قوله تعالى : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[البقرة:196].
هذه الآية يستدل بها العلماء على أنه يجب على من دخل في الحج أو العمرة أن يُتمها، وأكثر العلماء لا يحتجون بهذه الآية على وجوب الحج والعمرة، وإنما على وجوب إتمامها بعد الدخول فيها. يعني الآن لو سألت واحد منكم وقلت: ما هو الدليل على وجوب الحج؟ فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، قلت: لا، هذا دليل مختلف فيه، لكن الدليل الذي يدل على وجوب الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} هذه الآية التي تدل على وجوب الحج، لكن هذه الآية تدل على وجوب إتمامه بعد الدخول فيه، لذلك هو ذكر في الآيات أو في الكتاب قال: "استُدل بهذه الآية على وجوب العمرة لأن الأمر بإتمامها أمرٌ بها" والصحيح ليس كذلك، وإنما هذا أمرٌ بالإتمام فقط، لأنك إذا دخلت في النافلة يجب عليك أن تُتمها، مع أنها في الأصل نافلة.
قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} يعني "إذا حيل بينكم وبين الحرم أو بين الذهاب للحج والعمرة بعد أن أحرمتم بالدخول فيه" فعليك هديٌ تُهديه إلى فقراء الحرم، "فعليكم بذبح ما تيسر من الهدي سواءً كان من الإبل أو البقر أو الغنم لتتحلوا من إحرامكم" يعني واحد الآن يريد أن يُحرم أو يذهب للعمرة فأحرم من الميقات مثلًا وليكن مثلًا السيل أو وادي محرم، وبعد أن تجاوز الميقات ونزل إلى آخر العقبة منعه المرور من الذهاب للحرم قالوا: ممنوع. طيب أنا محرم الآن؟ قالوا: ممنوع ، فيه أمر بالمنع من دخولك للحرم ما الحكم؟
أمران:
/ إذا كنت قبل أن تُحرم قلت: "لبيك اللهم عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" اشترط، خلاص إذا منعك رجل المرور تنزع ملابسك وترجع الطائف ما عندك أي مشكلة، لكن إذا كنت لم تشترط قبل الدخول في النسك فإنه يجب عليك أن تذبح هدي لكي تتحلل من إحرامك. هذا هو معنى الآية {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (أُحصرتم) يعني: حيل بينكم وبين الوصول إلى الحرم.
طبعًا هم يتكلمون في كتب التفسير إن منعكم مانع من عدوٍ أو نحوه، لكن اليوم الحمد لله ما فيه عدو ولا شيء إلا نقاط التفتيش هذه اللي حوالين المسجد الحرام.
/ ثم قال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} يعني "لا تحلقوا رؤوسكم حلقًا كاملًا أو تقصروها حتى يبلغ الهدي الموضع الذي يحل فيه الذبح، فإن كان ممنوعًا من الحرم فحيث مُنع" يعني افرض -مثلًا- أنه حتى الهدي الذي تُريد أن تُهديه إلى فقراء الحرم ممنوع تذهب به إلى حتى الحرم، فيجوز أن تذبح حتى في المكان الذي أنت فيه، وإن كان غير ممنوع من الحرم ففي الحرم، يُذبح في الحرم يوم النحر وما بعده من أيام التشريق كما يذكر الفقهاء.
/ ثم قال الله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا}، هذا حكم آخر جديد {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، هذه الآية نزلت في كعب بن عُجرة رضي الله عنه عندما ذهب ليحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن يصل إلى مكة رآه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بالقمل يتساقط من شعر رأسه فقال: «يا كعب! قد بلغ بك من الأذى ما رأيت»، يعني يقول: ما كنت أتوقع أن يبلغ بك الأذى والقمل ما رأيت، فأباح له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق شعره حتى يستريح من هذا القمل الذي آذاه في شعره، فنزلت هذه الآيات: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ}، فخيّره في الفدية أن يحلق رأسه إذا كان مريضًا - عنده مشكلة في رأسه، عنده قمل عنده أي شيء حساسية معينة - فإنه يجوز له أن يحلق رأسه ولو كان محرمًا ويفدي عن ذلك قال: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، وخيّره بين هذه القضايا الثلاثة ، فعليه أن يفدي إما بصيام ثلاثة أيام كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في الآية هنا، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم الخيار الثاني، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم، يعني قوله: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} ثلاثة أيام، {أَوْ صَدَقَةٍ} إطعام ستة مساكين – كما يذكرون – {أَوْ نُسُكٍ} يعني ذبح نسيكة أو ذبيحة.
/ قال: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ }، هذه الآية أو هذا المثال يستدل به الفقهاء دائمًا على البيان في القرآن الكريم كيف أن الله سبحانه وتعالى يُبين في بعض الآيات بيانًا لا يترك فيه للفقيه مجالًا للاجتهاد، فالله سبحانه وتعالى قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}، ثلاثة زائد سبعة كم تساوي؟ عشرة، وأي واحد من الأطفال يعرف هذه القسمة، ولكن الله لم يترك هذا وإنما قال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} حتى لا يقع الخلاف بين الفقهاء هل الثلاثة أيام التي صمناها في مكة نحتسبها من السبعة التي ذكرها ونصوم أربعة؟ بعض الناس كثير الجدل، مهما تُجيبه وتفصل له يقول: طيب هل تقصد، هل ما تقصد، فالله رفع هذا الخلاف قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}، سبعة زائد ثلاثة كم؟ {تلك عشرةٌ كاملة}، فرفع النزاع فيها. ولذلك الفقهاء دائمًا يذكرون الآية فقط ، هذا الحكم، ولذلك نقول: من فوائد هذه الآية والأحكام التي تُستنبط منها نقول: وجوب إتمام الحج والعمرة بعد الدخول فيها، وأن المُحصَر يُحِلُّ حيث حبسه الحابس وينحر هديه إذا كان عنده هدي ويحلق رأسه يتحلل تمامًا.
ومن فوائد هذه الآية أيضًا: مشروعية التمتع في الحج، والتمتع في الحج هو أن يأتي المعتمر أو الحاج فيعتمر ثم يُحل من عمرته، يحلق رأسه وينزع ملابس الإحرام، ثم يُحرم بالحج هذا المتمتع.
/ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ* لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[البقرة:197-199]
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} والمقصود بها أشهر الحج التي هي [شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة] ، حتى أن ابن عباس لما قال: أشهر الحج شوال وذي القعدة وذي الحجة قال المفسرون: وإنما قصد العشر الأول من ذي الحجة طيب.
فالله سبحانه وتعالى يقول: أن الحج أشهرٌ معلومات - معروفة - تبدأ بشوال، ذي القعدة، ذي الحجة، هذه أشهر الحج، فلا يصح أن يدخل الواحد إلى مكة ويُلبي ويقول: "لبيك اللهم حجًا" في رمضان ، ليس من أشهر الحج هذا، لكن لو دخلت يوم واحد شوال وقلت: لبيك اللهم حجًا ودخلت إلى مكة بنية الحج متمتعًا أو قارنًا حتى لو شئت تبقى في إحرامك ، لكن هذا فيه مشقة، لكنهم ذكروا التمتع، فتدخل في واحد شوال مُحرمًا بالحج فتعتمر وتُحل من إحرامك، ثم تبقى في مكة حتى تحج أنت في أشهر الحج، لكن إذا دخلت في رمضان هذه ليست من أشهر الحج، لازم تخرج خارج الميقات وتدخل وتُحرم بالحج، وهذا معنى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}.
/ {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أي فمن عزم على أن يحج قال: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }، أي أن المقصود بالرفث هنا هو الجماع ومقدماته وما يتعلق بالنساء، فإنه يتأكد في حقه حرمته إذا دخل وأحرم بالحج، وأيضًا قال الله سبحانه وتعالى : {وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، يعني هذه من الآداب أنه يحرم الجدال والفسوق وكل ما يتعلق بهذه الأعمال في أشهر الحج.
ولذلك أبرز ما في هذه الآية من الأحكام – أيها الأخوة -: أن من أحرم قبل أشهر الحج؛ فحجه غير صحيح، كمن صلى الصلاة قبل وقتها، يأتي أحدهم يُصلي صلاة الظهر الساعة عشرة، لا تُقبل صلاتك، وصلاتك هذه نافلة، لابد أن تُصلي الصلاة بعد دخول وقتها، فكذلك الحج لا يجوز إلا بعد دخول أشهر الحج وإلا فإنه لا يُعتبر، يُعتبر نافلة لك.
ومن فوائد أيضًا هذه الآية: أن طبعًا كل ما يتعلق بالنساء الجماع قبل الوقوف بعرفة أنه مفسدٌ للحج وعليه أن يحج من قابل مع الهدي، يعني هذه أبرز ما في هذه الآية من الفوائد.
/ أيضًا في الآية التي بعدها في قوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}، في الآية ترخيصٌ لمن حجّ أن يُتاجر في الحج، {ليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}، يعني واحد ذهب يحج وعنده بعض الأشياء التي يمكن أن يُتاجر فيها، يبيع كتب أو يبيع مسابح ...الخ ، كما يقولون في المثل: حج وبيع مسابح، يعني يبدو أنهم استنبطوا هذا المثل من هذه الآية{ ليسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}.
ومن فوائد هذه الآية أيضًا: وجوب الوقوف بعرفة، ولا شك أنه ركن عظيم من أركان الحج لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده، عندما قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، معناها أنه يجب علينا أن نقف بعرفة ثم نُفيض.
ومن فوائد هذه الآية: أن السُنة أن يجمع الحاج بين صلاة المغرب والعشاء بمزدلفة، كما قال سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}، قالوا: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، هو الصلاة التي يصلونها وهي صلاة المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا في مزدلفة.
/{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، لاحظوا – أيها الأخوة – التعبير في هذه الآية والتي قبلها بقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، التعبير بالإفاضة أصلًا معنى الإفاضة في اللغة هي إفاضة المائعات مثل الماء ونحوه، يفيض البحر، يفيض السيل ونحو ذلك، لكنه سبحانه وتعالى عبّر بهذا التعبير للإشارة إلى جموع الحجيج، إشارة إلى هذا الزحام الذي يحصل في تلك المواقف، لأن الحج هذه من صفاته ازدحام الناس في هذه المواسم لأنها أماكن ضيقة، وعدد الناس كبير، ومدة زمنية محدودة، فعبر سبحانه وتعالى بالإفاضة للإشارة إلى ضخامة العدد. وفيه إشارة أخرى إلى وجوب الترفق والتيسير على الناس في هذه الزحام أو في هذه المناسبات لأنها مناسبات ازدحام شديد لدرجة كأنك ترى سيلًا بشريًا ولا ترى أُناسًا يمشون على أقدامهم.
من فوائد هذه الآية والأحكام التي تُستنبط منها: أن تارك الوقوف بعرفة لا حج له، {{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}}، لأن الدفع من عرفات كما كان يصنع إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا كما كان يصنع أهل الجاهلية - من قريش خصوصًا - كان أهل مكة لا يقفون بعرفة في الجاهلية، فنزلت هذه الآيات لكي تُلغي هذه العادة الجاهلية. ولذلك من فوائد دراسة مثل هذه الآيات – أيها الأخوة – أو مما ينبغي على طالب العلم أن يتعلم ويتعرف على عادات الجاهلية التي كانت راسخة فيهم وجاء القرآن الكريم لينتزعها ويُلغيها وينسخها تمامًا، منها هذه العادة، كانت قريش ترى أنهم أهل الحرم، وأنهم ليسوا كسائر الناس، فإذا جاء وقت الحج يأتي الناس من منى ويتجهون إلى عرفة في اليوم التاسع، فالناس كلهم يذهبون إلى عرفة، قريش وأهل الحرم يقولون: لا، نحن نبقى في مزدلفة، لأن مزدلفة هي نهاية الحرم، وإذا دخلت إلى عرفة تخرج من الحرم أنتم تلاحظون هذا، اللوحات الموجود الآن نهاية حدود الحرم تتوقف نهاية المزدلفة، وإذا بدأت في عرفة ليست من الحرم. فأهل الحرم يقولون: نحن أهل الحرم ما نخرج من الحرم، ويسمون أنفسهم الحُمُس، يعني زي ما تقول: في آي بي، يرون أنفسهم أنهم متميزون عن سائر العرب، نحن ناس خاصين يعني، فالله سبحانه وتعالى أبطل هذه العادة. ولذلك هم كانوا لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يحج بالناس السنة العاشرة - يراقبون النبي صلى الله عليه وسلم مراقبة- يرون في يوم عرفة هو ماشي على ناقته صلى الله عليه وسلم وكانوا يتوقعون إنه يقف في مزدلفة لأنه من قريش، فلما رأوه تجاوز مزدلفة إلى عرفة - يعني خالف حتى عادتنا - العادة اللي كنا متعودين عليها قريش، القرشيين ما يخرجون من الحرم، فرأوا النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى عرفة ويقول: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف»، فنزلت هذه الآية: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، مثلكم مثل الناس، ولذلك المفسرون يقولون: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، المقصود بالناس هنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه كان أمة، لكن المفسرون يقولون: الناس يعني كما أفاض سائر الناس، لأن الحج أصلًا من ضمن حكم الحج المساواة بين الناس سواسية اللبس واحد والرب واحد والعبادة واحدة ما فيه أحد يتميز عن أحد، فهم يريدون أن يستبقوا شيء من هذه المميزات، لكن الله سبحانه وتعالى ألغى كل المميزات. ولذلك نحن نقول: أنه لا ينبغي حتى في زمننا هذا أن يكون هناك فيه خدمات خاصة لطبقة من الناس، يعني اللي يسمونهم الفي آي بي هؤلاء، وإنه ينبغي أن تُكسر هذه العادات القبيحة حتى لا تعود لنا بهذه، لأن يبدو لي قريش في بداية الأمر كانوا بدؤها بنفس الحركات هذه، ثم تطورت حتى أصبحت شريعة، تُصبح شريعة خاصة لناس معينين يقفون في مزدلفة والبقية يذهبون لعرفة، لا، الناس سواسية، والحج من ضمن مقاصده العظمى المساواة بين الناس .
ومن فوئد هذه الآية: أن من وقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه بإدراك عرفة.
ومن فوائدها أيضًا: أن الوقوف بمزدلفة ليس بركنٍ عند أكثر العلماء.
/ ثم قال الله سبحانه وتعالى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] ، المقصود بهذه الأيام المعدودات عند جميع المفسرين هي أيام منى وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر الثالث عشر، يوم النحر له أحكام تخصُّه، ويوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر يسمونها أيام التشريق، ووردت فيها هذه الآية { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، هذه الأيام المعدودات المقصود بها أيام التشريق.
{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}، أي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، لذلك يستدلون بهذه الآية على أن التأخر أولى وأفضل، فيقولون: على أن التعجل والتأخر مباحان والتأخر أولى لأنه قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، فنفى الحرج والإثم عنه. ولا شك – أيها الأخوة – أنا لو أدرنا أن نتوقف مع تفاصيل الأحكام في هذه الآيات لكانت أخذت وقت أطول، ولكن نحن نكتفي بأبرز الأحكام التي فيها.
---------------------------------------------------------
الشكر وصول لمن قام بالتفريغ ونقلته بتصرف سير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق