الأربعاء، 11 مارس 2015

تفسير سورة يوسف / د.عويض العطوي (المحاضرة الثانية )


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد ..
أيها اﻹخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا هو اللقاء الثاني حول هذه السورة سورة يوسف وقصة يوسف عليه السلام في هذه السورة العظيمة.
تحدثنا في الجلسة الماضية  عن المقطع الأول المتعلق في البيت، في بيت يعقوب عليه الصلاة والسلام وما حدث من قصة الرؤيا بعد ذلك ما حصل من نصيحة اﻷب لولده بقوله (يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) وهنا أحب أن أشير إلى إشارة تربوية وهي : أن يعقوب عليه الصلاة والسلام كلّم ولده يوسف عليه السلام وكان سنه صغيرا مابين السابعة إلى العاشرة كلاما كبيرا فبين له المكيدة والمشكلة التي يمكن أن تحصل له ولم يقل هذا صغير ﻻ يفهم الكلام ولذلك اليوم يمكن أنت تتحدث مع ولدك الذي في الصف الأول الابتدائي وتحذره حتى من المخدرات ومن الصحبة السيئة ﻻ تقل صغير ما يفهم ، هو يفهم أو قد يأتي يوم يسترجع فيه هذا الكلام. فهو حدّثه عن قضية خطيرة ، كيد .. مكر وهو في هذه السن.
اﻷمر الثاني: أنه بين له أيضا خُلُق آخر وهو تقديم العُذر خصوصا لمن تعرف علاقتك به كاﻹخوة واﻷصحاب واﻷقارب فقال له ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) يعني كأنه يريد أن يقول له إن إخوتك حتى لو كادوا لك حتى لو حصل بينكم مشكلة فإن السبب في ذلك هو الشيطان.  ربّاه على التماس العُذر للمُخطئ وإن شاء الله تذكروا هذا المقطع بالذات التماس العذر للمُخطئ وستعرفون أن يوسف عليه السلام لما كبِر تعرض لمواقف كثيرة كلها طبّق فيها هذا المبدأ وهو التماس العذر لمن أخطأ عليه وﻻ نجد في السورة أبداً كلها رغم كثرة الذين أخطؤا عليه عليه الصلاة والسلام لا نجد ولو مرة واحدة أنه انتقم من أحد أو حقد على أحد بل كان يلتمس العذر ويسامح. إذا التربية اﻷولى في الحادث وهو صغير أتت بثمارها وهو كبير.  وربما يأتي هذا مفصلا في اللقاءات القادمة إن شاء الله.
/ وصلنا نحن بعد ذلك إلى المقطع الثاني المتعلق بموقع آخر غير البيت وهو البئر .
اﻵن هم أخذوه و أجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب، وما دام الله عز وجل قال (غَيَابَةِ الْجُبِّ) معناه أن هذا البئر طويل والناظر فيه ﻻ يرى قعره فإذا وضعت فيه أحد يغيب لا تراه فهو طويل وفيه ماء، والجب هو المطوي.
/ يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا الموقع لما حصل أن يوسف وُضِع في هذا المكان ربما يقول قائل هلك، هذا طفل صغير في  بئر مقطوعة .. طويلة وعميقة لن يخرج ولن يأتيه أحد سيموت لأن لا طعام ولا شراب لكن كما حماه الله عز وجل من القتل أولا بتغيير رأي رجلٍ واحد فقال الله عز وجل (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ) فأنقذه الله بقول هذا الواحد مقابل عدد كبير سينقذه أيضا في هذا المكان. فأرسل الله له قافلة وقال الله عز وجل عنها سيارة يعني قافلة تسير يقول الله سبحانه وتعالى ( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ) لا أدري هل وصلنا إلى هذا المقطع أو قبله؟ من يتذكر معنا؟ قبله، يعني (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) إذا نرجع قليلا حتى ﻻ نفوت شيء.
/ (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا)
 (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) قيل ليعقوب عليه السلام - يعني لوالده - ولكن اﻷظهر (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) أي ليوسف عليه السلام مع صِغر سنه يعني أخبرناه وهو في تلك اللحظة يا يوسف ستُنبئ هؤﻻء اﻷقوام بفعلهم هذا في لحظة هم ﻻ يشعرون بها . وفعلا لما مضت اﻷيام وراحت ومشت وبعد ذلك جاؤا إليه يريدون الميرة ويريدون الطعام (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) فعلا نبههم إلى تلك الحادثة (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) هم ما عرفوه بعدها قالوا (أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ) اﻵن عرفوه، فهو نبأهم بهذه الفعلة وهم غير عارفين (وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) .
أو وهم ﻻ يشعرون بإنبائنا لك .. بوحينا لك، هم ﻻ يشعرون .. ﻻ يدرون ، وكون الله عز وجل أوحىلاإليه بأي الطريقة إما بإلهام أو بأي شيء آخر فهذا تطمين له عليه الصلاة والسلام أنه سيكبُر وسينجو وسيُخبرهم بهذه الحادثة في مقتبل الزمان - وعلى فكرة هذا النوع من البشائر كثير في القرآن - على سبيل المثال هذا مع يوسف عليه السلام أما مع موسى عليه السلام فإن الله عز وجل يقول (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) في هذا معناه أنه لن يستطيع له فرعون وسينجو من بطش فرعون وسيكبُر وسيكون مُرسلا - سيكون رسوﻻ - كل هذا في آية واحدة من اﻹرضاع إلى الرسالة هذا في حق موسى.
أما في حق عيسى الصلاة والسلام فإن الله عز وجل يذكر أنه بشّر أم عيسى عليه السلام عن عيسى عليه السلام بأنه سيُكلم الناس في المهد وكهلا ، وسيقت هذه اﻵية على سبيل عظمة الله سبحانه وتعالى في إجراء اﻷمور على غير ما هو معهود عند الناس . فأما أنه يُكلِّم الناس في المهد فهذا أمر غريب فإننا ﻻ نعرف طفلا صغيرا في المهد يتكلم فهناك سن للكلام لكن كونه طفل مولود اﻵن ويرد ويتكلم هذا شيء عجيب فالله عز وجل يقول عن عيسى عليه السلام (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) هذا أمر عجيب ويذكر لكن الشيء الذي ليس بعجيب أنه يكلم الناس وهو كهل يعني وهو رجل كبير هذا ما العجيب فيه؟ كل الناس يتكلمون إذا كبروا ، إذا ذكرها هنا ليس للتعجب من هذه الحادثة لكن لسبب آخر تدرون ماهو؟ لتبشير أمه أنه سيعيش حتى يكون كهلا ﻷنه مادام يتكلم في الكهل معناه ﻻزم سيصل لعمر الكهولة . فبعض اﻷشياء أنت ﻻ تجدها مباشرة واضحة أمامك، تحتاج نظر فيها ومثلها هذه فهو اﻵن في هذه السن الله عز وجل أوحى إليه أنه سينبئهم بهذا الفعل في مستقبل زمان وهم ﻻ يشعرون فدل ذلك أنه سيُقابلهم ويلزم من ذلك أنه ينجو من هذه المصاعب حتى يقابلهم .
/ (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) جاؤا أباهم في لحظة العشاء أو مع العشاء والعشاء هو : كل ما بعد العصر يسمى عشِيّ لكن مع دخول الظلام بحيث أن اﻹنسان ﻻ يستبين وجهه وﻻ تظهر سحنات وجهه ﻷن الكاذب ينكشف من وجهه فإذا تكلم إليك كاذب خانته عينه .. خانته تعابير وجهه حتى لو حاول يمثل. فأرادوا أن يتأخروا حتى يدخل الظلام فلا يرى أبوهم شكل وجوههم ولكنه يسمع نحيبهم وبكاءهم وهو تمثيل في تمثيل لكن لو بكى أمامك شخص وهو يُمثِّل في بكائه فربما يكشفه وجهه فجاؤا أباهم عشاء يعني في وقت العشاء في وقت الظلام حتى لا ينكشفوا من هذا الجانب. هذا تفسير.
وقد يكون (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) للتدليل على أنهم لم يُفرِّطوا في حق أخيهم يوسف وأنهم بحثوا عنه خصوصا أنهم ذهبوا به أول النهار فإن الذي يريد يرتع ويلعب يذهب أول النهار كما هي عادة البادية ، فكأنهم قالوا لقد بحثنا عنه كثيرا من أول النهار إلى آخر النهار حتى دخل علينا الليل فلما دخل الليل ما فيه مجال للبحث عنه، كأنه يريد أن يقول لو جاؤا أباهم - مثلا - ظهرا وإﻻ غير ذلك لربما ﻻمهم لائم كيف تعودوا وما بحثتم عن أخيكم فبقوا إلى هذه الفترة حتى لا يتهمهم أحد باتهام.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (عِشَاء يَبْكُونَ) فجاء في البكاء بصيغة الفعل "يبكون" وليس بصيغة اﻻسم "باكين" يعني لم يقل وجاؤا أباهم عشاء باكين،  والفرق بين هذا وهذا أنه لو قال وجاؤا أباهم عشاء باكين للزِم أنهم بكوا من الصباح إلى لحظة وصولهم وهذا صحيح لو كانوا صادقين ، لو كانوا صادقين هذا صحيح ﻷنهم بكوا على أخيهم الذي يحبونه من أول النهار إلى آخره فاﻻسم يُعبّر به عن المعنى المستمر الثابت ، والفعل ( يبكون ) يعبر به عن الحدث الناشئ اﻵن فدل ذلك على أن البكاء أمر أحدثوه قبل أن يصِلوا أباهم بشيء قليل، قبل ما يصلوا رتبوا أمورهم ، هم كانوا فرحانين أول بفقدهم يوسف ولما وصلوا إلى أبيهم ودخل الليل رتبوا أمورهم بحيث يُنِشؤا هذا البكاء فهو بكاء حادث . دائما اﻷفعال نُعبِّر بها عن اﻷشياء الحادثة واﻷسماء اﻷشياء المستمرة ولذلك أنا إذا كنت رأيت رجلا - مثلا - اﻵن يركب سيارته بمعنى أنه وضع رجله على السيارة وأمسك المقود يريد أن يركب - في لحظة الركوب - هل أقول فلان راكب وإلا فلان يركب؟ يركب ﻷنه مازال في الفعل، إذا استقر في السيارة وجلس كيف أصفه؟ راكب ﻷنه مستقر .. ثابت . وهذا أيضا نمط من أنماط اللغة الموجود في القرآن بكثرة.(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) فعرفنا اﻵن لماذا كلمة عشاء - لماذا الزمن - ولماذا "يبكون" .
أما البكاء فإنه أحد الوسائل التي يُغطي بها بعض الناس أخطاءهم ولذلك خذوها قاعدة ما كل من جاء عندك وبكى واشتكى إليك هو صادق وإياك أن تسمع من طرف واحد مهما رأيت فقد جاء رجل إلى شريح القاضي وقد سقطت عينه أو فُقأت عينه وهو يبكي ويصيح ويتكلم فقال له رجل لماذا لا تنصر هذا الرجل؟ قال: وما أدراك بصاحبه ربما فُقأت عيناه الاثنتان. هو صادق لأنه قاضي. لا تستعجل في الحُكم على الناس، أحيانا أول ما يجيك شخص ويقول لك كلاما تقول أعوذ بالله هذا مُجرم .. هذا ما يخاف الله، أنت ما أدراك أنه لا يخلف الله!! فقط من نقل الناقل؟! ونحن للأسف في هذه النقطة لا نكاد ننجح فيها أبدا، إذا أتانا أحد تفاعلنا معه مباشرة وصدقناه فيما يقول ، وأيضا الإخوة - خصوصا أئمة المساجد - وإلا غيرهم إذا اُستشيروا في قضايا أُسرية فاتصلت امرأة - مثلا - وقالت والله زوجي فيه الذي فيه لا تقل لها خلاص اطلبي الطلاق واذهبي إلى المحكمة، ما أدراك بأوضاعها وما أدراك بالحقيقة فقد تهدِم بيتا وأنت لا تعلم - انتبهوا هذه قضايا ليست بسيطة - فأنت لم تسمع من الطرف الآخر، وقد تكون ظالمة وكاذبة وكل مافيها، هذه أمور خطيرة جدا. وشريح لما استدل استدل قال أما سمعت أما رأيت إخوان يوسف جاؤا إلى أبيهم عِشاء يبكون، ليس دليل الصدق أن الإنسان يبكي أو لا يبكي.
(قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) واضح منهم أنهم رتبوا لكل شيء مقولة فلا يظهر في الكلام أن أباهم حدّثهم بل هم الذين ابتدؤه بالكلام حتى لا يسألهم سؤال لا يعرفوا إجابته . دائما المجرم والمُخطئ ماذا يفعلوا؟ يخططوا لكل شيء، إذا جئنا ماذا نقول لكن لو فاجأهم أحد بسؤال لم يتفقوا على إجابته ينكشفون - في الغالب - كل واحد يلتفت للآخر، فهم بدل من أن يسألهم أبوهم كيف لعِب معكم؟ في أي مكان ذهبتم؟ يمكن هذا لم يُحضِّروا له إجابة ، فهم ابتدؤه مباشرة بالخبر (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) هذه الخطة واحد متحدِّث (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا)  ذهبنا نستبِق هذا داخل ومناسب للخطة الأصلية (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) هذا اللعب نتسابق يعني وضعوا متاعهم في مكان يتسابقون إلى مكان ويعودون إليه - يلعبون - وهذا أيضا يا إخواني الكرام فيه دلالة على أن اللعب حاجة من حاجات الطفل. بعض الناس يقول ولدي هذا لا مثيل له بس يركض وينزل ويطلع ويلعب!! هذه طبيعة الطفل وأنت أيها الأب كنت مثله سابقا وأشدّ ، بل إن حاجة الطفل للعب مثل حاجته للطعام والشراب ، من حقِه أن يلعب، من حقه أن يفرح ، من حقِه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتسابق الأطفال إليه هو الميدان وهم يأتون إليه من الأول .. من الثاني .
(ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَاانظر للحيلة ، ذهبنا نتسابق وهو بقي عند المتاع فابتعدنا في السباق، في اللحظة التي أبعدنا فيها في السباق جاء الذئب وأكله فلما عُدنا لم نجد شيئا.
 ( فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) لماذا اختاروا الذئب من السِباع كلها ؟ لأن أباهم حذّرهم من الذئب فقالوا مادام أبونا خائف منه فدعونا نقول ما خاف منه، يقول كأنه لقّنهم حجّتهم ، أو لأن السبع هذا - الذئب - هو المنتشر في ديارهم وهو الذي في الغالب في الصحارى يعني هو المنتشر في مثل هذه الأماكن ، والذئب حيوان يُذكر عند قبائل الدنيا ليس عند العرب فقط ويُذكر بالنباهة حتى لو كان مؤذيا إلا أنك لا تجد أحدا يزعل لو قلت له أنت ذئب يقول أنا ذئب ويرفع رأسه لكن لو قلت له حيوان آخر يمكن لا يُعجبه مع أنه مُفسِد ومن أشدّ الحيوانات إفسادا وربما أهل البادية يعرفون لكن هذا أيضا ماهو معروف عن الذئب أنه من أشدّ الحيوانات إفسادا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما ذئبان جائعان أُطلِقا في غنمٍ قد غاب رِعاؤها ) تصوروا ذئبان جائعان أُطلِقا في غنم ليس عندها أحد يرعاها مالإفساد الذي سيحصل؟ يُفسدان إفسادا عظيما فالذئب لا يترك شيئا يستطيع أن يُفسِده إلا أفسده ولا يأكل يمكن يأكل ويمكن ما يأكل لكنه ممكن يقتل لك مئة وإلا خمسين وإلا ثلاثين المهم أنه يقتلها ولا يأكل منها شيء أو يأكل منها شيئا بسيطا فهو مُفسِد . والعجيب أن هذا الأمر الذي هو ذكر الذئب على سبيل الفخر والنباهة موجود في قبائل الدنيا كلها حتى عند العجم ليس عند العرب فقط ولكن هناك أمور أريد التنبيه عليها سريعا: ارتبط الذئب عن الناس في كل الأصقاع بعلاقته بالجنّ وأن جلده أو قطعة منه تطرد الجِنّ ، وارتبط أيضا ذِكره بأنه له علاقة ببعض الأمور المتعلقة بِحِفظ الأشياء، إذا ضاع من الإنسان شيء يقولون عباراتىأو يفعلون أفاعيل تحفظ لهم إما غنمهم أو إِبلِهم أو أي شيء يضيع. هذه الأور لا يجوز لأحد أن يعتمد عليها، هذه كلها أصول غير صحيحة ولها دواخل ربما لا يعرفونها الذين يتعاملون بها، الحافظ هو الله وإذا استخدمت حافظا آخر فاعلم أنك تستعين - وأنت لا تدري أحيانا - بالجن والشياطين أو مِمن يستعينون بالجن والشياطين. ننتبه لمثل هذه القضايا تعليق جلد وإلا أخذ جلد وإلا مبايعته ، إذا أردت شيء يطرد الشيطان فاقرأ القرآن واستعذ بالله من الشيطان الرجيم وعليك بالأذكار صباحا ومساء فهذه أعظم حِرز من مثل هذه الحُروز التي يستخدمها الناس ، هذا فيما يخُصّ الذئب.
فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) كلمة (أكله الذئب) ليس بالضرورة أن يكون ابتلعه فإن المقصود قتله لكنهم لما عبّروا بـ ( أكله ) كأنهم يريدون أن يوصلوا إلى والده أنه ما بقي منه شيء ﻷنه قد يسألهم أين ما تبقى منه لندفنه أو ... أين ذهب الباقي فقالوا أكله مع أنه ليس بالضرورة أن يفعل ذلك ولذلك لم يبقَ منه - على كلامهم - إﻻ القميص ، القميص الذي لبسه لكن كيف يأكله ويبقى القميص!! ففكروا ووضعوا على القميص دم من الخارج بحيث الذي يراه - خاصة في الليل - أنه فعلا مُلطخ بالدماء وغير ذلك.  قيل أنهم قدموا القميص لوالدهم فتفحصه على اﻷقل في تلك اللحظة فلم يجد فيه خُروقا وﻻ خدوشا وﻻ غيرها قال: ما أعجب هذا الذئب يقتل يوسف وﻻ يقطع قميصه!! كيف قتله وأكله ولم يقطع قميصه هذه صعبة أن تحصل ، وقالوا بل كانوا أذكى من ذلك خرقوا القميص . على كل حال هذا ليس ظاهرا في النص لكنهم ﻻ نستبعد أنهم كانوا أذكياء لدرجة أنهم احتاطوا لكل هذا. لكن كل هذه الاحتياطات لم تنطلِ على يعقوب عليه السلام ولذلك الله سبحانه وتعالى قال ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) أنتم لستم صادقين فيما تدعون .
/ في قوله تعالى (وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) معناه في قوله (وَجَاؤُوا عَلَى) دليل على أن الدم مجلوب جلبا ولذلك عُبِّر بالفعل "مجيء" فالدم ليس نابعا من يوسف عليه السلام حتى يلتصق بالقميص بل هو مجلوب جلبا كأنك جئت به من مكان ووضعته في مكان فجاؤا بالدم ووضعوه كأنه قيل جاؤا بالدم ووضعوه على القميص لكن الله عز وجل يقول (وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) .
/ (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) هذا أمر خططتم له وسولته النفس. النفس هذه يكون الجرم والخطأ أمامها فتخاف أو تُحجِم ثم بعد ذلك يسهّل الشيطان وتُسوِّل النفس للإنسان وتدعوه وتُبسِّط اﻷمر له إلى أن يكون الجرم هذا كأنه شيء عادي جدا،  وهذا - أعوذ بالله - إذا وصل اﻹنسان إلى هذه الدرجة معناه أن قلبه قد مات . فسولت لهم أنفسهم أمرا. وقال أَمْرًا ) من باب تعظيم الأمر يعني شيئا عظيما .
 ثم قال - انظروا الكلمة يا إخواني الكرام - تصوروا والد ، تخيلوا فقط هذه الحادثة ، تخيلوا والد تعلّق بولده كثيرا والذي يظهر أنه آخر ولد له ، واﻹنسان إذا كبِر في السن يتعلّق بآخر ولد له تعلق عظيم وخصوصا في مثل هذه السن وخصوصا إذا كان بمثل ذكاء يوسف وجماله وزد على هذا يُخبَر بموته وقتله والذي قام بذلك إخوته ، يعني لو كان واحد غريب يمكن يكون أسهل، تخيلوا بالله كيف يكون وقع هذه المصيبة على الوالد !! شيء عظيم، يمكن ما يصبر عليه أحد ، يمكن بعض الناس لو في مثل هذه السن مع تقدم العمر وانهداد الصحة وضعف اﻹنسان يمكن لو غاب عنه ولده الصغير وقالوا خُطِف يمكن يموت فما بالك بأن يخبر بأنه قُتل والذي قتله إخوته كيف يكون وقعه عليه ، المصيبة هنا مصيبتان .. مصيبة في فقدِه لولده ومصيبة ثانية أن أوﻻده مجرمين وقتلوا أخاهم ، هذه مصيبة ثانية، فأمر عظيم يا إخواني الكرام لكن ﻻحظوا معي هذا درس مهم جدا جدا ﻷننا في الحياة معرضون لمثل هذه المصائب. ماذا قال؟ مباشرة قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أول شيء وأول كلمة نطق بها بعد أن أخبرهم الخبر وعرف أنهم كاذبون فيما قالوا وأن الجريمة وقعت أول كلمة قالها (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ﻻ وصبر جميل بعد ليس صبر عادي ، صبر عادي (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)، والصبر الجميل هو: الذي يتعدى الصبر العادي إلى الصبر مع الرضا إلى الصبر مع الشكر فتقول مع المصيبة الحمد لله، وهي مصيبة ترضى بها وتشكر الله . هذه درجة عالية من الرضا فقال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فاستعان بالله سبحانه وتعالى على هذه المصيبة. وهذا الذي نحتاجه يا إخواني الكرام ، لما تأتيك مصيبة واﻹنسان معرض في أي لحظة ﻷن يسمع خبرا أو يرى شيئا . ربي نفسك على أنك أول شيء تقول ﻻ حول وﻻ قوة إﻻ بالله .. الله المستعان .. لله ما أخذ ولله ما أعطى ، ﻷنك إذا فعلت ذلك ووفقك الله إلى هذا فإن الله يسهل عليك، أما الصياح والنواح والعويل ...
(وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فاستعان بالله تعالى على هذه المصيبة حتى يُصبِّره الله وهو نبي ، ما قال أنا نبي .. أنا قوي ، ﻻ .. إذا ما أعانك الله ما ينفعك شيء . هذا الدرس - يا إخواني الكرام - أيضا وُجِد في يوسف عليه السلام لما حصلت المصيبة أول ما حصلت المصيبة مع امرأة العزيز أو شيء قال ( معاذ الله ) وهي صورة من صور اللجؤ إلى الله والاستعانة بالله سبحانه وتعالى، هنا قال (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ) .
/ (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ) اﻵن هو في البئر واﻷب عنده الخبر (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ) ما قال (فجاءت سيارة ) دليل على أن السيارة لم تأتِ مباشرة وأن اﻷحداث ليست متسلسلة مباشرة وراء بعضها إنما قال ( وجاءت ) ربما بعد فترة من الزمن. ولم يقل أيضا (ثم جاءت) للتدليل على أن الفترة طويلة فدل ذلك على أنها ليست مباشرة بعد وضعهم له في البئر جاءت ، بقي فترة من الزمن لكنها ليست طويلة وليست مهلكة وﻻ قاتلة له والدليل على أنه أول ما رأى الدلو نزلت أمسك بها وخرج - يعني هو بصحته.
(وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ) السيارة: قافلة تسير، أرسلوا واردهم ابحث لنا عن بئر .. ابحث لنا عن ماء فساقه الله إلى البئر التي فيها يوسف عليه السلام، قيل كان هناك أكثر من بئر لكن الله أراد أن يذهب إلى البئر المقصودة التي فيها يوسف عليه السلام. فأنزل الدلو (فَأَدْلَى دَلْوَهُ) فوصلت إلى الماء فأمسك بها الصغير وتمسك بها ونشلها أو أخرجها هذا الرجل الذي أرسلوه فصعد يوسف عليه السلام معها، فلما رأه هذا الرجل (قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ) لو رأه واحد منا ماذا سيفعل ؟ ... هذا دليل على أنهم من أهل البادية المتعودون على مثل هذه اﻷشياء .. هذا أمر عادي عندهم .. أمر عادي شاف واحد في الصحراء .. في البئر لا يهمهم بشيء بالعكس استبشر (قَالَ يَا بُشْرَى) أبشركم لقينا  آدمي هنا . (يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ) وجعله كلمة "غلام" ليدمج معنيين أنه صغير وأنه يمكن أن يباع ويشترى ، فهم الذي فكروا فيه المهم أن يأخذوه بضاعة ويحصُلوا على المال من وراءه .
 (قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) يعني أخفوه، "بضاعة" هذه مهمة أول مكان نجده نبيعه فيه.
 لو ﻻحظتم - يا إخواني - يوسف عليه السلام في هذا الموضع زهِد فيه هؤﻻء الناس الذين وجدوه ورُغم جماله ولطافته إلا أنهم لم يتعلّقوا به مجرد ما وصلوه إلى العزيز تعلّق به وجعله في مقام الولد لماذا؟ ﻷن هذا جزء من حماية الله له ، الله لم يجعلهم يتعلقوا به ﻷنهم لو تعلقوا به كان أخذوه وأبعدوا المكان، بس الله عز وجل جعلهم يزهدون فيه ولا يهتمون به وﻻ يحبونه ويبيعونه بأبخس اﻷثمان المهم شيء يتخلصوا منه ﻷن الله أراد أﻻّ يبعد وﻻ ينتقل إلى بلد ثان أو مكان بعيد جدا أو هؤلاء ربما يكونوا قطاع طرق أو قافلة بعيدة المكان فأراد الله أﻻّ تتعلّق قلوبهم به وهذا من حفظ الله سبحانه وتعالى له. هذه قضايا ﻻ أحد يستطيع أن يتدخل فيها .
/ (فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ ) "شروه" يعني باعوه ، و"شرى" تستخدم للمعنيين لكن هنا باعوهوَشَرَوْهُ ) يعني باعوه (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) يعني باعوه بمبلغ زهيد (دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) الدراهم أقل من الدنانير ، وقيل الدنانير من الذهب والدراهم من الفضة فهي أقلّ، وأيضاً هي أقل في عددها ﻷن الله عز وجل قال (دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) والمعدود قليل ، دائما المعدود قليل والكثير ﻻ تعُدّه إنما تُقدِّره تقدير ، حتى اﻷموال اﻵن - اﻷموال هذه الورق هذا - إذا كثر المبلغ ﻻ يعُدونه وإنما يزنوه وزنا ، فالشيء إذا كثُر ﻻ يُعَد ، وإذا وجدت كلمة معدود أو معدودة دل ذلك على قلة المعدود. ولذلك الله عز وجل لما أراد أن يسهل علينا الصيام ويخفف علينا العبادة قال عنها ( أياما معدودات) ﻷنها ثقيلة .. الصوم ثقيل وأيامه طويلة فأراد الله أن يخفهها عنا فيقول ( أياما معدودات ) يعني أيام بسيطة . فكما قالوا في القاعدة العامة القليل يُعد والكثير يُحد - أي يوضع له حد أي يوضع له تعريف كلام شامل بدون تفاصيل - فدلّت كلمة معدودة على أن المبلغ قليل ، زهيد وقليل ومثل ما ذكرت هذا جزء من حفظ الله له.
/  (دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) وكلمة مِنَ الزَّاهِدِينَ) وكلمة (وَكَانُواْ) دلت على أنهم كُلهم كانوا على رأي واحد في هذا لم يتعلّق أي واحد منهم وإﻻ كانت مشكلة.
(وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يريدوا أن يتخلصوا منه بأي شيء، والعجيب أن الذين وصل إليهم يوسف عليه السلام كثيرون، هؤﻻء والعزيز والذين دخل معهم السجن كلهم قدّروا مكانته إﻻ هؤﻻء ، حتى الذين دخلوا معه السجن ( قالوا إنا نراك من المحسنين ) عرفوا النجابة في وجهه أما هؤﻻء فأراد الله أﻻ يتعلّق به أحد منهم .
/ ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) انظروا جمال القصّ القرآني ، حين تتلقى القصة من القرآن لا تجد فيها التفاصيل كلها ، تجد فيها اﻷحداث المهمة ، لما يقول الله عزوجل ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) ما معناه؟ معناه أنهم ذهبوا به إلى المدينة وباعوه على رجل ، هذا الرجل كان هو العزيز يأتي بعد ذلك ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) لكن ﻷن هذه التفاصيل ليس لها قيمة لا تذكر . فهذا نستفيده نحن في حياتنا لما واحد يقصّ قصة فلا داعي ﻷن تأتي بالتفاصيل الدقيقة المُملة ، هات اﻷشياء اﻷساسية والباقي يُفهم من السياق. أكثر قصة فيها حذف في حوادثها هي قصة يوسف والحذف فيها بجُمل كبيرة ليس بكلمة أحيانا .. بجُمل كبيرة .. بحوادث كاملة. وحتى قصة موسى عليه السلام فيها حذف كثير في ثنايا القصة.
( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) الله عز وجل ما عرّفنا من هو الذي اشتراه لكنه قال ( الَّذِي اشْتَرَاهُ) التعريف بأنه شخص من مصر واشترى يوسف عليه السلام ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) هل هو من كبراء القوم هل هو من ضعفتهم، إلى اﻵن ما فيه شيء يظهر لكن بعد قليل يتجلى هذا الشخص ، وهذا أسلوب من أساليب التشويق تسمع (الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) فتقول ما وضعه؟ هل سيكون مثلهم؟ من هو؟ هل هو ظالم؟ هل هو عادل؟ هل هو طيب؟ هل هو مسلم؟ هل هو صالح؟ ما تدري، فهذا الإبهام يسمونه في تقدير الكلام يدعو إلى التشويق،  ومن صور التشويق ذكر الموصوﻻت [الذي والتي ...الخ ].
(الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) "مِصر" هي مصر التي نعرفها اليوم جمهورية مصر العربية هي ..هي ، وقد جاء في القرآن "مصر" و"مصرا" (اهبطوا مصراً) فجاءت منونة في مكان وممنوعة من الصرف -وهو التنوين- في مكان الذي هو معنا ( مصرَ ) بفتحة واحدة وما قال "الذي اشتراه من مصرا" ﻷنه ممنوع من الصرف والفرق بينهما [ مصر، مصرا]:
( اهبطوا مصرا ) يعني بلد من البلدان، اﻷمصار يعني البلدان فإذا أريد بها أي مكان فتُنون ﻷنها ليست علم، يعني ليست علم على شيء مثل مكة والمدينة ومصر، هذه اسمها أعلام وأسماؤنا نحن نسميها أعلام، هذه يكون فيها تنوين - مصروفه - وأما إذا كانت علم على مكان الذي هو مصر المعروفة اﻵن فإنها تمنع من الصرف ( اهبطوا مصر ) طبعا وتجر بالفتح .
( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ) التي معنا هنا (لاِمْرَأَتِهِ) هذه كلمة "امرأته" دلت على أن هذا المُشتري رجل متزوج وهذه بشارة خير ﻷن طفل مثل هذا لما يأتي في بيت فيه زوج وزوجة ﻻشك أنه أفضل من أن يأتي مع ناس إما في طريق يمشون إما يكونوا قُطاع طُرق أو قوافل أو تجار لن يعتنوا به لكن الله ذهب به إلى أهل بيت.
- ركزوا معي يا إخوان - كان يوسف في البيت مع والده وإخوته فخرج منه وكان خروجه من ذلك المكان هو سبب حياته،  يعني كان هناك خطر عليه أن يبقى في بيته وهم أرادوا أن يكيدوا له لكن الله عز وجل أراد له خيرا فخرج [ انقطع الصوت]
بعد ذلك انتقل إلى مكان آخر وهو القصر ، انظروا من بيت إلى بئر إلى قصر الآن اختلف الوضع  تغير.
يقول الله سبحانه وتعالى أن هذا الرجل الذي اشتراه من مصر أوصى زوجته فقال ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) أوﻻ قبل أن نصل إلى كلمة مثواه نريد نتكلم عن امرأة.
مالسر أننا نجد أحيانا في القرآن الله عز وجل يذكر الزوجة بأنها إمرأة وأحيانا يذكرها باسم زوج ، وهل هناك فرق بين الزوج - الزوج يعني زوجة ( وأصلحنا له زوجه ) يعني زوجته - وهل هناك فرق بين الزوجة والمرأة ؟
مع أنها تُذكر (...) رجل، هناك فرق واﻻستعمال القرآني يفرق بينهما:
 فالزوجية مأخوذة من التزاوج والمُشاكلة والقُرب بل إنه إذا اجتمع اثنان مع بعضهما وانطبقا مع بعضهما يُقال هذا زوج ، التزاوج يعني اﻻلتصاق والتشابه والتجانس واﻻرتباط ، وماهو الشيء الذي يجعل الزوجين - الرجل والمرأة - يتقاربان كثيرا؟ اﻷوﻻد .. اﻹنجاب، إذا حصل بينهم أوﻻد قربوا من بعض وقلّت نسبة الطلاق ، وكلما كان ما فيه أوﻻد كلما كان الأمر أسهل وإذا حصل الولد صار الوُدّ أكثر ، فإذا وُجِد رجل مع امرأة وليس بينهما ولد تسمى الزوجة في هذه الحالة امرأة - إذا كانت عقيمة طبعا - أو هو ﻻ ينجب أو هي لا تُنجب فتسمى امرأة، ولذلك الله عز وجل ذكر زوجة زكريا مئة وعشرون سنة بلفظ المرأة وهو أيضا ذكرها بلفظ المرأة قال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) لم يقل زوجتي فلما أعطاه الله الولد بعد مئة وعشرين سنة من الدعاء المستمر.
 الإخوان الذين ابتُلوا بشيء من هذا يعرفوا أن هذا الأمر من عند الله سبحانه وتعالى إذا لم يعطِك هذه السنة سيُعطيك السنة القادمة واصبر وادعُ بدعاء اﻷنبياء (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) ( رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) واحدة دعوة زكريا وواحدة دعوة إبراهيم ، زكريا بعد مئة وعشرين سنة ، انحنى ظهره وشاب شعره وانهدت صحته ، والله لو أتينا بأطباء الدنيا ﻷجمعوا أنه لن ينجب بحال لماذا؟ ﻷنه كبير جدا وزوجته كبيرة جدا -يعني يائسة- وهي عقيم أصلا ، يعني جميع صور اﻹنجاب ممنوعة تماما لكن الذي خلقه أﻻ يستطيع أن يوجد فيه خلق آخر؟! فلما أنجب قال الله عز وجل عن زوجته - الذي هو زكريا - قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) المرأة زوجة ﻷنه خلاص صار بينهم ولد . هذا واحد.
أما الرابط الثاني فهو الدِّين فإذا اختلاف الدين بينهما ولو كان بينهما ولد تسمى امرأة كما في حادثة نوح ولوط عليهما السلام.
فهنا الذي حصل في هذا الرجل الذي هو عزيز مصر أنه زوجته ﻻ تنجب لذلك سماها امرأة .
( أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) المثوى: المكان الذي يأوي إليه . ﻻحظوا معي لم يقل أكرميه هو .. ﻻ .. أكرمي المكان الذي ينزل فيه فما رأيكم اعتنى فيه أم لم يعتنِ فيه؟ اعتنى فيه أيما اعتناء، قال لها المكان الذي يأتي فيه .. انظروا - سبحان الله- طفل مطرود ومبيُوع بأبخس اﻷثمان ومهدد بالقتل اﻵن يُوصى به من قبل رجل كبير ومسؤول عظيم يقول لزوجته المكان الذي يجلس فيه أكرميه ، ليس هو نفسه ﻻ .. المكان فما بالك به هو!! كما قال الله عز وجل ( في عيشة راضية ) العيشة ترضى فما بالك بالمتمتع بها يوم القيامة هذه العيشة نفسها راضية فما بالك بمن سيعيش فيها .
فقال ( أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) لماذا؟ قال (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) قالوا : ينفعنا بالخدمة أو بأي شيء بالمساعدة ﻷنه ليس لديهم ولد انتظروا الولد، ما عندهم ولد.
 (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) (نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) يعني بالتبني وهذا دليل على أن اﻷموال والمناصب والتجارات والوجاهات و .. و..الخ ﻻ تغطي حاجتك وحاجة الزوج والزوجة إلى الولد ، هذه حاجة ربانية جعلها الله، انظر هم اﻵن ﻻ ينقصهم أموال ولا ناقصهم مسؤولية ورئاسة وجاه ومع هذا كله يمكن نتخذه ولد ، فرعون وهو فرعون كان يبحث عن ولد هو وزوجته ولما رأت موسى عليه السلام أحبته وقالت ( قُرَّة عَيْن لِي وَلَك) يعني كل هالمُلك هذا ما قرّت به أعيننا نحن نريد الولد. لذلك نحمد الله،  بعض الناس عايش في نعيم وهو لا يدري ، فيه أغنياء ليس لديهم لا ولد وﻻ بنت يعيشون في جحيم .. يتمنون إن عندهم ولد ، وفيه ناس عايشين بينهم ولد وﻻ يرضيهم شيء - سبحان الله - (....) ففيه نِعم الله يقسمها هذا يعطيه شيء .. وهذا يعطيه شيء .. وهذا يعطيه شيء فهي أنعام لكن ﻻ تنظر لها دائما على أنها مال فقط ، اﻷنعام كثيرة .
(عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) انظر ماذا يقول الله عزوجل (وَكَذَلِكَ) يعني كل ما ذُكر (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) التمكين: يعني جعلنا له مكانة، التمكين يعني جعلنا له مكان ومكانة،  ثبتناه ، اﻵن بهذا القول نحن جعلنا له مكانة صحيح هو طفل صغير اﻵن لكن هذه بداية التمكين  (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) كلمة (فِي الأَرْضِ) على العموم إشارة إلى شأنه العظيم الذي سيكون له في المستقبل في اﻷرض كلها وليس في هذا المكان فقط، هذا التمكين.
 ثم قال (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يعني مكنّه الله سبحانه وتعالى وأيضا علّمه هذا العِلم المُختص بتأويل الرُؤى ودلت هذه اﻵية على أن تفسير الرؤى وتأويل الرؤى أمر وإلهام من الله يعطيه الله من يشاء وليس هو علم يُتلقى ويُتعلم ولذلك قد يكون اﻹنسان عالِما عظيما لكنه ﻻ يعرف من تفسير الرؤى شيء ، هذا أمر ليس له علاقة له بالتعلُم، لكن العلم الشرعي يُعلم اﻹنسان كيف يستفيد ويستثمر هذا العلم - الذي هو علم تأويل الرؤى- ﻷن الجاهل به قد يُوقع الناس في الخطأ فلا يعرف كيف يفسر ، يعرف تأويل الرؤيا لكن ما يعرف كيف يقُصّها على اﻹنسان لذلك جاء رجل ليس بعالم إلى أحد الخلفاء وقال الخليفة أنا رأيت البارحة رؤيا أفزعتني - هذا الخليفة - قالوا ماذا رأيت؟ وجاء برجل واعظ يعني ليس بعالم لكن عنده علم من الرؤى يعني يعرف تأويل الرؤى فلما وقف عنده قال رأيت البارحة أن أسناني كلها تسقط ، فقال: ﻻ حول وﻻ قوة إﻻ بالله يموت كل أقاربك وأنت تلحقهم - كلكم ميتون - فاغتم الوالي - الخليفة - وأمر به فسجن ، سجن المُعبِّر . لما قال ائيتوا بغيره ، واحد عالم - يعرف كيف يستخدم علمه- فجاء إليه فقال رأيت البارحة أن أسناني كلها تسقط ، قال : ما شاء الله أنت أطول أقربائك عمرا . النتيجة واحدة أم مختلفة؟ النتيجة واحدة،  حين يقول له أنت أطول أقربائك عمرا معناه أنهم يموتون قبلك وأنت تكون آخر واحد.  صحيح أم ﻻ؟ نفسها، النتيجة واحدة لكن الصياغة اختلفت. فشكره وقال له جزاك الله خيرا وأعطاه مال - سبحان الله - علشان نعرف إن هذا الكلام (....) بإمكانك أن توصل الكلام بالمعنى نفسه .. اختار الكلمات الطيبة توصل المعنى وبإمكانك تختار الكلمات السيئة وتوصل المعنى أسوأ. فهذا ذكر الموت وذاك ذكر الحياة ، فقط هذا الفرق ، وهذا الفرق بين إنسان عالِم - عنده علم شرعي - وعنده معرفة بالرؤى انظر كيف ما شاء الله كل تفسيره مُبشر . واحد منهم رأيت البارحة أننا نذهب بالسيارة وتنقلب السيارة ،إذا كان جاهلا  سيقول الله يعينك والله مصيبة عظيمة ستحصل لك ، والثاني يقول له تنقلب أحوالكم إن شاء الله من سيء إلى أحسن هذا دليل إن شاء الله على تغير الحال.
 لكن قضية اﻹلهام هذا الذي يسر الله عز وجل له أن يُعبِّر وأنت تقُصّ عليه الرؤيا الله يعطيه من خلال كلامك إشارات معينة يفهم بها هذا الذي تقوله مباشرة ﻷنه ﻻ يحتاج إلى تفكير طويل مباشرة يجيبك، هذا أمر من الله فيه ناس يعرفون وفيه ناس ﻻ يعرفون ولذلك ﻻ أنصح أحد أن يتصدر لهذا الموضوع ، هذا أمر خطير وهو فُتيا (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) فكما تنفر من الفتيا أنفر من هذا الأمر، مو تُوقِع الناس في مشكلة وتفسد عليهم أحوالهم وتُضيّق عليهم في عيشتهم ﻻ، وخصوصاً النساء ، النساء يتصلن كثيرا في قضية تعبير الرؤى ولو عبر لها أحد رؤيا فيها سوء يمكن انتهت حياتها كلها.
 يذكرون أن رجلا اتصل على شخص أو لم يتصل، أيضا بعض الناس الآن يدخل على اﻹنترنت أو يقرأ كتاب ابن سيرين في تأويل الرؤى ويأخذها واحدة واحدة يقول إذا رأيت كذا يصير كذا ، هذا ليس صحيحاً فالرؤيا تتغير بتغيّر الزمان والمكان (...) مو تشوف واحد سقطت أسنانه كلها يقول أهلي بيموتون مالها علاقة ليس بالضرورة تكون مطابقة.
 المهم أن الرجل رأى رؤيا أنه يسافر فقرأ كتاب ابن سيرين أو غيره من كتب الرؤى فوجد فيها أن من رأى أنه مسافر معناه أنه يموت، السفر هذا معناه الموت ، فالرجل نام تلك الليلة وهو مُنزعج وخائف جدا ، ونام تحت مكيف وفي الصباح أصبح وهو مريض ، مريض ﻷنه نام تحت المكيف طبعا فقال في نفسه  هذه بداية الموت لأني رأيته البارحة. فانتبهوا من هذا. والله ما لها علاقة (...) فما يضيع الإنسان في هذا الأمر.
(وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) والتأويل أعظم من التفسير وألطف من التفسير.
(تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) واﻷحاديث المقصود بها الرؤى.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)  هذا أمر مهم جدا وهو كالتعليل لكل الحوادث السابقة ، يعني لماذا حصل هذا؟ ﻻ تستغرب الله غالب على أمره، الله عز وجل غيّر رأي إخوته ودلّ أصحاب القافلة وزهّدهم فيه وجعل هذا الرجل يحبه ويُوصي به ،الله غالب على أمره، الذي مكّن هذا الطفل هو الله سبحانه وتعالى.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) يعني ﻻ يعلمون هذا اﻷمر فهم غافلون عنه ولذلك كثير من الناس تجد اعتماده على نفسه وعلى قدراته وينسى أن اﻷمر إلى الله سبحانه وتعالى . لو أننا عُدنا في القضايا البشرية هذا الطفل ماذا سيفعل في مثل هذه الحوادث كلها ﻻ شيء ، ليس له حيلة ولا قوة لكن الله عز وجل هو الذي حماه.
/ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) هنا قفزة كبيرة في القصة ﻷننا مع القصة عندما دخل يوسف عليه السلام بيت العزيز وكان مازال في فترة الطفولة إما من السابعة إلى العاشرة أو حولها.
 ثم بعد ذلك يقول الله عز وجل (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) طيب أين هذه الفترة كلها (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قال بين الخمسة والثلاثين إلى اﻷربعين سنة (...) الفترة هذه كلها حول ثلاثين سنة أو تزيد أو تقِل لم يذكر عنها القرآن شيئا ﻷنها حياة عادية يعيشها اﻹنسان ودلّ ذلك على أنه عاشها في هذا القصر .. في هذا المكان عند هذه الأسرة ولم يذكر الله عز وجل أنهم أساؤا إليه بل إن القصة في بدايتها تُشعِر أنهم أحسنوا إليه والذي يأتي بعدها يدل أيضا أنهم أحسنوا إليه من حيث اﻹحسان والتربية والعناية به ثلاثين سنة وهو عندهم أو أكثر، لكنه لا يذكر عنها شيئا ولا يتعلق بها شيء وهذا شبيه تماما بقصة موسى عليه السلام فإنه بمجرد أن وضعته أمه .. بمجرد الوضع يعني اﻵن العمر سويعات ليس كيوسف عليه السلام، ساعات أرضعته - قالوا أرضعته بنا تستطيع - يرضع الذي يقدر عليه يرضع رضعة واحدة فقط ثم رمته في الماء ثم ذهب به الماء إلى قصر فرعون ، هم كانوا يبحثوا عنه الله أتى به إليهم .. عند الجنود أنفسهم فأخذته زوجة فرعون فأحبته (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي) ﻻ يراه أحد إﻻ أحبّه إﻻ هذا الشقي فرعون، فأخذته قالت "قرة عين ولك" قال أما لك فنعم وأما لي فلا ، فهداها الله به ولم يهدِه هو وهذا ما يُسمونه البلاء موكل بالمنطق، دائما قُل خيرا ، إذا تكلمت قل خيرا ﻻ تقل شرا فالبلاء منوط بالقول كن مُتفائلا ﻻ تكن متشائم .
المهم بعد هذه الحادثة بعدما أخذوه وأرجعوه ﻷمه من أجل اﻹرضاع الفترة وجيزة ﻷنه كم سيبقى هذا الطفل ليحتاج رضعة أخرى ؟ وقت قصير .. ساعات فعاد إلى أمه ، من لحظة عودته إلى أمّه لم يذكر القرآن شيئا عن حياته إلى أن ذكر لنا أنه كان يتمشى في طرق المدينة فتى يافع كبير، الفترة هذه (...) كما هو حال (...) هذه الفترة لا يتعلق بها شيء لذلك لم يذكرها القرآن.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) اﻷشُد هو سن الخمسة والثلاين  إلى اﻷربعين وغالبا اﻷربعين هي سن النبوة وهي سن العقل، اكتمال عقل اﻹنسان، اكتمال عقل الإنسان بعد سن اﻷربعين ولذلك ينصح أهل العلم القُدامى أن اﻹنسان ما يؤلف - يعني لا يكتب كتابا - إﻻ بعد اﻷربعين ﻷنه لو كتب قبل اﻷربعين سيجد إنه إما متشدد جدا أو متحمس جدا أو غير مُراعي ﻷمور أو غير ذلك ، لو كتب بعد اﻷربعين تجد العقل اختلف .. التقدير اختلف .. اللغة اختلفت .. نضج اﻹنسان .. فهم الحياة .. فهم ما حوله، فمن حصل معه هذا يجد أنه اختلف الحال هنا وهنا. واﻷربعين هي السن التي يذكر عنها العرب أن اﻹنسان إذا تغير بعدها كان قبلها ﻻ شيء وبعدها أصبح شيئا آخر يسمونه نابغة لأنهم يعتبرون هذه السِن  خلاص اﻹنسان ، ومعناه مو صحيح لأننا في ديننا النبوات تبدأ من سِن اﻷربعين سن القوة واكتمال العقل ولذلك أي واحد تسمعون اسمه النابغة معناه أنه نبغ بعد اﻷربعين ، بدأ يقول شعرا بعد اﻷربعين وأصبح رجلا متميزا بعد اﻷربعين يسمونه نابغة.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) قالوا (حُكْمًا) يعني حكمة و ( عِلْمًا ) يعني النبوة .
سبحان الله الحِكمة هذه شيء عجيب (وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) أو حُكم حُكم وعِلم عِلم وإن كان ذلك كذلك فهذا دليل على أن العلم ﻻ يغني عن الحكمة وقد يكون اﻹنسان حكيما وليس بعالم تجد إنسان ﻻ يعرف يقرأ وﻻ يكتب لكنه حكيم يضع اﻷمور في مواضعها، وتجد إنسان عنده عِلم لكنه نزق لا يعرف يضع اﻷمور في مواضعها، فليس بالضرورة، ولذلك إذا اجتمع عِلم وحكمة هذا كمال بشري إذا اجتمعوا اﻻثنان ولذلك نحن ينقصنا كثيرا قضية الحكمة وقد قال الله عز وجل فيها (وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) يعني الذي يُعطيه الله الحكمة يعطى خيرا كثيرا. (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) إِذا اﻵن فترة عارمة وسن عظيم.
 (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يوسف عليه السلام ﻻ يُعرف تماما متى نُبئ حتى اﻵن ليس هناك دليل على حصول النبوة خصوصا أنها حصلت بعدها حادثة - حادثة المراوغة - فليس هناك وقت مُحدد ذُكر فيه متى نبئ يوسف عليه السلام، وقد يكون هنا المقصود أن الله عز وجل أعطاه اكتمال العقل مع اكتمال الجسم والحكمة والعلم وإذا حصل العِلم والحكمة واكتمال الجسم هذا كمال بشري لما حصل ذلك حصل اختبار جديد ليس كاﻻختبارات السابقة ، اﻻختبارات السابقة كلها في سبيل الضراء ، اﻵن اﻻختبار فيه صعوبة وهو اختبار بشهوات، والشهوات أنواع: شهوة البطن وشهوة الجاه - المكانة - وشهوة الجنس وشهوات كثيرة، التملك ، كل هذه شهوات تجذب اﻹنسان أحيانا وتؤثر فيه وهي أصعب على اﻹنسان من اﻻبتلاء بالضراء فإن اﻹنسان يبتلى بالضراء ويصبر - غالبا - لكن مثل هذه قليل من يصبر ولذلك يوسف عليه السلام تنقل بين السراء والضراء .. بين المِحن والمحاب .. والمِنح .. بين الخير والشر . حصلت هذه الحادثة لكن قال الله عز وجل قبلها (وَكَذَلِكَ) يعني لماذا أعطيناه هذه اﻷشياء قال (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فأشعر قوله تعالى (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أن يوسف عليه السلام مُحسن، أو أن من أهمّ صفاته اﻹحسان ولذلك الله أعطاه هذه اﻷمور ﻷنه مُحسن ودلّ ذلك - والله أعلم - أن اﻹنسان إذا أراد أن يعطيه الله حكما أو حكمة وعلم وهداية وخير فليُحسن ﻷن الله عز وجل ذكر اﻹحسان هنا كالتعليل ﻹعطاء هذه المِنح، فبعض الناس يريد الخير، يريد أن يكون عنده عِلم وحكمة واحد من الطرق المُوصلة إلى ذلك كُن محسنا ، وسترون هذه الخصيصة - وهي خصيصة اﻹحسان - وأضيفوا إليها الخصيصة اﻷولى وهي التماس العذر للناس وهو واحد من صور اﻹحسان ستجدونها ظاهرة في كل تصرفات يوسف عليه السلام إلى آخر لحظة، واﻹحسان واحد من الصفات التي تنقصنا كثيرا.
في قوله تعالى (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) إشارة إلى أن من أعطاه الله عز وجل من الحُكم والعلم هو بسبب إحسانه أو أن اﻹحسان سبب لعطاء الله عز وجل اﻹنسان هذه اﻷمور،  واﻹحسان هو من الصفات القلائل التي ذكر الله أنه يحبها في القرآن بل هي أكثر صفة ذكر الله عز وجل أنه يحبها (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) مادام الله يحب المحسنين لماذا ﻻ نكون منهم حتى يحبنا الله سبحانه وتعالى؟! واﻹحسان -أيها اﻹخوة الكرام - ممكن أن يكون بالكلمة وممكن أن يكون بالرأي وممكن أن يكون بالمال وممكن أن يكون باﻷخلاق ببشاشة الوجه باﻻبتسامة ، اﻹحسان له صُور كثيرة ، وذكر الله سبحانه وتعالى الإحسان في القرآن في مواضع كثيرة جدا بعض المواضع التي ذكرها الله عز وجل في القرآن جعله أعلى الصفات عند مدح الناس بالصفات فقال الله عز وجل (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) هذه واحد (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهذه الصفات الثلاث اﻷخيرة هي بالترتيب فاﻹنسان أوﻻ يكظم غيظه ثم يترقى فيعفو عمّن ظلمه ثم يترقى فيُحسن إلى من أساء إليه هذه اﻷخيرة قال الله عنها (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ﻷنه قليل من يفعلها وقليل من يستطيعها أصلا ، بل إن الله عز وجل ذكر اﻹحسان في مواضع لا نتوقع فيها اﻹحسان بسبب ما عِشناه وألِفناه في حياتنا من أخلاق سيئة فربنا يقول سبحانه وتعالى (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) اﻷزواج الذين يسمعوننا هذه قضايا يمكن ﻻ تجدها في المحكمة ولا تجدها في اﻷحكام في حاﻻت الطلاق لكنها أخلاق لا تنفصل أبدا عن أحكامها، بل كلنا يسمع أحكام متى يطلق ومتى لا يُطلِّق ومتى يقع الطلاق - مثلا - هذه أحكام لكن أيضا للطلاق أخلاق ولو أننا تمسكنا بأخلاق الطلاق لقلّ الطلاق كثيرا فيقول الله سبحانه وتعالى (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) إن أمسكت وبقيت عندك بالمعروف ماهو بالذِلة والمهانة، بالمعروف ﻷن العهد الذي بينك وبينها ما رأيك لو صار بينك وبين شخص عهد، المرأة هي شخص مثله -إنسان- حقوقها مثل حقوقه ولا عند الله سبحانه وتعالى الذكر سيكون أحسن من اﻷنثى ولا اﻷنثى أحسن من الذكر، فلو حصل عهد وميثاق والذي وضع هذا العهد والميثاق هو الملك - بينك وبين شخص - جاء الملك وقال أنتم اﻹثنان هذا عهد بينكما هل تنقضون هذا العهد بسهولة ؟ إذا لم أفكر بالشخص فكرت في العهد هذا والميثاق اﻷمر ليس بسيطا ، الله عز وجل سمّاه ميثاق غليظا ، من الذي وصفه بالميثاق الغليظ؟ الله وليس شخص، ميثاق غليظ ومع هذا أبسط حاجة عندنا طالق .. طالق .. طالق، أو حرام علي الطلاق لندخل تتقهوى ، يا أخي هذا الطلاق، ميثاق غليظ أمر ما هو بسيط فكر في كل شيء إﻻ في الطلاق إﻻ إذا كان هو آخر الحلول ، وإذا كان هو آخر الحلول خذ بالثانية (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) أنظروا اﻹحسان أين ، العادة الناس إذا تطلقوا زعلانين على بعض وإﻻ راضيين على بعض؟ زعلانين ﻻ أحد يريد اﻵخر، عمرك رأيت واحد يحسن إلى واحد يبغضه ومكروه عنده؟! الله يقول (...) كم واحد سمعتوه طلق زوجته بإحسان؟  (بإحسان) الباء تدل على المصاحبة يعني الطلاق مصحوب بإحسان .. معه إحسان، إحسان في الكلام .. إحسان بالمال - يعني تكتب لها مبلغ كذا عشرة آﻻف - وإﻻ (...) كل ما دفعته عليك هاتيه صح وإﻻ لا؟ بعض اﻷزواج إلى اﻵن يكتبون كل ما دفعه المهر واﻷثاث علشان يوم تطلب الطلاق وإﻻ يصير شيء يقول ادفعي هذا وأنا ما عندي مانع، الذي هو الخلع يقول الله عن هذه الحادثة - عن هذا النوع من الناس - (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) حتى لو أعطيتها قنطار ، والقنطار مثل جبل أحد شف الأموال هذه (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) يعني (...) (وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) والله لو تخلقنا بهذه الأخلاق (....) لكن نحن نسينا هذه اﻷخلاق مهتمين فقط ما حقوقي وما حقوقك ، فلا تأخذ القرآن جزء منه ونترك الجزء الثاني، وهذه مصيبة حتى في تعليمنا وتدريسنا أننا ندرس اﻷحكام بدون أخلاق خلاص هذه أخلاق ليست أحكام لا تدخل معنا، الله عز وجل ما وضعها مع الحكم إﻻ لنأخذ بها (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) هذا اﻹحسان في قضية الطلاق وهي انشقاق بين شخصين وبُعد مع هذا يطلب الله منا الإحسان، فما بالك بالناس الطيبين واﻷقربين ماذا تعمل؟ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شيئا أيضا عظيم دال على شمولية اﻹحسان وعِظمه فقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب اﻹحسان في اﻷمر كله - وفي رواية في كل شيء - فإذا ذبحتم فأحسِنوا الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) حتى الذبح وهو ذبح المطلوب فيه أن نُحسِن ونكون محسنين ونقول بسم الله ( وليُحِد أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته) حتى ذبحك للشاة فيه إحسان إذا تصرفت بهذه الطريقة تَحِد الشفرة -السكين - ما تُريها السكِّين حتى هذه ترحمها حتى في لحظة موتها فيه إحسان، هذه الشغلات ما يتوقع الناس إن فيها إحسان ومع هذا (.....) .
فاﻹحسان - يا إخواني الكرام - باختصار هو أعلى صور العلاقة بين المخلوق والخالق ولذلك نحن عندنا اﻹسلام واﻹيمان واﻹحسان أعلى شيء اﻹحسان وكذلك هو أعلى صور العلاقة بين المخلوق والمخلوق - اﻹحسان - وهو أمر يحبه الله سبحانه وتعالى ودعونا نأخذ به.
 ولو تأملناه في سورة يوسف لوجدنا يوسف عليه السلام كان مُحسنا لكل من أساء من فهو بلغ أعلى الدرجات:
 فامرأة العزيز التي راودته أول  حصلت منها المراودة ماذا قال؟ ( قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) لم ينسَ بعد ثلاثين سنة من التربية في بيتهم، لم ينس إن الرجل (رَبِّي) - ترى المقصود به الرجل الذي رباه صاحب البيت - (رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) ﻷنه أمَر امرأته في أول دخول يوسف للبيت قال لها أكرمي مثواه ما نسي يوسف عليه السلام هذا المعروف وحفظه لهذا الرجل وقال أنا  ﻻ يمكن أن أُقدِم عل هذه الجريمة ﻷنها خيانة لرجل أحسن إليّ فحفظ اﻹحسان عليه الصلاة والسلام، وهذا إحسان،  المعروف إحسان.
 وأحسن ثانية عندما حصل من المرأة ما حصل - يا إخواني الكرام - وأتت بالنساء - على ما سنعرضه إن شاء الله في اللقاء القادم - كل هذا الذي حصل من المكر والخديعة ﻻ نجده ذكر امرأة العزيز بسوء أبدا رُغم أنها امرأة افترت عليه وكذبت عليه وكادت له لكنه عندما يقيس هذا بتربية أبيه (...) وإحسان ثلاثين سنة يُحسن إليها ويعفو عنها ويستر عليها. هذا إحسان. ترى خطأ إنسان تستر عليه هذا إحسان،  ﻻ أن تنشر خبره -أعوذ بالله بعض الناس اليوم- يأخذ صورة وإﻻ يأخذ خبر ويرسلها بالإنترنت، إذا أرسلتها باﻹنترنت لن تعود إليك خلاص حتى لو تبت ستذهب في الناس كلهم - انتبهوا يا إخوان - ﻻ تنشروا عورات الناس وﻻ تنشروا اﻷخبار التي تأتيكم في الرسائل بعضهم يكتب لك انشر تؤجر، ﻻ تنشر شيئا دعها عندك، لا تنشر شيئا، إذا كنت ﻻ  تعلم صحة هذا الخبر، أما أخبار الناس فلا تنشرها أبدا .. أبدا ﻷنك ﻻ تعلم هل هي صحيحة أم ﻻ، فريح حالك بدل ما تكون أنت جزء من هذه الكذبة وإﻻ من المصيبة (...) الناس ، أما اﻷشياء التي فيها أجر وتأتيك فإن كنت تعلم أن هذا صحيح انشرها لكن أغلبنا ﻻ يستطيع أن يعرف ذلك ولذلك لا تنشرها، ما عليك من كلام  من يقول لك تؤجر وإلا إذا لم تنشرها سيحصل لك كذا وكذا، هذا ليس ربا يقسم اﻷرزاق وإلا يعطي أجر وإﻻ يعطي وزر ، هذا الشخص ليس ربا، هذا دين احنا نعرف اﻷجر من الله ليس من اﻷشخاص ولذلك ما عليك من هذه الرسائل التي تأتيك كلها غير صحيحة وكذب وفيها تزوير وفيها كلام غير صحيح . فهذا أمر في غاية في الأهمية.
 أيضا من صور اﻹحسان ونحن مازلنا (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) حتى نعرف حجم الإحسان في قصة يوسف عليه السلام لما دخل معه السجن فتيان ماذا قالا - يا إخواني -؟ قالا (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) هم دخلوا اﻵن يقول (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ) ﻻ يعرفونه ولا يعرفهم واﻵن كلّموه رأوا رؤيا وكلّموه عنها ثم قالوا (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)  (نَرَاكَ) و"رأى" قد تكون قلبية وقد تكون بصرية ودلّ ذلك على أنهم رأوا من أخلاقه في لحظة الدخول فقط التي جمعتهم به، ما فيه وقت كثير ، اللحظة هذه التي دخل فيها رأوا من أخلاقه ما استدلوا به على أنه مُحسن وهذا دليل على أن اﻹنسان ممكن أن يُحسن بكلمة .. ممكن يُحسن بتصرف ، يعني لو آتيت أنا وأردت أن أدخل من الباب وكان معي رجل كبير في السن وإﻻ رجل يعني نقدره وقدمته على نفسي - تفضل - أوﻻدنا اﻵن ﻻ نعلمهم هذه المبادئ رجل كبير أو صغير أدخل قدامه ، في الدخول فترة الدخول بس ، هذا أدب من اﻵداب ، علّم أوﻻدك إذا صار فيه واحد كبير يتأخر ويقول له تفضل يا عم ، الكبير الذي أكبر منا نقول له يا عم لا أن تناديه باسمه أو بأي صفة من صفاته بدون أدب ، هذه صورة من صور اﻹحسان . قد يكون ابتسم .. قد يكون كان وجهه بشِر ، هذه كلها صور إحسان أو أنه ظهر لهم من هيئته - كما نقول اليوم وجهه وجه خير - تشعر أحيانا ببعض اﻷشخاص حين تقابله تشعر أحيانا بالخير معه مع أنه لم يفعل لك شيئا . فالمقصود أنهم حكموا عليه باﻹحسان وهو لم يعمل لهم شيء إلى اﻵن ولذلك أكثر ناس كانوا متفرسين في يوسف عليه السلام هو الرجل هذا الذي اشتراه والذين دخلوا معه السجن.  هؤﻻء كانوا يعرفون تماما من هو يوسف عليه السلام، ولما فسّر لهم الرؤيا فسرها بإحسان أيضا -أنا أمشي مع الإحسان- فسّرها بإحسان فقال (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ) أين اﻹحسان ؟ قال اﻹحسان في التعميم واحد منهم سيموت ويُصلب والثاني يخرج ، لو أنه جاء وقال أنت يا فلان - صاحب الرؤيا - أنت ستموت ، هذا ليس إحسان في القول لكن قال (أَمَّا أَحَدُكُمَا) بدون تعيين يعرفها صاحبها أو ﻻ  يعرفها ؟ يعرفها بدون تعيين فلا داعي للتحديد الدقيق ، ثم من إحسانه أيضا أنه بدأ بالبشارة قبل غيرها فبدأ بالناجي وترك المقتول قال (أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ) لم يقل من هو (وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ) هذا إحسان، إحسان في القول .. إحسان في الوجه .. إحسان في النطق ،هذا إحسان .
ثم بعد ذلك لما خرج من السجن واجتمعت النسوة عند العزيز وصارت المحكمة والسؤال والجواب ما ذكر شيئا أساء فيه إلى أحد .. أبدا، لم يقل هذه امرأة العزيز هذه التي رمتني .. أدخلتني السجن .. هذا البيت السيء، اﻵن صارت القوة له .. الملك معه لم يقل شيئا سامح كل الناس، وخرج من السجن - تصوروا واحد خرج من السجن ماذا سيفعل؟ - ناقم على الناس أليس كذلك ، ﻻ هذا خرج من السجن ليخدم الناس بل خرج يخدم تلك الدولة التي سجنته ، يخدمهم  يوزع على ناس إذا فيها مصلحة ناس وبقي خمسة عشر سنة وهو يخدمهم في توزيع أرزاقهم .. هذا إحسان ، صور من اﻹحسان تتبعوه، حين تقرأ سورة يوسف تتبع صور اﻹحسان، نحسن بوجوهنا .. نحسن بمنطقنا .. نحسن بأقوالنا .. نحسن بقدراتنا في اﻹدارة كان يحسن إدارة المال فأحسن إلى الناس، بعضنا اليوم ما شاء الله يعرف للكمبيوتر ويعرف الهندسة ويعرف الطب و...الخ ما ينفع الناس بشيء ، لماذا يا أخي؟! قل رأي .. قل للناس حاجة زينة .. اعمل للناس شيء مفيد ، ليس كل شيء بفلوس فيه شيء اسمه إحسان.
هذا يا إخواني الكرام أحببت أن أركز عليه في هذه النقطة ﻷنها واحدة من مفاتيح السورة الذي هو اﻹحسان (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وإذا احسنت إلى أحد فاعلم أن الله سيحسن إليك (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) والجزاء من جنس العمل ، فإذا أردت أن يصرف الله عنك البلاء - والقصة كلها بلاء كلها مصائب وكلها اختبارات وابتلاءات - إذا أردت أن يثبتك الله ويصرف عنك السوء فساعد الناس .. فأحسن إلى الناس فالله يحب المحسنين ولذلك يوسف (....) اﻹحسان الله عز وجل قال ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) فصرف الله عنه السوء ﻷنه هو كان يساعد الناس ويقف معهم ولذلك دعونا نخرج الليلة بهذا الخلق :
الخلق اﻷول: التماس اﻷعذار للناس وخصوصا من أقربائنا وممن نعرف ، التمسوا اﻷعذار كفانا تفرقا كل ما سمعنا (...) اﻷسر تشتت .. اﻷزواج تشتتوا .. اﻹخوان تشتتوا ، الناس يقتلون على متر واحد من اﻷرض ما يسوى شيء ليه ما نسامح .. ليه ما نُحسن لو الآن اثنين على أرض - المشكلة الأرض لا فيها مويه ولا فيها زراعة وﻻ راح تنزرع وﻻ بعد مئة سنة ومع هذا قتال وذبح وإراقة دماء ، لو اختلفوا على متر ايش المفروض أن نتصرف إذا كنا مسلمين ونأخذ بالقرآن؟ أحسن إليه أقول له خذ بدل المتر مترين الله يوفقك أهم شيء نصير أخوان وزملاء فأنت أحسنت اﻵن الله سيحسن إليك ، يأتيك زرع .. ﻷوﻻدك، أما طريقتنا اليوم هذه ما يصلح ما نعرف من اﻹحسان شيء ، ﻻ .. خذ حقك الرجال سيفعلون بك .. الرجل هو الذى يأخذ حقه بيده ، احنا ما عندنا دين؟! ﻻزم نأخذ به وعندنا قرآن ﻻزم نأخذ به.  
أسأل الله للجميع التوفيق هذا وصلى الله على نبينا محمد.  الحلقة القادمة عن قصة المرأة - إن شاء الله- وصلى الله وسلم على نبينا محمد.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق