الأربعاء، 8 مايو 2024

النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل في سورة البقرة

■ النِعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل:
بعد قصة آدم عليه السلام سيبتدئ الحديث عن بني إسرائيل. وذكرنا في صدر الكلام عن السورة أن بنو إسرائيل تقريبا شغلوا ثلث السورة، فما هي طريقة الحديث التي وردت في سورة البقرة عن بني إسرائيل؟ وهو موضوع ورد في أكثر من سورة في القرآن، تفصيله الأطول كان في السور المكية ونعلم أن من أعظم مقاصد القصص القرآني تسلية النبي ﷺ، ولكن ذكرها في سورة البقرة مختلف إلى حد ما عن طريقة عرضها في المكيِ. سنجد أن ما ذُكر في هذه القصة كل آية كأنها عنوان لقصة ستذكر فقط رأس الحادثة لكن لها مقصد في ذكره أما تفصيلها فارجع لها مثلا في سورة الأعراف، كل حادثة من هذه الأحداث لها تفصيل أطول.
■ فما ذُكر في هذه السورة: 
● قسم منه يتحدث عن النِعم التي أنعم الله عز وجل بها على بني إسرائيل.
● وقسم يتحدث عن مواطن الذم التي ذم الله عز وجل بها بني إسرائيل.
● ثم بعد ذلك أيضا قسم من هذه الآيات تتحدث عن العقوبات الشرعية والعقوبات القدرية الكونية في الحياة الدنيا التي وقعت على بني إسرائيل نظرا لما وقع منهم من أعمال.  نذكر الآن إجمال ثم ندخل في مسألة الفوائد.

■ من النِعم التي ذُكرت لهم هذا الأمر:
 أولا نِعم إجمالية:
● لما قال الله عز وجل (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) هذه تكررت حوالي ثلاث مرات في السورة، -وطبعا العالمين المقصود بهم عالمي زمانهم- فكانت هذه نعمة ينبغي أن تكون سببا لقبول الحق، سببا لشكر الله سبحانه وتعالى، سببا للاستسلام لا كما فعلوا، وهذا طبعا فيها من الفوائد أنه كلما استجدت عليك نعمة فلتجدد عهدك مع الله سبحانه وتعالى عبودية وشكرا وإلا شابهت بني إسرائيل لما أنعم الله عزوجل عليهم كيف قابلوا هذه النِعم. 
 ما هي هذه النعم؟
 نبدأ في النظر فيها من عند (وإذ نجيناكم من آل فرعون) كل الآيات التي بعدها تبتدئ (وإذ)، (وإذ) ظرفية زمانية أي كأنه قيل أذكر في ذلك الزمان ما الذي حدث لهم من نِعم، وكيف منّ الله عز وجل عليهم أمام كل حدث من هذه الأحداث. فمن بين النعم:
● أولا: نعمة إنجائهم من فرعون بعد الاستضعاف، والاستضعاف صورته سورة القصص بشكل طويل، بل كانت ملخصا كان في بداية سورة القصص (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) فذكر الاستضعاف، تفصيله هناك لكن هنا الشاهد أنهم بعد الاستضعاف حصل لهم أن أنجاهم من فرعون بل وأهلك عدوهم والإهلاك كان بمرأى من أعينهم حتى تُشفى صدورهم ويُشفى غيظ هذا الظلم الذي عاشوا فيه، لأنه قال بعدها (وأنتم تنظرون) (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) ثم بيّن كيف حدث الإهلاك (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) فكلمة (وأنتم تنظرون) تُبين شفاء الغليل أمام هذا العدو الذي استضعفهم وظلمهم فكيف فعل الله سبحانه وتعالى بهم.
● نعمة أخرى: نعمة العفو عنهم لما اتخذوا العجل بعد هذا الإنجاء وبعد هذه النعم العظيمة يشركون ويعبدون عجلا ومع ذلك يعفوا الله عز وجل عنهم فهذه أيضا نعمة لأنه قال (وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون* ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) فهذه أيضا نعمة.
● نعمة إنزال التوراة: نعرف أن إنزال التوراة حصل بعد إهلاك فرعون، بعد أن تمكنوا وبعد أن أصبح لا يوجد عدو، أصبحوا هم فقط ونبيهم تنزل التوراة. فهذه من أعظم النِعم. فهذه أيضا نعمة.
● نعمة إحياؤهم بعد الموت: لما سألوا رؤية الله جهرا ونزلت عليهم الصاعقة وأهلكتهم فقال الله سبحانه وتعالى (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون).
● من النعم أيضا نعمة الغمام وإنزال المنّ والسلوى لما كانوا في التيه (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
● من النعم أيضا فتح الأرض المقدسة: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا..) إلى آخر الآيات.
● نعمة تفجير العيون لكل سبط من أسباطهم (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر) فهذه أيضا من النِعم.
 ثم بعد ذلك ستأتي قصة البقرة وفيها إظهار الحق بمعجزة قصة البقرة.

مواطن ذم بني إسرائيل في السورة :
هذه النعم أين موطن الذم فيها؟ بعد كل نعمة كان فيه حديث عن موطن ذم، فمثلا من مواطن الذم:
●أنهم عبدوا العجل بدلا أن يوحدوه. يعني الأصل فيهم أنهم لما الله عز وجل أهلك عدوهم هذه ساعة أن يُظهروا لله عز وجل كيف يعبدوه فعبدوا العجل، فهذا موطن ذم.
● لما أصلا يسألوا أن يروا الله جهرة هذا سوء أدب وقلة عقل.
● لما يطلبهم إلى دخول الأرض المقدسة ويعِدهم بالنصر -بيّنتها سورة المائدة- لما قالوا (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ما استجابوا للدفاع إلى الأرض المقدسة فعُوقبوا بالتيه.
 
● لما نصرهم الله عز وجل و دخلوا هذه القرية أو حان دخولهم لهذه القرية أمرهم بالدخول سُجدا وأن يسألوا الله أن يحُط ذنوبهم، فبدلوا قول الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) ما الذي فعلوه؟ (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) وهذه بيّنها حديث النبي ﷺ عموما سيأتي له في الفوائد الذي هو التبديل أنهم دخلوا يزحفون على أستائهم وقالوا حبة في شعرة أو في شعيرة، على حسب ألفاظ الحديث، فبدل إن يقولوا حطة أي احط عنا ذنوبنا قالوا حنطة، فأنظر كيف السفه وقلة العقل وقلة الاستسلام لله سبحانه وتعالى.

ومن مواطن الذم أيضا: الجفاء وسوء الخطاب، لأنهم في قصة البقرة (قالوا ادعوا لنا ربك) ولم يقولوا ربنا فكأنه لموسى وليس لهم.
● ثم بعد ذلك عدم استجابتهم بأخذ التوراة بقوة إلا بعد أن رفع الجبل فوقهم كأنه ظلة فأصبح إيمانهم يشبه إيمان المكره وليس إيمان المستسلم المنقاد الخاضع الخاشع لله سبحانه.

 ● وأيضا من مواطن الذم تحايلهم على الحرام ومثاله في قصة أصحاب السبت وهذه وردت في آية (65) (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم قول كونوا قردة خاسئين) فهم تحايلوا على الحرام بدل من أن يستسلموا لطاعة الله عز وجل والإيمان بما جاء به.

أيضا من مواطن الذم لهم أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض حسب أهوائهم (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) فهذه كانت من صفاتهم. وأيضا في الموطن الآخر قال: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون).
 
من أعظم جرمهم قتلهم للأنبياء، ثم بعد ذلك تكذيبهم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرغم من معرفتهم أنه نبي لهم (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا) لاحظ (ما عرفوا) يعرفون (كفروا به فلعنة الله على الكافرين).

 ● كثرت نقضهم العهود والمواثيق (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون).

 إذا هذه الأمور أو بعض الأمور التي ذمهم الله عز وجل بها في سورة البقرة.
ما العقوبات على هذه الأمور التي ذكرها لهم؟
●  عقوبة التيه.
● عقوبة التوبة بالتقتيل، وهذه طبعا من التعسير، لا شك إن التيسير على أمة محمد مجرد بينك وبين الله تستغفر أما هذا فيقتل بعضكم بعضا.
 ملازمة صفة غضب الله عز وجل عليهم، ولذلك أصبحت علما عليهم هذه الصفة (غير المغضوب عليهم) كما في سورة الفاتحة.
● ضربت عليهم الذلة والمسكنة والفقر، هذه أيضا من العقوبات.
 فإذا هذه مجمل ما ورد في الحديث عن بني إسرائيل داخل سورة البقرة.
-----------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق