الثلاثاء، 1 يوليو 2025

| الدرس الثاني والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٣١) وعلم آدم الأسماء كلها…

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٣١) (وعلم آدم الأسماء كلها…) 



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن \ " قال تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم* قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله تعالى في الأرض، أراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله، وكمال حكمة الله وعلمه فعلّم آدم الأسماء كلها أي أسماء الأشياء وما هو مُسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى أي الألفاظ والمعاني، حتى المصغر من الأسماء والمكبر كالقصعة والقصيعة.
(ثم عرضهم) أي عرض المسميات على الملائكة إمتحانا لهم هل يعرفونها أم لا، (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أي في قولكم وظنكم أنكم أفضل من هذا الخليفة، (قالوا سبحانك) أين ننزهك عن الاعتراض منا عليك ومخالفة أمرك، لا علم لنا بوجه من الوجوه إلا ما علمتنا إياه فضلا منك وجودا، (إنك أنت العليم) أي العليم الذي أحاط علما بكل شيء فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، الحكيم من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق، ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إلا لحكمة، ولا أمر بشيء إلا لحكمة. والحكمة: وضع الشيء في موضعه اللائق به. فأقروا واعترفوا بعلم الله تعالى وحكمته وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم وتعليمه إياهم ما لا يعلمون، فحينئذ قال الله تعالى (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) أي أسماء المسميات التي عرضها الله تعالى على الملائكة فعجزوا عنها، فلما أنباءهم بأسمائهم تبين للملائكة فضل آدم عليه السلام، وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) وهو ما غاب عنا فلم نشاهده فإذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب أولى، (وأعلم ما تبدون) أي تظهرون، (وما كنتم تكتمون)"

ت \
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أما بعد:
قول الله جل وعلا (وعلم آدم الأسماء كلها) آدم عليه السلام أبو البشر وخلقه لله جل وعلا من تراب وشرفه وفضّله، ولهذا فإن هذا السياق وهو قول الله جل وعلا (وعلم آدم الأسماء كلها) هو إظهار لفضله وإبراز لمكانته، وما آتاه الله سبحانه وتعالى من علم وفضل، قال الملائكة عندما قال سبحانه وتعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) لما قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) يعني والحال أننا في طاعة مستمرة وعبادة، وتسبيح، وتمجيد، وتعظيم لك، قال (إني أعلم ما لا تعلمون)، ثم قال جل وعلا (وعلم آدم الأسماء كلها) هذا فيه إظهار لمكانة آدم وفضله.
 (وعلم آدم الأسماء كلها) أي أسماء المسميات من رجل وبيت، وشجرة وجبل، وسماء وأرض حتى المسميات الصغيرة مثل ما أشار الشيخ رحمه الله قال كالقصعة والقصيعة، يعني حتى الأسماء المكبرة والأسماء المصغره لوعاء أو بناء، أو نبات، أو غير ذلك. وقول الشيخ -رحمه الله- "كالقصعة والقصيعة" جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "علمه اسم الصحفة والقدر وكل شيء" هذي مجرد أمثلة يراد بها أنه علمه كل شيء حتى الأشياء الصغيرة. (الأسماء كلها) أي أسماء المسميات.
وقوله (كلها) هذا فيه تأكيد على أنه علمه أسماء كل شيء من المسميات من هذه الأشياء، علمه أسماء كل شيء، قوله (كلها) تأكيد أنه لم يخرج عنها شيء من الأسماء. وهذا قول أكثر المفسرين في معنى الآية،
معنى قوله (علم آدم الأسماء كلها) أي أسماء المسميات، جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله جل وعلا (علم آدم الأسماء كلها) قال: "علم الله آدم الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس، إنسان ودابة، وأرض، وبحر، وسهل، وجبل وحمار وأشباه ذلك -قال- من الأمم وغيرها". قال ابن كثير رحمه الله: "والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها، ذواتها، وصفاتها، وأفعالها" كما قال رضي الله عنهما.
 قال (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة) عرضهم أي المسميات، وقوله (عرضهم) هذا على التغليب للعاقل، في قراءة شاذة (ثم عرضها) أي المسميات على الملائكة. والمراد هو إظهار فضل آدم عليه السلام ومكانته، وما خصه الله به من فضل وعلم.
 قال (ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أنبئوني: أخبروني وهذا أمر على وجه التعجيز يراد به إظهار فضل آدم (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أي في قولكم أنكم أفضل (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، (قال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) فاعترفوا بقصورهم ونقصهم قالوا (سبحانك) أي ننزهك يا الله، ونجلك ونقدسك (لا علم لنا إلا ما علمتنا) أي كل علم نحصله إنما هو بتعليم منك لنا، وتفضل منك علينا، (لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم) أي بشؤون الخلق، (الحكيم) في تدبير شؤنهم. قال جل وعلا (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) فأخذ يذكر لهم آدم أسماء تلك المسميات التي علمه الله سبحانه وتعالى أياها، (فلما أنباهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتبون) (أعلم غيب السماوات والأرض) غيب السماوات والأرض أي: ما غاب منها عن الناس وعن الملائكة أما الله سبحانه وتعالى فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، لا تخفى عليه جل وعلا خافية، (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) وهذا فيه أيضا الاختصاص، اختصاص الله بذلك وأن الغيب لله لا يعلمه لا الملائكة ولا غيرهمولهذا أخذ بعض أهل العلم من قوله (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) الرد على من يدعون علم الغيب بطرائق شتى، سواء الكهنة، أو الرمالين، أو المنجمين أو غيرهم ممن هم على شاكلتهم، فالآية فيها رد عليهم.
وأيضا قول الله سبحانه (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) أي هذا خاص بالله سبحانه وتعالى.
 قال الشيخ رحمه الله: "فعلم آدم الأسماء كلها أي أسماء الأشياء" مثل ما تقدم في الأثر عن ابن عباس، جبل شجرة، بيت، فرس، ناقة، بقرة… إلى آخر ذلك، أسماء الأشياء ومن هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى أي الألفاظ والمعاني، الألفاظ وما يندرج تحتها من معاني ومسميات. قال "حتى المصغر من الأسماء والمكبر كالقصعة والقصيعة" ذكر القصعة وهو وعاء إشارة إلى التأكيد على أن التعليم للأسماء، أي أسماء كل شيء من هذه المسميات التي عرضها سبحانه وتعالى وعلمها آدم.
 قال (ثم عرضهم) الضمير عائد على المسميات، مسميات فيها ما يعقِل وما لا يعقِل، فذكر بصيغة العاقل (عرضهم) تغليبا تقريبا للعاقلوجاء في قراءة شاذة (ثم عرضها) أي المسميات، على الملائكة امتحانا لهم هل يعرفونها أم لا، فقال (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) صادقين في أنكم أولى بالاستخلاف في الأرض منهم، أي من آدم وذريته قالوا (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).
 (قالوا سبحانك) وهذا اعتراف بالنقص والقصور أي ننزهك من الاعتراض منا عليك، ومخالفة أمرك لا علم لنا بوجه من الوجوه إلا ما علمتنا إياه فضلا منك وجودا.
(إنك أنت العليم الحكيم) قال "العليم الذي أحاط علمه بكل شيء فلا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، والحكيم من له الحكمة التامة" والحكمة هي: وضع الأشياء في مواضعها قال: "فأقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته وقصورهم عن معرفة أدنى شيء واعترافهم بفضل الله عليهم، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون" وهذا السياق أخذ منه أهل العلم أن الأنبياء عليهم السلام أفضل من الملائكة، وهذا التفضيل آدم عليه السلام على الملائكة ظاهر في هذا السياق، قال فحينئذ قال الله عز وجل (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) (أسمائهم) أي أسماء المسميات التي عرضها على الملائكة فعجزوا عنها وأدركوا قصورهم ونقصهم، (فلما أنباءهم بأسمائهم) تبين للملائكة فضل آدم عليهم، وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، قال (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) وهو ما غاب عنا فلم نشاهده، ما غاب عنا أما عن الله عز وجل الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية لا تخفى عليه جل وعلا خافية قال (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).
قال تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).
ن \ قال -رحمه الله-: "ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم إكراما له وتعظيما، وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله وبادروا كلهم بالسجود (إلا إبليس أبى) أي امتنع عن السجود، واستكبر عن أمر الله وعلى آدم عليه السلام قال (أأسجد لمن خلقت طينا) وهذا الإيباء منه والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطوي عليه، فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم، وكفره، واستكباره. وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله تعالى وأنه لم يزل متكلما يقول ما شاء"
ت \ ثم أورد رحمه الله تعالى قول الله عز وجل (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) قوله: (وإذ قلنا) هذا معطوف على (وإذا) المتقدمة في قوله (وإذ قال ربك للملائكة) (وإذ قلنا للملائكة) و(إذ) هذا إسم وهو ظرف زمان وموقعه الإعرابي هنا أنه مفعول به لفعل محذوف مقدر. وهذه اللفظة تتكرر في مواطن كثيرة في القرآن في ذكر الأخبار والقصص التي يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يذكرها، فإذا هذا مفعول به لفعل مقدر تقديره "واذكر أيها النبي إذ قلنا" و(إذ) مضاف والجملة القولية بعده مضاف إليه.
(وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم) وهذا أيضا فيه إظهار لفضل آدم وشرفه وعليّ مكانته، (اسجدوا لآدم) السجود هذا الذي أمر الله به الملائكة لآدم هو سجود تحية ليس سجود عبادة، مثل سجود إخوة يوسف ووالده له، هذا سجود تحية وكان جائزا في شرائع من قبلنا لكن جاءت شريعتنا بتحريمه سدا للذريعة لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث بالحنيفية بالسمحة وجاء عنه نصوص كثيرة منع من أشياء كثيرة سدا للذريعة، وحماية لحمى التوحيد، صيانة لمقامه العظيم، ولهذا جاء في الحديث - حتى نعرف أن هذا السجود سجود تحية - قال عليه الصلاة والسلام (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ما المراد أمرت أحدا أن يسجد لأحد؟ هل المقصود سجود العبادة؟ حاشا وكلا، المراد التحية، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد تحية له لأمرت المرأة أن تُحيي زوجها بالسجود له، وهذا فيه عظيم حق الزوج على زوجه وما له من أحقية بالاحترام والتقدير، قال (لو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أو المرأة أن تسجد لزوجها) الحاصل أن هذا سجود تحية.
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا) كلهم أجمعون لم يتخلف منهم واحد وهم كما أخبر الله جل وعلا عنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، هم خلق وجند مطيع لله في كل ما يأمرهم به، فأمرهم بالسجود فسجدوا كلهم أجمعون ما تخلف منهم أحد.
 قال (فسجدوا إلا إبليس) الاستثناء (إلا إبليس) متصل أو منقطع؟ إذا قيل متصل فيكون إبليس من الملائكة، كان من الملائكة، وإذا قيل منقطع - وهو الحق وهو الصحيح- الاستثناء منقطع لأن إبليس جنس آخر، الملائكة كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (خُلقوا من نور وإبليس خُلق من نار وآدم خلق مما وصف لكم) أي من طين، فهو من جنس آخر، فالاستثناء في قوله (إلا إبليس) استثناء منقطع، إبليس ليس منهم، لكنه أُمِر معهم، أُمِر مع الملائكة بالسجود لآدم، فسجد الملائكة كلهم ما تخلف منهم واحد إلا إبليس، والإستثناء كما عرفنا استثناء منقطع لقوله تعالى (لا يعصون الله ما أمرهم) هذا عاصي لله، الملائكة ليس فيهم عصيان لله (لا يعصون الله ما أمرهم) فهو ليس منهم، الملائكة لا يعصون الله، وأيضا في سورة الكهف قال (إلا إبليس كان من الجن) يعني لم يكن من الملائكة، (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) فسق: أي خرج عن أمر ربه فليس من الملائكة، هو من جنس آخر، من الجن.
قال جل وعلا (إلا إبليس أبى)  أبى: أي امتنع، امتنع من السجود، عصا أمر الله، أمره بالسجود فأبى، امتنع وعصى أمر ربه سبحانه وتعالى وهو يرى الملائكة كلهم لم يتخلف منهم واحد، كلهم سجدوا، ومع هذا الموقف المهيب العظيم رؤية الملائكة وهم في هذه الطاعة لله، والامتثال الفوري لأمر الله عز وجل أبى إلا أن يكون ماذا؟ إلا أن يكون عاصيا شاذا في العصيان، (أبى) أي امتنع واستكبر، استكبار استعظام للنفس يرى أنه أعظم من أن يكون يسجد لآدم، ولهذا كما جاء في بعض الآيات (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) أي أن جنسي أفضل من جنسه، والمادة التي خُلقت منها أفضل.
 (وكان من الكافرين) أي بالله عز وجل، بالخروج عن طاعته سبحانه وتعالى، قال الشيخ رحمه الله: "ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم" أي سجود التحية إكرام له وتعظيما، وعبودية لله، عبودية لله يعني طاعة، طاعة لله في هذا الأمر الذي أمرهم به سبحانه وتعالى، فامتثلوا أمر الله وبادروا كلهم بالسجود، أي لم يتخلف منهم واحد إلا إبليس أبى أي امتنع عن السجود، استكبر عن أمر الله وعلى آدم (قال أسجد لمن خلقت طينا) وهذا الإيباء منه، والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطوي عليه، فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم، وكفره، واستكباره. نعم

ن \ قال رحمه الله: "وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله تعالى، وأنه لم يزل متكلما يقول ما شاء، ويتكلم بما شاء، وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله تعالى في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم واتهام عقله، والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله تعالى بشأن الملائكة، وإحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا، وتنبيههم على ما لا يعلموه، وفيه فضيلة العلم من وجوه منها: أن الله تعالى تعرف لملائكته بعلمه وحكمته، ومنها: أن الله تعالى عرفهم فضل آدم بالعلم وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها: أن الله تعالى أمرهم بالسجود لآدم إكراما له لما بان فضل علمه، ومنها: أن الامتحان للغير ذا عجزوا عما امتحنوا به ثم عرفه صاحب الفضيلة فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها: الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن وبيان فضل آدم، وأفضال الله تعالى عليه، وعداوة إبليس له، إلى غير ذلك من العبر"

ت \ هذه فوائد وعِبر مستنبطة ومستفادة من هذه الآيات، بدءا من قوله (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) إلى قوله (فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) ومما أشير إليه هنا - وهذا سنراه في كتابه، وهذا من مميزات هذا التفسير- أن كثيرا من القصص التي في القرآن يُتبعها الشيخ رحمه الله تعالى بذكر الفوائد المستنبطة منها،
ولهذا سترون بإذن الله عز وجل في قصص الأنبياء لما تنتهي القصة تستخلص الفوائد المستنبطة من القصة، وأحيانا يذكر فوائد كثيرة تدل على غزارة علم الشيخ، وحسن فهمه، ودقة استنباطه، وأخذه للمعاني الدقيقة، فهذا من المعونة على حسن التدبر والاتعاظ والانتفاع بعِبر القرآن الكريم وعظاته. قال: "وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله، وأنه لم يزل متكلما يقول ما شاء، ويتكلم بما شاء" وهذا واضح في السياق (وإذ قال ربك للملائكة)، (قال إني أعلم ما لا تعلمون)، (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم)، (قال ألم أقل لكم) هذا كله فيه إثبات الكلام صفة لله، وأنه عز وجل يتكلم بما شاء، متى شاء، لم يزل متكلما.
وفيه أيضا: إثبات العلم والحكمة لله سبحانه وتعالى قال في تمام الآية (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
 وأيضا من الفوائد: أن العبد إذا خفيت عليه حكمة في بعض المخلوقات والمأمورات، لم تظهر له الحكمة، عبادة مثلا معينة ما ظهر له حكمة في صفتها أو عددها أو نحو ذلك، أو شيء من المخلوقات ما تبين له الحكمة فيه فليكن على يقين أن الله عز وجل لم يخلق شيئا إلا لحكمة، ولم يأمر بشيء إلا لحكمة
فإن علمها العبد فهذا خير، وإن لم يعلمها فليستيقن، فليكن على يقين أن الله عز وجل لم يأمر بهذا ولم يخلق ذاك إلا لحكمة، فهو العليم الحكيم. إن خفيت على العبد الحكمة في بعض المخلوقات والمأمورات، فالواجب عليه التسليم، واتهام عقله، والإقرار لله بالحكمة، ولهذا بعض سفهاء العقول، الجهال، المتعاظمون في آرائهم وعقولهم قد يتجرأ ويقول هذا ما له حكمة، وهذا ما له فائدة، ونحو ذلك، هذا من أعظم الجرأة على الله عز وجل، أما المسلم لا، المسلم يُسلم ويعلم أن الله عز وجل عليم حكيم،   والحكمة هي: وضع الأشياء في مواضعها، وإنزال الأمور منازلها،
وهذا كله خلق الله سبحانه وتعالى لله فيه حكمة، وأمره كله له فيه سبحانه وتعالى حكمة.
أيضا من الفوائد "اعتناء الله بشأن الملائكة، وإحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا وتنبيههم على ما لم يعلموا" وهذا أيضا واضح في سياق هذه الآيات.
 ثم ذكر رحمه الله تعالى أن فيه فضيلة العلم ومكانة العلم وأهل العلم من وجوه:
 الوجه الأول: أن الله تعرّف للملائكة بعلمه وحكمته. مر علينا قول الله (إني أعلم ما لا تعلمون).
 ومنها: أن الله عرّفهم فضل آدم بالعلم (علم آدم) وأظهر فضل آدم بالعلم الذي ميز الله به آدم على الملائكة قال: "وأنه أفضل صفة تكون في العبد" لأن العلم هو الذي به الدين، والإيمان، والصلاح والعبادة، والبعد عن الآثام والحرام، كل هذه تنبني على العلم، ولهذا العلم مقدم على القول والعمل، لأن القول والعمل لا يُعرف أصلا إلا بماذا؟ إلا بالعلم. قال: "وأنه أفضل صفة تكون في العبد".
 ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم إكراما له لما بان فضل علمه، هذا وجه من الوجوه في الدلالة على شرف العلم وفضله، أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إكراما لآدم سجود تحية لما بان وظهر فضل علمه.
ومنها: أي الوجوه في إظهار فضل العلم ومكانته أن الامتحان للغير إذا عجزوا عما امتحنوا به ثم عرفه صاحب الفضل فهو أكمل مما عرفه ابتداء، مثل ما حصل لآدم، يعني لما تعرض مسألة فيعجز عنها الناس ثم يميز الله أحد بفقه وفهم وحسن علم فيُبين عند عجز الناس عن المعرفة، لما يبين أحد علما مفصلا في المسؤول عنه يظهر بخلاف ما لو ذكره إبتداءا قبل الامتحان.
 ومنها أي فوائد هذه الآيات: الاعتبار بحال أبوي الإنس الذي هو آدم، والجن الذي هو إبليس، وبيان فضل آدم وأفضال الله عليه أي مِنن الله سبحانه وتعالى عليه، وعداوة إبليس له، وهذه مسألة مهمة جد ا كبيرة عظيمة للغاية يجب أن يعرف الناس أن إبليس وجنوده أعداء لأهل الإيمان (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) يجب أن يعرفوا، وهذي القصة من أعظم العبرة التي يستفاد منها أن يدرك الناس العداوة الشديدة الكامنة في نفس إبليس لآدم وذريته وعداوة إبليس له. إلى غير ذلك من العبر، نعم
قال تعالى (وقلنا وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكون من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما...  سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق