سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
تأملوا هذه الوقفة أيها الأخوة: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}
الوقفة الأولى: {فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} كم وردت هذه الآية {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} في القرآن ؟ مراراً .
يا أخي الكريم، إذا كُذِب عليك، إذا ظُلِمت - وأخُص طلاب العلم والدعاة والأخيار والصالحين والمحتسبين - فقل لمن كذب عليك: قل هاتوا برهانكم. هكذا حقيقة ليست مجرد دعاوى، لو يُعطى الناس بدعاواهم لدعى أناس أو رجال دماء قوم وأموالهم أوكما قال صلى الله عليه وسلم { قل هاتوا برهانكم } دعوها دائماً أمام أعينكم وأنا وأنت إذا سمعنا أي كلام عن أي شخص نقول للمتكلم : قل هاتوا برهانكم ، لأنني أرى في وسائل الإعلام الآن يقذف أناس بكلام وبالباطل وبدون دليل ولا برهان وإذا هو كذب وإذا هو إفتراء انظروا ماذا قال في آخر الآية {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} عامة الآية، يفترون من الشرك..من الكذب {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} اطمئنوا {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} فهذا فيه تسلية لمن؟ لمن يُكذَب عليه فأقول له يا أخي الكريم أيها الداعية أيها العالم..أيها المحتسب..أيها المسلم افتُرِي على الله جل وعلا، افتُري على الأنبياء ولا يزال، فمن الطبيعي بمقدار ما معك من الحق أن يُفترى عليك لكن النتيجة {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ويوم القيامة {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} هؤلاء الذين يفترون في الدنيا بدون برهان وبدون دليل {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي نوع من الافتراء سواء يصل إلى الشرك أو ما دونه من الكذب فاطمئن فالله لا يُصلح عمل المفسدين، هذا تسلية لنا فيمن يكذب ويُروج ويُؤذي فتجد مثل هذا الآن تأتيك تسلية في الدنيا وفي الآخرة بإذن الله.
/ والآن نقف مع آخر المشاهد في هذه القصة قصة قارون:
لاحظوا بدأ بفرعون وأنهاها بقارون مع تعقيبات في آخر السورة {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ} هذه القصة عجيبة، القوة قوة إيمانية وقوة سياسية وقوة إقتصادية، وفيه قوى أخرى كالقوة البدنية والعسكرية وغيرها فرعون يمثل القوة ماذا ؟ القوة السياسية والعسكرية يدخل فيها، وهامان يمثل القوة قوة الوزارة ونفوذ الوزارة الآمر الناهي، وقارون يمثل القوة قوة المال {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ } لكنهم كلهم تجردوا عن القوة الحقيقية (إن القوة لله جميعاً) هي قوة الإيمان التي يتمثل فيها موسى السلام لأنه إذا وُجِد قوة الإيمان تحققت سائر القوى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ } قصة قارون بعد أن عرض لنا قصة فرعون وهامان وكيف كانت النتيجة وكيف كان المآل أفرد قصة قارون بسياق عجيب لأهميتها أيضاً واختصاصها: أولاً إن قارون كان من قوم موسى - يعني من بني إسرائيل - فرعون وهامان ليسوا من بني إسرائيل لكن قارون كان من قوم موسى {فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ} كان الأجدر به أن يؤمن بموسى وهو يرى ما يحدث لشعبه..لقومه من أهل الكتاب من بني إسرائيل فإذا هو ينضم إلى ركب المجرمين، إلى ركب الطغاة فبغى عليهم.
هذه رسالة لمن يُنتظَر منه أن يكون مع أهل الخير ثم ينضم إلى ركب الظالمين، يُنتَظر أحياناً مِمن ينتسب إلى العلم أن يكون مع العلماء، أن يصدع بالحق - كما سيأتي في الذين صدعوا بالحق أمام قارون - لكنه ينضم إلى ركب الظالمين يبرر لهم، يُفتيهم.
فبغى عليهم لماذا؟ لأنه يرتكب جريمتين، جريمة على نفسه بضلاله وجريمة على من؟ يرتكب على قومه، على العلماء، على الدعاة، لو كان إنسانا من عموم الناس ما أثّر عليهم {فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ}، هذا معنى ورسالة لكل من يُنتظَر منه أمر فيُفاجئ الناس بموقف آخر.
/ ثم تواصل هذه القصة ونصِل ونواصل معها:
يقول الله جل وعلا: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ } إذا كانت المفاتيح تنوء بالعصبة، العصبة قيل: من عشرة إلى خمسة عشر وقيل غير ذلك، المهم أنهم عصبة مجموعة كبيرة يعجزون عن حمل المفاتيح والله أعلم كم مقدار من يحملها، ما قال يقوم بها العصبة لاحظوا (تنوء) ثقيلة صعبة شديدة، هذه المفاتيح إذاً كم في الخزائن؟! كم سيكون في الخزائن؟ ماذا تتوقعون؟ هذه رسالة لأهل المال لأصحاب المليارات وما هو فوق المليارات.
{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ} لأن فرحه ليس فرح شكر إنما فرح بطر {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} والفرح على نوعين: فرح مذموم وفرح محمود الفرح المذموم: البطر، الإعجاب بالنفس وبالقدرات، هذا فرح مذموم
أما الفرح بما عند الله وهو الممدوح {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} فلهذا محمود كما بين ابن القيم وقد فصّل ابن القيم الفرح بتفصيل لا يتسع المقام لذكره لكن خلاصته أنه هناك فرح مذموم كفرح قارون والفرح الذي ذكره الله جل وعلا في سورة يونس {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} الفرح بذاته ليس مذموماً إنما بسببه ونتيجته والإنسان يفرح بما آتاه الله والفرح من الله جل وعلا فيكون بالسبب ومن المُسبب هذا معنى عظيم جداً إن الله لا يحب الفرحين الفرح الذي يدعوا إلى الزهو والاستكبار والطغيان والتكبر على الآخرين - كما هو واقع الآن - ثم يقولون { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} يا أحبتي انظروا ماذا يفعل أهل الخير أهل الصلاح ينصحونه ويقولون له هذا المال الذي أعطاك الله نعمة ابتغِ الدار الآخرة وليس الدنيا {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} انظروا أصحاب الأموال أو بعض أصحاب الأموال هناك بعض أصحاب الأموال هناك أصحاب أموال خير يقيمون المشاريع الإسلامية يقيمون مساجد يدعمون الناس بالخير لا شك في ذلك، لكن هناك آخرون يبغون بمالهم - الفساد هذه القنوات الفضائية الفاجرة - لكن الموضع الحقيقي للدنيا أن تضعها في يدك لا في قلبك وتحتاج إلى من يُذكرك ويقول لك كُل..اشرب أبقِ بعض المال لنفسك سبحان الله هي إشارة ورسالة { وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} أنفق هذه رسالة إلى أهل الأموال أن ينقفوا مما أحسن الله إليهم لأن هذا من الله ليس منهم والله، من الله، أحسن كما أحسن الله إليك { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } .
ثم قال: { وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} فهو لا يحب الفرحين بطراً وكبرياء ولا يحب المفسدين وفي آيات أخرى {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} هؤلاء الذين يستخدمون المال في غير حِله وفي غير موضعه {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} أحسن كما أحسن الله إليك {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} فيا أهل الأموال انظروا أين تضعون أموالكم ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به) أو كما قال صلى الله عليه وسلم نواصل مع هذه القصة العجيبة وآثارها في اللقاء القادم بإذن الله وإلى ذاك اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق