الاثنين، 15 يناير 2024

القاعدة الرابعة - التنوين في القرآن- وهو يفيد التعظيم والتفخيم ويفيد التقليل والتحقير


 بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وبعد:
هذه هي القاعدة الرابعة وهي قاعدة تتعلق بالتنوين، ونصها:
 التنوين في القرآن يفيد التعظيم والتفخيم، ويفيد التقليل أو التحقير
هذه القاعدة سأتكلم عنها على عدة مقاطع:
 أولا: التنوين 
ظاهرة التنوين من خصائص اللغة العربية، وهو من جماليات اللغة العربية ومن إعجاز اللغة العربية أيضا، والتنوين هو اختصار،  فمثلا قول الله سبحانه وتعالى (كلٌ له قانتون) يعني كل أحد في السماوات وفي الأرض قانت لله، لكن هذه الجملة الطويلة اختُصرت (كلٌ) ووضع على (كل)  تنوين لإفادة الجميع. 
وأيضا قوله تعالى (كلٌ من الصالحين) يعني كل هؤلاء المعدودين إسماعيل وإدريس وذا الكفل وغيرهم من أنبياء الله كل من الصالحين. فبدل ما يعيدهم أو بدل ما يقال كل هؤلاء أو كل المعدودين، كل المذكورين اكتُفي بوضع تنوين على (كل).
 وكذلك أيضا (ولكلٍ درجات مما عملوا) يعني ولكل عامل من العاملين درجات مما عمولوا، فاكتُفي بالتنوين.
 فتلاحظون إذا أن التنوين من جماليات اللغة العربية هذا اولا. 

ثانيا: فيه بلاغة
ثالثا: فيه اختصار يعني هو يحوي شيء آخر ينوب عن شيء آخر. العربي الفصيح كان يفهم من هذا التنوين أشياء كثيرة، فأحيانا يفهم أن التنوين يدل على العظمة والكثرة والتفخيم والتعظيم مثل لما يقول لك -مثلا- "عندي لك عندي جائزةٌ" يُفهم مباشرة أنها جائزة ضخمة بدليل التنوين، "له عندي موعداّ" هذا إذا تهديد قوي لأنه نون- وضع التنوين-.
 وأحيانا يُفهم منها التقليل تحقير. "ما عندي لك من شيءٍ" بدل ما يقول "ما عندي لك من أي شيء قليل كان أو كثير" بدل هذه وضع (شيء) ووضع عليها تنوين ففهم المقابل أنه حتى شيء ليس لك عندي. هذا موجود في القرآن الكريم. فالقرآن الكريم ذكر فيه التنوين. حتى بعض المواقع التي تحصي التنوين يعني وجدت قرابة تسعة آلاف كلمة منونة في القرآن.
 الكلمات المنونة بالتأكيد للتنوين عليها دلالة ولها بلاغة. فمن بلاغة التنوين دلالته على التعظيم والتفخيم. فمثلا قوله تعالى (لهم أجرٌ) أجر كلمة منونة، فما دام أن القاعدة تقول بأن التنوين يفيد أشياء من ضمنها التعظيم والتفخيم طيب كيف نستعملها؟
مثل ما تعودنا دائما في قضية الصياغة، يعني القاعدة عندي موجودة في ذهني التنوين يفيد التعظيم أو التفخيم يبقى بعد ذلك الصياغة فأقول:دلت على عظم الاجر الموعود به أهل الإيمان. 
طيب من أين جئنا بكلمة "عِظم الأجر" هذه؟ من التنوين (لهم اجرٌ).

 مثال ثاني: قوله تعالى (أولئك على هدىً من ربهم) (هدى) منونة عليها تنوين والقاعدة تقول بأن للتنوين أشياء من ضمنها التعظيم.
 طيب نطبق الآن القاعدة أو نصيغ تدبر من هذه القاعدة فنقول: "دلت الآية على عظم الهداية الحاصلة للمؤمنين" من أين أتينا بكلمة "عظم الهداية"؟ من التنوين (على هدىً). وكذلك أيضا (ماكثين فيها أبدا) دل ذلك على خلودهم الأبدي الطويل جدا، أخذنا هذا من التنوين على كلمة (أبداً).

 مثال رابع: (سلامٌ قولاً من رب رحيم) فيه عظمة تسليم الله على أهل الجنة، أخذناها من التنوين.
 فيه تعظيم الله لقوله لأنه قال (سلامٌ قولاً من رب رحيم) يعني قولٌ عظيم من رب عظيم. 

قوله تعالى (جناتٍ تجري من تحتها الأنهار) (جناتٍ) دلت الآية على عظم الجنات، دلت الآية على أن الجنات عظيمة، هذي كلها من التنوين في كلمة (جنات).

ومثلها أيضا (عذابٌ اليم)  (لهم عذابٌ) دلت الآية على شدة ما ينتظرهم من العذاب، صياغة أخرى: دلت الآية على شدة وقوة العذاب، دلت الآية على عظم العذاب للكافرين، (شدة وعِظم) هذه الألفاظ أخذناها من التنوين الموجود في (عذابٌ).

 بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله
أيضا إكمالا لقاعدة التنوين: هناك أمثلة كثيرة، يعني سنأخذ الآن مثال ونتدارس به.
  أسماء الله الموجودة في القرآن التي تختم بها الآيات غالبا منونة: (وكان الله غفورًا رحيمًا) (والله عليمٌ حكيمٌ). (وكان الله عليمًا حكيمًا) (وكان الله واسعًا) وآيات كثيرة أغلب الأسماء الحسنى التي ختمت بها الآيات ختمت منونة.
 وأيضا نفس القضية تستطيع أنك تستنبط منها فيها عظمة مغفرة الله وعظمة رحمته لوجود التنوين على (غفور) فيها عظمة سعة علم الله لوجود التنوين. 
كذلك أيضا انظروا لقول الله (هذا صراطٌ علي مستقيم) (صراطٌ) دل ذلك على عظمة الصراط الذي يؤدي الى الله، الصراط المستقيم.
 (جزاء من ربك عطاءً حسابا) هذه الاية ملئت بالتنوين، (جزاء) عليها تنوين و(عطاء) تنوين و(حسابا) تنوين، فدل ذلك على عظمة جزاء الله للمتقين من ثلاثة أوجه:
 الوجه الأول: تنوين كلمة جزاء، الوجه الثاني: تنوين كلمة عطاء، الوجه الثالث: تنوين كلمة حسابا، يعني أنه جزاء عظيم وعطاء واسع ومحسوب بحسبة تليق بكرم الله، الجزاء الذي ينتظر المؤمنين، هذه من أين اخذناها كلها؟ من التنوين الموجود فيها هذا جانب.
هناك جانب آخر سنتكلم عنه في المقطع الآخر.

 بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله..
 أحيانا التنوين يدل على التقليل والتحقير، فمثلا قوله تعالى (وما تنفقوا من شيءٍ) (شيء) منونة وهنا ما نقول تدل على التعظيم وإنما نقول تدل على التقليل، يعني كأن الله يقول أي شيء تنفقونه يقع عند الله الموقع الحسن (وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) 
(وما تنفقوا من شيء) فنقول فيها دلالة على أن الله يعلم الصدقة مهما قلّت، من أين أخذنا هذا؟ من التنوين.
 فيها دلالة فيها حث على الصدقة بالقليل لقوله (شيءٍ) منون.
 تستطيع أنك -وكما تعودنا قديما إذا فُهم المراد- تستطيع أنك تصيغه بأكثر من تدبر.

 وكذلك أيضا قوله تعالى (لن يضروا الله شيئًا) فيها دلالة على عدم مضرتهم لله بشيء، لأن (شيء) كلمة منونة.
(واعلموا أن ما غنمتم من شيء) فيها دلالة على قسمة الغنائم مهما قلّت، من أين أتينا بـ (مهما) قلت من من قوله (غنمتم من شيء من التنوين في (شيء). يعني أحيانا يترتب عليها حكم فقهي مثل هذا المثال. 

أيضا كذلك (ما أنتم إلا بشر مثلنا) (بشر) فيه دلالة على تحقير الكفار للرسل لقولهم (بشر مثلنا) يعني أنكم ما تختلفون عنا بشيء، بشر يجري عليكم ما يجري علينا.
 وأحيانا التنوين يفيد العموم والكثرة وبعضهم يلحقه بجانب التعظيم، لكن أحيانا يكون لفظ غير مناسب فنأتي بكلمة التعميم مثل (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) (من شيء) (شيء) يعني ما من شيء إلا وعندنا خزائنه، أي شيء ترونه فعند الله خزائن منه.
 (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)، (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا) وقال عن ريح عاد (ما تذر من شيء أتت عليه) يعني كل شيء أتت عليه. 
فالخلاصة تكون: أن التنوين هو يفيد معنى، يفيد زيادة من الشيء نفسه، فأحيانا يفيد كثرة وعظمة، وأحيانا يفيد قلة، وهو على حسب سياق الآية. لكن ميزة التنوين:
/ أنك تستنبط من الآية إذا كانت -مثلا- الآية عن المغفرة تقول فيه مغفرة الله لأن الله قال (غفور)
/ اثنين فيه عظمة مغفرة الله لوجود التنوين.
/ فيه عِظم الأجر الذي ينتظر المؤمن لقوله (أجرٌ) أو (أجرًا).
/ فيه شدة عذاب الله للكافرين لقوله (عذابا) لوجود التنوين. 
فأنت يعني تصرف الاستنباط على حسب سياق الآية، ما كان مساقه التعظيم يستنبط منه التعظيم، وطبعا هذا يعطينا دلالة أكثر، يعني فوائد أكثر، فمثلا: قول الله سبحانه وتعالى (وكان الله غفورا رحيما) نستنبط منها: دلت الآية على أن الله غفور، دلت الآية على أن الله رحيم، دلت الآية على أن مغفرة الله عظيمة لوجود التنوين، ودلت الآية على أن رحمة الله عظيمة لوجود التنوين. فصار عندنا أربع استنباطات من هذه الآية.
 والقضية ليست مكاثرة بقدر ما هي أننا نقف مع كل لفظ ومع كل حركة، وهذا يدلك على أن القرآن عظيم حتى في الحركات والتشكيل يُستنبط منها فوائد. هذه هي دلالة التنوين وهذه قاعدة التنوين.
 الآن افتح المصحف وانظر أي صفحة من صفحات المصحف وستجد فيها ألفاظا كثيرة عليها التنوين، حاول أنك تستنبط واستعن بعد الله سبحانه وتعالى بالكلمات التالية: فيها دلالة على تعظيم، دلالة على عظمة في كذا وكذا، فيها دلالة على سعة كذا وكذا، فيها دلالة على شدة الأمر الفلاني، فيها دلالة على عموم  -مثلا- رحمة الله أو عموم خلق الله، أوعموم قدرة الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق