الأربعاء، 16 أغسطس 2017

تفسير سورة الكهف موسى والخضر-١-



 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
 مازال حديثنا عن سورة الكهف ووصلنا إلى القصة الثالثة من هذه القصص واليوم حديثنا سيكون بمشيئة الله تعالى عن قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح .

أيها الأخوة الكرام كل قصة من قصص سورة الكهف تبدأ بداية مختلفة عن الأخرى فدعوني أربط القصص القديمة السابقة فقط من خلال البدايات.
بدأت القصة الأولى قصة أصحاب الكهف بموجز مختصر عن أهم أحداث القصة ثم بعد ذلك أتى التفصيل وهذا يسمى أسلوب التشويق إذا كانت القصة فيها غرابة - ولا شك أن غرابة نوم أُناس ثلاثمائة وتسع سنوات ليس بعده غرابة - ولذلك إذا كان القصة فيها أحداث فيها نوع من الغرابة والاستغراب فيمكن للقاصّ أن يبدأ بأحداث مشوِّقة ثم بعد ذلك يأتي للتفصيل فهذا أكثر جذباً للمُستمع.
 أما القصة الثانية وهي قصة صاحب الجنتين فبدأت بضرب المثل، والمثل - ضرب الأمثال- المقصود منه الإقناع ولما كان الحديث عن المال، والنفس لا تقتنع إلا بأن المال هو مصدر السعادة، وأن المال يمكن أن يفعل به الإنسان كل شيء، وأن المال .. وأن المال .. بينما لو قلت للإنسان إن المال فيه خطورة إذا لم تتعامل معه بالطريقة الصحيحة ربما لا يقتنع بهذا، ولذلك أنتم ترون كيف أن الناس يزرعون حول بيوتهم وفي شوارعهم الشجر لو سألتهم لماذا تزرعون الشجر؟ قال : يا أخي للزينة، الشجر يُفرح النفس ، ويُبهج الصدر، وينمو إلى العلو، ويعطي ظلاً بلا مقابل، وثمراً بلا مقابل. لو قلنا لهم لماذا إذاً لا ننثر الكلام الطيب كما ننثر ونزرع الشجر؟ لوجدت الأمر مختلف. ولما كانت قناعة الناس بأن الكلمة الطيبة مثل الشجر جاء ضرب المثل لها في القرآن الكلمة الطيبة مثل الشجرة الطيبة، وهكذا تجد أن أي أمر معنوي أو بعيد عن الأذهان أو يصعُب أحياناً فهمُه أو تقديره أو يكثُر العناد فيه، تجد يُضرب لهم مثل، ومن أهم وأظهر ذلك قضية البعث، فقد كثُر ضرب المثل لها في القرآن. إذاً لما كانت القضية مالية ضُرب لها المثل في أولها وفي آخرها.
 أما اليوم فقصتنا تبدأ بالحوار على خلاف القصص السابقة {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} إذاً الحديث - بداية الكلام - عن قول، فنحن لا نعرف ما الذي دار قبل هذا ، مباشرة جاء لك الحدث من لحظة معينة في محاورة ، الأحداث السابقة لا تعنينا وليس لها دخل كبير في فهم القصة إنما من لحظة معينة في محاورة من كلمة معينة جاء سرد وبيان هذه القصة.
/ قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ } "إذ" ضمير ظرف يدل على توقيت زماني معين، إذاً الحديث هنا وبداية الكلام بالحوار وذكر قول وردُّ قول يدلنا أو يشير إشارة لطيفة إلى علاقة ذلك بموضوع القصة، موضوع القصة هو العِلم والتعلم، وكأن فيه إشارة أن قضية التحاور وما يسمونه اليوم في عُرف التعلم المناقشة ويسمونه المناقشة والحوار من أظهر وأحسن أساليب التعلم، تسأل ويجيب الطالب، أو الطالب يسأل وأنت تجيب، المهم أن يكون هناك أخذ وعطاء سؤال وجواب، فالحوار والكلام من أكثر من جهة له أثر كبير في التعلُّم فقد يكون في هذا إشارة، وقد يكون فيه إشارة أيضاً أن الحديث الذي بدأ والحوار الذي بدأ لو بحثنا عن أركانه المُحاوِر والمُحاوِر الآخر ونوعية الحوار لوجدنا أن موسى عليه السلام يخاطب فتى وهو يوشع بن نون يخدمه ليس من عِلية القوم ولا من كِبارهم، يعني موسى عليه السلام عندما يتحدث مع {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ} ويخاطبه ويتحدث معه أول ما يشير هذا يشير إلى تواضع موسى عليه السلام أن يحدِّث إنساناً بالمُهمة التي يريد أن يذهب إليها ويُطلِعه على جزء منها هذا فيه تواضع وما علاقة ذلك بموضوع القصة؟ التواضع أهم خصيصة في المُتعلِّم، وأسوأ خصيصة يمكن أن تُوجد في المُتعلِّم وتحجُبه عن العِلم هي الكِبر، أن يقول : لا.. أنا أعرف .. أنا أعلم .. أنا قرأت .. أنا أكبر منك سناً .. أنا أعلى منك شهادة .. أنا وُلدت قبلك .. أنا عرفت هذا قبل أن تأتي بك أمك، هذا الذي نسمعه دائماً. التواضع أظهر ميزة سنجدها موجودة في هذه القصة، والقصة كلها تدور حول العِلم - التعليم والتعلُّم - سواء كان من مُعلِّم وهو العبد الصالح -الخضِر- أو موسى عليه السلام وهو المُتعلِّم هنا، وإذا جئنا إلى أساس القصة موسى عليه السلام يقف خطيباً قي قومه فيخطب فيهم فيسأله رجل - كما ذكر في بعض الأحاديث - (هل يوجد أعلم منك يا نبي الله؟ قال : لا) وقال: لا، لأنه لا يعلم أحداً أعلم منه ولكنه لم يرُد العِلم إلى الله سبحانه وتعالى فعاتبه الله عز وجل فقال : بلى هناك من هو أعلم منك يا موسى تجده في مجمع البحرين وعلامة وجوده أن تأخذ معك سمكة - حوت - قيل مُملحة - ميتة مملحة جاهزة للطبخ - فأينما فقدت هذا الحوت تجد ذلك الرجل في مجمع البحرين، إذاً الموقع مُحدد لكن ليس بالتحديد الدقيق فالذي سيحدد تحديداً دقيقاً هو فقد الحوت فاهتم بهذا الحوت وأخذ معه يوشع بن نون يخدمه ويعاونه في رحلته وأخذوها في مِكتل وذهبوا. فموسى عليه السلام استجاب لأمر ربه سبحانه وتعالى وحدّث فتاه قائلاً له : {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ } يعني لا أترك أبداً، يعني لن أترك سبيلي هذا ولا همتي هذه ولا عزيمتي هذه {حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} الذي حدده الله له { أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أي أستمر في طلب ذلك المكان وذلك الشخص حُقُب، يعني أزمنة متطاولة قيل محددة وقيل غير محددة، بعضهم حدده بتسعين سنة وبعضهم لم يحدده كما قال الله عز وجل : {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}.
/ هنا أيضاً يتبادر سؤال : لماذا نبي الله موسى على سبيل الخصوص الذي كانت معه هذه الحادثة ؟
الأنبياء كُثُر فلماذا نبي الله موسى عليه السلام الذي حصلت معه هذه الحادثة ؟
 العِلم عند الله لكن يمكن هناك إشارات:
 أولاً : أن موسى عليه السلام هو النبي الذي ذكر الله سبحانه وتعالى أن الله كلَّمه {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } وأكد ذلك أيضاً في آيات أخرى ، والتكليم من رب العالمين أعلى درجات التعلّم، يعني أنت - ولله المثل الأعلى - لو جئت أخذت عن رجل قبل شيخ مشهور وعالم كبير نحرير وبينك وبين هذا العالم العظيم رجل درست عليه وهذا الرجل درس على ذلك الشيخ تجد أنك وصلت إلى مرحلة عالية فما بالك لو مباشرة سمعت منه، هذا ما يسمى بعلو الإسناد ويهتم الناس به وأهل العلم يعرفونه فما بالك إذا كان ذلك مباشرة من الله سبحانه وتعالى، والقصص الأربعة التي في قصة الكهف هي قصص قديمة كلها تتحدث عن أقوام سابقين وإلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كلَّمه ربه وفرض عليه الصلوات، لكن نحن نتحدث عن الحديث عن قصص قديمة، كل الحديث في سورة الكهف عن قصص قديمة، فإذا كان موسى عليه السلام بهذه المنزلة العالية في التعلُّم وربه ربّاه سبحانه وتعالى بأن يرُدّ العلم إليه جل جلاله وأن لا يترك التعلم أبداً فما بالك ببقية البشر، مهما بلغت بهم الشهادات ومهما حفظوا من المتون والكتب، ومهما درسوا على المشايخ، ومهما ألفوا من الكتب سيبقى التعلُّم - إذا نستفيد من هذه القصة - حاصلاً في كل وقت وحين.
/ أيضاً - يا أخواني الكرام - واضح من هذه القصة أن موسى عليه السلام ما حصلت معه هذه الحادثة إلا لما استقر له الأمر في بني إسرائيل لأنه وقف فيهم خطيباً وتحدث فيهم ومعه أناس فهذا دليل على أنه ليس في الفترة الأولى السابقة مع فرعون وقومه بل هذا بعد ما استتب له الأمر، وهذا أيضاً يدل على أن موسى عليه السلام فوق أنه أوتي النبوة من الله سبحانه وتعالى أوتي التجربة في الحياة لأن الإنسان كلما كبِرت به السِّن وكلما جرب في الحياة كلما تعلّم أكثر، وكلما كان التعلُّم من غيره على نفسه أصعب. انظروا الآن إلى رجل كبير في السن هل يمكن أن يتعلم من صبي أصغر منه ؟ ستجد فيها صعوبة وربما الكلام الذي يقوله غير مقبول لأنه يرى فارق السن، يرى فارق التجربة، ومع هذا قال الله عز وجل لموسى عليه السلام : هناك من هو أعلم منك فاذهب فتعلم منه.
 موسى عليه السلام -أيها الأخوة الكرام- هو أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن، قصصه متعددة في القرآن، متنوعة، وهذا ما يدل على تنوع التجربة، تنوع التعلم، لأن التعلم ليس بالضرورة أن يكون في مدرسة ولا من خلال كتاب، بل ستكتشفون من خلال القصة التي معنا أن التعلّم الذي حصل منها لم يكن في فصل دراسي ولا في جلسة ولا في موقع بل في مواقع ومن خلال الأحداث، وليس هناك إلقاء أو استقبال بل هناك ممارسة وتعليق وسنأتي لها في وقتها - إن شاء الله - كنوع من أنواع أساليب التعليم والتعلم.
على كل حال {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} ذِكر موسى عليه السلام هنا بيّنا لفتاه.
 أيضاً الإشارة دون ذكر الاسم وهو يوشع بن نون فيه لفتة أنه تحدّث مع فتىً له قال :{لِفَتَاهُ} هذا دليل على أنه يتبعه فكونه يتحدث مع تابع له ويُشركه في المهمة هذا دليل يا أخواني على التواضع ، في بعض الناس يركب معه إنسان آخر ربما أقل منه درجة وظيفية وإلا غيره ما يكلمه بشيء ولا يقول نحن ذاهبون للمكان الفلاني ما رأيك؟ وأين نسكن؟ أين نجلس؟ هذه من الأشياء المهمة، بعض الناس لا يراها مُهمة كما يقولون في علم الإدراة : لابد من أن تُشرك الناس كلها معك، كل العاملين في الحقل الذي معك كلهم يشرَكون معك، كلهم يجب أن يعرفوا يحملوا الهمّ الذي تحمله وليس صحيح أن يكون الإنسان دائماً لوحده هو يفعل كل شيء ويأمر بكل شيء هذا غير صحيح لأنه يوم من الأيام سيترك المكان ويأتي غيره.
 فهو يحدثه عن حديث عادي يقول له :{لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} يقول أنا نويت نية بعدما ما قال الله له ذلك أنا لن أترك هذه المهمة وقد عزمت عزيمة أن أرحل من مكاني هذا وأذهب إلى مجمع البحرين، وهو مكان بعيد عن موقع موسى عليه السلام ومشى فيه فترة ليست بالهينة وتعب ونصب فيه وأصابه الجوع وأصابه التعب والذي يهمنا هنا هذه الإشارات دون النظر -حقيقة- إلى قضية المسافة كم هي وأين المكان قد لا تهمنا كثيرا هذه القضايا بقدر ما يهمنا ما الذي ذُكر في القصة من نواحي معينة لها علاقة بالتعليم والتعلّم، هذا الذي يهمنا الآن.
قوله {لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} هذا فيه إضافة إلى النقطتين السابقتين وهما التواضع والحوار والمحاورة وقلنا إنهما من أهم الصفات التي يُبنى عليها التعلّم، الصفة الثالثة التي نستشفها من هذه العبارة هي : الإصرار والتصميم.
التعلّم ما يأتي لرجل وإنسان إذا جلس مجلس ولم يعجبه المجلس انصرف عنه، أو رأى حدة في المُعلِّم تركه، أو رأى شدة في شيخه قال: لا أريد أن أتعلّم منه، هذا ما يتعلّم، الذي لا يصبر ولا يتعب لا يتعلّم، ولا تجد أحدا أبدا نال التعلّم وهو مرفه .. مرتاح، أي عِلم يأتي بالترفه والارتياح لا يكون علما مُثمرا في النهاية، وهذا من أظهر الدروس التي ستظهر معنا في نهاية الأمر، هل البيئة المترفة هي التي تُنتج عِلما، أم البيئة التي فيها كدّ وكدح وتعب وسفر ونصَب، أيهما تُنتج علما؟
{لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} إذا لو لم يجده في مجمع البحرين هو سيستمر يبحث عنه ولو مضى على ذلك سنوات سواء كانت محددة بالتسعين التي ذكرناها أو غير محددة بمعنى أزماناً متطاولة لا حد لها، إصرار لابد أن أبلغ الهدف، وهذا هو طالب العلم الصحيح الذي يريد يحدد هدفاً معيناً ويسعى إلى أن يصل إليه مهما كانت الصعوبات ومهما كان النصب ومهما كان التعب. بعض المتعلمين الآن يشترط على شيخه افعل كذا ولا تفعل كذا، وتعال في الوقت الفلاني نحن لا يناسبنا الوقت الفلاني، هذا تعليم مترف ولذلك ما تجده يُنتِج إنتاجاً جيداً.
/ {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } لاحظوا النقلة - يا أخواني الكرام - الحديث أولاً واضح في الآية الأولى أنه في المكان الذي كان فيه موسى عليه السلام وبين قومه {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} معناه وصلوا،  قضية الانتقال وكيف انتقلوا وعلى ماذا انتقلوا ومن أين سلكوا وأي طريق ذهبوا، قضايا لا تهمنا وليس فيها فائدة ولذلك لم تُذكَر، المهم وصلوا بعد فترة من الزمن لم يأكل فيها موسى عليه السلام ولا من معه في هذه الفترة ثم وصلوا في اليوم الثاني إلى مجمع البحرين فوجدوا صخرة فارتاحوا فيها من عناء السفر، قيل إن موسى عليه السلام نام غفى غفوة نام ويوشع بن نون - فتاه الذي معه - يراقب وقال له راقب الحوت هذا لا يضيع منا لأن العلامة أن يفقدوه فنام عليه الصلاة والسلام وخرج الحوت والفتى ينظر، خرج الحوت انتفض وخرج حياً بعد أن كان ميتاً وكانوا على شاطئ البحر وخرج من المكتل ومشى ودخل في الماء، لما دخل في الماء أوقف الله جري الماء بمعنى لما دخل في الماء أي شيء يدخل في الماء يكون له أثر، بقي أثره كما قال ابن عباس كالصخر، يعني كأنه منحوت في الصخر، بقي الماء مثل المجمد لا يعود إلى حاله الأول حتى يُري الله عز وجل موسى عليه السلام العلامة لأنه ما رآها لما خرج، فلما أفاق موسى عليه السلام نسيَ الفتى أن يخبره بالحادثة فاستمرا في طريقهما بحثاً عن العبد الصالح ونسي الغلام أن يخبر موسى عليه السلام بالذي حصل لأمرٍ أراده الله سبحانه وتعالى لتظهر بعض القضايا التي ما ذُكرت في الحديث السابق ستظهر الآن في هذا الحوار وفي هذا السياق.
/ يقول الله عز وجل :{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} أما موسى عليه السلام فنسي أن يسأل، كيف نسيا حوتهما ؟ موسى عليه السلام لما قام نسي أن يسأل عن الحوت والفتى نسي أن يُخبر موسى عليه السلام بأن الحوت خرج.
 {نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} أي الحوت {فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} يعني دخل في الماء من جانب الشاطئ والماء طبعاً لا يكون عميقاً ورآه الفتى ووقف جري الماء فاصبح مَسرباً واضحاً كأنه حجر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا } بعد قليل سيأتي معنا {عَجَبَاً} وسنحاول نربط بين المعنيين لماذا {سَرَبَاً} هنا و{عَجَبَاً} هنا؟
 {فَلَمَّا جَاوَزَا } يعني جاوزا الموقع الذي كانا فيه، الصخرة هذه مشيا عنها قليلاً، استمرا في مشيهما أصابه الجوع فقال موسى عليه السلام :{قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} فلما قال : {آتِنَا غَدَاءَنَا} تذكر لأن الغداء هو من هذا النوع من نوع الحوت الذي معه هذ،ا قال :{آتِنَا غَدَاءَنَا} وكلمة {غَدَاءَنَا} تشعرنا أنهم كانوا في النهار فقد يكونوا في الصباح مشوا واستمروا في مشيهم إلى مرحلة وقت متأخر حتى أصابهم الجوع والإجهاد فقال هذه القوله قال :{آتِنَا غَدَاءَنَا} هذا أيضاً فيه دليل على أن الذي رافق موسى عليه السلام هو هذا فقط، وموسى عليه السلام من هو في المكانة؟ وهو المنتصر على فرعون بنصر الله سبحانه وتعالى وبتأييد الله وبتلك العصا العجيبة التي كانت يوم من الأيام لما سُئل عنها قال : {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ} هذا قبل الرسالة، مجرد عصى في يده فحولها الله عز وجل إلى آية استمرت مع موسى عليه السلام طيلة عمره، فبسببها - كما تعلمون - آمن السحرة، وبسببها تفجرت الأنهار والعيون لقومه، وبسببها ضُرِب البحر الهائل بعصا فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، هذه العصا التي كانت معه ، فموسى عليه السلام أعطاه الله سبحانه وتعالى أمراً عظيماً، ومثل موسى عليه السلام في المنزلة ربما لو تصور بعضنا في أيامنا هذه  بعض الناس لو يكون عنده نوع من المكانة والمنزلة وغير ذلك يمكن إذا مشى مشوا معه بشر كُثُر، هذا واحد مشى معه وفتى يحمل له طعامه وشرابه وهو يساعده وهو نبي، والله لن يكون في منزلته لا صغير ولا كبير ومع هذا مشى معه لأن القضية ليست قضية عرض عضلات وليست قضية أُبهة هذه تعلم والتعلم لا يصلح معه البهرجة وإنما يصلح معه التواضع والبساطة وما يكفي في الغرض، فذهب معه وجاع وهو نبي جاع {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا} تعبنا وكأنه يقول {آتِنَا غَدَاءَنَا} يعني يطلب الغداء ومادام أنه يطلب الغداء معناه أنه جائع فذكر شيئين مهمين ممكن أن يتعرض لهما طالب العلم فيجب أن لا تثنياه عن طلب العلم:
 الأول : الجوع ، بعض أهل العلم يقولون كان يخرج من بعض المدن وبعض حواضر الإسلام وكان إذا خرج خرج الناس وراءه بعضهم يقول : والله لو وجدت في مدينتكم ما يطعمني من الخبز ما خرجت منها وهو عالم عظيم، فكان هذه سمة موجودة يعني {{قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا} هذا الأول ممكن للإنسان أن يتعب.
 الصفة الثانية : التعب .. النصب وقد يكون هذا بسبب سفر أو بأي سبب آخر، لكن لما نأتي للثلاثة أمور التي ذُكرَت هنا التعب، السفر، السفر لطلب العلم من الأشياء المتفق عليها حتى ألفوا مؤلفات اسموها الرحلة في طلب العلم، رحلة فلان ورحلة فلان ورحلة فلان، وبعضهم يرحل من آخر الأرض من مشرقها إلى مغربها ليطلب حديثاً واحداً عند شخص، وبعضهم ليسأله بعض المسائل.
 اليوم يا أخواني الكرام نحن نقتصر كل هذه المسافات باتصال هاتفي وبعضنا ما يتصل حتى ، يخطئ ويعمل وبعد ذلك إذا اخطأ اتصل خصوصاً ما يتعلق ببعض المناسك والحج والعمرة وغير ذلك. اليوم العلم متيسر ومع ذلك انظروا إلى وضع الناس سابقاً كيف كانوا يفعلون.
 إذاً عندي السفر، وعندي النصب والتعب، وعندي الجوع وهذه ممكن كلها تمرُّ على طالب العلم فإذا صبر عليها طلب علماً، أما إذا تذمر منها فلن يرضى من العلم إلا بالقليل،والعلم إذا لم تعطه كلك لن يعطك بعضه، إذا ما تعبت تعب كثير ما راح يعطيك إلا القليل . {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا} وكون هذه القصة - يا أخواني الكرام - تأتي على نبي مثل نبي الله موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل ومن أكثر الأنبياء ذِكراً في القرآن حتى قال بعضهم حتى كاد أن يكون القرآن كله لموسى كونه تكون وتُذكر معه هذه القضايا التي يتعرض لها أي إنسان من بني آدم، هذه فيها دليل على أن الأشياء التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان لا تخرج عن مثل هذه القضايا حتى في يومنا هذا لا تخرج عن مثل هذه القضايا.
 لما سأله هذا السؤال ذكّره بالحوت قال أي الفتى : { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ } أعلمت أو أتذكرت لما أوينا إلى الصخرة، لما جلسنا عند الصخرة في أول مجيئنا عند مجمع البحرين - طبعاً هذه الصخرة جلسوا فيها ونام فيها موسى عليه السلام - فهي مشهورة وتذكّر الفتى أنه في تلك اللحظة خرج الحوت { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ } يعني نسيت الحوت أن أذكر لك نسيت أن أذكر لك القصة، نسيت أن اذكر لك الحادثة {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } فذكر هنا قضية رابعة غير الثلاث التي ذكرتها قبل قليل وهي قضية النسيان ، فبعض الناس عنده مشكلة في نسيان العلم، والنسيان ليس سبباً لأن تترك التعلّم فإن الناس كلهم ينسون ولكن عليك أن تبحث عن الطريقة المناسبة لمعالجة هذا النسيان فالناس كلهم ينسون، والنسيان أمر ركّبه الله في الناس ولولا أن الله عز وجل خلق النسيان فينا وأوجده لما عاش الناس، أنت تسامح الناس الذين يخطئون عليك وسبب هذا النسيان، ينسى الإنسان العداوات، على سبيل المثال الحامل لولا أنها تنسى بفضل الله عز وجل آلام الحمل ما حملت مرة أخرى، وهكذا أمور كثيرة لكن الله عز وجل ينسينا ويمحوها من ذاكرتنا فأصبحت لا تؤثر علينا فهي نعمة، والعلم تقرأ وتقرأ وتنسى، وتعود وتقرأ وتقرأ وتنسى، ولكن إذا استمر الإنسان والعلوم آزرت بعضها وذكّر بعضها بعضاً هنا يشعر الإنسان أنه بدأ يتعلم، لكن المتصور أنه من أول لحظة سيحفظ ، ومن أول لحظة سيستوعب كل هذه المعلومات هذا غير صحيح، إذاً عندنا هذه أربع قضايا ممكن أن تكون عوائق أحياناً تعيق الإنسان عن التعلم.
 {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} إذاً هو لم يتعمد - واضح من هنا - أنه لم يتعمد أن ينسى إخبار موسى عليه السلام لأنها كانت أمانة وكلّفه بهذا العمل لكن الله عز وجل أراد أن ينسى وكان السبب في ذلك هو الشيطان {أَنْ أَذْكُرَهُ }.
 {وََاتَّخَذَ سَبِيلَهُ}واتخذ يعني الحوت {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ } طريقه الذي قرره الله له {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} هنا قال:{ عَجَبًا} وفي السابق قال :{سَرَبًا} {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} وهنا {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} والوصف لحالة واحدة، الوصف في الموضعين لحالة واحدة وهي قضية دخول الحوت إلى الماء فلماذا إذاً جاءت في الأولى {سَرَبًا} وفي الثانية {عَجَبًا}؟
 قال : ذلك لاختلاف الواصف، فإن الواصف للأول هو الله سبحانه وتعالى وهذا الأمر ليس بعظيم عليه جل جلاله فهو أمره وهذا خلقه فليس أمراً عجيباً، أما الثاني فالواصف له هو الفتى، والفتى مخلوق ورأى أمراً لم يألفه من قبل وهو انقلاب هذه السمكة إلى أن تكون فيها حياة وتدخل في الماء فهذا بالنسبة له شيء عجيب ولذلك لما وصفه قال :{وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا}.
 لما قال ذلك لموسى عليه الصلاة والسلام قال موسى عليه السلام لفتاه : {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} هذا الذي نريد {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}{ذَلِكَ} يعود إسم الإشارة على فقد الحوت والذي يظهر - والله أعلم - أنه لم يُعلم فتاه بذلك لكنه قال له : اُنظر إلى هذا الحوت، راقبه ولو خرج ولو ذهب ولو عاد ولو أي شيء أخبرني عنه {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} هذا الذي نريد، هذه العلامة التي ننتظرها {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} والإشارة بالبعيد {ذَلِكَ} إسم إشارة للبعيد إما لأن هذا هو المنال والمطلب الذي يسعى إليه فهو عالي المنزلة بالنسبة له وعالي الاهتمام بالنسبة له أو لأن الزمن سبق وله فترة من الزمن هذا أمس.
 {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا}
{مَا كُنَّا نَبْغ} الكتابة في المصاحف {نَبْغِ} بغين عليها كسرة، و"نبغي" فعل مضارع، والأفعال المضارعة لا تُحذَف منها حروف إلا بأسباب لغوية، ومن أسبابها اللغوية أن يتقدم عليها جازم مثل : [لم أو لا الناهية أو لام الأمر] أو غير ذلك أو [أسماء الشرط] هنا لم يتقدم لا جازم ولا ناصب ولا غيره ومع هذا حُذِفَت الياء؟؟
 تحدث بعض المفسرين عن هذه الياء المحذوفة لماذا حذفت { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} وليست ما كنا نبغي مع أن هذا هو الأصل، الأصل نبغي بياء وليس هناك مبررٌ في لغة العرب نحن نتكلم الآن لحذفها إلا ما يسمونه التخفيف، ولكن بعض المفسرين المعتنيين باللغة قال: إن في حذف الحرف هنا تصويراً للحالة وهذه ليست أول حالة يصور فيها الحرف معنى بل -إن شاء الله سيأتي معنا في الحلقات القادمة إن شاء الله- سنذكر لكم صوراً من ثأتير الحرف وحذفه في المعنى فإن لغة العرب تتحمل حذفاً كثيراً فيمكن أن تُحذَف فيها الكلمة، ويمكن أن تُحذف فيها الجملة، ويمكن أن تُحذف فيها الجمل الكثيرة، ويمكن أن يحذف فيها الحرف وقد سمى ابن جني -وهو من الذين تخصصوا في الكتابة في هذا الموضوع- سمى الحذف شجاعة العربية، ما كل اللغات تستطيع وتقدر على أن تحذف ومع ذلك بعدما تحذف يكون المعنى أقوى من لو ذكرت، حتى أُقرِّب لكم هذا المعنى: لو أنني تحدثت عن إنسان إسمه صالح وأريد أن أمدحه وصار نقاش بينه وبين شخص وسألني ما رأيك في هذا الرجل الذي إسمه صالح فقلت له بهذه العبارة الآن قلت : صالح إنسااان ومددت بها صوتي، الآن أنا عبرت عن صالح هذا بكلمة واحدة والكلمة الواحدة معناها أنه فيها محذوف إما قبلها أو بعدها، يعني هذا إنسان أو هو إنسان أو صالح إنسان إلى غيره، وما رأيكم لو سألني رجل آخر وقال : ما رأيك في خالد ؟ الآن هذا الأول قلت عنه الكلمة ، الثاني خالد هذا قلت : خالد رجل كريم شجاع أديب شاعر بطل، وعددت له مائة صفة، أيهما أقوى في المدح قولي عن صالح إنسان، أو قولي عن خالد أنه رجل كريم متصدق؟ طبعاً لو أضفت له ألف صفة ستبقى الوصف الأول المفرد الذي ليس وراءه صفات أقوى في الدلالة من هذه الصفات الكثيرة ذلك أنني اسبغت عليه بهذه اللفظة وبهذا المد بهذا الأداء جميع صفات الإنسانية بلا استثناء، وهو الذي نقوله في مجالسنا إذا سألنا عن فلان ما رأيك بفلان ؟ فيقول : رجل، ما يحتاج أن أصف الأوصاف الأخرى فإنني كلما وصفت تحددت الأوصاف ولا يتعداها إلى غيرها بينما عندما أسكت وأحذف فإنني أجعل جميع صفات الرجولة متعينة فيه، إذاً هذا الذي يقول عنه ابن جني شجاعة العربية إنك تحذف ولما تحذف تكون أبلغ من لو لم تحذف، بعض الناس يظن أن البلاغة هي أنك تكثر من الكلام، تكثر من الشرح، تكثر من البيان، البلاغة ليس لها صنف محدد هي بحسب المقام الموجود تحتاج كثير شرح تشرح، تحتاج إيجاز توجز وهكذا على كل حال.
 قالوا : إن حذف الحرف هنا يصور حالة موسى عليه السلام هذا قول ممكن أن يؤخذ به، ولا يؤخذ لكن نذكره للفائدة والعلم.
 كيف يصور حالة موسى عليه السلام ؟ قالوا : إن الإنسان المستعجل أو الذي ينتظر موعداً مهماً ثم جاء الموعد فجأة فإنه غالباً لا يهتم إلا بالموعد ولا يهتم بأي شيء آخر فممكن أن تسقط بعض متاعه أو ينسى بعض أغراضه، وهذا حاصل في علم الناس والبشر لأن الإنسان إذا كان ينتظر رحلة مهمة والا غيرها وجاءت فجأة فإنه لا يهتم بنسيان كثير من الأشياء سيركز على بعض الأشياء المهمة ثم بعد ذلك .. فقالوا إن سقوط الحرف من الكلمة صور سقوط بعض المتاع من المستعجل هذا مما ذكر في هذا المجال .
 { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا} (ارتدا) يعني رجع الإثنان موسى عليه السلام وفتاه.
 {عَلَىٰ آثَارِهِمَا } حتى لا يفقدا موقع الصخرة ، وهذا دليل على أنه لم يفت وقت طويل جداً بين هذا وهذ،ا ولم تكن هناك رياح فعادا على الآثار نفسها يمشون، وأيضاً لم يذكر في القصة أنهم تغدوا أو لم يتغدوا لكن الذي يظهرو من سقوط الحرف الذي ذكرناه قبل قليل أنهم لم يهتم الآن بموضوع الغداء بل اهتم بموضوع الهدف الذي يسعى إليه وهذه نقطة مهمة الذي يريد أن ينشغل بكل عائق لن يصل أبداً سواء في تعلم والا في مكانة والا منصب والا في تجارة وإلا في غيرها، الناس الذي يعملون من خلال أهداف يصلون ، ولكن من يصل منهم بشكل أفضل أو أسرع هو الذي لا يبالي بالعوائق ، كثير من الناس اليوم - يا أخواني الكرام- وهذا ينطبق على كل القضايا سواء القضايا الإيمانية أو القضايا المالية أو القضايا الاجتماعية أو حتى تحسين أخلاق الإنسان، عنده خلق معين، عنده تصرفات معينة يريد أن يغيرها أول ما يمضي في مشروعه هذا ويضع برنامجه ثم يصاب بعائق معين يتعلق بالعمل، يتعلق بالصحة، يتعلق بشيء، يتعلق بمال، يتعلق بأي شيء، بالوقت، تجده يغير برنامجه بالكامل. لو أنني فرضت أن هذه الطاولة أمامي عائق ليس عندي طريق مشيت من هنا وجدت الطاولة أمامي أغلب الناس وكثير من الناس ينتظرون أن تزول العوائق وهذا خطأ لأن العوائق ليست بيدك أنت الذي تغير عن العوائق إذا كانت العوائق لا تتغير أنت غير، فإذا كان هذا طريقها اسلك طريق آخر ودع العائق في مكانه، وقد يكون في زمانه، وقد يكون العائق أشخاص، من الخطأ الذي نشاهده دائماً أن أكثر الناس يجعلون العوائق في الآخرين ويريدوا من الآخرين أن يتغيروا، والله أنا عندي جاري الفلاني، والله أنا عندي زوجتي دائماً، أنا عندي أولادي، والطالب يقول أنا عندي المعلم ، أنا عندي المدرسة، أنا عندي الجامعة ، النظام .. إلخ . يا أخي هذه الأشياء لا تملك تغييرها تغير أنت، والتغيير هذا أنواع من ضمنه التكيف والتعايش، واحد عنده زوجه يسأل والله أنا زوجتي فيها كذا وكذا وأوصافها كذا وأخلاقها كذا، هي في المقابل ربما لا تتغير لكن أنت الذي يمكن أنت تتغير وبناء على تغيرك يمكن هي أن تتغير.
 لنفرض أنه عندي طالب يقول أنا والله أستاذي صعب والمادة صعبة، لا يمكن أن يكون الحل أن نجلس جلسه ونغتاب الأستاذ، أو نتحدث طويلاً في النظام، هذا لن يغير من درجتك في نهاية السنة، الذي سيغير في درجتك في نهاية السنة أنك تعود بالحل إلى نفسك وتسأل نفسك سؤال ماذا يمكن أن أفعل أنا ؟ في مثل هذه الحالة ماذا يمكن أن أفعل ؟ يمكن أن أدرس، يمكن أن آتي بمدرس يساعدني، يمكن أن أذهب إلى زميل مجيد للمادة يساعدني، يمكن أن أبذل جهد زيادة، ممكن أن أقرأ كتب، ممكن أن أدخل مع المواقع في الإنترنت تتعلق بهذه المادة، هنا أنا تغيرت، هنا أنا عملت حلول وأنهيت المشكلة، لكن إشكاليتنا دائماً أن نُعلّق حاجاتنا على الآخرين. فموسى عليه السلام لما عاد ما جعل هذا عائق معيّن قضية الجوع .. قضية السفر .. قضية النصَب، لا.. هذه الأشياء ممكن أن تحصل لأي إنسان دعونا نضع الهدف أمامنا ونسير إليه.
 يقولون عن عبد الرحمن الداخل الذي بنى مجد بني أمية بعدما أنهد، بناه في المغرب بعدما انهد في المشرق ذهب في طريقه فعُرضت عليه جارية وهو في الطريق جميلة، وكان في ذلك الزمان يبعيون الجواري فباعوها عليه أو عرضوها عليه وهو أمير فقال لها: والله أنا لدي هدف "إن اشتغلت به ظلمتك وإن اشتغلت بك ظلمته" أنا جئت لهدف ما جئت لهذا فاعتذر عنها وذهب ، عنده وضوح، الذي عنده هدف قراره واضح، آخذ أو لا آخذ، أسكن هنا أو لا أسكن هنا، أسافر أو لا أسافر، الأمور واضحة لأن عندي هدف .
  {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} إذاً قال موسى عليه السلام : {فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا} لأن هدفه واضح فعاد مباشرة ما فيه تأخّر.{ عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا} يعني يقصان الأثر من أجل الوصول إلى مكانهما الأول.
 { فَوَجَدَا} يعني في المكان الأول عند الصخرة عند مجمع البحرين {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} مازال الحديث يظهر لنا أن موسى عليه السلام مازال يصاحبه الفتى بدليل ألف الإثنين الموجودة في هذه الأفعال، مازال معه مازال الحديث معه ستأتي فترة بعد قليل لا يأتي ذِكر لهذا الفتى البتة {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} إذاً وجد موسى عليه السلام والفتى الذي معه { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ما الأوصاف الموجودة في هذا الإنسان الذي وجدوه ؟
أولاً : أنه عبد من عباد الله والعبودية صفة تواضع من جهة وشرف وعلو من جهة أخرى، فهي بالنسبة للمخلوق إلى الخالق هي منتهى التواضع للإنسان أن يكون عبداً لله سبحانه وتعالى أن يكون متواضعاً لأنه في هذه المنزلة ويعبد ربه هذا هو المطلوب، أما إذا تكبر الإنسان على ربه فهذا الذي تعالجه كل القصص الأربعة الموجودة في سورة الكهف قضية التكبر سواء بالفتوة أو بالمال أو بالعلم أو بالسلطان ، وأيضاً هي شرف للإنسان إذا ما قارن نفسه بمن يعبد غير الله سبحانه وتعالى، ناس يعبدون بقراً، وناس يعبدون حجراً، وناس يعبدون شجراً، وناس يعبدون شيطاناً، وناس يعبدون أموراً لا تُذكر، يوجد، ومن فطرة الإنسان التي فطر الله عليها الناس أن الإنسان مجبول على أن يتعلق بشيء، ما فيه أحد ليس له شيء يعبده حتى لو في النهاية يعبد نفسه أو ذاته، فخيرٌ للإنسان أن يعبد ربه   ومما زادني شرفاً وتيهاً ** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
  دخولي تحت قولك يا عبادي ** هذا شرف وأن صيرت أحمد نبياً
صلى الله عليه وسلم، والعبودية - يا إخواني الكرام - صفة ذكرها الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أشرف المواقع {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } ما قال برسوله ولا بنبيه {بِعَبْدِه} هذا من أشرف المواقع، ومن أشرف الأزمنة نزول القرآن { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } لو أخذنا هذا الملمح من أول سورة الكهف لشعرنا بهذه التربية على قضية العبودية لرب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا الذي من أجله أُرسلت الرسل وأُنزلت الكتب هو عبودية الله سبحانه وتعالى، وكل مافي الكون يعبد الله عز وجل، وإذا كان هناك من خلل فهو في شارع البشر، في الناس والجن هم الذين عندهم خلل أما بقية المخلوقات فإنها تعبد الله سبحانه وتعالى.
   إذاً هنا {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا } ما صفاته ؟ ما مؤهلاته ؟
{آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} إذاً الصفات الموجودة في هذا المُعلم -يا أخواني الكرام- تُختزَل وتختصر في صفتين: صفة الرحمة وصفة العلم ،عنده علم يعني مافي أحد يُعلِّم بلا علم، وأيضاً يجب أن لا يُعلِّم أحد بدون رحمة ، إذا يظن البعض أن المعلم لازم يكون عنيف وشديد وظالم هذا ليس صحيحاً ، قال : يتربوا، هذا غير سليم لكن ممكن أن يكون حازم، الحزم لا ينافي الرحمة، لكن أن يكون الإنسان يظن أنه بالضرب وبالإهانة هذا تعلُّم، هذا غير صحيح بل من أهم صفات المعلم الرحمة ، تصوروا هذا لو موجود، هذه الفكرة هذه البذرة مستحضرَة دائماً في أذهان المعلمين وأنه هؤلاء الطلاب مثل أولادك، كيف ترحم أولادك، كيف تراه إذا كثُرت عليه المعلومات؟ ترحمه فتقول له بعدين .. نأخره .. أشرحه له .. لعله ما فهم، المفترض أن تتعامل مع أبناء المسلمين كما تتعامل مع أولادك بهذه الرحمة، ولو تعامل بالرحمة لما رأينا أحياناً هذا الظلم والكُره الموجود في قلوب الطلاب للمعلمين، لو أننا أخذنا هذا واستفدنا منه ونحن نقرأه أسبوعياً، المفروض أسبوعياً أنا أعرض نفسي على هذه القضية وانظر فيها هل أنا محققها أو لا؟.
 لاحظوا معي يا أخواني الكرام {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } إذاً الله عز وجل وهبه هذه الرحمة، أعطاه هذه الصفة ولا بد أن نبحث عنها بين جوانحنا وجوانبنا ونبرزها لهؤلاء المتعلمين.
تصور هذا الطالب خصوصاً في المراحل الابتدائية أو الثانوية أو المتوسطة أن تتعامل معه بلطف، إذا كان صغيراً تمسح على رأسه، وإذا كان يحتاج شيئاً تساعده، تخيل هذه التصرفات البسيطة التي لا نراها شيء نحن كم ستبني فيه من أخلاق، وكم ستبني في نفسه إكباراً وإعزازاً لهذا المعلم ، ونحن كلنا مر علينا هؤلاء الناس ما نسينا أخلاقهم الطيبة ما نسيناها، إذا كان ساعدني أو قال لي كلمة وإلا تحدث معي.
 من الرحمة الكلمة الطيبة، أحدهم يقول وهو في الامتحان - الامتحان فيه رهبة وفيه خوف وفي امتحانات الجامعة بعد في إحدى الدول العربية- يقول: عادة بعض المعلمين عندما يأتي، بعض الأساتذة عندما يأتي ما يهمه إلا النظام وتشديد الأسئلة والذي يغش يحصل فيه كذا تخويف على تخويف. لا مانع أن تُذكَر بعض المعلومات وبعض الأنظمة لكن يقول ما نسينا رجل كان يمر علينا ونسمعه ويمر بين الصفوف ويدعو لنا أن الله يوفقنا وأن الله ينجحنا وأن الله يسهل علينا الأسئلة، يقول ما ننساه ذاك الإنسان، ما قال شيء كثير لكنه شعرنا أنه يرحمنا شعرنا أنه معنا هذه معاني مهمة يا جماعة، ويمكن بعض الشباب تراه سيء في أخلاقه، سيء في تعلمه لكن هذه الأخلاق تؤثر فيه ويبقى أثرها إلى حين.
 فهنا إذاً صفة مهمة يا أخواني الكرام {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ما قال من عندنا علماً "لدن" دلالتها أقرب من دلالة "عند" كلاهما بمعنى متقارب لكن إذا الأمر كان فيه خصوصية فـ "لدن" أقرب وأكثر دلالة على هذا لكنها لا تصل إلى ما ذكره المتصوفة فيما يسمى بالعلم اللدني وأخذوه من هذه الكلمة وهي أنهم يقولون : أنا يحدثني قلبي عن ربي حتى الرسل أسقطوهم يعني ما يحتاجون رسل أنا كذا يقول : يحدثني قلبي عن ربي، هذا لا يجوز، الله عز وجل جعل الرُسل واسطة في التبليغ بين الناس وبين الله سبحانه وتعالى ولا يصلح أحد يأخذ التشريع مباشرة من قلبه إلى ربه فيُشرِّع ويُحلل ويُحرم، هذا ما يجوز. وبعضهم أخذ من هذه الآية ما يسمونه بالعلم اللدني ويقولون عنها حدثني قلبي عن ربي هذا غير صحيح .
 {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} إذاً نحن أمام صفتين مهمتين في هذا المُعلم الذي علّم موسى عليه السلام وهما:
 الصفة الأولى : الرحمة وقد قدّمها الله عز وجل .
 والثانية : وهي العِلم
ولعلكم الآن تعرفون لماذا يسمون الوزارات إذا سموها سموها وزارات التربية والتعليم، الرحمة تربية، والعلم تعلُّم يأتي بعده في المرحلة الثانية، الرحمة دائماً أسبق ، التربية أولاً بعد ذلك تتعلم. مشكلتنا أننا ما زلنا نتعامل مع المعرفة التي نقدمها للطلاب على أنها معلومات، أفضل الطلاب هو الذي يتقنها ثم يعيدها إلينا مكتوبة في الامتحان هذا أفضل شيء، لكن هل استفاد، هل
غرست في نفسه شيء، هل تغير سلوكه، هل عالجنا قيمة من قيم العلم أو أي قيمة أخرى في نفسه مثل قيمة النظام، مثل قيمة منزلة العلم، منزلة المُعلم، هل هذه موجودة؟ هذا لا يهمنا كثيراً ولذلك نحن لا نستفيد كثيراً من تعلُّمِنا، الواحد يخرج من الجامعة ربما لا تجد أي أثر لهذه المُخرجات عليه، وهذه مشكلة لأننا فصلنا واهتممنا بقضية المعرفة أو المعلومات على حساب التربية.
 { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *قَالَ لَهُ مُوسَىٰ } هذا المُعلم بهذه الصفات يا جماعة لاحظوا معي الآن ستأتيك المفاجأة بهذه الصفات التي ذكرناها، الآن هذا المعلم يقول له موسى .. يخاطبه {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} دعونا نقف عند العبارة التي ذكرها موسى عليه السلام، أول حوار دار بينه وبين هذا المعلم وهو قوله :  { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} ما ذكر قضية ماذا قال له في أول لحظة وتكلم معه وعرّف نفسه، هذه قضايا لا تهم لكن ماذا قال له؟ كيف قدّم نفسه إليه قال : {هَلْ أَتَّبِعُك} لاحظ كلمة {أَتَّبِعُك} هنا لاحظ صور التواضع والأدب من موسى عليه السلام للمُعلم قال : أنا أريد أن أكون تابعاً لك وهو نبي من أولي العزم من الرسل، يتبعه آلاف الناس يأتمرون بأمره عليه الصلاة والسلام، يكفيه أنه نبي، ترى العبارة يا أخواني الكرام مهمة التي تقال، بعض الناس لا يستطيع أن يقول مثل هذا، تدرون ماذا يقول؟ يقول : أنا أريدك أن تعلمني لازم يأمر، صحيح أنه محتاج للتعلم لكن لازم يأمر، أنا أريدك أن تعلمني، أنا أريدك تأتي إليّ في البيت وتعلمني، لازم أوامر حتى لا يفقد هيبته، هنا يقول : أنا أريد أن أتبعك، أنا آتي عندك، أنا أمشي وراء خُطاك، أنا أسير وراء منهجك أريد أن أتعلم منك بس اسمح لي.
 إذاً الخصيصة الأولى في المُتعلم الآن، الآن وصل من ضمنها حسن الأدب مع المُعلم، أما يجيء إنسان مترفع يريد من غيره أن يعلمه لا يمكن أن يعلّمه لأنه إذا شعر بهذا العلو سيختار لك ما يتناسب مع شخصيتك وطلباتك ويعطيك إياها، غير كذا لن يقول لك .. يعني لو أخطأت في شيء لن يقول لك أخطأت لأنك من أول كلامك معه استعليت عليه.
 {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أنا أريد أن أتّبِعك يعني أمشي وراك لأتعلم منك، هدفي من اتباعك أريد أن أتعلم مما عُلمت، أنت أعطاك الله عز وجل علماً.
 من الذي علمه؟ بني الفعل للمجهول هنا (عُلمت) من علّمه؟ الله الذي علّمه وقد كان عنده علم سابق من هذا لأنه قال : هناك من هو أعلم منك.
 {عُلِّمْتَ رُشْدًا} أنا أريد أن أتعلم منك الرُشد، أريد أن أتعلم منك علماً راشداً فحدد له نوع التعلم الذي يريده، أنا أريد علماً يهدي، ما حدد له ماهو بالضبط لكن أنا أريد أن أتعلم من هذا العلم الذي عندك لأنه في القصة لم يذكر له أنه حدد علماً معيناً لكن هناك من هو أعلم منك ولذلك أبهم له في الكلام بشكل عام، لكن المهم أن يكون العلم راشداً مفيداً أنا أريد أن أتعلّم، هذا دليل يا جماعة أننا يمكن أن نتعلم أشياء كثيرة ليس بالضرورة أن تكون أحياناً في صميم العلم الذي نعرفه فبعضنا - مثلاً - يكون متخصص في الشريعة لا يمكن يفكر أن يتعلم من رجل في الاقتصاد، ليش ما تتعلم ؟ تعلم، ليس بالضرورة أن تختصّ في هذا العلم لكن تتعلم يا أخي تستفيد، يوسف عليه السلام لما عرض نفسه على الملك ماذا قال له ؟ {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } هذا الذي أريد أن أفعل كذا ويطبق أشياء محددة وحتى يدعو إلى  دعوة محددة بل { اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ} يعني وزارة المالية - الآن -  {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } أنا عندي قُدُرات، "حفيظ" معناه أنه يعرف كيف يؤدي الأموال، "عليم" عنده معرفة .. عنده علم بهذا الأمر، هذه قضية إدارية بحتة يعني قضية اقتصادية.. قضية تجارية.. قضية مالية لكن هذا كله في مصلحة الناس ومفيد فممكن نستفيد من الكل، فممكن نستفيد منه فهو طلب منه علماً راشداً المهم علماً مفيداً أياً كان هذا العلم.
قال :{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} هذه الصدمة، المُعلم الذي وصفناه قبل قليل وجاءت الصفة بأنه رحيم، وموسى عليه السلام الذي مضى وتعِب ونصب وربما لم يأكل إلى الآن وجاء من مكان بعيد وهو صاحب المكانة والمنزلة ويعرض نفسه في كل أدب ثم يقول له هذا المعلم : {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} هذا ليس أمراً هيناً يا جماعة، يمكن لأننا ما جربنا هذا ما نشعر به لكن والله لو جرب واحد منكم أن يسافر من هنا إلى مكان مثل الرياض أو يذهب إلى مكان آخر في بغداد أو في العراق أو في دمشق أو في أي بلد ليطلب العلم وبعد هذه المسافات الطويلة وبالتعب وبالنصب وصل إلى العالِم الذي يريده وقال : أنا قدِمت من المكان الفلاني لأتعلم عندك ونظر فيه هذا العالم وقال : أنت لا تصلح للتعلّم .. قدراتك غير كافية .. أنت ما تستطيع أن تصبر معي، ماذا سيكون موقفك في مثل هذا الأمر؟ ماذا ستقول عن هذا المُعلم ؟ وماهي الصدمة التي كنت متخيلها وقد وُصف لك هذا المُعلم بأن فيه رحمة وعنده علم عظيم هذه الصفات التي سبق ذكرها عنهم والواصف له بها هو الله سبحانه وتعالى.
 هذه القضية تتصادم مع ما يُشاع في علم التربية أننا يجب أن نستقبل الطلاب ونسهّل لهم المناهج ونقول مرحباً بكم وسهلة وبسيطة و.. و.. و.. الخ ، وإلا نقول لهم في أول لحظة قدراتكم لا تصلح والمادة صعبة وهذه تحتاج إلى جهود كبيرة؟ هذه مشكلة هل هذا صحيح ؟ هذا الذي يقال في التربية والتعليم ؟ 
نعم هذا صحيح وهذا أيضاً صحيح.
 هذا الذي معنا الآن - يا أخواني الكرام - يُسمونه في بعض نظريات التعلُّم التعلم بالتحدي ففيه صنف من الطلاب لا يصلح معه ولا يُظهِر مواهبه إلا التحدي، فالمعلم إذا تفرّس فيه ورأى طالباً نجيباً قطع الفيافي والقفار عنده همة عنده عزم ورأى فيه هذه القوة ممكن يقول أنت ما تصلح لهذا العلم، ماذا يحصل في ردة الفعل التي عنده ؟ يقول أنا سأثبت له أنني أصلح وزيادة وبالتالي تكون الهمة مضاعفة، ولذلك بعض أهل العلم يختبرون طلابهم يقول أنا أريد أن أقرأ عليك يقول أبشر فيعطيه كتاب من ستمائة صفحة ويقول اقرأه في أسبوع وهاته، أول مرة يمر عليه مثل هذا الأمر فإذا كان الذين جاءوا سبعة لن يصفي منهم إلا واحد وأحياناً لا يأتي ولا واحد إذاً ما عندهم الهمة الكافية أنهم فعلاً يبقون في مثل هذه المرحلة، وهذا الذي نراه أحياناً تلقى الدرس يبدأ كبيراً و .. الخ لماذا؟ لأن الناس يريدون كل شيء على طبق من ذهب.
 إذاً نحن ممكن نجمع بين القولين : أن هذا الصنف هذا النوع من الطلاب وهو الطالب الراغب في التعلّم وعنده القدرات الكافية وعنده العزيمة الكافية يمكن أن يُستخدم معه التحدي ويمكن حتى أن أطرح عليه مسائل أصعب من ما أطرحه على غيره وأطلب منه أن يقرأ كتب أوسع من ما يقرأه غيره ستجد أنني أبني هذا الطالب ويعلو ، لكن الطالب الضعيق أصلاً والطالب غير الراغب - وهم طلاب مدارسنا - فإنهم يأتون غير راغبين فلا يصلح أيضاً أن نواجههم وهم غير راغبون ونصعّب عليهم ..لا ، نستقبلهم ونحاول أن نسهّل لهم المواد لأن العلم تغير اليوم، اليوم العلم إجباري، دخول المدرسة إجباري لكن سابقاً الإنسان يذهب بنفسه ليتعلم، هذا غير هذا، فحتى لا نخلط بينهما هذا يمكن هو سر هذه القوة التي قابل بها العبد الصالح خبر موسى عليه السلام {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} أنت لن تستطيع، وحتى نفاها بـ "لن" وفي المستقبل {لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} لن تستطيع، سترى شيئا لن تصبر عليه.
 ماذا قال له يا أخواني الكرام ؟ الرد المباشر الدال على إصرار موسى عليه السلام وعدم اكتراثه بهذا الرد وأنه سيعود ويتركه أبداً، لو غيرُنا - يا أخواني الكرام - يعني والأنبياء لهم منزلتهم العالية يمكن تخاصم معه وإلا تركه وذهب عنه لكنه قال له :{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} وهو هنا نبهه لماذ هو لا يستطيع أن يصبر قال سأذكر لك أشياء لم تمر عليك من قبل {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} كيف تصبر على أشياء ما مرت عليك سابقاً ولا تعرف سببها ولا تعرف لماذا هي تحدث كيف تصبر عليها؟ وقد عُرِف موسى عليه السلام بشدة إنكاره وبقوته في الحق فإذا رأى أموراً تخالف هذا الذي تعود عليه سينكرها كما سنرى في الأمور القادمة.
 {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} هذا رد الواثق بنفسه عليه الصلاة والسلام والذي عنده إصرار وعزيمة في أن يستمر في التعلم {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} هو قال له: جاوب على القضية {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} أنا سأصبر.
الأمر الثاني قال : { وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} وهذه ما سأل عنها لكن قد يكون من المتبادَر إلى الذهن ومن الأشياء المبنية على هذا أنه لما يرى أشياءً عجيبة وغريبة ربما يعصي أمره فقال : أنا لن أعصيك أنا سأصبر وأيضاً لن أعصيك في أي شيء تأمرني به وسأصبر على الأشياء التي تعرضها علي أو تعلمني إياها.
   {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } يقول أهل العلم : جاء في هذا السياق مقالتان:
 مقالة جاءت على لسان نبي الله إسماعيل عليه السلام لما أمره أبوه أن يذبحه ماذا قال ؟ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} بينما هنا قال : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } والفرق في اللفظ: أن إسماعيل عليه السلام جعل نفسه من جملة الصابرين، وموسى عليه السلام نسب الصبر إلى نفسه منفرداً فصبر إسماعيل ولم يصبر موسى عليه السلام.
 هذا من ما ذكر في هذا المجال وذلك أن الإنسان مع العصبة منه أو مع الكثرة في الصفة، في صفة الصبر في صفة الصدق ...الخ يثبت أكثر من لو كان واحداً ويصبر أكثر من ما يكون واحداً.
{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} كذلك كلمة (من الصابرين) تُشعِرك بأن الصبر ديمومة فيه صفة ثابتة مستمرة فيه وهو أيضاً من ضمن وجملة الصابرين فأنا واحد منهم، أما في قوله تعالى : {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} فهو لوحده فقالوا : صبر هذا ولم يصبر هذا.
 وقيل: لا بل الله عز وجل أراد سبحانه وتعالى أن تحصل هذه الحوادث ولا يصبر موسى عليه السلام لأن عدم صبره أيضا كان سبباً في تفسيرها وتعليلها والله أعلم. ونكمل بعد الأذان إن شاء الله .
   في قوله تعالى : {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} هذا جواب موسى عليه السلام لِما ذكره المعلم الذي قابله وأيضاً الكلمة التي قال له ونِفيان الصبر عنه عليه الصلاة والسلام فأجاب {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}
من الملامح فيها أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام علّق الصبر يمشيئة الله تعالى وهذا مهم يا إخواني الكرام، بعض الناس لا يعلق أعماله بمشيئة الله تعالى فتجده يقول سأصبر ، يا أخي قل إن شاء الله {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}.
سأسافر، قل إن شاء الله، لأن الله عز وجل إذا لم يشأ لن تفعل شيئاً من هذه الأشياء التي قررتها حتى ولو كان هذا الإنسان قد اتخذ جميع الاحتياطات وفعل جميع الأمور المطلوبة في هذا المجال فالأمر لله من قبل ومن بعد، بل إن السورة بمجملها تشير إلى هذا المعنى المهم وهو أننا المطلوب منا في كل القصص التي جاءت في السورة أن نبذل ما نستطيع من الأسباب المادية التي يستطيع البشر أن يقوموا بها ثم بعد ذلك يُسند الأمر كاملاً إلى الله عز وجل . ومن صور ذلك أن نُسند المشيئة إلى الله عز وجل وحده وقد قال الله عز وجل لنبيه في هذا السورة : {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجد هنا في مثل هذه الأمور ظهور إسناد الأمر إلى الله سبحانه وتعالى سواء في التعلّم أو في النعمة أو في المشيئة أو في أي شيء لابد من تعليق الأمر بالله سبحانه وتعالى. نحن - يا أخواني الكرام -  أمور كثيرة في حياتنا تحصل يجب أن ندرك أن ما نقوم به من سبب هو مطلوب شرعاً ولكن يجب أن لا نتكل عليه أبداً، مثلاً: في الطب، الطبيب يشتغل ويعمل ويجتهد وأنا أذهب إليه لأتعالج عنده لكن يبقى هو سبب أما الذي يُسبب هذا الأمر ويُوقع هذا الأمر ويُوجده هو الله سبحانه وتعالى. من أظهر الأشياء والدلالات على هذا لما الله أنزل الملائكة تقاتل مع نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومَن أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم عند رب العالمين ؟ يرسل معه ملائكة وصل تعدادهم إلى خمسة آلاف في القرآن ذُكِروا ومع هذا الله عز وجل يقول : { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } يعني كل الملائكة هؤلاء ماهم إلا سبب، أنتم تخيلوا الآن يا جماعة جيش يكون فيه ملائكة ومثبتين بكلام رب العالمين وأعدادهم بهذا العدد الله عز وجل يذكر لنا أنه ما جعله إلا لتطمئن به النفوس فقط أما النصر فمن عند الله ليس من عند الملائكة حتى لو كانوا ملائكة فقط، فما بال بعض الناس يتكئ على الأسباب يعني ويقول مادام إني فعل هذا .. حتى القضايا التي عندك الخصائص الخاصة فيك الكرم الصبر ... الخ إذا لم يصبّرك الله لن تصبر  {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} يقولون أنه ذكر المشيئة مع الصبر إما لأنه يعلم من نفسه تعجلاً - وكل إنسان يعرف نفسه - أو لأن الحديث - وهذا هو الأظهر - كان عن قضية الصبر وليس عن قضية الأمر والنهي ولذلك علّق الأولى ولم يعلّق الثانية، لكن هل الثانية يمكن أن تدخل في الأولى؟ نعم لأنها معطوفة عليها وداخلة فيها، فالمشيئة حاصلة.
لاحظوا معي يا إخواني لما موسى عليه السلام تحدّث مباشرة {هَلْ أَتَّبِعُك} من اللحظة هذه قال له موسى هنا من هذه اللحظة لم يأتِ ذكر للفتى أين ذهب، ماذا حصل له ، هل رافقهم أم لم يرافقهم ، لا يوجد أي حديث عنه ولا يعنينا حقيقة التفاصيل أين ذهب، لأن الموضوع المهم هو أن يلتقي موسى عليه السلام بهذا المُعلم وهذا الرجل الذي عنده هذا العلم.
 فالتقى به فانتقل الحديث والحوار الآن بين موسى عليه السلام والعبد الصالح {قَالَ} أي العبد الصالح الخضر { فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} إن يا أخواني الكرام شرطية وإذا أيضاً شرطية ولكن إن تستخدم في الأشياء المشكوك في حصولها وإذا تستخدم في الأشياء المثبت حصولها فأقول لك مثلاً على سبيل المثال : إن أتيتني بعد العصر، أو إن أتيتك بعد العصر، أو إن جئتك بعد العصر نذهب سوياً، وأقول لك مرة ثانية إذا جئتك بعد العصر نذهب سوياً ، تلحظ الفرق ؟ الأولى أشعرتُك فيها ممكن آتي وممكن ما آتي فإذا حصل المجيء حصل الذهاب، لكن "إذا" معناها أنا جازم بها، سيبدأ الذهاب من وقت مجيئي إليك فـ "إذا" تُستخدَم في الأشياء المثبتة، الأشياء المتأكد منها.
 هنا قال :{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} أنا ما أعرف هل ستتبعني، يعني لا يضمن هو أن موسى علي السلام سيتبعه فقال :{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} فاستخدم معه أسلوب الشرط، وأسلوب الشرط  من الأساليب التي تُستخدم إذا أُريد أن يترتب أمر على أمر بمعنى أن يرتبط به ارتباطا جازماً فيحصل هذا ويحصل هذا كقوله تعالى :{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} هذا من أعلى الأساليب في الارتباط ، فمعناه أن نصر الله حاصل ، متى؟ إذا نصرناه فإن لم يحصل نصر الله مباشرة نعرف أن المشكلة أننا لم نحقق فعل الشرط وهو {إِنْ تَنْصُرُوا}.
 مثال آخر : إن تذاكر تنجح، ما نحج هذا الإنسان معناه ما ذاكر، هنا القائل له إما يكون معلمه أو القائل له أبوه.
 فإذاً إذا لم يحصل الشرط فمعناه أن المشكلة في فعل الشرط ما حصل فجواب الشرط ما حصل، فهنا قال :{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} إن حصل هذا وحصل إنك تتبعني، وربما استخدم {اتَّبَعْتَنِي} لأن موسى عليه السلام طلب منه ذلك قال :{هَلْ أَتَّبِعُكَ} في أول الكلام فقال :{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ } لا تبادر بالسؤال هذا شرط بيني وبينك، لا تسألني عن أي شيء تراه أو تسمعه إلى أن أنا أبادرك ببيانه {حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} أنا أعطيك المعلومة، إذاً هو لم يحجب عنه المعلومة كاملة لكن قال انتظر أنا أبينها لك، انتظر أنا أبين لك المعلومة.
 {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} إذاً هو نهاه عن السؤال عن أي شيء يراه حتى لو كان عجيباً أو غريباً، هذا ماذا نسميه الآن في نظريات التعلُّم ؟ نسميه اشتراطات التعليم ، اليوم ليست موجودة في مدارسنا، ما في مانع إذا إنسان يريد يتعلم من إنسان أن هذا يعطي شروطه، المُعلم يقول تتعلم مني بالشروط الآتية واحد واثنين وثلاثة وأربعة، ويأتي المتعلم يقول : أنا أريد أن أتعلم منك كذا وكذا وكذا، يسموها اشتراطات وهذه حقيقة تُوجِد في التعلّم نوع من الموثوقية والمصداقية والجدية ، والآن في كثير من دول العالم التي فيها التعليم قوي يوجد مثل الوثائق يوقع عليها الطالب أحياناً أو على الأقل يعرفها مضموناً إما في موقع جامعته أو في مدرسته أن الشروط كذا وكذا وكذا وكذا، من ضمنها قد تكون أشياء تتعلق بالسلوك أو بالأخلاق، الذي ينقصنا اليوم حقيقة هو أن يكون هذا موجوداً بصدق، المُفترض أن تكون في مدارسنا شروط ، قد يقول قائل موجودة ويُوقع عليها ولي الأمر، المهم ليس وجودها لكن أيضاً المهم تطبيقها، فلو طُبقت هذه الأشياء وكانت واضحة، ولاحظوا الصرامة في التطبيق في الخضر عليه السلام ومع من؟ مع موسى عليه السلام لما أمهله ثلاث مرات ولم يلتزم بالشرط أوقف عنه التعلّم الذي كان عنده خلاص انتهينا حتى ولو كان المُتعلّم موسى عليه السلام.
 لو كان الأمر بهذه القوة ستجد الأمر مختلف، وستجد أنه يكون هناك قوة في التعلُّم، أما يكون الأمر مفتوح هكذا بدون شروط وبدون مواثيق وبدون عقود وبدون شيء، يفعل الإنسان ما يشاء، وهذا يفعل ما يشاء، هذا لا يدري ما الذي له وما الذي عليه، وهذا الآخر لا يعرف .. ، يسمونها الاشتراطات هذه الذي استعرضناها من فوق أول شيء: أن موسى عليه السلام قال لمُعله : {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} فهو أيضاً ألمح هنا - ليس شرطاً- لكنه ألمح هنا إلى أنه يريد علماً راشداً، يريد علماً هادياً، أنا أريد أن أتعلم منك شيء محدد ، المُعلم كان واضحاً معه فقال له : أنا عندي أشياء لا تستطيع أن تصبر عليها {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ولاحظوا معي أنه قال {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ} وكأنه قال : معي خصوصاً بمعنى أنك ربما تصبر مع غيري لكنك معي لن تصبر فأنا الذي عندي شيء مختلف عن الآخرين {َ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًاَ}.
وأيضاً بيّن له لماذا ، وردّ أيضاً الطالب في محاورات إلى الآن ما تمت الموافقة على قضية أنه يتعلم هذا من هذا مازال حواراً وذِكر شروطا واشتراطات بينهما ،{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} جاء المعلم في النهاية وقال له : إذا كنت مصراً أن تتبعني فأنا عندي شرط مهم لا تسألني قبل أن أبادرك أنا وأحدث لك منه ذكراً. 
 هذه الأمور -أيها الأخوة الكرام- التي ذُكرت من العبد الصالح -الخضر عليه السلام- وجاء ذِكرها بعد ذلك لابد أن ندرك أنها ليست متعلّقة بعلم الشريعة التي جاء بها موسى عليه السلام ، لماذا نقول هذا الكلام ؟ لأنه لا يوجد أحد في وقت النبي -أي نبي مرسل- يكون أعلم من النبي في التشريع الذي نزل على ذلك النبي إنما تكون هذه الأشياء خارج هذا الأمر، فإن هذه الأمور التي ذُكرت لا تعلّق لها بالتشريع مباشرة إنما لها تعلّق بعلم الله عز وجل الغيبي الذي أطلع الله عز وجل عليه هذا الرجل ، لكن بعضهم يرى أنه ممكن لبعض الناس -من خلال ما سميناه قبل قليل بالعلم اللدُني عند بعضهم- أنه يستطيع أن يخرج على شريعة النبي الذي يتبعه -وهو محمد صلى الله عليه وسلم الآن- ليس بعده أحد -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز لأحد أن يتصور أنه يجوز له أن يُشرّع خارج شريعة النبي صلى الله عليه وسلم بل هذا من نواقض الإسلام ، أنه إذا تصوّر الإنسان أنه يستطيع أن يُشرّع تشريعاً - حلال أو حرام- ويُوجد تشريعاً خارجياً خارج ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يجوز، الآية التي نزلت في عرفة وقال عنها اليهود والله لو نزلت علينا معشر اليهود لجعلنا ذلك اليوم عيداً يقول عنها عمر أو عبد الله بن مسعود : "والله إني لأعرف متى نزلت وأين نزلت نزلت عشية عرفة" في عرفة {َالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } لا حظوا معي الكلام يا أخواني الكرام ما أدقه {أَكْمَلْتُ} فجاء التعبير مع الدين بالكمال وجاء التعبير بالتمام مع النعمة والفرق بينهما: أن الكمال هو بلوغ الشيء غايته دون قبوله للزيادة يصل إلى أعلى مراحله ولا يقبل الزيادة ، كمال هذا إسمه كمال.
 وأما التمام بلوغ الشيء غايته مع قبوله للزيادة.
 إذاً الدين لا يقبل الزيادة نهائياً، النعمة الله عز وجل يُجددها ويزيدها على الناس ويُنوع فيها سبحانه وتعالى، ولهذا يا أخواني الكرام لا يحسُن ولا يصلح -ونحن نقرأ نتصور ربما يقرأ بعضنا في بعض التفاسير التي قد تكون فيها انحرافات أو غير ذلك- أنه يجوز للإنسان هذا رجل وفي وقت موسى عليه السلام وعنده علم أكثر من موسى عليه السلام وقال أشياء لا يعرفها موسى ..لا، لا نتصور هذا، هذه أشياء ليست في التشريع وليست في الشريعة التي نزلت على موسى عليه السلام ولا يجوز لبشر -لمخلوق- أن يخرج عن ما نزل على الأنبياء متصفاً بأن له علماً خاصاً يراه من خلال منام أو رؤية أو قصص أو أي شيء يعني من هذه الخزعبلات التي يكذبون بها على الناس ، الدين كامل يا إخواني الكرام اكتمل من تلك اللحظة التي نزلت فيها هذه الآية ، الدين كامل ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يطير بجناحيه في السماء إلا وعندنا منه علماً ، الدين كامل لكن الجهل فينا نتصور أحياناً أنه غير موجود هذا وغير موجود هذا .. لا كامل لكن نحتاج إلى التعلم نحتاج أن نتفهّم في ديننا، اليوم نحن نقرأ رسائل في هذه الأجهزة لكن كم نقرأ في القرآن؟! كم نقرأ في تفسير هذا الكلام الرباني العظيم؟! كم نقرأ فيه حتى نفهمه ونستوعبه؟! كم !! نقرأ في الأشياء وهذه الأجهزة ونتصفح صفحات هائلة في الإنترنت لكن كم هو وزن الكلام المفيد الذي نقرأه؟!.
هذه الأشياء مهمة جداً أحببنا التنبيه عليها قبل أن ندخل أيها الأخوة الكرام في تفاصيل القصص الثلاثة وعلاقتها بحياة موسى عليه السلام كله لماذا الثلاثة بالذات؟ هذا موضوع جلستنا القادمة إن شاء الله هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق