بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه .
نبدأ اليوم في تفسير سورة النور فنقف مع الآية الأولى فيها هذا اليوم وآمل أن أتمكن من إكمالها .
يقول الله جل وعلا : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
السورة مدنية بالإجماع وهي أيضاً مُحكمَة، والسورة في اللغة : هي بيان للمنزلة الرفيعة ، ولذلك سُميت السورة في القرآن سورةً لمنزلتها الرفيعة ، يقول النابغة:
ألم ترَ أن الله أعطاك سورةً ** ترى كل مُلك دونها يتذبذب
أي أعطاك ملكاً عالياً ترى كل مُلك أي كل منازل الملوك دونها يتذبذب، فهي منزلة رفيعة ولذلك يشرُف من يقرأها ومن يحفظها .. والله أعلم .
وهي أيضاً سُميت بذلك لأنها قطعة من القرآن وقيل لتمامها .
وجمع سورة "سوَر" ويجوز "سَورات" لكن الأصل (سُورات القرآن) لكن الأصل نقول : سور القرآن لكن لو جمع الإنسان وقال سَوَرات أو سُورات قالو: فهي جائزة .. والله أعلم .
و تُعرَّف بإصطلاح السورة : بأنها طائفة مستقلة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع ، وقيل السورة : قطعة من القرآن مُعَيَّنة بمبدأ ونهاية لا يتغيران مسماةٌ بإسم مخصوص الأحد ،الكوثر الإخلاص تشتمل على ثلاث آيات فأكثر كما في سورة الكوثر ثلاث آيات .
والقرآن ينقسم بالنسبة لسوره إلى أربعة أقسام:
السبع الطوال والمؤون -على الرفع- والمثاني والمفصَّل
فالسبع الطوال كسورة البقرة كما تعلمون وآل عمران وغيرها وهي السبع المعروفة، والمئين وهي التي دون المائتين وبعد المائة وهي كثيرة من سور القرآن، والمثاني وهي ما دون ذلك، والمفصَّل وهي كما تعلمون أواخر القرآن ، ولم تكن تسمى سورة أو أجزاء إلا في القرآن لم تكن في التوراة والإنجيل تسمى سورة .
حكمة السور في القرآن: يعني لم يكن القرآن من أوله إلى آخره نصاً واحداً ، ذكر العلماء حكم عظيمة جداً منها:
التيسير على الناس وتشويق الناس فمن بدأ مثلاً بسورة الناس يتصاعد تصاعدياً حتى يصل إلى البقرة ، أيضاً الدلالة على موضوع الحديث غالباً أن كل سورة من القرآن مترابطة آياتها حتى وإن بدا لك أحياناً أنه ليس هناك ترابط ولكن العلماء كالبقاعي وغيره بينوا، وفي التفسير الموضوعي بينوا ترابط كل سورة كما قلنا مثلاً سورة الكهف قلنا : سورة الكهف كلها كهف من أولها إلى آخرها، فتجد سورة الإخلاص كلها إخلاص، سورة الفلق استعاذة من شيءٍ خارجي، وسورة الناس استعاذة من شيءٍ داخلي وهذا من اللفتات التي أشير إليها أن في سورة الفلق استعاذَ بشيءٍ واحد ( بِرَبِّ الْفَلَقِ ) من أربعة أشياء ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) بشيءٍ واحد ( بِرَبِّ الْفَلَقِ ) بينما في سورة الناس ثلاثة أشياء ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ ) هو شيء واحد هو الله عز و جل على كل حال لكن أقول مفصلة صفات أسماء على القول من شيءٍ واحد وهو (الْوَسْوَاس ) المتدبرون أخذوا منها معنى أن الأُولى مع أنه استعاذ بشيءٍ واحد من أربعة أشياء وكلها خارجية ، أنت تستعيذ من شيءٍ خارجي ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) الليل ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) السَّحَرة ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) العين و غيرها ، بينما في سور الناس بثلاث صفات أو أسماء كلها استعاذ بها بشيءٍ واحد قالوا : لدليل خطر النفس - كما قلت لكم قبل قليل - أعظم من خطر الأشياء الخارجية كونه استعاذ ( بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ ) من شيءٍ واحد يدل على أن ذلك أمر عظيم ، وبالمناسبة فائدة هل يستعاذ بالصفة ؟ لا .. الصحيح لا يستعاذ بالصفة ، طيب إذا وجدنا مثلاً ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) قال العلماء - كشيخ الإسلام - وغيره : "إنما هذا من باب التوسل ولا يُستعاذ بصفات الله جل وعلا وإنما يستعاذ بأسمائه جل وعلا تستعيذ بالرحمن .. تستعيذ بالله .. بالخالق لكن لا تستعيذ بالصفة فإذا وَرَدَت في بعض النصوص فتكون الاستعاذة هنا هي من باب التوسل بهذه الوسيلة لله جل وعلا وإلا المستعاذ به حقيقة هو الله جل وعلا - هذه دلالة يسيرة عقدية عظيمة - الشاهد أنا أقول السورة هكذا.
قالوا من فوائدها أنها تتحدث عن موضوع واحد .
أيضاً أنها طويلة وقصيرة أنه لم يأتِ المعجز فقط في سورة البقرة أو آل عمران أو النساء ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ) أو ( مِنْ مِثْلِهِ ) ولو كانت ثلاث آيات ومع ذلك لم يستطيعوا وهذا قوة في الإعجاز ، ما استطاعوا أن يأتوا بأي سورة، لو جاءوا بسورة ثلاث آيات لتحقق لكن مستحيل أن يفعلوا ذلك .
أيضاً - سبحان الله هذه قضايا يا إخوان مهمة جداً - نفسياً قال العلماء : أن القارئ إذا أتم سورة قراءة أو حفظاً يشعر بارتياح ويشعر أنه أنجز شيئاً عظيماً ثم يبدأ بالسورة التي بعدها - خاصة الطوال - وكأنه بدأ من جديد وهذا صحيح سواءْ كان عن طريق الحفظ -وهو أشدّ- لاشك ولذلك قال أنس : "كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فيهما - أي إذا حفظ البقرة وآل عمران جدَّ فينا -عظُمَ فينا- عند أنس فلذلك لها تأثير.
وهنا أيضاً أشير إشارة لا أريد أن أفوت هذه الإشارات مرة أخرى : أنت يا أخي الكريم تتعامل مع نفس كما بدأنا حديثنا قبل قليل في درس الفقه تتعامل مع نفس لا تتعامل مع جمادات أن تراعي نفسك في العبادة .. في القراءة إذا أقبَلَت كما قال السلف - خذها بالأمر الجد وإذا أدبرت فاقصرها على الواجبات وإلا قد تُفلِت منك نفسك ، الذين أُصيبوا بانفصام شخصية غالباً لا يراعون نفوسهم في أول الأمر ، كنت يوم من الأيام في مجلس فقال أحد المشايخ لأحد المشايخ : يا فلان ألاحظك أنك تراعي الناس مراعاة كثيرة جداً ! فضحك قال : تستغرب هذا ؟ قال : والله فعلاً بشكل غير عادي - يعني يتلطف مع الناس يراعي نفسياتهم - قال : والله إنني أراعي نفسي فكيف لا أراعي الآخرين ؟ قال : نفسك ؟ قال : نفسي ، قال : لماذا ؟ قال : أخاف تنفلت مني لو فلتت مني ما قدرت عليها فأنا أراعيها أحيانا أعِدُهَا .. أحياناً أُحذِرها .. أحياناً أُرضيها حتى تحقق لي وتمشي معي كمن عنده دابة لو أتاها بالعسر ربما ما استطاع ، تجد طفلاً يقود جملاً وقد تجد رجل قوي ما يستطيع يقود أصغر من جمل فمراعاة البهائم تحتاج مراعاة ، وسمعت أحد الإخوة يقول : كنت صغيراً والله في الإبتدائي ، يقول : عندنا دابة - أكرمكم الله حمار - يقول : إذا جاء أحد من أهلي تبدأ تعض وترفس وبصعوبة يُمسَك عليها ، وإذا جئت يقول : وأنا صغير في الابتدائي ثالث رابع ابتدائي يقول : -يقيناً دون الخامس ابتدائي - يقول : تطأطئ رأسها وأركب عليها وأذهب بها يميناً وشمالاً وحده قلنا : لماذا ؟ فضحك قال : هذه أعطتني فائدة في حياتي - والمتحدث أحد المشايخ الآن معروف- كيف ؟ قال : كنت أكرمها .. كنت لا أضربها .. كنت آتي لها بالعلف فإذا جئت أطرقت رأسها وركبت ، بينما يأتي أناس أقوياء فلا تستجيب لهم لأنهم كانوا يستعملون معها الضرب. إذا كانت الدابة .. الحيوان .. الحمار يحتاج من يتعامل معه بنفسية طيبة وتجد الخُلُق عليه فكيف بالإنسان إذاً كيف بنفسك!! ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه و سلم لما جاءت امرأة وقالت عائشة للرسول صلى الله عليه و سلم : ما عرفتها ؟ قال : لا ، قالت : هذه فلانة تقوم الليل وتصوم النهار ، قال : تقوم الليل وتصوم النهار ؟! خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لن يملّ الله حتى تملوا . ويقول : (إذا فتر أحدكم فليقعد - وفي رواية أخرى - فليرقد لأنه قد يسب نفسه) .
فلذلك أقول وآخذ استطراداً في هذا الجانب أن السورة أيضاً وأنت تحفظ تفرح إذا أنجزت شيئاً فشيئاً فالتفصيل أيضاً له دلالة فهذه من الأشياء التي يذكرها العلماء أنها لها فوائد حتى الحافظ وغيره ، المقصود لا يقتصر على هذا هذه إشارات .
(سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) بيَّنا معنى ( سُورَةٌ ) تُعرَب على عدة أوجه إما بالرفع أو بالنصب ، والرفع له أوجه، والنصب له أوجه ، ممكن أن نقول :
مبتدأ وخبر على الرفع ( سُورَةٌ ) و الخبر ( أَنْزَلْنَاهَا ) جملة الفعل و الفاعل و المفعول هي الخبر
أو هذه ( سُورَةٌ ) تكون خبر ( سُورَةٌ ) و المبتدأ مقدر هذه ( سُورَةٌ ) .
وتُعرَب على النصب وإن كانت قراءة شاذة أتلوا ( سُورَةً ) ، أو على أنها مفعول به أنزلنا ( سُورَةً ) أو اتلوا ( سُورَةً ) أيضاً على وجهين ولكن الجمهور ومنهم العشرة كلهم قرأوا على قراءة الرفع، وقرأ بالنصب : طلحة بن مُصَرِّف وعيسى بن عمر الثقفي وغيره حتى قيل أنه عمر بن عبد العزيز ، لكنها قراءة ليست سبعية .
أيضاً من الوقفات: ( أَنْزَلْنَاهَا ) قال العلماء فيها دلالة على علو الله جل وعلا وفي الوقت نفسه أيضاً دليل على أنها ( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) أن القرآن مُتَكلَّمٌ به وليس مخلوقاً هكذا العلماء كيف يأخذون .
نبدأ بالمعنى الأول قالوا : ( أَنْزَلْنَاهَا ) تدل على عُلو الله جل وعلا -ومع كل أسف- كثير من كتب التفسير تعرفون قولهم بالعُلو واختلافهم في موضوع الإستواء وهذا مخالفٌ لمنهج السلف فمنهج أهل السُّنَّة والجماعة أن الله فوق خلقه مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته ولا نُكيِّف ، لما جاء رجل لشيخ مالك الربيعة قال له سأله عن الاستواء قال له : الاستواء معلوم والكيف مجهول و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة . كلمات جامعة مانعة ، الاستواء معلوم استواء الله على العرش والكيف كيف استوى ؟ والكيف مجهول ، الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة يعني السؤال كيف استوى بدعة لأنه سأله ، أما استدلالهم بقولهم استوى بمعنى استولى استوا بشر على العراق هذا استدلال حتى قيل عن هذا البيت أنه مصنوع وحتى لو لم نقل مصنوعاً فلا دلالة فيه.
فإذاً قالوا : ( أَنْزَلْنَاهَا ) معناه يكون النزول من العلو إلى ماهو دونه فدلوا على عُلو الله جل وعلا لأن المُنزِّل هو الله جل وعلا .
أيضاً من الردود عليهم أنهم قالوا : يقول الإنسان : رفعت إلى رئيسي - لاحظوا الشبهة كيف - أليس الآن يقول رفعت خطاب للملك ؟ أو رفعت خطاب لمديري أو للوزير أو للأمير ؟ قالوا : لا يدل على العلو إنما هو عُلو المنزلة - كانوا يقولون العُلو يفسرون العُلو بعلو المنزلة .. هذا تأويل وصرف للفظ عن ظاهره لكن رُدَّ عليهم رداً مفحِماً قيل : لا يمكن أن يقول للملك أو للوزير أنزلت خطابي للموظف تحتي لا يمكن أن يقول ذلك أبداً لا تجد أحداً يقول أنزلت لك خطابي حتى يقول أن معناه المكانة لا ، وليس هذا في لغة العرب ولا هو من المتعارف عليه بين الناس فالاستدلال بهذا باطل. ومع ذلك الجهمية وغيرهم ممن أدخلوا الإخلال في الصفات من إنكار الإستواء أو تأويله والعلو وغير ذلك فهذه السورة تؤكد على عُلو الله جل وعلا ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ) ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) كلها أدلة صريحة لماذا نصرف اللفظ عن ظاهرها، كوننا لا نعرف الكيفية دائماً سؤال بديهي عندكم ومعروف نقول لهم : هل تعرفون الروح ؟ نعم نعرف الروح لأن كل أنسان فيه روح ، طيب صف لنا الروح ؟ هل يستطيع أحد أن يصف الروح ، فعدم قدرته على وصف الروح لا يعني أن ننكر الروح .
أمس حدثت قصة طريفة جداً لولا أني سمعتها ما ذكرتها قال واحد لطفل - يمكن في رابع ابتدائي - جاء واحد وقال له ومعه آيباد قال له : هل الآيباد الذي معك يشتغل ؟ قال : نعم ، قال : عجيب ، قال : لماذا ؟ قال : مات الذي صنعه - يقول هذا الكبير- قال : وإذا مات يموت الجهاز؟ أنتم تعرفون أن صانع ومخترع هذا الآيباد والآيفون توفي -والله المستعان - فقال الطفل : وش معنى يموت ؟ قال له الرجل - و لهذا أردت القصة - : تخرج روحه ، قال : وشلون تخرج روحه ؟ قال : يصبح جثة ، قال : كيف جثة هذه أصلاً كيف جثة؟ قال : جثة بلا روح ، قال : وش معنى روح ؟ قال : شيء في النفس ، قال : تريد أوضح لك ؟ قال : نعم ، قال : أعطني البطارية فسحب البطارية من الجهاز ، عفوا قال : اسحب البطارية من الجهاز تستطيع أن تشغله ؟ قال : لا، قال له : ماذا يصير؟ قال: حديد قال : جيد، هذه هي الروح ، تستطيع أن تشغل هذا الجهاز الذي معك -كان معه آيباد- بدون كهرباء وبدون بطارية ؟ قال : لا يمكن ، قال : وش يصير ؟ تأخذه معك ؟ قال : وش يبغى به حديد إذا ما ينفعني وش أبغى فيه ؟ قال : كذلك الإنسان إذا سُحِبَت منه الرو أصبح جثة ، هذا نوع من تقريب المعاني .
فإذاً هؤلاء يُأوِلون وهم لا يعلمون ، لا يعني أننا لا نعلم الاستواء أوكيف يكون هو معلوم كما قالوا لكن لا نُمثِّل ولا نشبِّه و هذه مسألة دقيقة لأنه هناك عبر طريق -مع كل أسف- الإعلام الحديث يشككون في شباب الأمة وفي أبناء الأمة لأنهم لم يتربوا على مناهج السلف وعقيدة السلف .
ثم أيضاً ذكر العلماء قضيةً أخرى وهي قضية أن من هذه الأدلة أنه كلام الله جل وعلا وأنه ليس مخلوق -كما تقول المعتزلة- وهذا الفكر يا إخوان عاد للرواج الآن أن القرآن مخلوق، كادت تندثر في الأمة وها هو يعود مرة أخرى على أحفاد وتلاميذ المعتزلة سواءً سميناهم من التنويريين أو من العقلانيين أو من أي طريق ينشرون مثل هذه المفاهيم الخاطئة ويقولون عن القرآن أنه مخلوق غير منزل ليس كلام الله جل وعلا بينما القرآن هو كلام الله منزل غير مخلوق لهذا يقول العلماء يجوز الإقسام بآيات الله يجوز القسم بها لكنك لا تقسم بذات المصحف كجُرم أما لو قسم بالمصحف وأن يقصد آيات الله الموجودة قالوا : يجوز لأنه كلام الله جل وعلا .
قال جل و علا : ( وَفَرَضْنَاهَا ) قُرأَت بقراءتين سبعيتين ( وَفَرَّضْنَاهَا ) ( وَفَرَضْنَاهَا ) قرأ بالتشديد مجاهد بن جبر ومن العشرة ابن كثير وأبو عمرو بينما قرأ عامة القراء قراء المدينة والكوفة والشام وعامة العشرة بالتخفيف ( وَفَرَضْنَاهَا ) كما نقرأها لكن (وَفَرَّضْنَاهَا ) قراءة صحيحة وسبعية وثابتة وفصَّل العلماء في ذلك ، لكن ممن ذكر التشديد قالوا : جزأناه أي جزأناه أي جاءت على مراحل أو جيلاً بعد جيل والله أعلم كما ذكر الإمام البخاري وغيره .
هنا أيضاً من الوقفات السريعة يقول الله جل وعلا : ( وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) ( آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) أي واضحة فيها الحلال والحرام أن فيها علامات ، والآيات على نوعين:
إما آيات كونية أو آيات شرعية ، الآيات تنقسم إما آيات كونية أو آيات شرعية
الآيات الكونية : هي ما في الكون من الشمس والقمر والجبال وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد .
والآيات الشرعية : هي التي فيها الأحكام الشرعية والأمر والنهي.
فإذاً الآيات عندما أقول الآيات وكلها في سورة النور فيها الجبال كما تعلمون فيها الشمس وفيها آيات كونية عظيمة وفيها أيضاً آيات شرعية من الحلال والحرام وغيره .
قال ابن السعدي -رحمه الله- : "آيات جليلة ( آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) أحكامها جليلة وأوامر و زواجر وحِكماً عظيمة " الشاهد هنا أنه فيها وضوح و هذا ميزة القرآن -يا إخوان- ولذلك لا يوجد في القرآن غريب وإن سُمي غريباً هو غريب بالنسبة للقارئ وإلا حتى العامي الرجل يأتي من البادية مادام يتقن اللغة العربية إلا يعرف ما في القرآن، بينما حتى في الأحاديث أكثر الغريب في الأحاديث الضعيفة تبقى كلمات معينة قد تكون غريبة.
( فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) واضحة جلية ويخالف في هذا نوعين :
الرافضة عندما أنكروا كما سيأتي ما يتعلق بالآيات التي نزلت في عائشة وقالوا أنها نزلت في ماريا ولنا حديث آخر
والمنافقون اليوم والعلمانيون عن آيات سورة النور وما فيها من أحكام واضحة في حق المرأة و يأولونها و ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) وكما قلت مراراً : ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ) انظر هذه الأيام علماء قد لا يستطيعون - أعرف هذا - أن ينشروا بعض مقالاتهم إلا بتدخل بعض ولاة الأمر في الصحف وعندما أفتى هؤلاء العلما بمسائل معينة فإذا مانشتات وأقوال وتحليلات لأنها تناسبهم ولم يُرد العالِم ذلك ولم يُرد الشيخ هذا الأمر إطلاقاً لكن استغلوه هم يستغلون القرآن يستغلون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) لكن ( وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ) يبحثون لك عن دليل ويتكلفون فيه ليستدلوا على أصل عظيم وهو دليل عرضي ، يستدلوا بآية أو يأتوا بآية ويستدلون على باطلهم وهي كما قال شيخ الإسلام : "ما استدل أهل الباطل من القرآن والسُّنة بدليلٍ على باطلهم إلا كان ضدهم" كقصة المرأتين في سورة القصص يستدلون على الاختلاط وكما أخذنا مرارا هو ضدهم ليس لهم في الحقيقة أبداً .
فإذاً هناك فريقان خالفوا ( فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) الرافضة ولنا معهم حديث في الدرس القادم والذي بعده بإذن الله، وكذلك المنافقون والعلمانيون وكما قال الله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) هم يحبون إشاعة الفاحشة لابد تقف أمامهم سورة النور يُحرِّفون هذه الآيات وهي آيات بينات .
وأخيراً ذكر العلماء ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ذكر العلماء أن فيها قراءتين ( تَذَكَّرُونَ ) و ( تَذَّكَّرُونَ ) .
قال الشيخ الشنقيطي : الإنسان يمر بثلاث مراحل مع كتاب الله جل وعلا
المرحلة الأولى : سماعه و الإصغاء إليه
المرحلة الثانية : تدبره و تفهُّم معانيه
المرحلة الثالثة : العمل بمقتضى ذلك التدبر ، كل إنسان لابد أن يمر بهذه المراحل :
أولاً : السماع لأنك بدون أن تسمع أو تقرأ لا تستطيع أن تفهم
ثم الفهم والتدبر ويدخل فيه التفسير وفهم المعاني
ثم العمل ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) "لعل" كما قلنا تأتي للترجي كما قال ابن القيم "لعل" وهي في كلام الله للتعليل لا يمكن أن تأتي للترجي ، أنا وأنت الذي نترجاه أما في حق الله لا يمكن أن يحدث الترجي ، فكل كلمة "لعل" من الله جل وعلا في القرآن ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) فليست للترجي وإنما هي للتعليل، لا يجوز في حق الله أن نقول لعل هنا على بابها في الترجي الله سبحانه وتعالى لا يترجى أحداً من خلقه وإنما المخلوقون هم الذين يترجون الله وقد يترجى مخلوق مخلوقاً أي يرجو منه شيئاً، فـ"لعل" هنا (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فيها قراءتان في هذه الآية والله أعلم .
أقف وصلى اللهم على محمد .
----------------------------
شكر الله لأختنا الغالية (^_^) على قيامها بتفريغ الحلقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق