سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي اﻷمين على حبيبنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد أيها اﻹخوة:
فقد وقفنا في الحلقة الماضية عندما أعطى الله جل وعلا موسى آيتين العصا واليد ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) فلابد من إقامة الحُجة عليهم ، هنا قال موسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) هو اﻵن نُبئ وأُرسل ، أعطاه الله جل وعلا هاتين اﻵيتين، بدأ يبث لربه ما يمكن أن يواجهه فهو ذكر مشكلتين أن هناك الثأر الذي بينهم وقد فر هاربا ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) فهو يقول (إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ). وهذا مرة أخرى خوف طبيعي لم يعاتبه الله جل وعلا عليه، خوف طبعي .. بشري لم يعاتبه الله جل وعلا.
ثم ذكر المشكلة اﻷخرى أن الرسالة تحتاج إلى فصاحة وهو عنده عقدة كما في سورة طه (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي) ماذا قال له الله جل وعلا؟ أمّنه الله جل وعلا، نعم - كما سيأتي في آية قادمة - ( بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) وفيها حينها وقفات.
أما هارون فقد أجاب الله جل وعلا بطلب موسى أن يجعل معه هارون (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) قال الله جل وعلا ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) كما قال الله له لما هرب من الحية ( إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ) هنا أيضا يُأمنه الله جل وعلا. نحن نتعامل مع نفس بشرية ومن حكمة الله أنه جعل اﻷنبياء من البشر (بَشَرًا رَّسُولًا) فأمّنه الله جل وعلا ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) اذهبا ، وبين له أن له اﻷمان وهنا وقفات:
- الوقفة اﻷولى : أن الداعية يجب أن يدرك ما قد يواجهه من مشكلات إذا بدأ دعوته لماذا؟ ألستم ترون اﻵن عدد من المشاريع تقوم ويُدفع فيها اﻷموال ثم تفشل؟ ما السر في ذلك؟ السر أننا نسأل البعض لماذا فشل مشروعك؟ قال والله واجهتني عقبات ، سبحان الله هل كنت تتوقع ... بدون عقبات (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) موسى عليه السلام أدرك هذه الحقيقة، فذكر هاتين القضيتين عقبة من اﻵخرين وعقبة في نفسه ، عقبة من فرعون أن يقتله ثأرا وانتقاما، ومن هذه العقدة في لسانه ، وهو يخبر الله يريد من الله جل وعلا أن يدُله ويعينه ومع ذلك ذكر طلبا لحل مشكلة النُّطق (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) . فبعض الناس يُقبل على العمل بدون دراسة .. بدون تحري ثم يقول فشلت، ما فيه عمل بدون ..
لما أخذت خديجة رضي الله عنها وذهبت بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل رضي الله عنه وكان شايب قد شاب وكبُر وعمي وذكرت له ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم من الوحي ( زملوني .. زملوني .. دثروني .. دثروني ) الخوف يقع هنا وهناك شيء جديد عليه، فماذا يقول له -من القصة الطويلة كما في الصحيح - (يا ليتني كنت حيا إذ يخرجك قومك) ماذا تتصورون من هذا القول من ورقة، هل تتصورون أنه فعلا قصد الدعوة أن يعود شابا يُحامي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذه سنة كونية رجل قد كبُر وعمِي ، أراد أن يوصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسالة، ماهي هذه الرسالة؟ أخذها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ﻻ، بذكائه وفطنته والله قد اختاره للرسالة (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) قال: أومخرجي هم؟! قال: نعم، ما جاء أحد بمثل ما جئت به إﻻ أُوذي أو عُودي ) فما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ورقة يا ليتني كنت حيا إذ يخرجك قومك، ما قال النبي صلى الله عليه وسلم آمين، ﻻ .. هو أراد يوصل له الرسالة بأسلوب معين ووصلت ( أومخرجي هم؟ قال : نعم ما جاء أحد ممن قبلك من اﻷنبياء بمثل ما جئت به - التوحيد، اﻷنبياء يريد يخرج أمة من الشرك إلى اﻹسلام التوحيد - إﻻ عودي، إﻻ أوذي ) هذا سنة مضطردة .
فإذا هؤﻻء الذين يقعدون بعد أن يعملوا ويفاجؤن بالعقبات .. باﻷذى هم مخطئون ابتداء .. لم يتهيؤا ابتداء وإﻻ يجب أن يتهيأ اﻹنسان لكل ما يأتي (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) هذا معنى عظيم يغفل عنه البعض - أيها اﻷحبة - ولذلك يجب على الداعية أن يعرف طريقه وكيف يتعامل مع هذا اﻷمر.
- أيضا موسى عليه السلام يعرف أنه سيدخل في مناظرات مع فرعون -الرسالة واﻹقناع- ﻻحظوا، موسى عليه السلام ما دخل في معركة قتل وإﻻ ضرب مع فرعون، أبدا .. كلها مناظرة ومُحاجّة ومجادلة لبيان الحق حتى أُهلك فرعون مع مافي ذلك من دروس كثيرة مرّ بعضها لكنه استعد لذلك، فلذلك ﻻ يدخل في المناظرات والمُحاجّة إﻻ من هو أهلٌ لها لماذا؟ كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم قد يختصم إليه الرجلان فيكون أحدهما ألحن في حُجّته من بعض يقول فأقضي له فمن قضيت له بحق أخيه فإنما قضيت له بقطعة من النار. أو كما قال صلى الله عليه وسلم. هناك أناس اﻵن يدخلون - مع كل أسف - في القنوات الفضائية .. في اﻹنترنت بمُحاجّة أهل الباطل وهم ليسوا أهلا لذلك . موسى عليه السلام يقول (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) ﻻ يَبين لساني ولذلك قال يلمِزه فرعون - عليه من الله ما يستحق عليه اللعنة - (وَلا يَكَادُ يُبِينُ) نعم . قد جاءك بالمُعجزات الظاهرة التي من أبين ما يكون لو كان طالبا للحق.
- ثالثاً: مهما كانت مكانة اﻹنسان .. مهما كانت منزلته ﻻ ينقصه وﻻ يعيبه أن يكون عنده نقص في أمر معين، هذا موسى عليه السلام كليم الله من أُولي العزم من الرسل وهو ثالثهم في الترتيب التاريخي ومع ذلك عنده عقدة في لسانه (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي) (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) ولم يمنع أن يكون هو كليم الله وأن يكون من أولي العزم من الرُسل ويعترف بذلك ويطلب من ربه حلا لهذه المشكلة وأجاب الله دعاءه .
لكن هنا وقفة: موسى عليه السلام قال لربه - كما في سورة طه - (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) هل حلّ الله عقدته وجعله من أفصح الناس؟ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يفعل ذلك لكنه لم يفعل لحكمة عظيمة. فيها دروس هذه الوقفة اليسيرة فيها دروس عظيمة ماهي هذه الدروس؟ وهي لي ولك ونحن في رمضان.
بعضنا قد يكون عنده عاهة أو نقص أو يطلب من الله شيء -وبخاصة في رمضان- وﻻ يستجيب الله له فقد يقع في نفسه شيء -وأعوذ بالله أن يظن أحد منا بربه ظن سوء - فإذا لم يُستجب لك يا أخي الكريم ودعوت الله صادقا مُخلصا فاعلم أنه لخير يريده الله لك لكن بشرط أن تكون دعوت صادقا مخلصا وعدم وجود العقبات التي تمنع إجابة الدعاء. كذلك ﻷن الداعي بصدق (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي) الداعي بصدق ﻻ يخلو من ثلاث حالات :
- إما أن يجيب الله دعاءه، طلب مال يعطيه الله مال ، طلب حل قضية .. فتاة طلبت الزواج تتزوج .. شاب طلب الزواج يتزوج.
- ثانيا : أنه قد يصرف عنه من السوء بأعظم مما دعاه، قد ﻻ يستجيب الله لك ما طلبت لكن يصرف عنك من الشر والسوء ماﻻ تعلمه أعظم مما طلبت .
- الثالثة : وهي خيرها أن تدخر لك يوم القيامة حتى إنه يتمنى اﻹنسان أنه لم يستجب له دعوة - يتمنى المسلم - لما يرى من الخير العظيم أن دعواتك كلها قد ادُخرت لك . فلا تحزن يا أخي الكريم.
ثم انبه إلى قضية أشار إليها شيخنا العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي: إذا دعوت الله جل وعلا ﻻ تركز في دعائك على أن يُستجاب الله لك فقط بل تدعو وأنت تتعبد الله بهذا الدعاء (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) هذا أول خير حصلت عليه وأنت تدعو الله كأنك تقرأ القرآن .. كأنك تذكر الله فأنت مجرد الدعوة بصدق وخضوع وإنابة وخشوع هذه عبادة حصلت على أجر إذا صدقت فأخلصت واتبعت المنهج الصحيح ثم يأتي اﻷثر .
إذا هذه المعاني كلها نأخذها من قصة موسى. ثم يا أخي الكريم إذا كان الأمر يتوقف في عمل دعوة تجد من يُكمل هذا النقص إذا عندك نقص في أمر معين تُكمله بغيرك من إخوانك.
فهذه معاني عظيمة في الدعاء ونحن في شهر الدعاء لا نستعجل الأمر. بل إن يعقوب عليه السلام وموسى عليه السلام دعا وقال موسى ( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ما أجيب لهم إﻻ بعد سنوات طوييييلة، ﻻ نستعجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يستجاب للمرء مالم يستعجل ) أيضا ( ادعوا الله وأنتم موقنون باﻹجابة ) يقول عمر رضي الله عنه "والله إنني ﻻ أحمل همّ اﻹجابة ولكنني أحمل هم الدعاء" فأخلصوا وأطيبوا مطعمكم ولتكن لكم إنابة وﻻ تستعجلوا اﻷمر وأبشروا (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) يقول الله جل وعلا جاءت في وسط آيات الصيام. فادعو ربكم وعند فطركم ادعو ﻹخوانكم المجاهدين .. للمستضعفين .. ادعو للأمة عموما .. ادعو لوالديكم .. لجيرانكم ..ﻷقاربكم .. ﻷهلكم .. ﻷنفسكم .
غفر الله لكم وحفظكم وسددكم وتقبل مني ومنكم ونصر إخواننا المجاهدين في كل مكان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق