الأربعاء، 8 مايو 2024

فوائد الآيات (38 - 66) من سورة البقرة

 ● لما قال الله عز وجل (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) هذه تعطينا فضل أولية الخير وذم أولية الشر. الأول في الخير، الأول في الشر، ما موطن زيادة المدح لهؤلاء، وزيادة الذم لهؤلاء؟
 الأولية في أي صفة تعطيك صفة التمكن من الصفة. إذا صرت أول واحد فهذا يعني أنت متمكن أكثر من غيرك، وإذا كنت متمكن أكثر من غيرك وأنت سابق لغيرك فهذا يعني أن غيرك يقتدي بك. فإذن يرتفع قيمتها في المدح، ويرتفع أيضا ذمها في إذا كانت الأولية في الكفر. ولذلك يأتي في القرآن، يعني الآن في السياق اليهود (ولا تكونوا أول كافر به) ولكن مثلا في سورة آل عمران ويأتي في سورة متعددة مدح (وأنا أول المسلمين) تكررت كثيرا على سياق المدح. طبعا يناسبها في السياق تطبيقات هذه في الحياة كثيرة وهي تناسب حال النزول لأن الصحابة سيكون لهم الأولية في الخير باعتبار طبعا بحكم العامل الزماني، الصحابة متقدمون زمانا عن غيرهم، فسيكونوا هم أول من أسلم، وهم أول من تمكنوا في هذه الصفات، ففي هذا ترغيب للمؤمنين بقوة الانقياد والاستسلام، خصوصا إنه ستأتي تفاصيل كثيرة في الأحكام التشريعية.

● التحذير من المسالك التي تفضي لترك اتباع الحق.

● (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) هذه فيها الاستبدال

● (ولا تلبسوا الحق بالباطل) هذه فيها اختلاط الحق بالباطل وتغيير المسميات، تغيير المصطلحات، الشيء الباطل تعطيه مصطلح حسن، والشيء الحق تعطيه مصطلح سيء، هذه فيها لبس الحق بالباطل. الصورة الثالثة كتمان الحق، أن يكون عندك معرفة بالحق ولكن تُخفيه عن الآخرين، فيستمرون الناس في الضلالة وأنت ما بينت لهم طريق الحق. فإذن هذه كلها من الأمور التي تشرح لك مسالك الضلالة في الحياة.

 ● إذا تفكرت كل أنواع الضلال على وجه الأرض تكون متفرعة من أحد هذه الأمور الثلاثة، فليحذر منها الإنسان ألا يُؤتى من قِبلها بحيث يكون هو داعية إلى ضلال عن طريق هذه الأمور. ولاحظ أنها الأشياء التي قد تخفى على النفس، يزين لك الشيطان فتراها حسن لكن في الحقيقة ما تنفك من وحدة من الصفات، فهذه إذا المسالك التي تفضي إلى ترك اتباع الحق، وهي مكرورة في الحياة.

■ تحديدا عند (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) السورة مرجع في مسائل الكتمان، فالسورة بينت التحذير من كتمان الحق خاصة إذا اشتدت الحاجة لبيانه ومن ذلك مثلا إجابة المستفتي إذا كان مسترشدا للحق فيجب البيان له في مثل هذه الحالة، لكن السورة ليست هذا الموضع الوحيد الذي ذُم فيه الكتمان، مثلا في آخر السورة في آية الدين (ولا تكتموا الشهادة)، في قصة آدم ورد فيها (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)، وأيضا سيأتي (ومخرج ما كنتم تكتمون) فما أكثر ما إن الإنسان يبطن إثما، قد يبطن حقا وهو حقه أن يُوضح، أو ربما بالعكس، في مسألة الكتمان صور أخرى أنه يكون يُبطن باطلا فيلبس على الآخرين.

■  في آية (45) (واستعينوا بالصبر والصلاة) اقتران الصبر بالصلاة دليل على تأثير كل منهما على الآخر. فأن تُقيم الصلاة على الوجه الصحيح تحتاج للصبر. وإذا وقعت في مصيبة فالصبر يُستجلَب بإقامة الصلاة وإقامة العبادات، فلذلك قرن بينهم في أكثر من موضع، وعن حذيفة رضي الله عنه قال كان النبي ﷺإذا حزبه أمر صلى. فهناك تقارب أو يعني ضمائر أو اقتران بين هاتين العبادة.

من الفوائد أيضا: في آية (44 ) توبيخ من يأمر الناس بالبر ولا يفعله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) ومن يفعل ذلك بماذا يوصف؟ إن هذا الأمر منافي للعقل، ولذلك قال في نهاية الآية (أفلا تعقلون) إذن توبيخ من يأمر الناس بالبر ولا يفعله فهذا مناف للعقل إذ أن العقل يقتضي أن الإنسان لا يأمر بشيء إلا وهو يفعله، أما أن يتعهد الآخرين وينسى نفسه هذا من السفه. 
وهذه مسألة حساسة، كثير من الناس من يُحجم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب أنه يتذكر عنده خطيئة في باب آخر ثم يقول لا، أنا لا أريد أن أكون من أهل هذه الآية فيُحجم تماما عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوسط -كما ذكر ابن عثيمين- "أن يأمر بالمعروف ويجاهد نفسه على فعله، وينهى عن المنكر ويجاهد نفسه على تركه" فالأصل أنه يدعو للخير وينهى عن الشر ويجاهد نفسه في فعل الخير وفي ترك الشر، أما أن لا يفعل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا إذا كان كعمل الأنبياء مثلا لا يقع منه خطأ ولا يقع، فهذا مسلك من مسالك الشيطان في التلبيس عليه حتى يوقفه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

■ في قوله تعالى في آية (58) في وصف بني إسرائيل (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) نستفيد منها مشروعية الاستغفار والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى عند تحقيق النعم وخاصة النعم الدينية. إذا تفكرت مثلا سورة النصر لما فتح الرسول ﷺ مكة قيل له (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) تأمل في ختام الصيام، في ختام الحج، في ختام الصلوات الاستغفار، كل نعمة دينية إذا فرغ منها العبد يُشرع له الاستغفار، فهنا من جنسها لما فُتحت الأرض المقدسة قيل لهم ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة).

● نهاية الآية (وسنزيد المحسنين) أفادت أن الإحسان سبب لزيادة الأجور.

● أيضا بينت لنا نفس هذه الآية أن أرجى أنواع التوبة قبولا التي يجتمع فيها القلب واللسان والجوارح. الجوارح في قوله تعالى (ادخلوا الباب سجدا) اللسان في قوله (وقولوا حطة) أي الاستغفار، و القلب طبعا هو الذي يجمع بين اللسان وبين الجوارح. فإذا لتكن توبتنا دائما إذا سابقنا الشيطان في الوقوع في خطيئة، فليكن استغفارنا وتوبتنا تجتمع فيه هذه الأمور الثلاثة فإنها أرجى للقبول.

■ في قوله (وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر) 
في هذه الآية بينت آيات الله العظيمة في الماء واليابسة لموسى عليه السلام، فتارة يُجعل اليبس وهو الحجارة له ماء، لأنه لما ضرب الحجر تفجّر منه الماء كما في هذه الآية التي بين أيدينا، وفي مواطن أُخر كان الماء سببا للنجاة بدلا أن يكون سببا للغرق، فمثلا في لحظة الميلاد أُوحي إلى أمه أن تقذفه في التابوت وتلقيه في الماء، فبدل أن يكون غريقا وصل إلى بيت فرعون وتربى في بيت ملك فصارت نجاة له، ثم بعد ذلك لما لحقه فرعون وواجه الماء (وإذ فرقنا بكم البحر) أُمر أن يضرب هذا البحر بالعصا فجُعل يبسا بل جبالا ليغرق عدوه، فكانت هذه المسألة الماء واليابسة، آيات عظيمة في قصة موسى.
■ لما قال الله عز وجل (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) يستفاد منها: الحكمة من جعل الماء اثنا عشر عينا وهو:
● التوسع أولا في النِعم، لو كانت عين واحدة فسيكون فيها ضيق، لكن اثنا عشر فيها توسع في النعمة، وهذه من النعم.
● وفيها أيضا البعد عن العداوة والبغضاء بين فصائلهم، لأن الاثنا عشر كما قال المفسرون اللي هم الأسباط، فأصبح كل سبط ومن معه في عين من العيون، فهناك بُعد عن التناحر، ومعروف تاريخيا دائما مواطن القطر الذي هو الماء ومواطن الزراعة هي التي يكون عليها المشاكل بشكل عام. فكون كل فرقة تستقل بموطن الشرب وما ينجم عنه من زروع هذه إزالة لأسباب العداوة والبغضاء.
 وكذلك الأمر يستفاد منه في حياتنا بشكل عام أنه كل ما أريد توزيع مكاسب فينبغي أن يُراعى فيه ما يزال به الأحقاد فلا يستحوذ فريق عن الآخرين بنيل هذه المكاسب فإن هذا أدعى لحصول العداوة والبغضاء بين الناس.
 ● في نهاية هذه الآية التي قيل فيها (وإذ استسقى موسى) في نهاية الآية قال الله عز وجل (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) فأفاد هذا الأمر: أن نحذر من كثرة النعم لأنها قد تكون سببا للإفساد في الأرض. وهذا شيء معروف أن المجتمع إذا صار فيه رغد كبير من العيش إن لم يتعاهد نفسه فإن الفواحش والمعاصي والإفساد تكثر، وسبيل النجاة من هذا الأمر يعني ألا يقع فينا هذا الوصف أن تُستعمل هذه النعم في طاعة الله وأن يُلتزم شُكرها، فإن هذا الأمر يكون فيه الحذر من هذه النتائج السيئة. 
■ في قوله تعالى (قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) نستفيد منه اختيار الأدنى دون الأعلى فيه شبه من اليهود. 
ومن أمثلته: اختيار المُحرم على الحلال، ما أكثر ما يكون في الحياة، يكون الشيء الواحد له صورة حلال وله صورة حرام، فمن يتجه للمحرم ويترك الحلال فهو يشابه اليهود (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
 مثال: الزنا والزواج المقصد واحد قضاء الشهوة، لكن أن تزني وتترك الحلال هذه استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وبذلك في الحياة بشكل عام كلما ضعفت النفس أمام معصية فليتذكر الإنسان ما الذي أمامها من الحلال وليستبدله به لأنه في هذه الحالة يكون استبدل الأعلى بالأدنى، وليس الأدنى بالأعلى، فهذا معيار في الحياة كيفية يكون ترتيب الأولويات والاختيارات على ضوء من الشرائع السماوية.

● الآيات بينت إثبات قانون الأسباب فعقوبات بني إسرائيل كلها مسببة. يعني بمعنى أن فيها أدوات تعليل، وهذه طبعا دعوة للدراسة اللغوية، معرفة أدوات التعليل. لأنه كل عقوبة كانت مسببة بمعصية (بما كانوا يفسقون) (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) إذا فيها إشارة إلى أنه بسبب أفعال وقعت لهم هذه العقوبات.

 ● الآيات بينت أن الكتب السماوية والأديان شأنها أن تؤخذ بقوة (خذوا ما آتيناكم بقوة) ونظائرها كثير في القرآن كما في قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) والقوة عكسها اللين أي خذها لا بضعف ولا بلين، بل بقوة. والقوة هذه تشتمل أو يعني يمكن ان توزع على أمور متعددة القوة تشمل:

● القوة في التطبيق

● القوة في الدعوة إلى الله

● القوة في أخذ القرآن

● القوة في الإخلاص

الحرص على العمل بالقرآن، تلاوته والتزكية به، فالقرآن مليء بالأوامر والنواهي والمواعظ والبيان تحتاج إلى قوة، قوة في القلب وقوة في العمل بحيث أنها تدفعك إلى أن تنشُط في فعل الخير، وتعينك على ترك الشر، وهذا يمكن يكون يفسرها في قوله تعالى (يتلونه حق تلاوته) قال المفسرون في حق التلاوة معاني شبيهة بمسألة الأخذ بالقوة.

■ بيّنت الآيات أيضا: تحريم التحايل على المحرمات ووصف ذلك بالعدوان كلما تحايلت على الشريعة ولبست الحق بالباطل فإنه اعتداء على الشريعة، وبيانه في آية (65) (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسرين)، ومعلوم أن قصة أصحاب السبت مفصلة في سورة الأعراف كيف أنهم نصبوا شباكهم يوم السبت بحيث أنهم صار صورته ما صادوا يوم السبت لما حرم عليهم. ولكنهم فعلوا بالتحايل ما يشبه أن يكونوا صادوا في ذلك اليوم، فسمى عملهم اعتداء. وهكذا يؤخذ منها إن كل تحايل على الشريعة فهو اعتداء في الدين.

■ في هذه القصة تحديدا بينت أن الجزاء من جنس العمل حيث كانت عقوبة هؤلاء المتحايلين لما نصبوا الشباك وصادوا يوم الأحد وهم في الحقيقة يعتبروا صادوا يوم السبت المحرم كانت العقوبة مسخهم قردة وخنازير، لأن الآية قالت (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) فذنوبهم صورتها صورة مباح لكن حقيقتها هي المحرم، فكذلك القرد، القرد يشبه الآدمي في الشكل لكنه حيوان بل وأقبح الحيوانات، فالجزاء كان من جنس العمل.

■ في التعقيب على هذه العقوبة (قردة خاسئين) قال الله عزوجل بعدها (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) هذه بينت أن المواعظ قسمين: قسم كوني قدري، وقسم شرعي:  
● فالكوني القدري كما في مثل هذه الآية مسخوا قردة وخنازير، بمعنى إنه قدر في الحياة الدنيا يتغير ويكون عقوبة، فهذا يناسب قلوبهم القاسية.
الشرعية نأخذها من نصوص أخرى كما في سورة يونس لما قال الله عز وجل (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) فهذه تناسب القلوب اللينة العارفة بالله. فإذا القلوب القاسية يناسبها الموعظة القدرية، والقلوب اللينة يناسبها مجرد الموعظة التي في خطاب الشرع في الكتاب والسنة. 

-----------------------------------

https://t.me/fwaidalayat

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق