د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى الله وصحبه ومن والاه ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى الله وصحبه ومن والاه ...
يقول الله عزوجل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3))
هذه أقصر سورة في كتاب الله عز وجل لكن فيها من الهدايات الشيء الكثير فربنا سبحانه وتعالى يمتنّ على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد أعطاه الكوثر والكوثر في اللغة يطلق على الخير الكثير يعني أعطيناك الخير الكثير الذي لم نعطه أحداً سواك من خلق الله وهذا ما أعطاه الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد جاء بيان شئ من ذلك في سورتي الضحى و الشرح قال الله تعالى (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) ثم ذكّره بأنه في الدنيا قد أعطاه أشياء كثيرة امتنّ بها عليه.
لما ذكّره الله عز وجل بهذه النِّعم بهذا الخير الكثير والذي منه نهر الكوثر الذي سيعطاه رسولنا صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة والحوض المورود في يوم القيامة والكوثر في الجنة بيّن له ماذا يجب عليه بأن قاعدة القرآن أنه كل ما ذُكرت النعمة فإنه يُذكر السبب الموجب للوصول إليها ولدوامها وبقائها قال (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ولذلك مرّ بنا في سورة قريش قال تعالى (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)) فما تُذكر النعمة إلا ويُذكر شكرها. في سورة الشرح -مثلاً- (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)) يعني في عبادة ربك (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) ليكون في ذلك شكراً لنِعم الله عليك عندما شرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك ....الخ.
قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ﻻحظ معي أنه بدأ بالصلاة لعظم قدرها عند الله سبحانه وتعالى فهى أحب اﻷعمال إلى الله ولذلك ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الصلاة خير موضوع -يعني خير شئ وضعه الله لعباده- فمُستقل ومُستكثر) يعني من الناس من يستقل منها ومن الناس من يستكثر منها وﻻحظ هنا كيف أنه جعل الصلاة لله ولم يقل "فصلِ وانحر" قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) يعني الذي ربّاك .. الذي أعطاك .. الذي أنعم عليك .. الذي أواك .. الذي أكرمك بالنبوة .. الذي فضّلك على العالمين وجعلك سيد ولد آدم فصلِ لهذا الرب وأنت تشعر بأن هذا من شكر نعمته عليك.
ثم ثنى بعبادة أخرى هي من أجلّ العبادات وأعظمها في إظهار شعيرة التوحيد وهي النحر فقال (وَانْحَرْ) والنحر يكون للإبل أما البقر والغنم فيكون لهما الذبح وإنما اختار اﻹبل ﻷن الذبح فيه أظهر أو اﻹزهاق فيه أظهر والنفع فيه أكثر ولذلك قال (وَانْحَرْ). ولعلك تلاحظ كيف أنه جمع في هذه اﻵية على قِلة كلماتها
بين نوعين من العبادة:
النوع اﻷول/ نوع خاص بالله سبحانه وتعالى ﻻ يعني يكون بين العبد وربه سبحانه وتعالى.
والنوع الثاني/ هو من ما يكون لله ولكن ينفع عباد الله ﻷن النحر والذبيحة إذا نُحرت أو ذُبحت فإن الخلق ينتفعون بلحمها ويستفيدون من جلودها وجميع أجزائها وهذه العبادة هي من ضمن العبادات التي أخلّ بها المشركون فكانوا ينحرون ﻵلهتهم ويذبحون لها ويشركون مع الله عز وجل ولذلك قال الله تعالى آمرا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤﻻ المشركين (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:١٦٢] هنا (صَلَاتِي) (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) / (وَنُسُكِي) (وَانْحَرْ).
وليس المقصود بهذا النحر النحر الذي يكون للحم فقط بل النحر الذي يكون تعبدا لله عز وجل، وأيضاً جميع ما ينحره اﻹنسان يجب أن ينحره لله وبسم الله فأي ذبيحة نُحرت على غير اسم الله سبحانه وتعالى فإنها ﻻ تكون حلالا بل تكون ميتة ﻻ يجوز أكلها.
ثم قال الله عز وجل (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) فكل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله جعله مبتورا بل هو أشد الشائن بمعنى المبغض جعله مبتورا بل هو اﻷبتر يعني المُنقطع ذكره الذي ﻻ يجد من يحتفي به وﻻ يذكره بعد موته بل -والعياذ بالله- عقوبته عاجله -نسأل الله العافية والسلامة- وهكذا كل من أبغضوا رسول الله أو سبوه أو لعنوه أو آذوه عليه الصلاة والسلام جعل الله عقوبتهم في الدنيا عاجلة تصديقا لهذه اﻵية في قوله (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) .
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق