الخميس، 2 يوليو 2020

الإلمام بآيات الأحكام / الحلقة (14-15) - [الآية (185) من سورة البقرة / لآية (187) من سورة البقرة]


 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
 {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[البقرة:185].
الآية السابقة فيها إشارة إلى أن من شاء أن يصوم فليصم ومن شاء أن يُفطر فليفطر. 
هذه الآية وهي قوله: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، ألغت الحكم السابق، وهذه – أيها الأخوة – أُشير إليها باختصار شديد هي مسألة الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، هذه مهمة جدًا، هذه المسألة مهمة جدًا من أهم المسائل، لو ما نخرج اليوم من هذه الدورة أو من هذا المجلس إلا بفهمها لكانت معلومة ثمينة جدًا.
 ولذلك لما جاء علي بن أبي طالب وجد رجل يتكلم في المسجد فقال له: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت. ولذلك أقول لكم باختصار – أيها الأخوة -: الناسخ والمنسوخ هذه مسألة من مسائل علوم القرآن المهمة، وهي الآيات الناسخة والمنسوخة.
 باب النسخ في القرآن الكريم فكرته باختصار شديد هو: أن تأتي أحكام جديدة تُلغي أحكام قديمة
مثالها معنا في هذه الآيات: كان في أول الصيام يُخير من شاء أن يصوم ومن شاء أن يُفطر، ثم لما نزل قوله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، أُلغي هذا التخيير، فكأن القرار الأول كان يسمح لمن شاء أن يصوم يصوم، ومن شاء أن يُفطر فليفطر، ليس هناك إيجاب، القرار الثاني يُوجب على كل من أدرك رمضان وهو صحيح ومُقيم أن يصمه. هذه هي فكرة النسخ باختصار وهي رفع الحكم المتقدم بحكمٍ أو بخطابٍ شرعيٍ متأخرٍ عنه، فيُشترط في الناسخ أن يكون متأخر، ولذلك أنا قلت لكم: سورة البقرة سورة مدنية، سورة المائدة سورة مدنية، والسور المدنية متأخرة في النزول عن السور المكية، ولذلك السور المدنية مظنة الأحكام الناسخة والأحكام المحكمة، والمكية مظنة للأحكام المنسوخة والمرفوعة، وهذا مثالٌ منها.
 فقوله سبحانه وتعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، فمن أعظم فوائد وأحكام هذه الآية: وجوب صيام شهر رمضان على من أدركه وهو مقيم صحيح غير مريض وغير عاجز عن الصيام. ومن فوائد هذه الآية أيضًا: أنه - كما قال الجمهور- : إذا سافر أفطر، لأن معنى الآية أنه إذا حضر الشهر من أوله إلى آخره، لا أنه إذا حضر بعضه وسافر فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضر، يعني {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} يعني من أدركه شهر رمضان وهو مُقيم فليصمه، ومن أدركه شهر رمضان وهو مسافر فله أن يترخص برخصة السفر التي مرت معنا في الآيات التي قبلها. 
وأُشير إلى فائدة ولا أتوقف عندها كثيرا: وهو تأملوا – أيها الأخوة – في هذه الآية في قوله:  {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، كيف أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يمدح شهر رمضان فما وجد صفةً يمدحه بها أفضل من أن يمدحه بأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن العظيم، وهذا تشريف لهذا الشهر وإشارة إلى عظمة هذا الكتاب العظيم الذي نتفقه اليوم في أحكامه. 
ومن فوائد هذه الآية وأحكامها: الحث على التكبير في آخر رمضان، لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم التكبير في نهاية الشهر من ختام أو من غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان حتى صعود الإمام على المنبر في صلاة العيد والتكبير مشروعٌ في هذا الوقت لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}.

  



 { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }[البقرة:187]
 
 هذه الآية من الآيات المرتبطة بآيات الصيام أيضًا وهي في قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } كان الأمر في أول الإسلام أن الرجل إذا نام في ليل رمضان، ولنفرض أنه نام مثلًا بعد صلاة المغرب ثم استيقظ مثلًا على صلاة العشاء، فإنه لا يجوز له أن يأكل أو يشرب أو يقرب أهله، كان هذا هو الأمر في أول الإسلام، ووجد الصحابة رضي الله عنهم مشقة من ذلك، فنزلت هذه الآية ونسخت هذا الحكم السابق، وأصبح المسلم يستطيع أن ينام ويستيقظ - في الليل طبعًا قبل أن يطلع الفجر- يستطيع أن يأكل وأن يشرب وأن يقرب أهله، فهذه الآية تدل على هذا الحكم {{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ }، والمقصود بالرفث إلى النساء المقصود أن يأتي الرجل زوجته.
  هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ} لأن البعض كان يجد مشقة في ذلك فيقع في المحظور والمحرم، فهذا معنى قوله: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.
 وقد ذكرنا هذه الآية مثالًا في أول الدروس على أن الصحابة رضي الله عنهم ربما وقع بعضهم في فهمٍ خاطئ للآيات، حتى نعلم – أيها الأخوة – أنه ليست المعرفة باللغة كافيةً في فهم الآيات. لأن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه لا ينقصه معرفة باللغة، ولا معرفة بالنزول، ولا معرفة بأسباب النزول، ولكن هكذا فهِم من ظاهر الآية أن المقصود بالخيط الأبيض والخيط الأسود الخيط نفسه -الحبل- والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن له أن المقصود بالخيط الأبيض هو بياض الفجر، والخيط الأسود المقصود به سواد الليل.
 فهذه الآية إذًا نزلت في هذا الموضوع بالذات، هو: أنه كان يُمنع على المسلم أن يقرب زوجته أو أن يأكل أو يشرب في ليل رمضان إذا  نام ثم استيقظ، ولذلك كانوا يجدون مشقة، لابد أن تبقى مستيقظًا طيلة ليل رمضان وإلا لا يجوز لك أن تأكل ولا تشرب، هذه الآية أباحت له هذا الأمر. 
ولذلك نقول نحن: أن من الفوائد أو الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى في آخرها قال: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } فهو قد أباح الآن، كان يحرم على المسلم أن يقرب زوجته في هذا الشهر وأن يأكل أو يشرب إذا نام ثم استيقظ، فجاءت هذه الآية فأباحت له الأكل وأباحت له الأكل، وأباحت له الشرب، وأباحت له الجماع في ليل رمضان، ثم استثنت طائفة من الصائمين وهم المعتكفين في المساجد. والمعتكف في المسجد: هو ا لذي يلزم المسجد من أجل العبادة، ولذلك هم يقولون في تعريف الاعتكاف: هو لزوم مسجدٍ من أجل العبادة، فالله سبحانه وتعالى حرم على المعتكف أن يُباشر أهله، أن يُقبل أو أن يُجامع من باب أولى فقال: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، فهذا الحكم من أحكام الآية أنه لا يجوز للمعتكف أن يُباشر أهله. 
وأيضًا من فوائد هذه الآية: أن الأمر للوجوب، في قوله سبحانه وتعالى: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ، أن هذا الأمر للوجوب.
 أيضًا من فوائدها: أن الاعتكاف ليس بواجب وإنما هو مندوب وليس بواجب، هذا من فوائد هذه الآيات أو هذه الآية العظيمة.
 ---------------------------------------------------------------
جزى الله من قام بالتفريغ وقد نقلته (بتصرف يسير)


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق