الأحد، 8 سبتمبر 2024

تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس/ المحاضرة العاشرة

توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
 ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كفهم ذات اليمين) وبينت القراءات الثلاثة في قراءة (تزاوَر) وهي قراءة التخفيف، و(تزّور) قراءة التثقيل، وقلت إن معنى ذلك أن الشمس عند طلوعها كانت تتدرج في البعد عنهم وعدم تسليط أشعتها عليهم فتبدأ بالتزاور، وهو التباعد الخفيف لأنها تكون بداية الاشعة الشمس غير قوية، ثم (تزاور) تبتعد أكثر، (تزور) تبتعد نهائيا. أما عند الغروب فاستعمل (تقرضهم) وتقرضهم: من قرض، وقرض غير أقرض، يعني أقرض وهو القرض الذي يقرضه الإنسان لأخيه الإنسان، والذي يقرضه لله تبارك وتعالى إذا ما تصدق، أما تقرضهم فهو بمعنى القرض أو أي القطع. فمعنى (واذا غربت تقرضهم) اي تقطعهم وتنصرف عنهم بسرعة، يعني قيل: يا دوب الشعاع يمر عليهم لكنه لا يتوقف دقيقة.
 التزاور من الزيارة، والقرض من القطع والانصراف. فكانت الشمس إذا طلعت تطلع على جانب الكهف ولا تخترق أشعتها، وإذا غربت كانت أشعتها أبعد عن الكهف وهذا كما قال الله تعالى (وهم في فجوة منه) أي في متسع من الكهف من الداخل.

■ ثم قال الله تعالى (ذلك من آيات الله) آيات الله التي ذكرها الله في القرآن الكريم إما آيات شرعية وإما آيات كونية.  
●الآيات الشرعية كآيات القرآن الكريم
● والآيات الكونية هو ما يحدثه الله في كونه. ولذلك (ومن آياته أن خلقكم من تراب) هذه آية كونية، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) هذه أيضا آية كونية. 
وآية الله الكونية تظهر فيها قدرة الله تبارك وتعالى، فكل آية من آيات الله الكونية لو فكرنا فيها لأدركنا كمال قدرة الله جل وعلا، فهنا عندما قال الله تعالى (ذلك من آيات الله) من آيات الله الكونية أبقى الله هؤلاء أحياء وأنامهم ثلاث مئة وتسع سنين والأرض لم تأكل أجسادهم ، وهذا كله يدل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى وهي آية كونية. وذِكر الله تبارك وتعالى لهؤلاء في القرآن الكريم يُخلّد ذكرهم، يجعل عباد الله يقرءون قصتهم ويعلمون كمال قدرة الله ويتعلمون منها الدروس والعبر، فهي آية من آيات الله كما ذكر الله تبارك وتعالى. ومعنى أنها آية كونية أي أن ما في داخل هذه الآية أمور لا يملكها البشر ولا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى. لا يمكن يقدر على ذلك إلا رب العباد وتلك من آيات الله الكونية في كل الآيات التي نراها.

■ ثم قال بعد ذلك (من يهدي الله فهو المهتد) ما علاقة هذه الجملة بالقصة أو بما قبلها في سياق الآية؟
نعلم أن الله تبارك وتعالى أرسل للناس أسباب هداية الدلالة والإرشاد وبيّن أن من يأخذ بهذه الدلالة وهي هداية الدلالة والإرشاد، الله وحده هو الذي يوفقه لهداية التوفيق والمعونة.
 لو تأملنا أصحاب الكهف هنا أخذوا بالأسباب، وبأسباب هداية الدلالة والإرشاد عمليا أم لا؟ 
أخذوا بأسباب هداية الدلالة والإرشاد عمليا فكانت منّة الله عليهم بأن وفقهم لهداية التوفيق والمعونة. إذا الذي يهديه الله تبارك وتعالى فهو المهتدي. طيب ومن لم يهديه الله تبارك وتعالى؟ وإذا قلنا كذلك فما ذنب الذي لم يهده الله تبارك وتعالى؟ ما ذنبه؟
الله يهدي من يشاء لكن بشرط أن يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، من لم يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد فلا يلومن إلا نفسه لأن هداية الله تبارك وتعالى التي هي بمعنى التوفيق لا يوفق الله لها إلا من أخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد. أنا أصّلت لهذه القضية سابقا ولا بد أن نعلمها: 
ما في علم الله الذي قدره جل وعلا هذا أمر لم يُطلع الله عليه أحدا من البشر، يعني هل هناك أحد من البشر يعلم أنه سيكون من المهتدين أم من غير المهتدين؟ بالطبع لا يعلم. هل منع الله هداية الدلالة والإرشاد عن أحد من البشر أم أن الرسل أرسلوا الى الناس عامة؟ (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) والنبي صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين والمرسلين بلغ للناس عامة، هل كان يبلغ لفئة دون فئة؟ أبدا، بلغ الجميع لكن العباد منهم من أخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، ومنهم من أعرض عن هداية الدلالة والإرشاد، فطالما أنه أعرض فهو بالتالي لم يوفق لهداية التوفيق والمعونة.
يعني لما نقرأ في قصة أصحاب القرية التي في سورة ياسين، أصحاب القرية الله تبارك وتعالى أرسل إليهم رسولين إثنين فكذبوهما فعزز الله الإثنين بثالث وكذبوا الثالث أيضا، والرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، ولذلك موضع سورة ياسين بالذات أخّر الله فيه كلمة الرجل التي هي في الأصل فاعل يعني (وجاء من أقصى المدينة رجل) كلمة رجل فاعل للفعل جاء، والفاعل حق الفاعل أن يلي الفعل مباشر، يعني حق الفاعل أن يكون بعد الفعل فلا يؤخرإلا لسبب، إلا لدلالة في المعنى. ولذلك لم يؤخر الفاعل في سورة القصص في قصة موسى عليه السلام قال (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) طيب هنا جاء يسعى، وهناك جاء يسعى. هناك لم يتأخر الفاعل، وهنا تأخر الفاعل، إذا تأخر الفاعل هنا لعلة لابد أن نعرفها. فلِم تأخر الفاعل في موضع القصص (وجاء رجل) وجاء في موضعه؟ لأن المراد هناك من ذكر مجيء هذا الرجل إبراز رجولة الرجل، لأن من الرجولة إبعاد الأذى عن أخيك، يعني تقديم رجل في موضع سورة القصص يعطينا درسا مهما جدا وهو: أن رجولة الرجل تجعله يسعى لإبعاد الأذى عن إخوانه، فما بالنا بمن يسعى لإلحاق الأذى بإخوانه؟ يعني أصبح هناك من يسعى لإلحاق الأذى، إذا رجولة الرجل لأنه جاء يسعى (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) ثم وجه له أمرا صريحا، أنظروا إلى رغبته في إبعاد الأذى (فاخرج إني لك من الناصحين). لكن في قصة أصحاب القرية المراد والدلالة أن الله جل وعلا أخر الفاعل وهو كلمة رجل ليقدم عليه (من أقصى المدينة يسعى) وهو المتعلق بالرجل ليشير إلى أن هذا الرجل جاء من مكان بعيد. ما معنى جاء من مكان بعيد؟ يعني أنه لم يلتقِ بالرسل لكنه سمع بهم، الذين التقوا بالرسل وحاوروا الرسل هل آمنوا؟ لم يؤمنوا. والرجل الذي بمجرد سماعه بهم هذا الرجل اخذ بأسباب هداية الدلالة، فلما أخذ بأسباب هداية الدلالة وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة. إذا (وجاء من أقصى المدينة رجل) لماذا تأخر الفاعل هنا؟ إشارة إلى أن المكان الذي جاء منه مكان بعيد، بُعد المكان، اهتمامه بالدعوة كأن الدعوة إلى الله لا تتطلب قربا، ولا تتطلب قربا من رسل الله، هذا الرجل لم يلتق بالرسل والذين التقوا بالرسل لم يؤمنوا وجادلوهم وقالوا إنا تطيرنا بكم.
فهنا (من يهدي الله فهو المهتد) علاقتها تبين لنا أنك إن أخذت بأسباب هداية الدلالة وفقك الله لهداية التوفيق والمعونة وهداك الله تبارك وتعالى فتدخل في (من يهدي الله) إذا أنت الذي تأخذ بالأسباب، انت الذي تأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد.
قضية البحث عن مخرج للتنصل من المسؤولية هذه قضية قائمة الناس يلجؤون لها، يعني بعض الناس يقول لك لو أن الله قدر لي الهداية أما كنت اهتديت؟ ماذا تقول له؟ وهل أنت علمت قدر الله فيك فمن أجل ذلك لم تهتدي ولم تأخذ بأسباب هداية الدلالة؟ يعني هناك هداية الدلالة هل أنت أخذت بها؟ وهل اطلعت في علم الله أنك من الضالين؟ أنك ممن لن يهتدوا؟ أنت لا تعلم، فكان عليك أن تأخذ بأسباب هداية الدلالة حتى يوفقك الله لهداية التوفيق والمعونة.
إذا علاقة (من يهد الله فهو المهتد) علاقتها هنا: بعد أن ذكر الله باسم الإشارة (ذلك من آيات الله) أن هؤلاء أصحاب الكهف أخذوا بالأسباب وبأسباب هداية الدلالة عمليا، فلما أخذوا بأسباب هداية الدلالة عمليا بعد ذلك وفقهم الله لهداية التوفيق والمعونة. 

أسباب هداية الدلالة: 
● أولها: الإيمان اليقيني بأن ما جاء به رسل الله هو وحي من الله ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين. هذه أول خطوة في هداية التوفيق والدلالة.
بعد ذلك تبدأ في تنفيذ ما جاء به  رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر تتبعها، نواهي تجتنبها.
هل أنت تملك أن توفق نفسك لهداية التوفيق؟ أنت لا تملك، لكن تملك أن تأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد، وبعد ذلك يوفقك الله لهداية التوفيق والمعونة. ولذلك لو تناقشتم مع بعض الناس الذين عاشوا فترة من الزمن وهم بعيدون عن الله، يعني كانوا في فترة من الزمن مجرد مسلم بالبطاقة هل جاءته هداية التوفيق هكذا نزلت عليه من السماء أم هو يبدأ يستيقظ ويبدأ يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد أولا. يعني بداية الطريق أنه يبدأ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد. منها مثلا - وخاصة إذا كان هو في الأصل مؤمن - منها مرافقة أهل الطاعة ومرافقة أهل الصلاح  - وستأتينا الآن بعد قليل - يعني إذا قلنا إنه كان في إهمال كبير لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الخطوة الأولى أن يلغي هذا الإهمال من حياته ويبدأ في الأخذ بالأسباب، ثم يبدأ بأن يهجر أصدقاء السوء وينبغي عليه أن يرافق الصالحين والصحبة الصالحة. 
وتكلمت سابقا عن دوركم أنتم  وكل من وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة، وأنا قلت إن تبارك وتعالى جعل أسباب النجاة من الخسران التي في سورة العصر التواصي بالحق والتواصي بالصبر. وأسباب النجاة من الخسران أربعة، معنى ذلك أن نصف أسباب النجاة من الخسران نصفها في نقل الخير للغير، في أنك تأخذ بيد الغير والدعوة العملية التي تكلمنا فيها، هناك دعوة عملية وهي أن ترافق هذا الإنسان الذي مال قلبه إلى الخير، ترافقه يا فلان أو يا فلانة تعال معي عندنا محاضرة الليلة، تعال راجع لي جزئين من القرآن، تعال سمّع لي هذا الجزء من القرآن. يعني لا تأخذه من البداية وتقول له تعال أعلمك وتقرأ عليا وأحفظك القرآن، خذه تدرج معه بحيث تقول له تعالى اسمع مني، أنا أريد أن أتعلم منك وبحسب نفسيته تتصرف.

▪︎ (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) الله يضلل من يشاء من عباده، فإذا كان يضلل من يشاء فما ذنب الذين أضلهم؟ 
لا.. نحن نأتي بالقضية من بدايتها وهو أرسل الرسل وأنزل الكتب، وهداية الدلالة هداية عامة لجميع الناس لكن هؤلاء لم يأخذوا بأسباب هداية الدلالة، وطالما لم يأخذوا بأسباب هداية الدلالة فهم ضلوا، وطالما أنهم ضلوا، وحتى لا يظنوا أنهم هم الذين تجرؤوا على الله وضلوا الله يقول لهم لا.. أنتم ترغبون في ذلك فالله تبارك وتعالى وجد منكم أنكم لم ترغبوا في هذه الدلالة وهذا الإرشاد فأنتم الآن الله تبارك وتعالى يُضلكم حتى تعلموا أن الله جل وعلا هو الفعّال لما يريد.
▪︎حذف الياء في كلمة (المهتد) وإثباتها هي وإن كانت محذوفة رسما إلا أن بعض القراء يثبتونها، وهي ثبتت رسما وثبتت قراءة في آية سورة الأعراف (من يهد الله فهو المهتدي).
قضية الرسم العثماني والإثبات والحذف هل له دلالة في المعنى؟ أنا تكلمت في هذه القضية كثيرا. وأظن يكون يعني من الأفضل أن نجعلها في محاضرة مستقلة -إن شاء الله- لكي أعطيكم المعنى المراد والمقصود ونفهم جيدا قضية الحذف والإثبات الرسم العثماني وعلاقته بالمعنى لأنها قضية خلاف بين العلماء، هل الرسم العثماني له دلالة في المعنى. 
لو أردنا أن نؤصل لتلك القضية من البداية نقول: القرآن الكريم نزل مقروءا أم نزل مكتوبا؟ يعني قُرئ ثم كُتب؟ أم كُتب ثم قرئ؟ 
ج: القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد في العالم الذي قرئ ثم كُتب. يعني أي كتاب يُكتب ثم يُقرأ. القرآن الكريم لا.. قرئ ثم كُتب. ومن هنا سننطلق إلى بيان هذه القاعدة وإن شاء الله سأوضحها لكم. 

▪︎ (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (فلن تجد له وليا) يعني ناصرا ولا معينا لأن الله تبارك وتعالى مولى الذين آمنوا (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم).
(وليا مرشدا) المرشد هو: الذي يبين للحيران وجه الرَشَد، ووجه الرُّشد. الذي في حيرة الله تبارك وتعالى هو الذي يبين له وجه الرُّشد ، ووجه الرَشَد. وجاءت هنا في هذا الموضع بالذات (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أن هؤلاء أصحاب الكهف الله تبارك وتعالى أرشدهم وأعانهم ووفقهم بعد أن أخذوا بكل أسباب هداية الدلالة، الله هو الذي قال لهم (فأووا إلى الكهف) وطمأنهم بأنكم إذا أويتم إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، وينشر لكم أنتم خصيصا، يعني ينشر لكم رحمة خاصة بكم، (وينشر) نشر الرحمة لتشمل جميع أجسادهم وتشمل المكان الذي هم فيه، بل شملت الكلب الذي صاحبهم، يعني كلب رحمة الله تبارك وتعالى شملت هذا الكلب.
وهذا يدل على درس مهم جدا وهو: أن صحبة الأخيار فيها فوائد عظيمة، المهم أن يصاحب الأخيار ولا يحاول ولا يفكر في أن يفسدهم، ففيه واحد يصاحب أخيار محاولا إفسادهم بأن يقلل من فعلهم، يقلل من عملهم. تأملوا هذا الكلب يعني رب العباد يصف لنا الكلب (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) باسط ذراعيه كجلسة الكلب العادية. والوصيد هو: مدخل الكهف. كأنه لم يقم ولم يتحرك. طيب هذا الكلب يحتاج إلى طعام فهل أنامه الله كما أنام هؤلاء؟ بالتأكيد. وكان حماية لهم بدلا من أن يقوم ويعتدي عليهم، كان حماية لهم.
(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) يعني معينا أو دالا له على طريق الحق والصواب لأن الله أضله وهو لم يأخذ بالأسباب، ولذلك تقريبا لا يوجد في القرآن كله (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) إلا ها هنا لأن الله تبارك وتعالى كما أخذ هؤلاء بأسباب هداية الدلالة عمليا أرشدهم عمليا أرشدهم وأعانهم ورفع شأنهم وذكرهم في كتابه الذي يتلى إلى ما شاء الله.

(ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) هل تقليبهم كان للمحافظة على أجسادهم؟
  البعض من المفسرين قال ذلك. لكن يعجبني من المفسرين من يقول: لا، يعني ليست قضية المحافظة على الجسد، لأن الله تبارك وتعالى الذي حفظ أرواحهم وأعادها لهم بعد ثلاثمائة سنة وجعلهم كالنائمين وأعطاهم الحياة مرة أخرى أليس بقادر أن يحفظ لهم أجسادهم؟ فيقولون تقليبهم كان إكراما لهم وتقديرا ورفعة لشأنهم، ولذلك يستدلون بأنه لو كانت القضية حتى لا تأكل الأرض أجسادهم أما كان ينبغي أن يُقلب الكلب كذلك معهم؟  يعني تقليب الكلب لم يذكر الله أن الكلب كان يُقلب وحفظ الله جسد الكلب. إذا يبين الله التقدير والمكانة والرفعة للإنسان عندما يقلب. أنا أقولها عندما يقلب أصحاب الكهف ولا يقلب الكلب. 

يعني أقرب لكم المعنى وأسأل الله أن يغفر لي ولكم. الأم التي نام أطفالها وأطالوا في النوم ماذا تفعل؟ يعني هي تريد أن تطمئن عليهم فتحنوا عليهم فتتفقدهم. وربنا الرحمن الرحيم جل وعلا الذي أرشد هؤلاء، هو الذي أرشدهم، فطالما أرشدهم فهو حفظ أجسادهم بداية ونهاية وإكراما ورفعة لشأنهم كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. لأن القضية لو كانت يقلبهم حتى لا تأكل الأرض جسدهم، إذا لماذا لم تأكل الأرض جسد الكلب؟ هل رب العباد قال يا أرض لا تأكلي جسد الكلب وكلي جسد هؤلاء. يعني تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال رفعة واهتمام وعناية واحتواء، رحمة الله بعباده. إنما حِفظ الأرض لأجسادهم هذه لا تحتاج فرب العباد بين الأخذ بالأسباب من البداية أنهم دخلوا الكهف وجعل الشمس تزاور وتقرض ولا تأتي عليهم.. وكذا. وهذه آية من آيات الله، فمن إكرام الله له أنه يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وهنا نفهم لماذا قال الله هنا بالذات (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أرشدهم عمليا.

■ بعد ذلك يقول الله تعالى: (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) هم كانوا رقود أم كانوا نائمين؟ وبالطبع هناك راقد وهناك نائم. والله تبارك وتعالى عندما ذكر (ونقلبهم) قال (ذات اليمين وذات الشمال) يعني على الجنب اليمين شوية وعلى الشمال شوية، فقالوا لأن الذي ينظر لهم يظن أنهم أحياء فأجسادهم كما هي. وقيل: إن عيونهم كانت مفتوحة. وقيل: إنهم كانوا يفتحون عينا ويغمضون الأخرى. وقيل: ... يعني المهم نريد أن نقف عند إخبار الله تبارك وتعالى، الله أخبر وقال (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) الكيفية واضحة. لم يرهم أحد بدليل (لو اطلعت عليهم) وأنا قلت قبل ذلك أن (لو) من أدوات الشرط التي تستعمل في الشرط الافتراضي. 
فيه شرط عندنا أسلوب الشرط الافتراضي الذي هو على سبيل الافتراض، (لو) هو الحرف الوحيد الذي يستعمل للشرط الافتراضي وورد في القرآن فقال الله (لو اطلعت عليهم) يعني الاطلاع عليهم لم يحدث. فالمهم  (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) لأنه لو قال وهم نائمون، طب كيف "وهم نائمون" "وتحسبهم أيقاظا" إنما يعني من يراهم يظن أنهم أيقاظ لأن الإنسان قد يرقد، وقد يكون نائما. 
النائم هو الذي أخذه النوم وغاب عن الإدراك الخارجي، مع إن  النائم يدرك، والنائم يستمع أحيانا في الغالب، يعني النائم يسمع لكلام المتكلم الذي يتكلم بجواره ولذلك احذروا فلا ينبغي أن تظنوا أن النائم لا يسمع، لا إنه يسمع، بدليل أن الله تبارك وتعالى عندما أراد أن ينيم أهل الكهف في هذه المدة ضرب على آذانهم، يعني عطل حاسة السمع. ولذلك لو أحد نائم وأردت أن توقظه أما تنادي عليه؟  تنادي ويسمع ويرد عليك ويستيقظ، والمنبه الذي نضعه يسمعه النائم.
إذن (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أتوقف ها هنا اليوم، ونكمل بحول الله و قوته في لقائنا القادم.

--------------------

https://t.me/tadaborsoratalkahf/69

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق