الاثنين، 4 يناير 2016

الحلـقـ السادسة والعشرون ـة / هل أنت تُحكِّم شريعة الله ؟


سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..
 نواصل مع هذه التعقيبات على هذه القصة وهذا التاريخ المؤثر في قصة موسى عليه السلام وقصة فرعون لعنه الله.

 يقول الله جل وعلا : {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ} { الحمد لله رب العالمين } تكررت في القرآن في مواضع عِدة، الاختصاص فالحمد له وحده سبحانه وتعالى فأنت لا تقول للمخلوق أحمدك إنما تقول : أحمد الله إليك ، قد تقول له : أشكرك، أذكرك بخير ، لكنك لا تقول له أحمدك فالحمد لله رب العالمين له الحمد في الأولى والآخرة.
 تأملوا في هذه الآية انظروا بعضها مركب على بعض {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فتبدأ بالتوحيد.. تجريد العبادة {لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ} فأنت تحمد الله جل وعلا على نِعمِه وهذا هو توحيد الألوهية توحيد الله جل وعلا بأفعال العباد فلا تحمد إلا إيّاه، لا تعبد إلا إيّاه سبحانه وتعالى، لا تستعين إلا به، لا تتوكل إلا عليه وَلَهُ الْحُكْمُ } هنا مادام يقين وعقيدة صادقة أنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} وهو أيضاً سبحانه وتعالى له الحمد .. النتيجة له الحُكم ، ترتيب منطقي فمادام أنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى والحمد أيضاً له سبحانه وتعالى مبنيٌ على أنه لا إله إلا هو ( وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) إذاً له الحكم سبحانه وتعالى وإليه ترجعون ففيها تهديد.
 ماذا يقول أولئك الذين لا يُحكِّمون شريعة الله جل وعلا ؟ هم يقولون لا إله إلا الله وتجدهم يكررون الحمد لله رب العالمين في بياناتهم وفي خطبهم لكن (***) هل يُحكِّمون شريعة الله ؟ القضية يا أحبتي عندما نأتي لموضوع تحكيم تشريعة الله لا ينتظر الإنسان أو يتصور أنها خاصّة بتحكيم الشريعة عامة في الدول أو المجتمعات أو الأمة، هذا لا شك مقصود أولي ومُتكرر في القرآن في مواضع عِدة كما في قصة يوسف وغيره له الحكم سبحانه وتعالى، لكن هل نحن عندما نمُرّ عند آيات الحاكمية وتحكيم شريعة الله {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} هل أنت تُحكِّم شريعة الله في بيتك؟ ذكر ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى : {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } ذَكَرَ من هجر القرآن عدم تحكيم شريعة الله، قد نكون نحفظ كلام الله جلا وعلا وتجده آناء الليل وآناء النهار لكنه لا يُحكِّم شريعة الله فيما بينه وبين أولاده، بينه وبين زوجته، مع الناس في الحقوق، لا يُحكِّم شريعة الله، هذا باب عظيم جداً فلا تنصرف أذهاننا فقط إلى ما يتعلق بتحكيم شريعة الله على مستوى الدول وهذا مطلوب أولي ولا شك إنما أنت أبدأ بنفسك هل أنت تحكم شريعة الله ؟ هل كل مافي بيتك وفي عملك وفي أكلك وفي شربك ملتزم فيه بتحكيم شريعة الله ؟ هذه معاني عظيمة وإليه ترجعون.
/ ثم بعد ذلك يقول : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} الآيات الكونية هل نحن نتفكّر فيها ؟ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ختمها بقوله تعالى : {لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وفي سورة آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} لاحظوا في سورة البقرة وفي سورة آل عمران ربطها بالعقل وهو اللُّب أولي الألباب أولي العقول { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} هل نحن فعلاً وقفنا نتفكّر طويلاً لماذا الليل ولماذا النهار؟ كما في سورة البقرة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ} ..الآية ، آيات كونية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل ويخرج وينظر إلى السماء ثم يقرأ آية آل عمران ويرجع يكررها مرة أو مرتين أو ثلاثة لكن لأنها أصبحت مطردة في حياتنا تطلع الشمس وتغيب، تأتي الرياح، لا نتفكر { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} كله آيات كونية، إذاً بمقدار تفكُّرك في هذه الآيات وتأمُّل هذه الآيات هو دليل على عقلك وبمقدار من لم يتفكّر ومن لم يقف عندها هو في الحقيقة نقص في عقله في هذه المسألة.
 تلحظون أيضاً دائماً في الليل يقول الله جل وعلا : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ختمها {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} وختم آية النهار { أَفَلَا تُبْصِرُونَ } في ارتباط في الليل السماع -كما في سورة يونس- وفي النهار البصر وهذا واضح لأنك في الليل في الظلام تسمع ما تُبصر، وفي النهار يكون البصر أقوى من السمع لوجود ربما الضجيج والحركة فبصرك أقوى من سمعك اطراد هذه الآيات، ارتباط السمع بالليل والبصر بالنهار يحتاج منا إلى تفكّر وإلى تدبر وبخاصة أنه مطرد كما قلت إطراداً عجيباً .
 ثم سبحانه وتعالى جعل الليل سكنا وجعل النهار للعمل لماذا الناس قلبوا هذا الأمر؟ فيقول الله سبحانه وتعالى من رحمته سبحانه وتعالى أن جعل الليل سكناً والنهار مبصراً، بعض الناس قلبوا الأمر يسهرون بالليل وينامون بالنهار ويترتب على ذلك مفاسد عظيمة شخصية وفي مصلحة الأمة لأنهم خالفوا ما فطرهم الله وخلقهم له، أنا لا أتكلم عن السهر العارض أو الطارئ أو النوم العارض لكن الله سبحانه وتعالى (سرمدا) العجيب أن الكفار في عديد من الدول الغربية وغيرها ينامون مبكرين ويستيقظون مبكرين فلذلك حصلوا (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) وأصبحنا عالة عليهم في أمور الدنيا حتى هذا الأجهزة التي أنا أتكلم من خلالها ليست منا ولا من بلاد المسلمين من الغرب أو الشرق لأنهم تماشوا مع الفطرة ، أنظروا إلى الحيوانات والدواب تنام في الليل وتستيقظ في النهار تطلب الرزق في النهار انظروا إلى الطيور وإلى غيرها، فيترتب على ذلك مفاسد نفسية صحية وكسل وخمول إذا قلَب الإنسان الأمر استيقظ في الليل ونام في النهار، وأيضاً قد يترتب عليه -كما يحدث الآن- حتى في رمضان الصلاة وضعف الصلاة وهذا واقع الآن ومشاهد أناس ينامون في رمضان من بعد الفجر يفوتون صلاة الظهر وقد يفوتون صلاة العصر لأنهم قلَبوا المسألة، وحتى لو سهروا كثير منهم ياليت لو يسهروا على ما يرضي الله {قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } لا! يسهروا على ما حرّم الله جل وعلا .
إذاً بعد هذه الأمثلة -أيها الأحبة- تأتي مسألة مهمة جدا: ألسنا نُوقِن يقيناً أن ما يحدث في الكون من طلوع للشمس وغروبها وخروجها كله من الله وأنه لا يقدِر أحد أن يغير مافيها إلا الله؟ أليس علماء الكون، علماء الفلك يستطيعون أن يُحددوا متى تطلع الشمس بعد مائة سنة ومتى طلعت قبل مائة سنة ، يُحددون مسارات هذا علم عظيم هم لا يستطيعون إلا تحديد المسارات لكن الذي يفعل ذلك هو الله، هنا السؤال ماهو ؟ إذا كنا نؤمن بذلك - ويقين نحن نؤمن بذلك - فيجب أن نؤمن ونُوقِن أن المُلك لله له الحُكم كما في أول الآيات ولكن انظروا ارتباط بين الآيتين له {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فكأنه جاء بتعليل{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا }{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا } يدل على ماذا؟ على أن هناك ارتباط عظيم جدا في هذه المسألة مافي عاقل يخالف قضية الفلك وفي غروب الشمس وطلوعها وخروجها وفي الأقمار والمجرات، طيب إذا يجب أن لا نُخالف في تحكيم شريعة الله، انظروا ارتباط بين الآيتين هذا معنى عظم جداً.
/ ثم بعد ذالك يناديهم {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ) يوم القيامة {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} لماذا تُحكِّمُون غير شريعة الله تعالى؟ لماذا تعبدون غير الله جل وعلا؟ لماذا تبتدعون؟ لماذا..؟ لماذا..؟ لماذا..؟ انظروا الترتيب في هذه الآيات وهكذا القرآن لا يُعارِض بعضه بعضاً بل يُوافق بعضه بعضاً.
بإذن الله غداً نواصل مع هذه الآية { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } غداً مع هذه الوقفات بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق