الاثنين، 4 يناير 2016

الحلـقـ الخامسة والعشرون ـة / تجريد التوحيد لله جل وعلا


سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد ..
من التعقيبات على هذه القصة وهذا الحدث التاريخي الكبير من أجل أن نعتبر تأملوا ما يقول الله جل وعلا:

{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ} أي وعده الله جل وعلا في الآخرة فهو لاقيه يوم القيامة {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} وقفت أتأمل:
 سيُحضر وسيَحضر من وعده الله وعداً حسناً ومن متّعه متاع الدنيا لكن جاء النص هنا وهذه من مواقف التدبر { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} مع أن الجميع سيُحضرون كلهم سيُساقون إلى المحشر، السر في ذلك - والله أعلم - أنه بالنسبة لمن وعده الله وعداً حسناً هو يأتي فرح ينتظر وعد الله جل وعلا لأنه على يقين بهذا الوعد، بينما ذاك الذي جعل حياته في الدنيا لا يريد الآخرة لأنه الآن أصبح يقين ماذا سيحدث له فهو من المُحضرين، أحضروا فلان - ولله المثل الأعلى - فلان يُحضَر إلى المحكمة، صاحب الحق يأتي بدون أن يُحضر والذي عليه الحقّ أحياناً يحتاج إلى أن يُؤتى به أحضروا فلان، ( ثُمَّ هُوَ) تأكيد (الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) فلنكن من الفريق الأول أيها الأحبة {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا} ننتظر وعد الله جل وعلا، والله لا يستويا.
/ ثم يقول الله جل وعلا :{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أين هم؟ هذا سؤال ونداء عظيم جداً ومؤثر جداً انظروا كيف يكون الجواب {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} سبحان الله ألا تلاحظون أن أصحاب الأفكار المنحرفة، أصحاب المبادئ الباطلة، ألا تلاحظون أن المجرمين كلهم يحاولون أن يغووا الناس، فالمُجرم يريد من الناس أن يكونوا مجرمين، صاحب المخدرات يريد أن يكون الناس أصحاب مخدرات يُوقعوا في المخدرات، الشيطان يريد أن يُوقع أتباعه، الليبرالي، المنافق، العلماني كلهم يريدون أن يُوقِعوا الناس في النفاق والليبرالية والعلمانية، اليهود النصارى {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} إذاً هنا نأخذ منا أيها الأحبة لأبنائنا فائدة عظيمة جداً:
انظر من يُصاحب إبنك، إن كان صاحب سوء سيُغويه، سيجُره إلى ماهو فيه {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} منهج مُطّرد بقدرما عند الإنسان من غواية سيوقع الآخرين، بدعة..فِكر مُنحرف.. غُلو.. جفاء.. كفر.. معصية، صاحب الدُّخان يريد الناس أن يدخنوا، صاحب المخدرات وهكذا مطردة {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} لكن يوم القيامة ماهي النتيجة {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} سبحان الله {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} تبدأ البراءة هؤلاء الذين كانوا في الدنيا أخلاء.. أصحاب.. أصدقاء يسهرون مع بعض لكن على مُنكر سواء شُبهة أو شهوة ماذا يكون يوم القيامة  {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} كل واحد يتبرأ من الآخر عجيب هذا المشهد {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} جعلني الله واياكم من المتقين.
 إذاً الأخلاء نوعان: خُلة في ذات الله، وخُلة في سبيل الشيطان، والأخلاء في سبيل الشيطان هم الأكثر فيوم القيامة الأخلاء في الله ستبقى خُلتهم ويثني بعضهم على بعض ويكون بعضهم قد دلّ الآخر على الخير، والأخلاء في سبيل الشيطان - من أي نوع كان - عدو ليس فقط أنه لا يكونوا أخلاء بل بعضهم يلعن بعض (كلما دخلت أمة لعنت أختها) فهذا جانب مهم جداً ومنهج تربوي أيها الأخوة.
/ ثم يقول الله جل وعلا بعد ذلك: { وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ۚ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ } تأكيد في هذا الجانب أين شركاءكم الذين كنتم تزعمون؟ أين الذين أشركوا مع الله ودعوكم إلى الشرك مع الله سواء شرك الطاعة.. شرك العبادة أي شرك من أنواع الشرك المُخالف لمنهج التوحيد.. لمنهج السلف هنا يقول لهم: { وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} سبحان الله {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} كلما دخلت أمة لعنت أختها ليس فقط لا يستجيبون بل يلعن بعضهم بعضاً (ربنا) يقولون يوم القيامة يشتكون إلى الله سبحانه وتعالى {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} هؤلاء الذين يتبعون الزعماء والرؤساء بالباطل وليس بالحق {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } تصوروا هذه المشاهد أيها الأخوة لا تغتروا بصداقات الدنيا ومكاسب الدنيا وآثار الدنيا هذه معاني تساعدنا على أن نُجرِد التوحيد لله جل وعلا ونُحقق هذا التوحيد فيما يأتي لذلك ليت بينهم لما دعوهم {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ } ستأتي وحدك يا أخي الكريم فانظر مع من، انظر أين أنت، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } لن يسألنا ماذا أجبت زعيمك أو جماعتك أو حزبك لا، (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)؟ هذا هو السؤال، أعِدّ لهذا السؤال يا أخي جواب، ولذلك يوم القيامة بعضهم يقول {رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} لا، السؤال (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)؟ وتأمولوا إجابة الرسول الواحد -عليهم وعلى نبينا عليه الصلاة والسلام- إجابة لجميع الرسل إيماننا بمحمد صلى الله عليه وسلم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إيمان بجميع الأنبياء والرسل (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ولذلك في قوم نوح قال: { كذبت قوم نوح المرسلين } مع أنه أول رسول فهو تكذيب بالذي جاء وبمن سيأتي (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) اعِدوا ولنُعِد لهذا السؤال جواباً.
/ ثم يقول بعد ذلك: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ } في حالة من الاضطراب وحالة من الفوضى ضاعت الحقيقة عنهم لأنهم أضاعوها في الدنيا فضاعت عليهم في الآخرة لأنهم أطاعوا سادتهم وكبراءهم هؤلاء الذين اتخذوهم أصحاب أنظروا ماذا يكون يوم القيامة يقول الله جل وعلا :{ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (٨١) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} هذه حقيقة يجب أن نتعامل معها {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} لا يستجيب له في الدنيا ولا في الآخرة هنا التجريد، تجريد الإيمان، تجريد العقيدة، تجريد التوحيد، التعامل مع هذه المعاني العظيمة أيها الأحبة {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} أين من كان معهم؟ أين شفعاءهم ؟ أين ؟ أين؟ أسئلة يجب أن نعيشها الآن حتى نستعِد للجواب يوم القيامة ، لا عُذر لأحد وقد بيّن الله لنا جل وعلا هذا الأمر، ماذا يقول هؤلاء الذين يتعصبون لشيخ القبيلة، للزعيم، لرئيس الجماعة من دون الله جل وعلا يجب أن يكون التعصب للحق، الاتباع للأنبياء { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}.
/ ثم يختم هذه الآيات بقوله: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } فتح باب التوبة وهي فرصة وبخاصة في هذا الشهر أن نتوب إلى الله جل وعلا هذه الوقفات (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) الأمر لله جل وعلا هذا توحيد حقيقي الخلق لله، له الخلق والأمر سبحانه وتعالى.
 ثم أيضاً (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أصحاب العقول القاصرة يريدون الأمر لهم يتخيرون ما يشاؤون يُحكِّمُون النصوص إلى عقولهم القاصرة كما فعل كثير من أصحاب من يدَّعون أصحاب المدرسة العقلية وهم اليوم في زمننا يصححون الأحاديث الصحيحة ويُبطلونها على مقياس عقولهم القاصرة لا على هذه الأصول. هذه معاني عظيمة جداً أيها الأخوة (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
ثم فيها معنى: الخيَرة لله فإذا هممت بأمر فاستخِر الله سبحانه وتعالى فهو الذي يملك ذلك سبحانه وتعالى (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) وهو الذي يخلق ما يشاء ويختار فلنتوجّه إليه سبحانه وتعالى،  فإذا هممت بأمر وأخذت بالأسباب وهو عمل مشروع وتمددت فيه فاستخر الله جل وعلا وأبشر { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
ثم يختمها بقوله :{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} أخي أختم هذه الحلقة فأقول:
 إذا كان في صدرك شيء تريده وتخفيه عن الناس فالله يعلمه { وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} نعم { وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} .
كتاب جميل جداً اطّلعت عليه لأخي الشيخ عبد العزيز الجليل بعنوان [يوم تبلى السرائر] أنصح بقراءة هذا الكتاب، اليوم تستطيع أن تخفي كثير من الأشياء غداً { وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فلنستعد لذلك اليوم. ونقف غداً بإذن الله مع هذه الآيات العظيمة الإيمانية التي فعلاً تحقق لنا النجاة في الدنيا والآخرة والسعادة في الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق