الثلاثاء، 13 يناير 2015

من هدايات سورة العصر

د.محمد بن عبد العزيز الخضيري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد ...
   افتتحت هذه السورة بالقسم بالعصر والمراد به: الزمن. وإنما أُختير الزمن لأنه هو محل النجاة والخُسران فمن أراد أن ينجو استفاد من الزمن، ومن أراد أن يهلك استفاد من الزمن أو جعل،  كان ذلك  في زمن قال (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) أي كل الناس خاسرون هالكون مآلهم إلى نار جهنم كما قال الله عز وجل (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا )[مريم:71] واردها: أي وارد على النار.
 ثم بيّن الله عز وجل ما ينجو به الإنسان من ذلك الهلاك المُحقق فقال  (إِلَّا) هذا استثناء يدلنا على أن ماقبله كان عموماً (إِنَّ الإِنْسَانَ) أي جميع الناس خاسرون (إلا) استثناء من ذلك الجميع من توفرت فيه أربعة أوصاف:
/ الوصف الأول: قال/ (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا )
/ الوصف الثاني: قال: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
/ الوصف الثالث: قال: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)
/ الوصف الرابع: قال: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )
/ أما الإيمان فهو: أن يؤمن الإنسان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. ولا شك أن الإيمان يحتاج إلى العِلم لأن الإنسان لا يمكن أن يؤمن بشئ إلا بعد أن يعلمه فهي دلالة على وجوب أن يتعلم الإنسان ما فُرض عليه في دينه من عقائد وأعمال ثم يوقن بها يقيناً صادقاً ويعلم أنها من عند الله وأنه يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.
 وهذا الإيمان لا يكفي بل لابد أن يُقرن بالعمل ولذلك اتبعه بقوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فلا ينفع عندنا من يقول أنا مؤمن بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله ومؤمن باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره لكنه لا يصلي ولا يصوم ولا يحجّ ولا يزكي ولا يقوم بالواجبات ولا ينتهي عن المنكرات لأن الله قال هنا :(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
ولا حظ كيف وصف العمل بأنه لابد أن يكون بالصالحات والعمل لا يكون عندنا صالحا حتى يتوفر فيه شرطان:
الأول: الإخلاص لله بأن لا يريد العبد به إلا الله سبحانه وتعالى.
الثاني: أن يكون على وِفقِ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالم يتوفر هذان الشرطان فإن العمل لا يكون صالحاً وغير مقبول عند الله سبحانه وتعالى.
ثم ثلثَ بعد ذلك بالنفع العام وهو أﻻّ يبقى صلاحك ودينك وإيمانك قاصراً عليك بل لابد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتُوصي إخوانك بالحق وتنصحهم لله كما قال النبي صَل الله عليه وسلم (الدين النصيحة :قلنا لمن يارسول الله قال:لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ينصح ويُوصي بالحق ولاحظ كيف جاء بقوله (وَتَوَاصَوْا) مادة التفاعل تدل على أنك توصيني وأنا أوصيك -من طرفين- أنت تأخذ على يدي وآخذ على يديك ، أكون مرآة لك وتكون مرآة لي.
 (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) والتواصي هنا يجب أن يكون بالحق هو الذي يُنجي من الخسران، أما التواصي في أمور الدنيا فانه ليس شرطاً للتناجي من الخسران هو من مُحسنات الدنيا -أنا أوصيك والله بالجوال من النوع الفلاني، أو أوصيك بالسيارة من النوع الفلاني - هذا ليس من الحق ولا يُلام الإنسان عليه كما أنه لا يكون سبباً لنجاته من عذاب الله عزوجل لابد أن تكون الوصية بالحق.
 ونحن -كما تعلمون- متفقون جميعاً على أننا لو رأينا أحداً مثلاً -يعني في مأزق- رأينا بيته يحترق أو أحد يريد أن يسرق شيئاً من ماله فإننا جميعاً بدافعٍ فطري نقوم لنعينه ونأخذ على يد الظالم ونحرص على أن نكون يد واحدة ضد من يريد أن يعتدي.
 لكننا -مع الأسف- في جوانب الحق المهمة إذا رأينا إنساناً مقصراً في صلاة أو مقصر في بر الوالد، أو في صلة الرحم، أو في أي شأن من شؤون التي أمرنا الله عز وجل بها نجد أنفسنا نتقاصر فلا يُوصي بَعضُنَا بعضا ويقول كل واحد منا لكم دينكم ولي دين لا تتدخل في شؤون الناس وماعليك من الناس . لا، هذا واجب عليك لا يجوز لك بحال أن تتخلى أو تتخلف عنه.
 ثم ختم الله هذه الشروط -شروط النجاة والخسران- بقوله (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) الصبر على ماذا؟
 الصبر على الإيمان، الصبر على العمل الصالح، الصبر على التواصي بالحق، الصبر على ما يُلاقيه الإنسان في سبيل التواصي بالحق لأنه قد يُلاقيه شئ من المكروه ولذلك لقمان لما وصّى ابنه قال : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) وجعل بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصبر على المصيبة لأن الإنسان إذا أمر أو نهى ووصّى بالحق لابد أن يصيبه شئ من المشاكل (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )
ومن الصبر أيضاً الصبر على مُرّ القضاء بأن إذا نزل بالإنسان شئ من القضاء الذي يكرهه فإنه يصبر عليه ولا يتسخط ولا يجزع بل يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى. أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق