الثلاثاء، 13 يناير 2015

من هدايات سورة التكاثر

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد ...
هذه السوره تتحدث عن التكاثر وافتتحت بقول الله عز وجل (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) فما هو التكاثر؟
التكاثر هـو : أن يُكاثر الإنسان بأمور لا تنفعه عند الله سبحانه وتعالى وذلك بأن يشتغل في دنياه ويلهو ويُمضي الأوقات والأموال والجهود الكثيرة في جمع مالا ينتفع به عند الله سبحانه وتعالى فهذا يُسمّى مُكاثرة، تفعل الشئ من أجل أن تكون أكثر من فلان،  يعني صوره كثيرة جداً وأكثر من أن نستوعبها .
مثال ذلك: أن تكاثر الناس بالأسفار، تكاثر الناس بالكتب، تكاثر الناس باللعب، تكاثر الناس بالمال، تكاثر الناس بالقوة -قوة البدن- تكاثر الناس بالشهادات -والله أنا عندي عشرين شهادة في دورات تدريبية، عندي شهادة الماجستير والبكالوريوس والدكتوراه والأستاذية وغير ذلك من أجل أن ترتفع بها على الناس- فكل ما ليس من عُدة الآخرة وتريد به العلو في الدنيا فهو مكاثرة ولذلك قال الله عز وجل (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) يعني هذه هي حقيقة الدنيا من اشتغل بها وصل إلى هذا المعنى.
 وسمّى الله عز وجل هذا لهوا لأنه لا يُقرب إليه ولا ينفع الإنسان في حياته الباقية الدائمة الثابتة وهي الحياة الآخرة ولذلك ينبغي على الإنسان أن يحذر وأن يُراجع نيته وأن ينظر في عمله هل هو يريد به المُكاثرة أو يريد به الآخرة فكل ما أردت به الآخرة ليس لهواً واستكثار الإنسان منه ليس مذموماً ، وكل ما أردت به العلو في الدنيا والترفع عن الآخرين والاستكبار وإرضاء ميول وشهوات هذه النفس فهو مكاثرة وهو لهو.
 قال (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر) يعني حتى مُتم ودخلتم في هذه القبور. وسمّى دخول القبر والمُكث فيه زيارة لأنه قصير إلى ما بعده فالآخرة أمد بعيد وطَولٌ شاسع لا حد له، خلود أبدي. لما كان القبر مسافة أو زمن يسير جداً بالنسبة لتلك المسافة أو بالنسبة لتلك الدار الآخرة سمّاها زيارة فقال (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر)
ثم حذّر من هذا التكاثر بأسلوبين أو بأسلوب كرره مرتين فقال (كَلَّا) أي هذه ردعٌ وزجرٌ عن هذا التكاثر (سَوْفَ تَعْلَمُون) عاقبة تكاثركم إذا مُتم (ثُمَّ كَلَّا) تكرار لـ (كَلَّا) الأولى (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة تكاثركم إذا بُعثتم عند الله سبحانه وتعالى.
 ثم كررها ثالثه فقال (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي لو علمتم علم اليقين لما اشتغلتم بما أنتم تشتغلون به وتكاثرتم به يعني لو علمتم علم اليقين ما أنتم مُقدمون عليه من جنة ونار ودار باقية يعني جزاء عظيم عند الله عز وجل لمن آمن أو كفر ما اشتغلتم بهذا الذي اشتغلتم به ولا تكاثرتم بهذا الذي تكاثرتم به ولذلك قال بعدها (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) هذا قسم وليس جوابا لقوله (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) لأن بعض الناس يظنها كذلك وإنما هي قسم مبتدأ أي: والله لتروون الجحيم ، فإذا رأيتم الجحيم نسيتم كل شئ كُنتُم تتشاغلون به في حياتكم.
  (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا) أي الجحيم (عَيْنَ الْيَقِينِ) رؤية حقيقية أمام أعينكم.
 (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم) أي في ذلك الموقف ستُسألون عن كل نعيم أدركتموه في الحياة ويُدقق عليكم في كل شي هل قمتم بشكره واستعملتموه في طاعة الله أم نسيتم ولهوتم.
 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على مسائل يوم القيامة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق