارك وتعالى في هذا الكهف، فإذا قوله (فأووا إلى الكهف) أي إلى الكهف المعهود الذي تعرفونه.
● وقيل إن (أل) تعريفية فإذا كانت تعريفية فأووا إلى كهف من الكهوف، يعني كهف ليس معهودا عندهم إنما تخيروا كهفا وأووا إليه.

■ فإذا أويتم إلى الكهف (ينشر لكم ربكم من رحمته) 
قوله تعالى (ينشر) نشر الرحمة معناه: أن الله تبارك وتعالى ينشر رحمته على أجسادكم كلها فتشملكم رحمة الله تبارك وتعالى في كل شيء. وهذا وعد من الله تبارك وتعالى لهم بأنهم إذا أخذوا بالأسباب وهو الإيواء إلى الكهف ينشر لهم ربهم من رحمته.
(ينشر) هذا الفعل جُزم جوابا للطلب (فأووا) فهو مجزوم لأنهم أووا إلى الكهف ثقة ويقينا، ثقة في وعد الله، ويقينا في وعد الله جل وعلا، فالله وعدهم بأنهم إذا أخذوا بالأسباب ينشر لهم ربهم من رحمته، ونشر الرحمة تشمل جميع أجزاء الجسد وما يتعلق به. ومن رحمة الله تبارك وتعالى معناها أن رحمة الله ستشملهم تأكيدا. هذا معنى (ينشر لكم ربكم من رحمته).
 تنبيه: في قوله (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته) من المُخاطِب؟ من الذي قال لهم (وإذ اعتزلتموهم)؟ هذا الخطاب فيما بينهم وبين بعضهم، يعني البعض منهم قال للبعض منهم أنكم اعتزلتموهم وما يعبدون غير الله، أو وما يعبدون إلا عبادتهم لله، كما قلت على القولين.  
ثم قوله (ينشر لكم) كان جزم الفعل (ينشر) جوابا للطلب على اعتبار أنه ثقة ويقينا في الله تبارك وتعالى، ورجاء في تحقيق وعد الله تبارك وتعالى. إذا عرفنا أن المُخاطِب هم البعض منهم والمُخاطَب هم البعض الآخر. إذا عبادة الله تبارك وتعالى تتطلب اعتزالا عن الأجواء التي لا تعين على الطاعة. اعتزال وابتعاد عن مخالطة الجو الذي يبعد عن طاعة الله تبارك وتعالى. فهذا لابد منه إذا أردت أن تحقق الخضوع والانقياد. إذا هذا هو الدرس الذي نستفيده أنهم اعتزلوا هؤلاء الناس واعتزلوا ما يعبدونه إلا الله أي غير الله إذا كانوا لا يعرفون الله، أو إلا عبادتهم لله على اعتبار أنهم كانوا يعرفونه لكنهم يشركون به.
 ثم بعد ذلك قولهم (فأووا إلى الكهف) هذا يعطينا دلالة أخرى، الاعتزال الأول: اعتزال في الدين والعقيدة، يعني هناك من يعبد الله تبارك وتعالى بعقيدة فاسدة، وهناك من يعبد الله ببدع فاسدة وأنت أخذت بالأسباب لكي تصحح من وضعهم فلم يستجيبوا فما عليك إلا أن تعتزلهم وألا تشاركهم في دينهم، أو في عقيدتهم خلاص. لكن قوله (فأووا إلى الكهف) الأمر بالإيواء يعطينا دلالة أخرى وهي: أنكم تعتزلوهم فتفارقوهم بأجسادكم، وتفارقوهم بعيدا عن أماكنهم، إذا اعتزال في المكان وبالأجساد.  إذا المرحلة الأولى: اعتزال فيما يفعلون وهم يعبدون الله على غير دين صحيح. هذا اعتزال في الدين وفي العقيدة. (فأووا إلى الكهف) مفارقة مكانية، بعيدا عن المكان الذي يوجدون فيه، فإذا فعلتم ذلك هذا من باب الأخذ بالأسباب، فإذا أخذتم بالأسباب (ينشر  لكم ربكم من رحمته).
و(ينشر) يعني يغطي  جميع أجزاء جسدكم وجميع أجزاء المكان الذي ستعيشون فيه.

■ قوله تعالى : (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا) لماذا تهيئة المرفق هنا بالذات؟
يعني هم هناك في توجههم إلى الله بالدعاء قالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) إنما هم هنا يقولون لبعضهم البعض (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) والقراءة الأخرى (ويهيئ لكم من أمركم مَرفِقا)
(مِرفَقا) و(مَرفِقا) الفرق بين المِرفَق والمَرفِق: 
(المِرفَق) للدلالة على كل ما يُرتفَقُ به، يُرتفَقُ به يعني: ينتفع به. فالمِرفَق المراد به آلة الارتفاق ومنه مِرفَق الإنسان، مرفق الإنسان هو في ذراعه عندما يحتاج أن يرتفِق عليه يعني يتكئ عليه فيجده موجودا فهو يرتفِق على هذه الآلة. وقد تكون آلة الارتِفَاق التي يحتاج لها الإنسان تشبه هذا المرفق، لكنه ليس هو المراد بذاته إنما هي آلة ارتفاق، يعني آلة حاجة تعينه على الحياة، يعني منها مرافِق البيت، مَرافِق البيت تعين وتساعد على الحياة، مرافق البيت - أكرمكم الله- مثلا: المطبخ، الحمام، الأمور التي يرتَفِق عليها الإنسان في حياته وفي معيشته، هذه اسمها آلات الارتفاق.
المَرفِق: اسم مكان، واسم المكان يدل هاهنا أن الله جل وعلا يهيئ لكم مكانا صالحا للارتفاق فيه بما يساعدكم على البقاء، بما يساعدكم على الحياة. إذا (المِرفَق) آلات الارتِفاق ، و(المَرفِق) المكان الذي تستريحون فيه وتجدون فيه كل ما تحتاجونه في حياتكم.
ولذلك انظروا وتأملوا هل هناك إنسان يعيش في مكان - يعني برهة من الزمن صغرت أو كبرت - دون أن تكون هناك مرافِق يستطيع أن يعيش بها وتعينه على حياته؟ إطلاقا.. فكان مما هيأ الله لهم من أمرهم مِرفَقا ومَرفِقا أن ضرب على آذانهم فناموا طول هذه المدة، لو لم يناموا هذه المدة أما كانوا يحتاجون إلى ما يرتفِقون به، وما يَرتفِقون عليه؟ ولذلك الله تبارك وتعالى يخبرنا أنهم أول ما بُعثوا تساءلوا فيما بينهم ثم بدأوا يفكرون في الارتفاق. أول الارتفاق يريدون طعاما لكي يقيمون به حياتهم (فقالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) إذن من تهيئة المِرفَق لهم أن ضرب الله على آذانهم وأنامهم.

ولذلك إذا أراد الله تيسير أمرك لا تسأل كيف، لا تقل كيف سيكون هذا. الله تبارك وتعالى يوقف أنظمة معمول بها في المجتمع لأجل أن تنفُذ مشيئته في عباده. وأنتم ترون ما يحدث للعالم كله في هذه الأيام، عندما أراد الله جل وعلا أن يدلل على أنه وحده يملك هذا المُلك، ويملك إدارة هذا الكون هل أتى بدبابات وصواريخ وآلات ثقيلة يهدد بها المكذبين؟ إطلاقا.. وإنما أرسل هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة. طيب إذا كان الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة فما باله لحق بالمجتمع المؤمن؟ لحق بالمجتمع المؤمن ابتلاءا ليُمحصهم الله تبارك وتعالى، تمحيصا للعباد فيُقر المقرون بقدرة الله جل وعلا، ويُقر المنكرون سابقا إذا أقروا بذلك لله تبارك وتعالى، أو ليبقى كل واحد منهم على إنكاره. 
إذا (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و (مَرفِقا) ما تحتاجونه من أدوات تساعدكم على الحياة يهيئها الله لكم.
هم في الكهف، والكهف مكان في داخل الجبل فماذا سيفعلون؟ وكيف سيتصرفون؟ ومن أين يأتون بطعامهم؟ ومن الذي سيأتيهم بالطعام؟ الحياة وممارسة الحياة تحتاج إلى ذلك، فمن تهيئة المرفق أن ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا، أنامهم حتى لا يحتاجون هذه المرافق ولكي يصدُق قول الله تعالى (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و(مَرفِقا)، (مِرفَقا) آلة الارتفاق ذاتها، أدوات الارتفاق. والمَرفِق المكان الذي ترتفقون فيه. إذا آلة ارتِفاق ومكان ارتفاق.  وهذا أيضا من بلاغة القراءات أن لكل قراءة دلالة في المعنى. هذا معنى (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و (ويهيئ لكم من أمركم مَرفِقا)
حسنا.. عندما أمرهم الله تبارك وتعالى بأن يأووا إلى الكهف، أن يعتزلوا هؤلاء الناس الذين يعبدون غير الله حتى لا يُفسدوا عليهم دينهم هل أمرهم أن يفروا إلى مكان أوسع ومكان فيه خدمات أفضل وخدمات أقوى وأماكن مكيفة، وأماكن فيها الخدم وفيها من يخدمهم، ومن ..الخ ؟ أبدا .. أمرهم أن يدخلوا كهفا في عمق الجبل. طيب الذين يدخلون الكهف في عمق الجبل، هؤلاء ألا يفكرون كيف نعيش الحياة؟هم لم يفكروا في ذلك ثقة ويقينا في الله أن الله قال (ويهيئ لكم من أمركم مِرفَقا) و(مَرفِقا) خلاص الثقة واليقين في الله جعلتهم يوقنون بهذا الشيء. الله تبارك وتعالى يرينا أنهم ذهبوا إلى هذا المكان الضيق في الأصل لكن الله تبارك وتعالى وسعّه عليهم قولا وفعلا حين أنامهم.
النائم ينام ولا يدري أين ينام، فهو يعني من الإيمان الذي وقر في قلبه يظن أنه ينام في فيلا، وفيلا مكيفة وقصور وخدم. فأنامهم الله تبارك وتعالى وهذا من تهيئة المِرفَق والمَرفِق لهم. ومن تهيئة المِرفَق والمَرفِق أيضا أنك ترى الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه.

■ في قوله (وترى الشمس) الخطاب لكل من يصلح للخطاب. وبالتأكيد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بداية لكنه لكل من عنده الأهلية لهذا الخطاب. وبالطبع (وترى الشمس) ما في أحد سيرى هذا لأن هذا الأمر من سنين عدد لكن الله تبارك وتعالى ينقل الصورة أمامنا وكأنها حاصلة الآن، يعني رب العباد ينقل الصورة وكأنها أمام أعيننا الآن استحضارا لهذه الصورة أمام عينيك.
(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه) الله تبارك وتعالى جعل الشمس لا تُسلط عليهم لا عند طلوعها ولا عند غروبها مع أن الشمس تطلع وتدخل هذا الكهف وتبقى فيه في الأصل مدة طويلة إلا أن الله تبارك وتعالى أراد أن يشير إلى أنه حفظ لهم أجسادهم وحفظ لهم حياتهم.

( إذا طلعت تزَاورُ)، وقراءة أخرى (إذا طلعت تزّاوَر)، وقراءة ثالثة (إذا طلعت تزوَرُّ) عندي ثلاث قراءات: 
● (إذا طلعت تزَاورُ) أي جعل الشمس عند بداية طلوعها تميل عن الكهف بشكل هادي (تزاور) يعني تميل وتبتعد بهدوء وليس دفعة واحدة، إذا (تزاور) تميل وتبتعد بهدوء لأنها طلعت لا حرارة فيها قوية فكأنها تَزاوَرُ يعني تميل بهدوء حتى لا تصيب أجسادهم.  
● وقراءة (تزّاورُ) بالتشديد أي تميل وتبتعد بشكل أكثر من تَزاوَر، كأن الله تبارك وتعالى يشير إلى التدرج، أن الشمس بدأت تميل بهدوء في أول طلوعها ثم مالت بشدة أكثر من الأول، حتى لا تصيب أجسادهم. 
● وقراءة (تزوَرُ) أي تميل عن الكهف بسرعة. 
يعني إذاً بدأت تميل بهدوء ثم بشدة ثم بسرعة أو بقوة، يعني تميل بهدوء وبقوة وبسرعة حتى لا تصيب أجسادهم التي أراد الله أن يحفظها لهم. من الذي يقدر على ذلك؟ إنه الله تبارك وتعالى. هل جعل الشمس لا تشرق على هذا الكهف بالذات؟ أبدا.. الشمس تشرق لكنها لا تُسلط على هذا الكهف ولا على من فيه وإنما تميل بسرعة وتنحدر عنهم. 
ولذلك لو أن أحدكم أكرمه الله وأدى فريضة الحج في موسم الصيف ويوم الوقوف بعرفة كان يجلس في خيمة لا فيها تكييف ولا فيها شيء. عندما كانت تشرق الشمس كان البعض من آبائنا وأمهاتنا الكبار لا حل لنا إلا أن نأتي بأكياس ثلج ونضعها على وجوههم وأيديهم، يعني كل حاجّ يمسك بيديه كيس مملوء بالثلج يضعه على وجهه أحيانا ويحاول أن يضع يده على الكيس حتى يشعر باللطف في الجو. فالله تبارك وتعالى حفظ على هؤلاء ألا تشتد الشمس عليهم وإنما تزَاور فتزّاور فتزوَرُ. أرأيتم القراءات الثلاثة وكيف أفادت معنى تدريجيا أراده الله تبارك وتعالى. 
● (تزَاوَر) ليست من التزاور، إنما أُخذ منها القول الزور، القول الزور هو: الميل عن الحق إلى الباطل. ففيها معنى الميل. هذا معنى (وترى الشمس إذا طلعت (تزَاوَرُ) و(تزّاوَرُ) و(تزوَرُّ).
 أريد أن ألفت نظركم إلى أن الله تبارك وتعالى أسند الازورار والقرض إلى الشمس. هل الشمس تملك أن تزوَرّ أو تقرض عن أحد أو على أحد؟ هي لا تملك لكن الله تبارك وتعالى أسند لها هذه الأفعال ليقول لك إنها تزوَرُّ وتقرض عنهم بقدرة الله تبارك وتعالى وبأمر الله لها فهي تفعل ذلك دون فعل فاعل. وأنا قلت لكم إن الله تبارك وتعالى يبين كمال قدرته في أنه يجعل الشيء يُفعل به ما يُفعل دون فعل فاعل كما قلت في (ويوم تشقق السماء) وأيضا (إذا السماء انشقت) هي التي انشقت بذاتها ما في أحد يشققها، (إذا السماء انفطرت) (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت) يعني بذاتها ما في أحد عطلها. فسبحان الله رب العالمين عندما يريد شيئا يقول له كن فيكون.

■ قوله تعالى: (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) ما معنى (تقرضهم)؟ 
القرض من القطع والانصراف. (تقرضهم) يعني تعدل عنهم وتتركهم، يعني تجاوزهم لأن (القرض) معناه: مَن قرضَ شيئا أي تجاوزه عن شماله بالذات، تجاوز الشيء عن شماله. فهنا لا تقترب منهم الشمس لا في طلوعها ولا في غروبها.  
● والبعض يقول إن القرض بمعنى أنك تعطي غيرك شيئا يحتاج إليه. ومنه القرض الحسن بالمال ، فكأن الشمس تُقرضهم إياه، يعني تبتعد عنهم قرضا لهم، وإقراضا من الله تبارك وتعالى لهم، يعني هم ليس من حقهم ذلك إنما هي قدرة الله تبارك وتعالى. يعني كأن الشمس تُقرضهم كونها لا تدخل عليهم عند الغروب هذا قرض منها لهم فذلك من قدرة الله تبارك وتعالى أن الله تبارك وتعالى ضبط حركة الشمس على هذه الأفعال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إذا (وإذا غربت تقرضهم) يعني لا تقترب منهم تتجاوزهم عن شمالهم بسرعة. يعني عند طلوع الشمس كان التدرج، وعند الغروب كان التجاوز بسرعة دون التدرج. لأن عند الشروق الشمس تبدأ هادئة فتبدأ في الميل والانحراف والبُعد عنهم بحيث تعطيهم قدرا من الشمس لا يضرهم، يعني شروق الشمس في الصباح يعطيهم قدرا لا يضرهم، وعندما تبدأ الشمس في شدة الحرارة تزوَر يعني تميل بسرعة وتتركهم. إنما عند الغروب لا.. عند الغروب الشمس تكون قوية وإذا تدرجت تخف حرارتها فالله تبارك وتعالى جعلها تتجاوزهم بسرعة حتى لا تضرهم. وهذه كما قال الله تعالى (ذلك من آيات الله)، خلاص (من آيات الله) فكون الشمس عند شروقها وعند غروبها يحدث ذلك فذلك من آيات الله.
ونتوقف عند هذا القدر اليوم. ونكمل بحول الله وقوته في لقائنا القادم.

--------------------

https://t.me/tadaborsoratalkah

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق