كان ميلادي في السادسة عشرة من عمري!!
كان ذلك في ليلة من ليالي الصيف وبعد العشاء في بيت أخي الأكبر، إذ جلسنا
في فناء داره وعلى ضوء أنوار أعمدة الشارع في ليلة لا أنساها أبدًا، وكان أخي
يحدثنا عن الجنة ونعيمها، وأخذ الحديث بمجامع قلبي وكأني أسمعه لأول مرة،
بل ربما فعلا أسمعه لأول مرة، فقد كنت في غفلة مُطبِقَةٍ، وسألت أخي: أين أجد مثل هذا الكلام الجميل؟ فأشار إلى مكتبته الخاصة، ونظرت إلى الكتب في حيرة:
أيها أختارُ؟ّّ
ولا زِلتُ أتعجبُ إلى اليوم كيف وقع اختياري على كتاب [إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان] لابن القيم، مع كتابه الآخر [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء
الشافي]، وكتاب ثالث هو أحد أجزاء [الترغيب والترهيب] للمنذري.
أخذتها وذهبت إلى المنزل، وظَللتُ أقرأ وأقرأ وتأثرت كثيرًا، وتولدت لدي الرغبة الشديدة في حفظ القرآن الكريم، حيث لم يكن معي منه وأنا في السادسة
عشرة إلا بعضٌ من قصار السور مع ضعف في حفظها!! وبدأت الحفظ فعلا، إلا
أنني شعرت بالحاجة المُلِحَّةِ إلى فهم آياتٍ كنت أقف عندها متسائلة عن معناها
ودلالتها، وهنا بدأت مسيرة حياتي الجديدة حينما أمسكت كتب التفسير وبدأت
أقرأ بفهم وتأثر، كنت أقرأ كثيرًا في تفسير جزء عمَّ وأنا خالية وأبكي، كنت
أعيش الآيات بتفاعل وأشعر أن الروح تسري في قلبي، وقبسَ النورِ يُشِعُّ في
نفسي، ويزداد يومًا بعد يوم، إنه الحقُّ في قول الحق سبحانه وتعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..)
وعرفت طعم الحياة الحقيقية يوم عرفت ربي من خلال تدبر كلامه، فأحببته
وآثرت محابَّه على كل شهواتي، فأقبلت على الصلاة والصيام والقرآن والقيام به
والقراءة في الكتب النافعة، وتركت سماع اللهو ومتابعة الأفلام، وكل ما يمكن
أن يمارسه من نشأ في أجواء الغفلة والبُعد عن القرآن والعلم الشرعي، وكنتُ كلما
مررت بآية تؤثر في قلبي فتحت كتب التفسير لأفهمها، ثم أكتبها في دفتر أو في
ورقة أعلقها أمامي في مكان بارز.
* قصة واقعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق