الاثنين، 2 سبتمبر 2024

تدبر سورة الكهف / المحاضرة الخامسة

توقفنا في المحاضرة السابقة عند قوله تعالى : (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وقلت إن هذا أسلوب تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم، فالله تبارك وتعالى يحذره قائلًا له: فلعلك قاتل نفسك أو مجهد نفسك على آثارهم. الآثار جمع أثر والأثر هو ما يتركه الإنسان  بسبب مشيته على الأرض من آثار مشيته. فالله يقول له: فلعلك مُهلك نفسك على هؤلاء وهم أهل مكة كما نعلم. 
وهذا يدل على أن الوطن عزيز ، ونعلم كيف كانت مكة بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يتمنى أن يؤمن أهلها ولذلك ذكر الله تعالى ذلك في صدر سورة يس ثم ضرب مثلا لأصحاب القرية  دلالة على أن هناك من سيؤمن بك ولم يروك ولم يقابلوك ولم تعش بينهم، وفيه إشارة إلى أهل المدينة المنورة. 

إذا (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث )

(إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) هذا أسلوب شرط لكنه وقع هنا في مكان الاعتراض، يعني جملة اعتراضية، ولم يُذكر جوابه نظرا للاكتفاء بما تقدم في صدر الآية. ولذلك يرى البعض أن (الفاء) في قوله (فلعلك باخع نفسك) واقعة في جواب الشرط ، فبذلك يكون أصل الآية هكذا "إن لم يؤمنوا بهذا الحديث فلعلك باخع نفسك على آثارهم أسفا" فهذا تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم. 

🏷بعد ذلك قال الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7))

هذه الآية الكريمة سكت عن مناسبتها الكثير من أهل التفسير لأنهم يرون ما مناسبة هذه الآية؟

ولكن المتدبر يدرك مناسبة هذه الآية: 
أن الله عندما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فلعلك باخع نفسك) أي: مهلك نفسك ( على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) فأراد الله أن يبين أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بك إذا نظرت لإنعام الله عليهم وإعطائهم الكثير من النعم، ووجدت أن الذين قد آمنوا بك هم من ضعاف المسلمين فاعلم أننا جعلنا ما على الأرض زينة لها، يعني كل ما على الأرض زينة، وزينة للأرض، يعني الأموال والأولاد زينة كما أخبر الله في آية ستأتي في نفس السورة،  وكل ما على الأرض من متاع يحبه الإنسان الله تبارك وتعالى جعله زينة، وتلك الزينة التي جعلها الله على الأرض لها هدف وغاية،  لأن هذه الزينة كما أخبر الله جل وعلا في سورة آل عمران قال الله تعالى(زين للناس حب الشهوات  من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث) كل هذا زينة، وقال الله في النهاية(ذلك متاع الحياة الدنيا). لكن هذه الزينة وما زينه الله في تلك الآية هل يحرُم على الإنسان أن يأخذ من هذه الأشياء التي جعلها الله زينة؟ أم يجوز للإنسان أن يأخذ من هذه الأمور التي جعلها الله زينة؟
لاحظوا : الله تبارك وتعالى عندما ذكر العلة من هذه الزينة التي جعلها الله على الأرض قال (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) منتهية، فأي زينة لا تبقى لأن الزينة وقت معين وتنتهي. فبالطبع كل ما على الأرض زينة للأرض، وإنما كانت بين أيديهم لأنه ابتلاء لهم، والله تبارك وتعالى من ابتلائه الفتنة، أن يفتنك الله تبارك وتعالى فيعطيك من نِعم الدنيا الكثير والكثير.
■ الله تبارك وتعالى ذكر العلة من هذه الزينة التي جعلها الله على الأرض قال (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) لأن الناس ستنظر إلى الدنيا من زاويتين: 
 هناك من ينظر إلى ظاهر الدنيا فيغتر بمظاهرها ويغتر بزينتها وهؤلاء هم الكافرون الذين لم يؤمنوا بالله جل وعلا، ولا برسله.
ومن الناس من ينظر إلى حقيقة الدنيا وباطنها وأنها زينة يتزين بها في تلك الحياة فيأخذ من هذه الأشياء بالقدر الحلال الذي أحله الله له، لأن طبعا(زين للناس حب الشهوات من النساء) فبالطبع المؤمن زُين له من النساء والبنين أيضا لكن المؤمن يأخذ منها في حدود ما أحل الله له ولا ينظر إلى غير ما أحل الله له. أما غير المؤمن فهو لا يعنيه ما أحله الله ولا ما حرمه الله.
فالمؤمن يأخذ من هذه الأشياء التي هي زينة الأرض بقدر ما أحل الله له فقط. فإذا أخذ هذا القدر فله أجره لأنه يكون ممن أحسن العمل، لأنه آمن وأخلص لله في إيمانه واتبع رسوله، واتبع النبي ولم يبتدع في أمور الدين من عنده، وأخذ من هذه الأمور -التي هي زينة الدنيا وزينة الأرض- أخذ منها بالقدر الحلال فهو ممن أحسن العمل. 
لكن الفريق الآخر أساء العمل لأنه لم يؤمن، ولم ينظر إلى الدنيا وإلى حقيقة الدنيا، فهو نظر إلى الظاهر فجعل الدنيا زينة له.
إذا (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) قلت لكم سابقا أن الزينة تنتهي، كل أمر يُتزين به ينتهي ومصيره إلى زوال وفناء، ولذلك رب العباد سيذكر ذلك في الآية التي تلي هذه الآية.

إذا نظرة الإنسان إلى الدنيا: الناس نظروا إلى الدنيا من زاويتين:

● زاوية ظاهر الدنيا وزينة الدنيا فاعتبروها هي الغاية فأخذوها على أنها هي الغاية وهي النهاية.
● وفريق أحسن العمل وفهم أن هذا ابتلاء من الله له فهو أخذ من زينة الدنيا بالقدر الذي أحله الله له فقط، لم ينظر إلى حرام من زينة الدنيا. وإن شاء الله ستقابلنا آية(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وأنا ذكرتها مرارا الناس يرددونها على أن رب العباد هو الذي جعل المال والبنين زينة  الدنيا.
نعم، فمعنى زينة أنها إلى فناء وإلى هلاك فلماذا تغتروا بهذه الزينة!! والله تبارك وتعالى ذكر قوله(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) ليس للإخبار بذلك فقط..لا، مقدمة ليقول لنا(والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) يعني (المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) هذه مقدمة توصلنا إلى الأهم وهو : الباقيات الصالحات هي خير عند ربك ثوابا وخير أملا، وأنا قلت أن جملة (والباقيات الصالحات) فيها حذف وفيها تقديم وتأخير. المحذوف كلمة الأعمال لأن الصالحات صفة للأعمال، فحذف الله الموصوف وأبقى الصفة دالة على الموصوف. وكلمة (الباقيات) المفروض أنها صفة للأعمال الصالحات فتكون في النهاية أي يكون ترتيب الجملة هكذا: "والأعمال الصالحات الباقيات" لأن (الباقيات) صفة للأعمال الصالحات. 
■ حسنا حذف الموصوف لدلالة الصفة عليه وهي الصالحات فحذفت الأعمال، فلم قُدمت (الباقيات) مع أن موضعها بعد (الصالحات)؟لتقابل زينة الحياة الدنيا، (الباقيات) تقابل (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فالله يقول: الباقيات الصالحات إذا أردتم أن تقارنوا وأن تميزوا فهي خير عند ربك ثوابا وخير أملا. 
إذا (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) يعني كل ما على الأرض هو زينة وستنتهي هذه الزينة يوما ما،  وكل واحد فينا ينظر إلى نفسه وينظر إلى التطورات التي يتعرض لها بعد كِبر سنه. 
يعني مثلا مرحلة الشباب كان يأكل ويشرب و...الخ ثم بدأ فيما بعد يُنهى عن طعام ويُنهى عن شراب إلى أن يصل إلى مرحلة انتهت فيها مرحلة الزينة ومرحلة المرح ، كل المراحل التي كانت في الشباب تنتهي مع الدخول في السن والظروف التي يتعرض لها الإنسان. فأنت كن ممن نجحوا في الاختبار، لأن (لنبلوهم أيهم) (أيهم) تدل على أنهم فريقان: 
فريق أحسن العمل وهم الذين آمنوا بالله وأخلصوا لله في إيمانهم واتبعوا الرسل واتبعو محمدا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من ربه.
● والفريق الآخر أساء العمل. لأن ضد الحسن الإساءة.
ثم يخبر الله بعد ذلك بقوله: (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا) ، (وإنا لجاعلون) يعبر هنا بـ (إن) الدالة على التوكيد والنصب، ويعبر بـ (جاعلون) وهو اسم فاعل يدل على الثبوت والدوام، يعني الجملة إسمية وليست فعلية مثل (إنا جعلنا) إنما هنا (وإنا لجاعلون ) دليل على أن هذا واقع لا محالة، و لام التوكيد أيضا (وإنا لجاعلون ما عليها) الضمير يعود على الأرض (لجاعلون ما عليها) أي ما على الأرض (صعيدا جرزا). ماهو الصعيد الجرز وما الغرض من ذكر الصعيد الجرز؟
 الصعيد: هو سطح الأرض المترب أو غير المترب، ولذلك ربنا لما ذكر الصعيد في التيمم قال (فتيمموا صعيدا طيبا) يعني لا بد أن يكون التراب الذي تتيمم به طيب، فهو ليس صعيدا ليس سطح أرض سطح أرض مُترب يعني فيه تراب.
الجُرز: هي الأرض القاحلة الأجردة ، الأرض التي انقطع عنها الماء منذ فترة طويلة فحصل فيها يُبس وتشققت وأصبحت هذه الأرض لا زرع فيها ولا ماء يأتي إليها، فالله تبارك وتعالى يخبر بأن هذه الأرض الزينة التي عليها ستفنى وتهلك يوما ما وتتحول الأرض إلى صحراء قاحلة عندما تراها تدرك أنها لم تُنبت يوما.
إذن يشير الله إلى هلاك ما على الأرض من زينة، إلى فناء على الأرض من زينة، أن هذه الأرض بكل ما عليها، وبكل ما فيها ومن فيها هي زينة، والزينة ستفنى وتهلك وتتحول الأرض إلى أرض صعيد يعني سطح أرض، وجُرز يعني أرض يابسة لم يأتها الماء منذ فترة، ولم تنبت منذ فترة طويلة، كأنها أرض تُركت ولم يكن فيها زرع قبل ذلك. ولذلك رب العباد يوضح لنا الأرض الجرز في قوله تعالى في سورة السجدة (أولم يروا أن نسوق الماء إلى الأرض الجرز) الأرض القاحلة، الأرض اليابسة، الأرض التي كانت أو كادت تموت من قلة الماء، فالله يقول نسوق الماء وهو ماء المطر، أو الماء الذي يأتي من مكان ما إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم. هذا أمر مشاهد، والناس جميعا يرون ذلك. لكن لماذا قدم (أنعامهم) على (أنفسهم) يعني لماذا قال (تأكل منه أنعامهم وأنفسهم)؟ أليس تقديم النفس هو الأولى من الأنعام؟
ج: قالوا: الأنعام هي تأكل من الزرع قبل أن يكون زرع، إنما هي تأكل من الكلأ، الكلأ الذي هو العشب الصغير، يعني النبات أول ما ينبت الأنعام تأكل منه، الإنسان لا يأكل إلا من الثمرة، يعني لا يأكل الكلأ الذي هو العشب الصغير، ولذلك البعض يرى أن هنا كلمة (وكلأ) محذوفة قبل الزرع، يعني (أولم يروا أن نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به كلأ وزرعا) يبقى الكلأ تأكله الأنعام، والزرع يأكله الإنسان.  لكن لا داعي لتقدير محذوف لأن الزرع معروف أنه يمر بمراحل، ففي مرحلته الأولى هو عشب أو كلأ تأكل منه الأنعام إذا الأنعام لأنها تأكل من الزرع قبل الإنسان فقدم الله ذلك إشارة إلى كمال قدرته. أيضا الإنسان يأكل من الأنعام، يعني الأنعام تأكل من العشب والإنسان يأكل من الأنعام، فكانت الأنعام مأكولا بالنسبة للإنسان، ولذلك تقدمت لهذين السببين – والله أعلم- (تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون). ختام هذه الآية (أفلا يبصرون) والآية التي قبلها (أولم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) لماذا كان ختام الأولى (أفلا يسمعون) وختام الثانية (أفلا يبصرون)؟ 
ج: الآية الأولى تتحدث عن لفت نظرهم إلى القرون التي أهلكها الله جل وعلا من قبلهم وأنا قلت قبل ذلك إن (من) عندما تدخل على (قبلهم) وخاصة في ذكر الأزمنة التي قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإن (من) تدل على تتبع الزمن منذ أن أرسل الله الرسل، يعني (كم أهلكنا من قبلهم من القرون) ابدأوا من أول قوم نوح إلى أن تصلوا إلى عاد وثمود، هذه (من قبلهم).

 لأن فيه (كم أهلكنا قبلهم من القرون)، إذا كانت (قبلهم) بدون (من) يكون معنى ذلك أنها تدل على الزمن الذي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة وليس من بداية القرون السابقة كلها. 

 طيب لماذا (أفلا يسمعون)؟ لأن هذا إهلاك للقرون وإهلاك القرون السابقة هم سمعوا بها أكيد وخاصة القرون التي أهلكت وكانوا يحكونها وكانت قريبة مثل عاد وثمود، وفرعون وما حدث لفرعون، فالله تبارك وتعالى ختم الآية بقوله (أفلا يسمعون) لأنها هلاك القرون السابقة سُمعت القصص التي ذكرت ذلك. إنما هنا (أفلا يبصرون) لأن بداية الآية (أولم يروا) فهنا الأمور كلها مرئية - والله أعلم- هذا معنى (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ).

هذه الآية تؤكد على أن تلك الأرض بما عليها من زينة وما ترون عليها من زينة ستصبح يوما ما صعيدا جرزا، صعيدا يعني: سطح أرض، و جرزا: يعني لم تشرب ماء منذ زمن طويل، ولم تنبت زرعا منذ زمن طويل. (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يعني هذا يدل على أن هذه الزينة وهذه الأرض بما عليها من زينة ستذهب لذاتها وتنقطع أنهارها فلن يكون هناك أنهار ولن يكون هناك لذة، والآثار الموجودة كلها في الأرض دُرست وزال النعيم، فهذه حقيقة الدنيا لمن عرفها. والله تبارك وتعالى حذر الإنسان من الاغترار بها (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا) الله تبارك وتعالى يحذر الإنسان في عمومه وليس المؤمن فقط (يا أيها الناس) كل الناس. وقلت سابقا: أن الله أسند الاغترار إلى الحياة الدنيا ولم يسنده للإنسان مع أن الإنسان هو المراد بالنهي، يعني الأصل فلا تغتروا بالحياة الدنيا فلماذا لم يوجه الله النهي للإنسان؟ 
لأن الإنسان صاحب العقل السليم لا يغتر بالدنيا لأنه ينظر إلى من حوله وينظر إلى البيوت التي يسكنها ويتأمل من كان ساكن فيها قبل ذلك،  ومن كان بالأمس واليوم أصبح غير موجود، يعني الآجال عندما تنتهي الأنفاس وينتهي أجل الإنسان لا يحتاج إلى مرض ولا إلى غير ذلك.
من ثلاثة أيام أحد الإخوة الأفاضل من مصر كلمني وقال: والدي مريض وهو في الأيام الأخيرة فادعُ له، وحتى هاتف أخاه وقال له: انتظر مني اتصالا الليلة لأني أرى أن الوالد في نهاية الوقت ونهاية الأيام فإذا به هو الذي يموت، حضر دوامه عادي جدا وكان في كامل صحته وهاتف أخاه مغربا وتوفي بعد العشاء، وأبوه الذي كان ينتظر موته... ، فآجال لا يدري أحد منا من الذي سيخرج نفسُه الآن ولا يرجع، فإذا كانت الأنفاس قد انتهت فلا يملك أحد أن يعيد لك نفسا واحدا لم يُقدره الله لك، ولا نقطة ماء واحدة لم يقدرها الله لك. فلماذا الناس تتعب نفسها هكذا، والناس ندعوها للتسامح كأننا ندعوها لدين جديد أو لشيء لا يستطاع فلماذا!!
الناس ينبغي أن تعي أنها تعيش على تلك الأرض التي هي زينة، التي ستصبح في يوم ما صعيدا جرزا (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) أرض جرداء قاحلة كأنها لم تر الماء قط، وكأنها لم تنبُت يوما قط، وكل ما على الأرض يفنى ويهلك، مهما كانت الزينة كلها فانية، ولذلك متاع الدنيا كما نعلم  إما يتركك وإما يذهب عنك، يعني مهما كنت تعيش في نعيم قد يسلب الله منك تلك النعمة، واحذروا سلب النعمة لأن الله تبارك وتعالى إذا لم يجد من الإنسان شكرا عمليا على نعمه التي لا تعد ولا تحصى تُسلب منه هذه النعمة. والأسوأ من سلب النعمة، تعرفون ماذا؟ أن يعطيك الله النعمة ويحرمك لذة التمتع بها، يعني مرحلة أولى تسلب منك النعمة، مرحلة ثانية أعلى وأقوى تكون النعمة بين يديك وتُسلب التلذذ بتلك النعمة وهذا هو معنى قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) أنت قد تنظر في الدنيا فتجد أن الناس البعيدة عن ذكر الله وهم أصحاب الأموال وأصحاب التجارات وعندهم الأموال كما يقولون يعني، والفلل والقصور لكنه يُسلب لذة التمتع بهذه النعمة، لا يستطيع أن ينام لحظة كما تنام أنت، أو نعمة النوم يحرم منها، نعمة التلذذ بكل النعم التي بين يديه يُحرم منها، فهناك سلب للنعمة وسلب للتلذذ بالنعمة. إذن كن دائما من الناجحين في الاختبار.
والله تبارك وتعالى من رحمته بعباده يخاطبنا أن هذه الأرض كل ما عليها زينة، وزينة فانية، وزينة هالكة فاحذر. وهي فقط للابتلاء أي الفريقين يُحسن العمل، الذي علِم حقيقة الدنيا. ثم يؤكد بأنه سيجعل ما على الأرض (صعيدا جرزا).
 الذي فهم حقيقة الدنيا أخذ من زينتها بالقدر الحلال فقط، ورضي بما قسم الله له، وعلِم أن قدر الله فيه هو الخير. يعني حتى من لم ينجب أولادا، قدر الله فيك هكذا، والله قال (ويجعل من يشاء عقيما) لحكمة أنت لا تعلمها، وسواء جهلتها أم علمتها فينبغي أن تُسلّم لله الواحد القهار لأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون، وكل ما على الأرض زينة سيأتي وقت ويصبح صعيدا جرزا.  
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن فهموا حقيقة الدنيا وممن استعدوا لليوم الآخر، واستعدوا للموت حتى إذا جاء الموت كانوا على استعداد ويقبلون على ربهم لأن معهم رصيدا يعني هم يعلمون ماذا قدموا، ولا تكونوا كمن إذا جاءه الموت (قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) لماذا تؤخر لهذا الوقت والله تبارك وتعالى من رحمته فتح لنا باب التوبة؟
● النسبة البشرية فيك؟ نعم النسبة البشرية فيّ، إذن أنت فقط إذا زلت القدم لا تتلذذ بهذه الزلة إطلاقا لأنك لو تلذذت سترغب النفس في تكرارها، إنما أنت لا تتلذ واستغفر ربك وتب وعد إلى ربك، لو فعلت ذلك عقب الزلة مباشرة حتى لو زلت القدم بعد ذلك في نفس المعصية وتفعل مثلما فعلت في المرة الأولى فالله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) فرب العباد يناديكم بصفة العبودية ويضيفكم إلى ذاته العليا (يا عباي)، وبعدين (الذين أسرفوا على أنفسهم) حتى لم يقل يا عبادي الذين ارتكبوا المعاصي، ولا يا عبادي الذين قصروا في الطاعة، إنما أسرفوا على أنفسهم، إذا رأيت خيرا في نفسك وتريد أن تعود إلى ربك لا تيأس ولا تخف وعُد إلى ربك، ولا تقنط من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. 
لكن إياك أن تأخذ قول الله تعالى (إن الله يغفر الذنوب جميعا) لارتكاب المزيد من المعاصي، فهذا استهتار بخبر الله، واستهتار برب العباد، وأنت الآن تنوي المعصية وتحاول أن تستدل من كلام الله، أيضا، لا، (إن الله يغفر الذنوب جميعا) تُقال للنفس التي ترغب في العودة إلى ربها وتتوب وترجع لكنها خائفة من ذنوب ما، لا تخف.. لا تقنط من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من عباده التوابين ومن عباده الأوابين، وأن يغفر لي ولكم وأن يرحمني وإياكم برحمته الواسعة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين والحمد لله رب العالمين.

--------------------

https://t.me/tadaborsoratalkah

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق