الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

مشاهد القيامة في القرآن الكريم -١-

د. رقية المحارب
....وصلى الله على سيد خلق الله وأحب عباده إليه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد..
فإننا -إن شاء الله- نبدأ من هذا الشهر دروس في سلسلة بعنوان مشاهد القيامة في القرآن الكريم . وستبدأ هذه الدروس أول جمعة من كل شهر بعد صلاة المغرب ويُنقل الدرس على موقعي على الإنترنت http://www.dr-roqaia.com/ وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها وأن يرزقنا وإياكم جميعا قلوبا واعية وبصيرة مستقيمة وناصية رشيدة وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى وأن ينفعنا بما علّمنا. اللهم آمين.
هذه الدروس -أخواتي الكريمات- ليست درسا علميا بقدر ماهي دروس تذكيرية لإيقاظ القلوب فإننا أحوج ما نكون في هذا الزمان ليقظة قلوبنا ولذلك فإننا سنحاول أن نُلقي الضوء على هذه المسائل ونتلمس آيات الله -جل وعلا- الواعظة في تلك المشاهد وأن نقفها موقف المُتصور الذي يقرؤها كأنه يعيشها ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفتح على قلوبنا وأن يُلهمنا رُشدنا ليكون تصورنا وِفق ما أراد الله سبحانه وقضى وعلى ما أنزل به كتابه -جل وعلا- موعظة لنا وذِكرى للمؤمنين.
أخواتي الكريمات: حديثنا في هذه الدروس سيكون عن الآخرة ومشاهدها من أول مشاهدها إلى آخر مشاهدها ونسأل الله العون والتوفيق والرشاد والسداد.
لماذا الحديث عن الآخرة؟ 
الآخرة حلقة في سلسلة النشأة فإن الله -سبحانه وتعالى- أنشأ عباده بل أنشأ الكون وخلقه وقدّره فجعل له أول وجعل له آخِر، والآخرة سلسلة أو حلقة في هذه السلسلة -أقصد سلسلة النشأة- وهي صفحة من صفحات الوجود الكثيرة التي منها ما نُدركه ومنها مالا نُدرِكه فإن الله كان ولم يكن قبله شيء وهو الأول والآخِر والظاهر والباطن وما عِلمُنا في هذه الحياة الدنيا إلا كما يأخذ العصفور من البحر حين يضع مِنقاره ثم يرفعه، وما هو إلا كمِخيَط وُضِع في اليمّ ثم رُفِع فبماذا يرجع المِخيط من اليمّ؟! هذا هو مبلغ عِلمنا إلى علم الله -جل وعلا- .
ولماذا الحديث عن الآخرة؟
لأن العِلم بها يُنشئ في القلب تصور، هذا التصور يُغير معالم الطريق ويُغير الفِكر ويجعل الناس تُنشئ قِيما لا كقيم البهيمية والحيوان ولكن كقيم البشر الذين خلقهم الله -سبحانه وتعالى- لعبادته وأرادهم ليخلِفوا في الأرض، الذين يُدركون الآخرة ويعرفونها ويُدركون حكمة النشأة هم الذين يسيرون على الطريق المستقيم ويصلون إلى النجاة ويفوزون في الدار الآخرة، والذين لا يُدركون حكمة النشأة ولا يُدركون ناموس الوجود يغفلون عن الآخرة ولا يُقدرونها قدرها ولا يحسبون حسابها ولا يعرفون أنها نقطة في خط المسير أو حلقة من حلقات هذا الكون.
الغفلة عن الآخرة -أخواتي الكريمات- تجعل كل مقاييس الغافلين تختلّ وتؤرجح في أكُفهم مقاييس القِيم فهم بهذا لا يملكون تصورات للحياة كما أرادها الله -سبحانه وتعالى- ولذلك فهم يعيشون على هامش الحياة. ولذلك لما وصف الله  -سبحانه وتعالى- الكافرين ما وصفهم بأنهم لا يفهمون ولا يفقهون ولكنه وصفهم بأنهم عن الآخرة هم غافلون وكان هذا هو السِّر في وصفهم التالي بأنهم لا يفقهون ولا يفهمون، هم حقيقة يفقهون الدنيا ويفهمونها ويعرفونها، يعرفون نواميسها وأسبابها ونحن نرى منهم أمثلة قد بلغت في الدنيا شأوا  عظيما فكثير من -مثلا- اليابانيين والغرب وكثير من الصينيين ومن الروس ومن غيرهم من العالم مِمن نراهم بعضهم وصل إلى القمر وبعضهم اخترع اختراعات دقيقة تدل على أن عنده قدر من الذكاء وعنده قدر من العلم لكنه مع ذلك العلم ومع ذلك الذكاء يغفل عن الآخرة فلما غفِل عن الآخرة غفل عن الاستعداد لها، َولما غفل عن الاستعداد لها عاش عيشة البهيمة يركض لدنياه ،طيب إذا انتهت دنياه هل يكون ترابا؟ يتمنى هو أن يكون ترابا لكنه لا يكون ترابا إنما جسده هو الذي يكون ترابا أما رُوحه فإنها لا تكون ترابا تبقى وتتعذب كما سنرى من خلال دروس هذه السلسلة.
إذا علمهم بالدنيا علم سطحي ناقص لماذا؟
لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يُغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض. ولذلك فالحديث عن القيامة وعن الآخرة جاء في القرآن في سور كثيرة جدا، تعرفون القيامة ذُكرت في القرآن في كم سورة؟ توقعوا
 ٥٥ ..١٥ .. ٤٦..، ذُكرت القيامة في القرآن الكريم في ست وسبعين سورة ، ست وسبعون سورة من سور القرآن ذُكرت فيها القيامة والدار الآخرة ، يعني أكثر من النصف، لماذا؟ لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يُغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض وعليها فإذا علِم أن الأرض هي مقر لرحلة بل رحلة قصيرة من رحلة طويلة، لو أن لك مشهد -مثلا- مشهد فيلم عشر ساعات وهناك مقطع ثانية كيف ترين هذا المقطع من هذا المشهد؟ قصير، حياتك في الدنيا أقل من ثانية في عشر ساعات ثقي ثقة تامة بهذا ومع ذلك كم تعيشين لحياتك؟! كم تعيشين لدُنياك؟! تعيشين كثيرا، أنا لا أطلب تعيشين بجسدك وإنما حتى تعيشين بقلبك .. بفكرك، كم تُصلين من ساعة .. بل كم تُصلين من دقيقة؟ خمس عشرة دقيقة؟ كم تعقلين من دقائق صلاتك؟ الذي تعقلينه من دقائق صلاتك هو الذي تعيشينه في الحقيقة وإذا عقلتي شيئا من دعائك فهو الذي تعيشينه. حينما تضعين جبينك على الأرض أحيانا تضعينه وترفعينه ما انتهيتي أو ما انتبهتي وما فطنتي وأحيانا تضعينه على الأرض وتُزال الحُجُب فحينئذ تشعرين بأنك فطنتي للحياة.. تذوقتي معنى العبادة.. تذوقتي معنى الصلاة من أجل هذا الاستيقاظ اللحظي وحينها تنطلق من قلبكِ دعوات صادقات يقشعر لها البدن، تلك اللحظة يستجيب الله دعوة تدعين بها، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا من فضله .
  إذا هكذا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى دنياه وأن ينظر إلى أُخراه فيُعطيها كما أعطاها القرآن من سوره ستة وسبعين سورة فكذلك أعطِ الآخرة ثُلُثي حياتك .. ثُلُثي فكرك .. ثُلُثي عملك .. ثُلُثي دعاءك .. ثُلُثي جهدك وحينئذ ستجدين خيرا كثيرا ولا تكوني كالذين قال الله -سبحانه وتعالى- عنهم (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:7] ومن يفعل ذلك فإنه في الحقيقة لا يلتقي مع أهل الإيمان في فِكرهم ولا في أهدافهم، من يغفل عن الآخرة لا يلتقي مع أهل الإيمان في فِكرهم ولا في تصوراتهم ولا في أعمالهم.
 يقول الحسن البصري: "هيهات .. هيهات أهلك الناس الأماني قول بلا عمل ومعرفة بغير صبر وإيمان بلا يقين، مالي أرى رجالا ولا أرى عقولا، وأسمع حسيسا ولا أرى أنيسا، دخل القوم والله ثم خرجوا، وعرفوا ثم أنكروا، وحرَّموا ثم استحلُّوا، إنما دين أحدكم لعقة على لسانه إذا سئل أمؤمن أنت بيوم الحساب قال نعم، كذب ومالِك يوم الدين "
ماذا يقصد؟ يقصد إذا قيل له أنت مؤمن بيوم الحساب قال نعم ثم هو يكذب ويُرابي ويسرِق ويغِش ويقطع ويعِقّ وينتصر لنفسه وينسى أن وراءه حساب ويقول أنا مؤمن بيوم الحساب، يقول "كذب ومالك يوم الدين" يعني لو أنه آمن لظهر إيمانه عليه، حقا لا يجتمع في قلب واحد الخوف من الآخرة والحياء من الله مع الإعراض عن الاحتكام إلى الله وتحكيمه في كل شأن من شؤون الحياة.
 وكلما كان العبد على هذا الحال -حال الغفلة عن الآخرة- كلما كان أيضا أبعد عن تحكيم الله في شؤون حياته، والعكس كلما كان ذاكرا للآخرة كان مُحكِّما لله -سبحانه وتعالى- في شؤون حياته.
والمقصود بذلك: السعي واليقين  والإيمان والصدق مع الله -سبحانه وتعالى- وأن يكون ذلك هو الغالب على قلبه. صحيح قد يتخلله هوى وقد تأتيه غفلة وهذا من حال ابن آدم والله -جل وعلا- قد جعل العباد على هذا الحال كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (والذي نفسي بيده لو لم تُخطئوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يُخطئون فيستغفرون فيغفر الله لهم) ليست القضية أنه لا يُخطئ أو أنه لا يغفل بعض الشيء ولكن القصد أن يُلازمه هذا الإحساس وأن يتعاهد هذا الإحساس دائما.
قال الإمام علي -رضي الله عنه-: "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصُدّ عن الحق وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة ألا وإن الدنيا ارتحلت مُدبرة وارتحلت الآخرة مُقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل". ولذلك كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يحُثّ على اغتنام الأوقات والأعمار والصحة فجاءت أحاديث كثيرة منها:
/ قوله -صلى الله عليه وسلم- (بادروا بالأعمال فِتنا كقطعِ الليل المظلم يُصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا ، ويُمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا)
/ وجاء أيضا في الحديث (بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها أو الدُخان أو الدجال أو الدابة أو خاصّة أحدكم أو أمر العامة) الذي هو قيام القيامة .
/ وفي حديث آخر (بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا مُنسيا أو غنى مُطغيا أو مرضا مُفسدا أو هرما مُفنِّدا أو موتا مُجهزا -يعني مُفاجئا- أو الدجال فشرُّ غائب يُنتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمرّ) وهذه أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالغفلة عن الدار الآخرة رأس البلايا فكيف بالتكذيب بها والله -جل وعلا- لذلك قال (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) إلى متى؟ (حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ) حتى رأينا الموت ما يكون لهم يقين إلا بالموت حينما يرونه وحينما يرونه (لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) لذلك فالخُسران كل الخسران أن يغفل الإنسان عن اليوم الآخِر وعن القيامة.
  وقد ذكر العلماء أن الذي يصرفه عن اليوم الآخر شيئان هما: طول الأمل والغفلة.
أما طول الأمل فله سببان: يذكر الغزالي -رحمه الله- سببي طول الأمل فيقول:
"أحدهما الجهل والآخر حب الدنيا، أما حب الدنيا فهو أنه إذا أنِس بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها ثقُل على قلبه مُفارقتها فامتنع قلبه من الفِكر في الموت الذي هو سبب مُفارقتها وكُل من كرِه شيئا دفعه عن نفسه".
ولذلك إذا كرهه لا يحب أن يُفكر فيه يقول لا تذكرونا بالموت ولا تتحدثوا عن الموت لماذا؟ لأنه يشعر أن ذِكره يقطع عليه لذته والإنسان مشغول بالأماني، أي أماني؟ الأماني الباطلة وهي أنه يخلُد في الدنيا، من أُمنياته أنه يخلُد في الدنيا ولذلك تفكّري في حال كثير من الناس بل في حالك .. في حالنا -أنا أتكلم عن نفسي- كم عندنا من الأموال والملابس والعُدد .. وكذا، يعني نشتغل على أننا سنعيش مئة سنة صحيح؟ صحيح. فيعيش الإنسان دائما بهذا الهاجس أنه يعيش دائما .. دائما، لا يُفكر أبدا أن الموت يقطع بينه وبين الأماني. فالإنسان إذا مشغول بالأماني الباطلة فيُمنِّي نفسه أبدا بما يوافق مُراده.
 ولذلك -أخواتي الكريمات- شيئ عجيب جدا نراه أنه كلما كبُر الإنسان لا تنقطع أمانيه بل تزيد. ترين كثير -من التُجار مثلا- أحيانا يبلغ عمره ثمانين سنة ومع ذلك تجدينه يُسافر في تجارته ويُخطط لها...الخ. مرة سمعت واحدا يقول -عمره يمكن في السبعين- يقول اشتري أراضي يقول هذه بعد عشرين سنة سيرتفع ثمنها. الله المستعان يمكن لو قيل له أعطها أولادك الآن لقال لا، فيا عجبا للإنسان كيف يطول به أمله!!
يقول الإمام الغزالي: "وإنما يوافق مراده البقاء في الدنيا فلا يزال يتوهمه ويُقدّره في نفسه ويُقدّر توابع البقاء وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار وأصدقاء ودواب وسائر أسباب الدنيا"
ولا تعتقدي أن هذا حال الإنسان الكافر بل أحيانا يكون حتى من حال أهل الصلاح لأن هذا مِما يُلازم العبد كبشر لأن البشر دائما يركنون إلى الدنيا. سويد بن غفلة أحد المُخضرمين -المُخضرم الذي عاش في الإسلام والجاهلية لكنه لم يُدرِك النبي صلى الله عليه وسلم - أدرك عصره لكنه لم يؤمن به في حياته -صلى الله عليه وسلم- فسويد بن غَفَلَة من المُخضرمين كان رجلا صالحا، يذكرون عنه أنه تزوج ابنة خمسة عشر عاما وهو ابن مئة وست وعشرون سنة. سبحان الله الإنسان لا يزال لديه رغبة في الدنيا وفي متعة الدنيا وهكذا، مع كِبر سِنه وإذا كان ذلك ربما طبعا له مبررات لذلك لا إشكال لكن القضية أن الإنسان لا يُعرض عن الدنيا، يبقى مُحبا لها .. يبقى راغبا فيها.. يبقى مُتعلقا بها ولذلك حينما يظهر تعلُّق من أحد أصفياء الله بالدنيا يمتحنه الله فيما تعلّق به :
/ فإبراهيم -عليه السلام- لما رُزِق الولد بعد سنين من العُقم ابتلاه الله في ولده فأُمِر بذبحه، وابتلاه الله أيضا في طفولة هذا الولد فأُمِر بإبعاده. أول شيء أُمِر بإبعاده وجعله في وادٍ غير ذي زرع ثم لما بلغ معه السعي أُمِر بذبحه، فالبلاء تكرر على إبراهيم عِدة مرات.
/ سليمان -كما تعلمون- كان يحب الخيل وتمرّ الخيل من أمامه وينظر إليها فتفوته الصلاة فيُمتحن فيها فيُظهر لله -جل وعلا- براءته من هواه ومن حِبّهِ فيأمر بها فتُقطع الأعناق ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) [ص:٣٣] حتى يُقال أنه طفق مسحا بنفسه هو وليس غيره حتى يكون ذلك أكثر ردعا لنفسه ولهواه. يعني سهل أن يقول الإنسان خذوا هذا كبوه وإلا كذا لكن كونه هو الذي يُباشر هذا صعب عليه، وفي أجمل ما يفتِن في الخيل الأعناق والسُوق -بالنسبة لمُحبي الخيل- ( فَطَفِقَ مَسْحًا) طفِق: يعنى واحدا تلو الآخر. فلما كان ذلك كافأه الله -سبحانه وتعالى- وأعطاه من المُلك مالا ينبغي لأحد من بعده، هذه مُكافأته في الدنيا فما بالك بمكافأة الآخرة. فالله -سبحانه وتعالى- يبتلي عبده إذا أحبه.
إذا فسبب طول الأمل الأول: حب الدنيا، وأصل الأماني كلها حب الدنيا والأُنس بها.
  أما الجهل الذي هو السبب الثاني من أسباب طول الأمل قال الغزالي: "أما الجهل فهو أن الإنسان قد يعود على شبابه فيستبعد قُرب الموت مع الشباب"
الشباب يقول لازلت شابا وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلاده لو عُدّوا لكانوا أقلّ من عُشر رجال البلد فأين ذهبوا؟ لماذا لم يصِلُوا إلى الشيب؟ أين ذهب تسعون بالمئة من الناس؟ ماتوا وهم شباب، ماتوا في مراحل عُمُر..، يعني لو عددتي الشيبان الآن بالنسبة للشباب لوجدتي أن الشيبان عددهم لا يتجاوز العشرة بالمئة من الشباب من الذين أعمارهم خمسة عشر وعشرون وثلاثون ففيه ناس في العشرينات وناس في الثلاثينات وناس في الأربعينات، يا مسكين هل تصل للستين؟ ربما تصل وربما لا تصل، ربما تصلِين وربما لا تصلِين لذلك (أعذر الله إلى رجل أبلغه ستين عاما لم يتب) يعني قلّ من يصِل (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وقليل من يجوز ذلك) إذا ليس يتفكّر المسكين أن مشائخ بلده لو عُدُّوا لكانوا أقلّ من عُشر رجال البلد وإنما قلّوا لأن الموت في الشباب أكثر "فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي" يقول الشيخ الغزالي يقول إلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب.
وقد يستبعد الموت لصحته، وقد يستبعد الموت فجأة ولا يدري أن ذلك غير بعيد
قل للطبيب تخطفته يد الردى ** من ذا يا طبيب أرداك
حتى الطبيب يُتخطف
 كم من صحيح مات من غير عِلة ** وكم من سقيم عاش حينا من الدهرِ
فليس هو لطبيب ولا هو لصحيح ولا هو لقوي ولا هو...الخ، الموت إذا جاء جاء فجأة، ولو أنتم بحثم فقط في اليوتيوب فقط عن الموت فجأة ستجدون واحدا يموت في الملعب .. وواحد يموت في حلبة المباراة وإلا حلبة المصارعة -مصارعة يعني رجل قوي- يموت فجأة، واحد يموت وهو يُذيع .. وواحد يموت وهو يُغني .. وواحد يموت وهو ساجد، واحد يموت وهو يطوف، فالله -سبحانه وتعالى- يُرسل الموت متى شاء وما ذلك عن كلٍ ببعيد.
لي خالة -خالة والدي رحمه الله- عاشت ثلاثين سنة في فراش المرض.. فسبحان الله.
جدتي -رحمها الله- ماتت ابنتها ومات ابن ابنتها وهي حية .. سبحان الله. فلا يدري الإنسان متى يفجؤه الأجل.
  إذا فعلاج ذلك: يقول الإمام الغزالي "لو تفكّر هذا الغافل وعلِم أن الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشيب وكُهولة لكن الجهل بهذه الأمور وحُبّ الدنيا دعَوَاهُ إلى طول الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب فهو أبدا يظن أن الموت يكون بين يديه ولا يُقدِّر نزوله به ووقوعه فيه" هو يعرف أن الموت قريب وأن الموت سيأتي لكنه لا يُقدِّر ذلك، متى يُقدِّره؟ يُقدِّره إذا راءه ينزل ببعض أحبابه من القريبين إليه فيرى ذلك كأنه بين يديه ولذلك أكثر الذين يتوبون يتوبون إذا مات لهم قريب.
  تعالي ننظر .. نتكلم الآن عن هذا المشهد في الحقيقة .. تعالي ننظر إلى هذا المشهد في القرآن الكريم ..كيف ذكره القرآن..كيف صوّره القرآن. كيف ذكر القرآن الموت؟
سنأخذ مثالا لذِكر الموت في ثلاث سور: سورة القيامة وسورة ق وسورة الواقعة.
/ يقول الله -جل وعلا- استمعي إلى وصف مشهد أول درجة من درجات القيامة في القرآن الكريم يقول الله -جل وعلا- في سورة (ق) (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ*إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ*وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) فانظري إلى وصف القرآن لهذه الحالة قال الله -جل وعلا- (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الله -جل وعلا- إذا أراد أن يأخذ إنسان فهو أقرب إليه من حبل الوريد، لا تتوقعي أن الموت بعيد عنك، أقرب إليك من حبل الوريد فهو أقرب إليكِ من ذلك، الله -جل وعلا- ، قال الله واصفا (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) وهنا في التفسير قيل: إنهم -المُتلقيان- أنهم الملائكة يكونون حوله عن يمينه وعن شماله، وقيل: بل هم أقرابُه وأهله إذا قرُب منه الموت جاؤا حتى يُطيفوا به ويصطفوا عنده لكنهم لا يملِكون درءا ولا ردا للمَلَك إذا أراد قبض روحه أو من كُلِّف بقبض روحه إذا أراد قبض روحه فلا يملِكون ردا، لا يستطيعون ردها، فالله -جل وعلا- (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) قالوا -في التفسير- : إنه لو همهم همهمة اقتربوا منه وقالوا ايش؟ يمكن يوصي ولذلك هم مركزون مع الميّت تركيز تام قلوبهم كلها معه لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا له شيئا. ثم يصِف الله -سبحانه وتعالى- يقول (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وسمّاها سكرة لأن الإنسان يصبح مثل السكران يغيب عن الوعي لايدري عن الناس الذين حوله ويعيش عالم آخر تماما، حيّ لكنه ليس مع الناس، روحه لا تزال مُترددة في جسده لكنه ليس مع الناس ولذلك يقول الله  -سبحانه وتعالى- (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)  كم كنت تحيد عن هذا الموقف..كم كنت تهرب منه؟! حقا الإنسان يهرب من الموت بل ليس الإنسان فحسب حتى الحشرات تهرب من الموت الآن لو حشرة -ذباب- لو تأتين تضربينه هرب فهذه فطرة فطر الله -سبحانه وتعالى- الكائنات عليها ليس فقط الحيوانات حتى الأشجار لو علِمت أنها تموت وهي قائمة بفقدانها للشمس مالت نحو الشمس لتُحصِّل حياتها، فهكذا الله -سبحانه وتعالى- جعل هذه الكائنات كلها تسعى إلى الحياة وتكره الموت وتُفارقه. هذا واحد.
الثاني: يصف الله -سبحانه وتعالى- الموت في سورة القيامة يقول الله -سبحانه وتعالى- (كَلاَّ) يعني يؤكد الله -سبحانه وتعالى- لعباده (كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ*وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) إذا بلغت الروح الترقوة ، غرغر الإنسان صاروا الناس حتى مع أنهم كانوا يائسين من الأول لكن يرون الموت ويرون الكرب فيقولون هاتوا الطبيب .. أحضروا أحدا يرقيه واللي يقرأ واللي ينفث ويجتمعون عليه (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال "وقيل" ما قال وقال أهله لأن كل من حوله يبحث عن نجاته، (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) أما هو ففي عالم آخر.. تُحضرون راقي أو ما تُحضرون خلاص أنا شايف..أنا داري، يدري، الميّت إذا جاءه ملَكُ الموت يعرف أن هذا ملَك الموت لأنه يرى ملَك الموت يأتيه بحنوط من الجنة إن كان من أهل الجنة أو من النار إن كان من أهل النار -مسوح- كما سنذكر ذلك في الأحاديث لكننا أردنا تصور القرآن أولا.
ثم يُصوِّر -سبحانه وتعالى- الجسد في تصوير دقيق مُبهِر يقول الله -جل وعلا- (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يبدأ الواحد حينما يأتيه النزع يلف ساقه على الساق الأخرى من شدة ماهو يشعر بالنزع فتتمسك الروح بالجسد فيلتف الساق بالساق فيقول الله -جل وعلا- (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ*إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) المساق إلى الله سبحانه وتعالى.
 وفي سورة الواقعة يقول الله -سبحانه وتعالى- (فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ*تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هذه متى؟ بعد التصوّر الذي صوّرناه قبل ذلك اللي هي بلغت التراقي (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)
هنا في سورة الواقعة يقول الله -سبحانه وتعالى- (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ*فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ*تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فهنا تصوّر آخر يقول الله -سبحانه وتعالى- أنك لو أتيت بالراقي وحتى لو أردت أن تُنقذه وحتى لو سعيت بكل سعي فإنك لا تستطيع أن ترُدّ هذه النفس أو هذه الروح إذا أراد الله نزعها.
التصوير هنا سورة الواقعة بليغ ولذلك الله -جل وعلا- حينما أراد أن يُقنع الكافرين بأحقية هذا الدِّين وأنه صحيح قال (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ*تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هذا تحدي عظيم..بالغ لكل الكافرين، تعالوا الذين تتحدون الله -سبحانه وتعالى- وتُعرضون عن دينه وعن كتابه وعن عبادته وتستأنفون من عبادته وتنفرون من أحكامه لو جاءكم الموت ارجعوا هذا الموت، قفوا في وجه الموت وامنعوه أن يتخطف منكم من تحبون، إنكم لا تستطيعون.
 فهذا المشهد الذي يُصوِّره الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم كذلك يصوِّره النبي -صلى الله عليه وسلم- فيذكر الله -جل وعلا- في كتابه الكريم الموت بهذه الصورة الدقيقة الظاهرة لكن الناس عنه غافلون..ساجرون..معرضون ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) يتحداهم الله -سبحانه وتعالى- ويهددهم ويقول لهم (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)) يزيد في التوكيد عُمقا ورهبة وتلويحا بما وراء ذلك من أمر ثقيل لا يتبينونه ولا يعرفون حقيقته لماذا؟ لأنهم في سكرة..في غمرة..في غفلة، السكرة والغمرة والغفلة وصفها القرآن وصف أحوال هؤلاء بأنهم في مثل هذا الحال ولذلك اختلطت عليهم الدنيا ولم يروا إلا هي .
أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه قد حثّ على هذا التصوّر في حين أن أهل الأمل الطويل وأهل الغفلة لا يريدون أن يُوقظوا ولا يريدون أن يعلموا، لا يريدون أن يُوقظوا ولا يريدون أن يعلموا فهم يميلون للجهل ويميلون إلى الغفلة ويُحبون من يُغفّلهم ويُحبون من يُجهّلُهم أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يقول لأصحابه (أكثروا من ذِكر هادم اللذات) [حديث صحيح]، ولما سأل أبو ذرٍ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله ما كانت صُحُف موسى عليه السلام؟ قال: (كانت عِبراً كلها منها "عجبتُ لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلُبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعلم") هكذا يأتي الأنبياء جميعا بإيضاح هذه الحقيقة.
وفي حديث سهل بن سعد قال: مات رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُثنون عليه ويذكرون من عبادته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساكت، فلما سكتوا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل كان يُكثِر ذِكر الموت؟ قالوا: لا، قال: فهل كان يدعُ كثيرا مما يشتهي؟ قالوا: لا، قال: ما بلغ صاحبكم كثيرا مما تذهبون إليه) [رواه الطبراني بإسناد حسن] .
وهذه المرحلة -مرحلة الموت- يُوقِظ لها أمور يعني الغافل يُوقظه لهذه المرحلة أمور منها:
/ تلاوة الآيات ورؤية هذا المشهد في القرآن الكريم لكن ليس بأي قلب وإنما بقلب حاضر، أحيانا لا يحضر القلب من أول وهلة تقرئين الآية ولا يحضر القلب فماذا تفعلين؟ أعيدي الآية مرة أخرى، لا يحضُر، أعيدي ثانية، ما يحضر أعيدي ثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة حتى يحضُر قلبك.
س: حتى في الصلاة؟
حتى في الصلاة. أليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام ليلة كاملة يردد (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:١١٨] قام يُرددها، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استفتح آيات من سورة فبكى وله نشيج وظل يُرددها..يرددها حتى عاده أهله وأصحابه من المرض. إذا لابد من أن يحضر القلب عند قراءة الآية.
/ الثاني: مجالسة من يتحدثون عن الآخرة فإن مُجالستهم تُحضِر القلب وتُحرِّض على الذِكر كمجالس الذِكر.
/ الثالث: التأمل في حال من افتقد أهله والتأمل في حال من كان معكِ في سنكِ لكنكِ ودعتيه. تخيلي فلانة يا ترى كيف حالها الآن!! ودعتنا قبل سنة لو نظرنا إلى القبر كيف يمكن أن يكون!! أين الأجساد؟! أين الوجوه؟! أين الثياب وأين الأموال وأين الأولاد وأين ... وأين...الخ، تفكري، وأنتِ تُصلين الجنازة، اليوم صلينا على جنازة بعد صلاة المغرب هل تخيلتي لو كنتِ أنتِ الذي يُصلى عليه كيف سيكون حالك؟ لو كنتِ أنتِ مُودعَة كيف سيكون حالك؟ ما علاقتك بهذه الدنيا؟ علاقة (......) تماما. إذا هذا كُله يُعيدكِ إلى الفكرة.
/ أيضا زيارة القبور -للرجال وليس للنساء- فإن في زيارتها تذكُّر قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (زوروا القبور فإنها تُذكِر بالآخرة) .
/ ومن المُذكرات أيضا قراءة السِيَر -سير الماضين- فأخذ العِبر من سِيَر من غبر.
أذكر مرة من المرات فتحت كتاب تهذيب الكمال للمِزيّ وكانت الصفحة فيها ستة وثلاثون سطرا ونظرت وأنا أتأمل فيها وأقول: يا الله كم فيها من اسم رجل من الرجال!! وجدت أن أسماء هؤلاء الرجال يربو على مئتين شخص في هذه الصفحة، وتفكّرت أن كل واحد منهم له زوجة وأموال وأولاد وله حال، قلت هؤلاء وهم أهل الحديث فما بالك بأهل التجارات والملوك والرؤساء وأولادهم كم كان لهم من الأموال والتركات و...و...الخ. من الذي يُحصي ذلك، جلست أتأمل وأتفكّر.
فحقيقة ذلك كُله يُرقق القلب ولذا جاء في كثير من الأحاديث التذكرة وقت الجنائز -مثلا- ففي حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بلّ الثرى ثم قال: يا إخواني لمِثل هذا فأعِدوا) [رواه ابن ماجه بإسناد حسن] 
وفي حديث معاذ -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال -اسمعي هذه الوصية العظيمة الجليلة خذي بها- قال: أوصني قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (اعبد الله كأنك تراه واعدُد نفسك في الموتى واذكِر الله عند كُل حِجرٍ وعند كل شجر وإذا عمِلت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السِّرُ بالسِّر والعلانيةُ بالعلانية) [رواه الطبراني بإسناد جيد] .
يقول الإمام الغزالي: "اعلم أن المُنهمِك في الدنيا المُكِبّ على غرورها المُحِب لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذِكر الموت فلا يذكره، وإذا ذُكِّر به كرهه ونفر منه أولئك هم الذين قال الله فيهم (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة:٨]"
يقول: "ثم إن الناس إما مُنهمِكٌ وإما تائب مبتدئ أو عارف منتهٍ، أما المُنهمِك فلا يذكُر الموت وإن ذكره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته وهذا يزيده ذِكر الموت من الله بُعدا، وأما التائب فإنه يُكثِر من ذِكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خيفةً من أن الله يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزان وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله -صلى الله عليه وسلم- (من كره لقاء الله كره الله لقاءه) فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء الله وإنما يخاف الموت مخافة فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره وعلامة هذا" تعرفين أنك تكرهين الموت من أجل تقصير وخوفا من أن تلقي الله وأنتِ لم تعملي العمل الذي ترغبين أم ما تريدين أحد يُذكرك ليقطع عليكِ شهوتك انظري لِم تكرهين الموت.
 قال : "علامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له لا شُغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا "
 لذلك في حديث عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قالت: قلت يا نبي الله أكراهية الموت؟ -يعني كلنا نكره- فكلنا يكره الموت، قال: ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحبّ لقاء الله فأحبّ الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسخطِه كرِه لقاء الله وكرِه الله لقاءه) .
عرفنا الآن الموت وشاهده في الكتاب والسنة هل ينبغي للإنسان أن يتمنى الموت؟
 لا، لا يتمنى الموت . عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان ولابد فاعل فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) وأيضا لعله يزداد خيرا ويزداد بِرا ويزداد إحسانا، في حديث أم الفضل -رضي الله عنها- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت فقال يا عباس لا تتمنى الموت إن كنت مُحسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك وإن كنت مسيئا فأن تؤخر تستعتِب من إساءتك خير لك) لا تتمنى الموت، فلا يتمنى الإنسان الموت. وقد وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الموت بالعِظَم .. الشِّدة قال في حديث جابر (لا تتمنوا الموت فإن هول المطلعِ شديد وإن من السعادة أن يطول عمر المرء ويرزقه الله الإنابة) نسأل الله أن يرزقنا الإنابة.
في حديث آخر (أن رجلا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسُن عمله. قال: أي الناس شر؟ قال: من طال عُمُره وساء عمله).
في حديث عبد الله بن شداد أن نفرا من بني عُذرة ثلاثة أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلموا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- من يكفيهم؟ قال طلحة أنا -يعني يصرف عليهم ويُضيّفهم- قال: فكانوا عند طلحة فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثا فخرج فيه أحدهم فاستُشهد، ثم بعث بعثا فخرج فيه آخر فاستُشهد ثم مات الثالث على فراشه. قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة -يعني في المنام- فرأيت الميّت على فراشه أمامهم -يعني سابقهم إلى الجنة- ورأيت الذي استُشهد أخيرا يليه ورأيت أولهم آخرهم، قال فداخلني من ذلك فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال: وما أنكرت من ذلك؟ ليس أحد أفضل عند الله -عز وجل- من مؤمن يُعمّر في الإسلام بتسبيحه وتكبيره وتهليله) الإنسان إذا عُمِّر في الإسلام ويُسبح ويحمد ويُكبِر فذلك خير له من أن يموت في شبابه ولو كان على عمل صالح.
وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الموت بالشدة وكان يتعوذ بالله من سكرات الموت ويسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُعينه عليها وكان يقول إن للموت لسكرات. وقد ذُكر أن الموت خطير وهائل وعظيم، قالوا إنه لو أصيب الإنسان في عِرق من عُروقه أو عظم من عظامه أو لحمٍ من لحمه فإن ذلك يبلغ منه روحه في جزء من أجزائها فتتألم لأن الذي يتألم هو الروح وليس الجسد وإلا لو فارقت الروح الجسد ما تألم الإنسان، ترين الإنسان إذا مات فلو قُطّع ونُشِر بالمناشير ما تألم .. ما أحسّ بذلك لكن الذي يتألم منه الروح، فإذا كان ذلك يؤلمه في عِرق من عروقه أو عصب من أعصابه أو عضلة من عضلاته أو عظم من عظامه أو لحمٍ من لحمه أو جلدٍ من جلده فكيف لو كان ذلك لروحه كلها وهي تُشدّ وتُنزع بالقوة فكيف يمكن أن يكون ذلك!! لاشك أنه عظيم وخطير وشديد.
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- من شدته يدعو يقول (اللهم هون على محمد سكرات الموت) يقولها مع أنه اختار الرفيق الأعلى .. مع إنه اشتاق إلى لقاء الله -سبحانه وتعالى- فكيف بنا!! كيف بمن ظلم نفسه!! بل كيف بمن كفر بربه!! كيف يكون حاله؟
يقول الله -جل وعلا- واصفا هذا الحال يقول (وَلَوْ تَرَى) لو ترى ماذا؟ (إِذِ الظَّالِمُوْنَ فِيْ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) سمّاها غمرات ليست غمرة واحدة... غمرات تغمُره ... تُغطيه... تُنسيه كل شيء، تُنسيه كل لذة، قال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُوْنَ فِيْ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوْا أَيْدِيْهِمْ أَخْرِجُوْا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُوْنِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُوْلُوْنَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُوْنَ.) [الأنعام:٩٣] فهو مشهد مُرعب ومُفزِع، مشهد كرب والملائكة في غمرات الموت وسكراته وفي نفس الآن الملائكة باسطوا أيديهم، الملائكة بأشكالهم العظيمة الكبيرة مدّ البصر بما هم فيه من حال باسطوا أيديهم يقول أهل التفسير: باسطواإليهم أيديهم  بالعذاب. هؤلاء الظالمون وهم يطلبون أرواحهم للخروج وهم يهربون في كل عِرقٍ وكل خلية هربا وفرقا من تلك الملائكة.
يقول الإمام الغزالي -رحمه الله- :" واعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها حقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إما بالقياس إلى الآلآم التي أدركها وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النّزع على شدة ما هُم فيه، فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه لا يُحِسّ بالألم فإذا كان فيه الروح فالمُدرِك للألم هو الروح فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سار الأثر إلى الروح فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم والمؤلم -يعني الألم- والمؤلم يتفرق على اللحم والدم وسائر الأجزاء فلا يُصيب الروح إلا بعض الألم، والمؤلم يتفرق على الجسد ... على الدم .. اللحم وسائر الأجزاء فلا يُصيب الروح إلا بعض الألم فإن كان في الآلآم ما يُباشر نفس الروح -إذا كان الألم يُباشر الروح ذاتها- ولا يُلاقي غيره فما أعظم ذلك الألم وما أشده" هذا بالنسبة للقياس.
"والنّزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق بجميع أجزائه حتى لم يبقَ جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حلّ به الألم، فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يُلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة وإنما يعظُم أثر الاحتراق -لماذا الاحتراق أشد؟ - لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهرا وباطنا إلا وتصيبه النار فتحُسّه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم . وأما الجراحة -أي العمليات- وأما الجراحة فإنما تُصيب الموضع الذي مسّه الحديد فقط فكان ألم الجُرح دون ألم النار، فألم النزع -نزع الموت- يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائها فإنه المنزُوع المجذُوب من كل عِرق من العروق وعصبٍ من الأعصاب وجزء من الأجزاء ومفصِلٍ من المفاصل ومن أصل كل شعرة وبشرَة، من الفَرْق -أي المِفرق- إلى القدم فلا تسأل عن كربه وألمِه حتى قالوا إن الموت لأشدّ من ضربٍ بالسيف ونشرٍ بالمناشير وقرضٍ بالمقاريض لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح فكيف إذا كان المتناول المباشِر نفس الروح، وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه ولسانه وإنما انقطع صوت الميّت وصياحه مع شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه وتصاعد على قلبه وبلغ كل موضع منه فهدّ كل قوته وضعّف كل جارحة فلم يترك له قوة الاستغاثة فإن بقيت له قوة سُمِعت له عند نزع الروح وجذبها خوارا وغرغرة من حلقِه وصدره فقد تغير لونه واربَدَّ حتى كأنه ظهر من التراب الذي من أصل فطرته وقد جُذِب منه كُل عِرقٍ على حياله فالألم مُنتشر في داخله وخارجه حتى ترتفع الحدقتان إلى أعالي أجفانه وتتقلص الشفتان ويتقلص اللسان إلى أصله وتخضرُّ أنامله فلا تسل عن بدن يُجذب منه كل عِرقٍ من عروقه ولو كان المجذوب عِرقا واحدا لكان ألمه عظيما فكيف والمجذوب نفس الروح لا من عِرقٍ واحد بل من جميع العروق، ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجيا فتبرُد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخِذاه ولكل عضوٍ سكرة بعد سكرة وكربة بعد كربة حتى يبلغ بها إلى الحلقوم فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ويُغلق دونه باب التوبة وتُحيط به الحسرة والندامة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغِر) [متفق عليه] "
يقول: "فلا تسأل عن طعم ومرارة الموت وكُربِه عند ترادف سكراته فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان عنده قدحٌ من ماء عند الموت فجعل يُدخل يده في الماء ثم يمسح بها وجهه ويقول اللهم هون عليّ سكرات الموت. وقد سئل -صلى الله عليه وسلم- عن الموت وشدته  فقال: (إن أهون الموت بمنزلة حسكةٍ -يعني شوكة- في صوف فهل تخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف) من شدة ما هي تقتلع ما معها".
 وقال شداد بن أوس : "الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن وهو أشدّ من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض وغليٍ في القدور ولو أن الميّت نُشِر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش ولا لذُّوا بنوم ".
فمن كان يعلم أن الموت على هذا الحال فلا يدعَن أن يقول في كل سجدة من سجداته، وفي كل دعوة من دعواته: اللهم هوِّن علينا سكرات الموت. اللهم هوِّن علينا سكرات الموت وارزقنا حُسن الخاتمة وهُون الميتة .. اللهم آمين.
ويكون بعد ذلك، وبعد الموت وكُربِه انتقال الروح وخروجها من الجسد وفي حديث البراء بن عازب الطويل ما أنصح أن يُقرأ وحده، لأني لو أخذت أقرؤه الآن عليكِ أوأذكره يستغرق ذلك ربع الساعة ولذلك أنا أُحيلكم عليه حديث البراء بن عازب وهو عند الإمام أحمد بسند صحيح.
تصعد الروح بعد أن تأخذها الملائكة بحنوط من الجنة إن كان مؤمنا وكفنٍ من الجنة إن كان مؤمنا وملائكة الرحمة مدّ بصره ويتبع البصر الروح فتصعد بها إلى سماء الدنيا فيُستفتح لها فتقول الملائكة من هذه الروح الطيبة ويشمون لها رائحة طيبة فيقولون هذه روح فلان بن فلان بأحسن أسمائه وأحبِها إليه وما يزال ذلك حتى يأتيه أرواح المؤمنين.
 وإذا كان العبد كافرا فيأتيه مَلَك الموت بحنوطٍ من النار ومسُوحٍ من النار وكفن من النار وتكون ملائكة العذاب مدّ بصرِه يرتعب منهم فإذا نُزعت روحه وأخذها مَلَك الموت طاروا بها إلى السماء فإذا وصل إلى السماء استفتح ملَك الموت لروحه يقولون ما هذه الروح الخبيثة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (ووضع شيئا من ثوبٍ على أنفه كأنما يشُمّ تلك الريح) فيقولوا ريح فلان بن فلان بأسوء أو أقبح أسمائه إليه فلا يُفتح لها فتخِرُّ من السماء -يتركونها- فتخِرّ من السماء إلى الأرض كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فاقرؤا ( فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).
وقد جاءت الإشارة إلى القبر وما يكون فيه من عذاب ونعيم في القرآن الكريم منها :
/ قول الله -عز وجل- (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) يعني حتى كنتم في المقابر فرأيتم فيها أول منازل العذاب أو أول منازل النعيم .
/ وأيضا قول الله -جل وعلا- في آل فرعون ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) .
وجاء ذِكر القبر وعذاب القبر في البخاري ومسلم ورواه أهل السُنن كثيرا :
/ (فعن عائشة -رضي الله عنها- أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها أعاذكِ الله من عذاب القبر قالت عائشة: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: نعم عذاب القبر حقٌ قالت فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدُ صلى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر) [رواه البخاري ومسلم] .
/ وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (إن الموتى ليُعذبون في قبورهم حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم) [رواه الطبراني في الكبير بإسنادٍ حسن]
/ وفي حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيبا فذكر فتنة القبر التي يُفتن فيها المرء فلما ذكر ذلك ضجّ المسلمون ضجة -يعني من التأثر والبكاء-. رواه البخاري هكذا وزاد النسائي (حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم) فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله لك ماذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر قوله؟ قال: قد أُوحي إليّ أنكم تُفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال). وهذا مِما يُثبت عذاب القبر وما يكون فيه .
/ في حديث آخر أخرجه الإمام مُسلم عن زيد بن ثابت قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تُلقيه وإذا أقبُرٌ ستة أو خمسة فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبُر؟ قال رجل أنا، قال: فمتى ماتوا؟ قال في الشِرك، فقال: إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوة الله أن يُسمِعكم عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر ، قال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار ، قال: تعوذوا بالله من الفِتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا : نعوذ بالله من الفِتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
/ ووردت أحاديث كثيرة في عذاب القبر منها حديث بن عبد الله بن عباس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على قبرين فقال: أما إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله. قال: فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحد وعلى هذا واحد ثم قال: لعله أن يُخفف عنهما ما لم ييبسا) وفي رواية (لا يستبرئ من البول) أي لا يتطهر منه.
/ وفي حديث أخرجه الجماعة إلا أبا داوود قال (إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشِيّ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يُقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى صحابته أجمعين.                                                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق