الثلاثاء، 13 يناير 2015

من هدايات سورة الهمزة

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد....
 فهذه السورة تعرِض لشيء من صفات الكفار ومن سار على منهجهم وهي صفات قبيحة جداً تُنافي الذوق السليم والخُلق الكريم حيث قال الله عز وجل مُبيّنا هذه الصفات (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ )
هذه هي الصفات التي ذكرها الله عز وجل ثم جاءت بقيت السورة في بيان الوعيد الشديد لمن اجتمعت فيه هذه الصفات .
أما الصفة الأولى: فهي صفة الهمزة اللمزة ،العلماء والمفسرون مختلفون في الفرق بين الهمزة واللمزة لكن يجمعهما -على اختلاف كلام المفسرين- أنه الإنسان الطعّان الّلعان العيّاب في الناس الذي يؤذي الناس بلسانه وبعينه وبإشاراته ولا يدع أحداً من القدح فيه فهو دائم العيب فيهم والقَدْح في أعراضهم والكلام في غيبتهم ودائم الاحتقار لهم والاستكبار عليهم والإزراء على تصرفاتهم فهو  (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) وتوعده الله بقوله (وَيْل) والويل: كلمة تهديد عند العرب، ومن المفسرين من يقول إن الويل وادي في جهنم، والأول أولى وأوضح في كلام العرب.
الوصف الثاني من أوصافه: مع كِبره واحتقاره للعباد هو أيضاً إنسان جمُوع منُوع يجمع المال ويعدُّه ولا ينفقه في وجوهه وهذا لأنه يرى أن الحياة الدنيا هي الغاية التي يسعى لها وهي أهم ثمرة يحيى من أجلها فما عنده من الحياة ومن هذه النّعم التي ينعم الله بها عليه إﻻ أن يجمع المال ويعُدّه فهو لا ينفقه في سبل الخير ولا ينفقه على اليتيم ولا على المسكين ولا على الأرملة ولا ينفقه في سبيل الله ويبخل به إذا طُلب منه ولذلك جاء الحديث في الآيات أو في السور القادمة في قضية مثل هذه القضية عندما قال الله عز وجل في سورة الماعون ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) وفي آخر الآيات قال (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) فتأمل ثلاث آيات كريمات في سورة واحدة كلها في هذا المعنى الذي أجمله الله سبحانه وتعالى في قوله (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ). 
الوصف الثالث من أوصافِه القبيحة: أنه (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ) يظن أن هذا المال هو ضمانة البقاء والخلود فهو لا يرى أن له رباً إلا هذا المال ويرى أنه يمكن أن يُضحى بكل شئ ويزهد بكل شئ ويطغى على كل أحد من أجل هذا المال لأن هذا المال معبود، رب ينثني له وهو الذي يسيطر على كل توجهاته تصرفاته وأفكاره ثم جاء الجزاء .
طيب هذه في حق كفار لاشك في ذلك لكن هل تكون في حق المؤمنين؟
 نقول يأخذ المؤمن من الوعيد نصيباً بقدر ما أخذ من هذه الصفات فإذا كان الإنسان همّازاً لمّازاً جاءه من هذا الوعيد بقدر ما حصل فيه من تلك الصفة، وإذا كان الإنسان جمّاعاً عدّاداً للمال يظن أن المال هو غاية الإنسان وهو مُنتهى مقاصد الناس فإنه يكون له من الوعيد بقدر ما حصل له من هذه الصفة.
 ولذلك نقول للمؤمنين ولإخواننا المستمعين وأخواتنا المستمعات احذروا أن يكون فيكم شيء من هذه الصفات فيتحقق لكم شى من الويل. أسأل الله أن يُطهرني وإياكم ويعافينا وإياكم من كل خُلُق من هذه الأخلاق الرذيلة والقبيحة والوبيلة. اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق