الثلاثاء، 13 يناير 2015

من هدايات سورة القارعة

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...
  تقدم فيما مضى من حديث مع إخواني الفضلاء المشايخ بيان معنى القارعة أنها اسم من أسماءِ يوم القيامة وإنما سُميّت بهذا الاسم لأنها تقرع القلوب والأسماع بشدة ضجيجها وصوتها وقوتها وهولها في ذلك اليوم الذي يكون فيه الهول هو سيد الموقف لن يتذكر الإنسان إلا شيئاً واحدا ولن ينتفع إلا بشئ واحد وهو عمله الذي سيكون رفيقا له في ذلك الميدان ولذلك جاء التأكيد في هذا اليوم على هذه الموازين والأعمال التي ستكون مع الإنسان.
 يقول الله عزوجل (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ*وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) هذا تصوير لحال الهول الذي يُصيب الخلق في ذلك اليوم ثم ينقسم الناس إلى فريقين:
  الفريق الأول : من ثقُلت موازينه والمقصود بثقل الموازين أنها تثقل بالأعمال وهذا تذكير للإنسان بأن يستعد لقرع القيامة وهولها المرعب وشدة كربها بشئ واحد وهو العمل، فمن ثقُلت موازينه فهو في عيشة راضية. 
جُمعت هذه الموازين في هذه الآية قال بعض العلماء: لأن كل عمل له ميزان فالصلاة لها ميزان، والصوم له ميزان، والزكاة لها ميزان، والبِر له ميزان، والأمر بالمعروف له ميزان، والنهي عن المنكر له ميزان، والخوف من الله له ميزان ، ومحبة الله له ميزان ، وكل شئ له ميزان لأن كل شئ عند الله بمقدار فيُوزن ذلك كله ولن يضيع من عمل الإنسان شئ كما قال الله عزوجل في سورة متقدمة وهي سورة الزلزلة (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)
  وأيضاً قال بعض العلماء أنه في يوم القيامة يُوزن العمل ويُوزن العامل وتُوزن الصحيفة، صحيفة الإنسان التي فيها عمله ودُونت فيها حسناته ودُونت فيها جميع تصرفاته وأفعاله هذه توزن أيضا. فجمعُ هذه الموازين للدلالة على أنها موازين كثيرة.
 ومن العلماء من قال إنما جُمعت لأنها باعتبار أهل الموقف لأن لهم موازين كثيرة جداً.
 وعلى كل الأحوال فإن أهم ما ينبغي للإنسان أن يصطحبه معه عندما يُدرك ذلك اليوم هو العمل فليصطحب هذا العمل وليعتني به وليُثقِّله.
 وهنا نقف عند قوله يثقله (ثَقُلَتْ) ليس العبرة بكثرت العمل وإنما العبرة بحُسن العمل وثِقلِه وما يُساويه في الميزان عند الله سبحانه وتعالى، قد يصلي الرجلان صلاة واحدة متجاورين في ظاهرها لكن أحدهما قد خشع فيها وحلّق بروحه وقلبه في الملكوت الأعلى، والآخر كان قلبه يهيم في أودية الدنيا ما شعُر إلا عندما كبّر وعندما خرج من الصلاة وانصرف منها، فيأتي يوم القيامة وهذه الصلاة لا تساوي شيئاً ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم مؤكداً هذا المعنى ( إن الرجل ليُصلي الصلاة فلا يُكتب له إلا نصفها، إلا عُشرها، إلا تُسعُها، إلا ثُمُنُها، إلا سُدُسها، إلا خُمُسها، إلا رُبعُها، إلا ثُلُثُها، إلا نصفُها) يُبين أنه قد لا يُكتب للإنسان من صلاته الا شئ يسير جداً من هذاالعمل الذي فرّغ له الإنسان وقته، فعلى الإنسان أن يجتهد عندما يعمل، أن يُثقِّل ميزانه بالعمل ليواجه الأهوال في يوم القيامة.
 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الموازين الثقيلة.
 ،،،،،،،،،،،،،،،،،اللهم أمين ،،،،،،،،،،،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق