الخميس، 28 يوليو 2016

الدرس (١٩) من تفسير سورة النور الآية (١١) / دروس من قصة الإفك / د. ناصر العمر


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..
 نواصل مع هذه الدروس العظيمة في سورة النور في قصة الإفك ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )
نواصل مع هذه الخيرية وهذه الدروس والعِبر التي لا تنتهي،
وأريد أن أوضح أن حديثي مبني على الاختصار الشديد إلا ما يقتضي أحياناً وقفات وإلا لطال بنا الوقت لأن الله جل وعلا قال : ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ) فهو نكرة في سياق النفي فهو عظيم يصعب حصره .
من هذه الدروس استحباب السؤال عن المريض كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ويدخل على عائشة ويسأل عنها وخاصة إذا كان قريباً أو صديقاً، ومن أشد ما يعانيه المرضى تجاهل بعض أقاربهم لهم، وأكثر ما تعانيه الأخوات النساء مما تعانيه من المرض أن بعض منهن يتجاهلها زوجها، ربما حتى لا يكفي التجاهل في السؤال ربما لا ينفق عليها، ربما قد تكون ليس عندها دخل مريضة وتحتاج إلى الوقوف معها ، أنا لا أتحدث الآن عن قضية هل يجب عليه أن يعالجها أو لا، هذه مسألة فقهية ليس هذا مكان بيانها وهذه مسائل الحقوق التي لا أتحدث فيها بالإجمال، لكن لماذا دائماً المسألة عندنا هل هو حق أو ليس حق ؟ إذا كان الإنسان قادراً وزوجته مريضة وهي لا تستطيع، بل حتى لا يليق به أن يعالجها أهلها فضلاً إذا كان أهلها أيضاً لا يستطيعون ربما تضطر إلى آخرين، فهذه مسألة محزنة حقيقة -أيها الإخوة- أعرف هناك حالات تجد الإنسان كريم جداً مع زملائه .. مع أصدقائه .. على نفسه لكن قد يكون شحيحاً على أهل بيته، نحن لا ندعو للإسراف، ولا على أن كل ما يُطلَب يُعطى، لكن هناك أمور واضحة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ) والخيرية عامة هنا في كل شيء، في الملاطفة -كما قلت في الدرس الماضي- في عدم الضغط على أهله بحاجتهم، فكيف إذا كانت المرأة مريضة، بل أنه لا يليق بالمرأة إذا كانت غنية وثرية وزوجها فقير لا يليق بها أن لا تساعده مع أنه هنا ليس واجباً عليها هذا لا إشكال ليس واجباً عليها، ولكن مع ذلك هو أحق من تساعده بمالها، تواسيه بمالها هي كما كانت تفعل خديجة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد واسته بمالها فلما جاءت زينب امرأة ابن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم لما دعى للصدقة قال لها زوجها ابن مسعود رضي الله عنه وهي تجمع المال : لمن ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم دعا للصدقة ، فقل لها ابن مسعود : إن زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم [ما عنده شيء عبدالله بن مسعود] أنت الآن تذهبين تتصدقين ونحن محتاجين؟ فأخذت ثيابها وذهبت للنبي صلى الله عليه و سلم فوجدت امرأة عند باب النبي صلى الله عليه وسلم تسأل مثل سؤالها، يعني زوجها فقير وهن عندهن قدرة فاستأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : لا تخبر من هو . المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن قصتها فأخبرته بالكامل وهي زينب زوجة ابن مسعود -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (صدق ابن مسعود أو صدق زوجك إن أحق من تصدقت به عليه زوجك وابنك ) والصدقة هنا أعم من الزكاة ، فإذا كانت كذا فكيف إذاً تكون حاجة المرأة التي قلت لكم قد يكون واجباً عليه لكن لا أريد أن أدخل في هذا الموضوع الفقهي الذي ليس هذا مكانه.
 إذاً المريض ينظر من يلاطفه .. من يقف معه ، الأصل في المريض - بالمناسبة كما تعلمون ويعلم الأطباء- يحتاج إلى الراحة ولذلك جاء في الفقه أن لا تكون زيارة المريض طويلة لكن الزيارة إذا كانت قصيرة تُشعِره باهتمام الناس وتكون سبباً - بإذن الله - بالمساعدة على شفائه، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يمُر على عائشة ويسألها طول مرضها وهي لا تعلم عن قصة الإفك شيئاً .
 أيضاً لما كانت تخرج عائشة -رضي الله تعالى عنها- وهذا منهج زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجتها تذهب معها بعض النساء كما حدث في قصة أم مسطح التي أخبرتها بالقصة
 وهذا فيه مسألة في واقع الأخوات الآن نحن بين إفراط وتفريط ، بعض الأخوات إذا أرادت أن تذهب للسوق ذهبت وحدها واليوم -كما تعلمون- دخول المرأة للسوق أصبح محل فِتن، ومع كل أسف سمعنا بالقرار الجديد في دخول بعض المجمعات الخاصة بالعوائل بالسماح للعزاب والقرار جديد، اسألوا الهيئات ماذا حدث ؟ والقرار الآن أصبح مُعلَن ولا أقول أنا سر، قضايا محزنة جدا من بعض الشباب و لا أُعمم الحكم يدخلون و يؤذون هؤلاء النساء واشتكت منهم النساء واشتكت منهم العوائل، والأمر الحقيقة آمل من المسئولين الذين أصدروا قرار جواز دخول المجمعات أن يعيدوا النظر ويمنعوا هؤلاء الشباب ولهم أسواقهم الأخرى، هل ضاقت الأسواق إلا على أسواق العوائل، الرياض فيه مئآت الأسواق إن لم تكن آلاف الأسواق، وهؤلاء لا يشترون -غالباً- لا يدخلون للشراء إنما كثير منهم أو بعضهم يدخلون بقصد الإفساد -والعياذ بالله- فإذاً أقول من الإفراط أن تذهب المرأة وحدها وأخطر إذا كانت مُتجملة أو مُتزينة، والعكس أحياناً بعض الأخوات -هداهن الله- إذا أرادت أن تذهب للسوق جمّعت زميلاتها وذهبت للسوق، وإذا أرادت مرة أخرى جمعت زميلاتها وذهبت للسوق كذلك خرّاجة ولّاجة، والإعتدال أن تذهب المرأة معها محرمها أن يكون معها ذكر لأنه أهيب، وجود مجرد أمرأة قد لا يهاب هؤلاء الشباب يطمعون في الواحدة أكثر وإذا كن مجموعة فتيات يطمعون فيها كذلك، أما إذا كانت معها زوجها أو ابنها فغالباً لا يأتي هؤلاء وقلّ أن تسجل حالات، وهذا أيضاً أُوصي الأبناء بالذات والأزواج أن يكونوا مع زوجاتهم في ذهابهن إلى الأسواق حتى تأخذ حاجتها فقط ، أذكر قديماً ..لكن نحن لا نستطيع يجب أن نراعي الظروف الآن وعادات المجتمع في حدود الحلال لا الحرام ما كانت النساء تدخل أبداً للأسواق كانت تُوصِّي زوجها ويأتي حتى بأغراضها وما تحتاج من السوق، تمرّ المرأة سنتين ثلاث أربع ما تدخل السوق مع أن الأسواق كيف كانت سابقاً، ونادراً ما تجد امرأة في السوق وإذا وجدتها في السوق وجدتها متحجبة متحشمة ، فإذاً المرأة يستشرفها الشيطان فلا إفراط ولا تفريط وهذا قول الاعتدال في هذه المسألة ولذلك كانت تقول نساء الصحابة -وهن نساء الصحابة- بل أمهات المؤمنين يخرجن ولايخرجن وحدهن لقضاء حاجتهن .
 من الأحكام السريعة أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها ويا إخوان هذا الموضوع سبب مشكلات اجتماعية كبيرة تغضب الزوجة ثم فجأة تتصل بأحد أخويها إن لم تتعدى أكثر وتأخذ سيارة مع أولادها وتذهب بالتاكسي أو السائق لبيت أهلها ثم تبدأ المشكلات، وإلى الآن لدي مشكلات كثيرة بسبب خروج المرأة بدون إذن زوجها بسبب زعل أو غيره ثم تبدأ المكابرة الآن، الزوج يرفض أن يأتي يأخذها وهي ترى أن رجوعها انكسار لها وتعتبر هذا إذلال لها ثم تصل المسألة أحياناً إلى الطلاق. المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذن زوجها حتى لو وقعت مشكلة .
 أيضاً من هذه الفوائد العظيمة  المبادرة إلى قطع الفتن الخصومات والمنازعات ، لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (من يعذرني في رجلٍ آذاني في بيتي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم (١) حدثت مشكلة بين الصحابة -كما تعلمون- بين الأوس والخزرج فترك النبي صلى الله عليه وسلم أصل المشكلة و نزل من منبره يُسكِّن الصحابة رضوان الله عليهم (٢) أنت منافق أنت تدافع عن المنافقين فانتقلت المشكلة إلى مشكلة أخرى، ولذلك سرعة المبادرة بقطع المنازعات قبل أن تكبر وبخاصة عندما تكون بداخل البيوت أو المجتمع أو الحارة أو العائلة أو القبيلة قبل أن تنشتر لأنه يمكن تسكينها في أولها لكن إذا تراكمت يصعب حلها وقد تستمر سنوات، وهنا تبدأ مسائل وقد تصل إلى الولاء والبراء، إلى موضوع الزواج والتزويج، فالمبادرة بقطع المنازعات ، وكثير من المشكلات البيتية كمثال أو العائلية كان يمكن أن تُحَل بكلمة ولكن التأخير في حلها -مع كل أسف- وعدم المبادرة جعلها تستشري كما يستشري المرض ثم حدثت مشكلات أخرى ، النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ترك القضية التي جاء من أجلها وخطب من أجلها -وهي قضية عبدالله بن أُبَي- ولذلك نزل يُسكِّن الصحابة حتى أنهى المشكلة وقضى عليها في مهدها.
 وهذا واجب طلاب العلم، لما تبلغه مشكلة وخاصة في أقاربهم أو عائلاتهم أو جيرانهم ومن حولهم أو في قراهم أن يبادروا بحلها قبل أن تستشري وتصبح عداوات، حتى تصل -أحيانا- جماعة المسجد يتقاطعون، لا يصلي بعضهم في مسجد الآخر إلى أن يموتوا وتتعدى لأولاده وأقاربه وهكذا ، فالمبادرة بحل النزاعات في وقتها سهل جداً -بإذن الله- لكن إذا كبرت قد يصعب .
أيضاً لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة فوضت أبويها بأن يُجيبوا النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من حسن الأدب أن الإنسان إذا كان في مجلس فيه من هو أكبر منه أن لا يتصدر المجلس، أن يعطي غيره إذا كان أكبر علماً أو سِناً حتى لو كان في السِن ولم يكن في العلم إلا إذا كان في مسألة علمية لا يجيب عليها إلا هو، لأنه -مع كل أسف- هناك بعض الشباب الآن يتصدر المجالس وفيها من هو أولى منه ، أولى منه علماً أو أولى منه سناً أو تجربة أومقاماً، فعائشة أسندت الأمر لأبويها .
أيضاً من تلك الدروس لما نزلت براءة عائشة رضي الله تعالى عنها جاء التبشير لها ولذلك تبشير المسلم في الوقت الذي إذا كان هناك خبر يُحزنه ، ترى لم يخبروا عائشة بالمناسبة -البعض ربما لم ينتبه لهذا المعنى والخطأ مني أنني لم أُبيّنه إلا في آخر الأيام- شهر كامل لم تدرِ عنه شيئاً، لا تعلم ، العالم في المدينة يتحدثون وهي مريضة ما تعلم عنه شيء لأنها كانت مريضة، فلذلك هذا من الحكمة لأنها ربما لو جلست شهراً لهلكت، ففقط في الأيام الأخيرة علِمت ولذلك ما بين علمها وبين نزول براءتها إلا أيام قليلة جداً، وهذا من المصلحة أن المريض لا يُخبَر بما فيه من المرض إلا إذا فيه مصلحة، إذا كانت مصلحة ككتابة وصية أو حقوق أو غير ذلك لابد من إخباره ، أما الأصل أن لا يُخبَر بكل ماعنده مما يزيده مرض وتهلكة، والناس يتفاوتون في هذا الأمر ولذلك إذا رأى الإنسان رؤيا يكرهها يستعيذ بالله من الشيطان وينفث عن يمينه ولا يخبر بها أحد فقط ، خلاص تنتهي بل لا تضره -بإذن الله- وبالمقابل البُشرى إذا وُجِدَت بشرى أن يبشر الإنسان وأن يكون منهج التبشير وليس فقط الأخبار السيئة كما يفعل البعض ويتناقلون أخباراً قد لا تكون صحيحة ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
 براءة عائشة وهذا أمر عظيم حتى كانت تقول ما كانت تحلم أن ينزِل بها القرآن كانت تقول أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا -ورؤيا الأنبياء حق- ببراءتها أما أن ينزل بها آيات تقول : أنا أقلّ من ذلك ، وهذا من تواضعها، فتنزل آيات تُقرأ إلى يوم القيامة وهي براءة قطعية ويترتب عليها أحكام فمن شكك في براءتها فقد كفر بالله جل وعلا وكذَّب قول الله جل وعلا.
 وقلت في الدرس الماضي أو الذي قبله أن هناك فرقٌ بين نزول الآيات، الكلام قبل مجرد قذف كان الذي أقيم الحد على بعض الصحابة أما بعد نزول البراءة فهو كفر ويُعتبَر رِدة إن لم يتب، ولذلك وقوع هؤلاء الرافضة وأمثالهم في عِرض عائشة رضي الله تعالى عنها أمر خطير ومن زال عنه موانع الأهلية وبلغه ذلك وأصرّ فهذا كفر لا شك فيه، فليحذر الإنسان أن يقع عنده شيء من الشك في قول الله جل وعلا وفي براءتها بعد نزول .. بل قبل ذلك هي لم تكن محل شك ولاتهمة إطلاقاً ولا هذا الصحابي الجليل لكن نحن نتحدث عن أمر قد وقع في حادثة الإفك ونزول القرآن فهذا كفر -والعياذ بالله- ولذلك قال ابن عباس : "لم تزنِ امرأة نبي من الأنبياء" أما قوله تعالى في قصة نوح و لوط ( فَخَانَتَاهُمَا ) هي خيانة في الدين و ليس في العِرض لأنه لا يمكن ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً ) فهذه المسألة واضحة ومحسومة بالنسبة للمؤمنين فكيف بالأنبياء .
أيضاً فضائل أبوبكر، ووقفت أتدبر في فضائل أبي بكر -سبحان الله- كم في القرآن من آيات في فضائل أبي بكر ، أبوبكر حياته كلها في الإسلام قرابة خمسة وعشرين سنة يعني منذ أسلم حتى مات خمسة وعشرون سنة :
 أولاً : هو أكرم هذه الأمة على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم -سبحان الله- .. من أين ؟ من القرآن، من آيتين مركبتين ، في سورة الحجرات ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) في سورة الليل ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) من هو هذا ؟ هو أبوبكر طبعاً ، فهو ( الْأَتْقَىَ ) فهو أكرم عند الله ولذلك أبوبكر هو أكرم هذه الأمة عند الله جل وعلا مع كرم غيره من عمر وغيره لا يعني تنقّص منهم .. كلا والله.
 ثانيا : أيضاً ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ ) انظر يثني عليه الله جل وعلا ( أُولُو الْفَضْلِ ) فيثني عليه الله في هذه الآيات تُتلى إلى يوم القيامة من فضل أبي بكر.
ثالثا: إثبات صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ) فإثبات هذه الصحبة من الله جل وعلا عظيمة .. شهادة من الله جل و علا.
رابعا: ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) قال العلماء -بعض المفسرين- : دخول أبوبكر دخولاً أولياً فيها .
 فكم في القرآن من آيات لهذا الرجل، وكما قال أحد التابعين أن أبا بكر لم يسبق الصحابة بكثير صلاة ولا صيام لا يعني أنه قليل الصلاة والصيام .. كلا ، لكن قد يوجد في الصحابة من هو كثير الصلاة والصيام ولكن سبقهم بشيء وقَر في قلبه بالإيمان ولذلك سُمّي الصديق . ولذلك أيها الإخوة العبرة ليست العبرة بكثرة العمل إذا قام الإنسان بالواجبات العِبرة بهذا القلب وسلامة هذا القلب وطهارة هذا القلب .
ولهذا سمعت بالأمس من أحد المشايخ الذين تعرفونهم يقول : أصبحت الآن أركِّز على قلبي أكثر من تركيزي على الآخرين ، لا أستطيع أن أضبط الناس في مشاعرهم .. في تصرفاتهم .. في أخلاقهم، لكن أستطيع أحاول أضبط نفسي وضبط نفسي لا يمكن أن يتم إلا إذا ضبطت قلبي ( في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ) فكونك تُعنى بقلبك .. بطهارة قلبك أكثر مما تُعنى بثوبك ولباسك ومسكنك هنا تنضبط وتستقرّ ويكون من عوامل استقرار والسلامة والثبات ، فأبوبكر رضي الله تعالى عنه عُني بقلبه ولذلك سُمي الصدِّيق لكثرة تصديقه النبي صلى الله عليه وسلم مع فضائله الأخرى .. شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة، وقصة ( من أصبح منكم اليوم صائماً ) -الحديث المشهور- وإذا هو أبوبكر حتى شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء.
 يا إخواني أبوبكر ليس نبياً، مقامه عظيم ولا شك، النبوة خُتِمت بمحمد صلى الله عليه وسلم فانظر كيف حاز هذا الفضل الذي يأتي بعد النبوة مباشرة من فضله، فما الذي يمنع الواحد منا أن يكون هؤلاء قدوة لنا، أنبياء الله جل وعلا ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) أن يكون أبوبكر وعمر وعثمان وعلي و غيرهم من الصحابة، نقرأ في سيرهم في تاريخهم وليس كما يفعل الآن بعض الشباب أضاعوا أوقاتهم مع مواقع الإنترنت وغيرها أكثر مما يقرأون من كلام الله جل وعلا ، ألا يستحي الإنسان!! كم يقف .. كم يمر عليك ما ختمت القرآن!! بينما كم تقرأ باليوم؟! متابعة الإنترنت أنا لا أقول حرام إذا كانت من باب الصحيح متابعة الإنترنت وغيرها، لكن قارنها بقراءتك لكلام الله جل وعلا.
 يحدثني أحد المشايخ الذين يحفظون كلام الله جل وعلا يقول : زرنا رجلاً مريضاً قبل سنوات أنا وصاحب لي ، فقال لصاحبي : متى تختم القرآن ؟ يقول : قال له صاحبي : أختمه كل عشرة أيام وهذا على فراش المرض وتوفي بعدها رحمه الله ، قال : ألا تخاف أن يُنزَع القرآن من قلبك ، عشرة أيام لا تختم القرآن ؟ يقول قلت : عسى ما يسألني لأني لا أختمه إلا كل اسبوعين ، يقول بدأ يكررها : ألا تخشى أن يُنزَع القرآن من قلبك ؟ تهجر كلام الله لا تختمه إلا كل عشرة أيام ؟. طيب ماذا نقول عن الذين لا يختمون القرآن إلا ربما من رمضان إلى رمضان وقراءة هذّ كما يقول ابن مسعود، بل انظر ماذا يقرأون ساعات يجلسون على هذه الأجهزة، بل تقسّي القلب وربما يدخلون بكلام أو يسمعون كلام لا ينكرونه أو غير ذلك.
 وأختم أقول أيها الإخوة أبوبكر رضي الله تعالى عنه اقرأوا في سيرته اقرأوا في تقواه ( الْأَتْقَىَ ) وليس المُتقي فقط ( الْأَتْقَىَ ) لماذا كان ( الْأَتْقَىَ ) ؟ الصدِّيق بتصديقه كل فروع العمل، يخرج من ماله تماماً أكثر من مرة يخرج من ماله.
 الورع في ورعه في أكله وشربه تقول له زوجته -كما ذكر بعض أهل السِير- يوم من الأيام وهو خليفة قالت له : نريد حلا يأكلونه الأولاد - خليفة - قال : لا يوجد عندي شيء ، كان بيت المال يصرفون له لأنهم وجدوه يبيع ويشري في السوق قالوا : كيف تبيع وتشري في السوق ومصالح المسلمين معطلة - فهو خليفة - قال : لأجل أن أؤكل أولادي ، قالوا : نفرض لك شيء ، قال : افرضوا لي ، ففرضوا له شيئاً يسيراً له ولأولاده يومياً يأتي هذا الشيء ، هو خليفة هم الذين يفرضون له ليس هو، فقالت زوجته : نريد حلا للأولاد للأطفال قال :ما عندي شيء إلا الذي يرسلوه لي ، قالت : استطيع أن أوفِّر شيئا مِما يرسلون كل يوم قليل وإذا تجمِع بعناه واشترينا بثمنه حلا ، قال : تستطيعين ؟ قالت : استطيع ، فبدأت عندها إناء كلما جاءهم قمح أو شيء وضعت حتى جاء ما يمكن أن يُباع ويُشترى به حلا فقط، فلما اكتملت بعد أسبوع أو أكثر حتى استطاعت أن توفِّر شيء يُشترى به قالت : يا أبا بكر هذا ، قال : ائتني به ردوه إلى بيت المال هذا خارج زائد عن حاجتنا وانقصوه مما تعطونني يومياً ثبت أنه زائد عن حاجتنا ، لنا أسبوع لم نمت والحلا ليس ضرورياً ، هذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيا إخوان هذا يكون قدوة لنا في عملنا وبهذا نلقى الله جل وعلا ، هكذا في هذه الصورة تبيِّن لنا الفضل و السعة يُوسع الله عليه مع أنه يخرج من ماله مراراً لا يعود من أثرياء الصحابة وأوسعهم عيشا (ً وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) ليس من أهل الضيق، هو أبداً لم يضره الإنفاق وهو يخرج من ماله تماماً ومراراً. فليكن هؤلاء لنا قدوة .
أقف عند هذا الحد ونواصل -بإذن الله- في الدروس القادمة وأسأل الله أن يبارك لكم ونسأل الله أن يعفو عنا وعن تقصيرنا ولاتنسوا الدعاء لإخوانكم في فلسطين و في العراق وفي كل مكان للمظلومين للمأسورين ، ادعوا لإخوانكم لأنفسكم لأهليكم لا تبخلوا على إخوانكم في سجودكم وفي عملكم نسأل الله لهم الثبات والتوفيق والنصر المؤزر ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته .
------------------------
١- فقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -:(يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي).
٢- (فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ - فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ . فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ . فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق