السبت، 13 ديسمبر 2014

الدرس (1) من تفسير سورة النور - وقفات في سبب الاختيار/ د.ناصر العمر

د. ناصر العمر




.... هذه السورة -أيها الأخوة- سورة عظيمة جدا (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) مطلع السورة قوي جدا كما سيأتي إن شاء الله.
من أسباب اختيار السورة وكلام الله -سبحانه وتعالى- كله أهل للاختيار ولكن كما أن القرآن نزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل مُنجما على النبي -صلى الله عليه وسلم- حسب الأحوال والوقائع . نعم نحن بالنسبة لنا لا خيار لنا هو أمامنا نعمل بكل القرآن نأخذ القرآن كله لكن اختيار أحيانا سورة دون سورة إنما ربما لمراعاة حال أو مناسبة كما يستشهد العلماء والناس بآية دون آية في مواضع عدة. هذه السورة حتى قال أكثر من واحد من أعضاء اللجنة أننا ربما نكون تأخرنا في اختيار سورة النور. فقلت لا لم نتأخر وهي في وقتها بإذن الله وما سبق كان خيرا.
هذه السورة تُناقش وتُعالج قضايا عدة إن شاء الله في مقدمة الدرس الأسبوع القادم سأقف معكم على أبرز هذه المعاني ابتداء من تزكية قلب المؤمن ولا أعرف سورة ركزت على التزكية مثلها وقريب من ذلك لكن بطولها سورة البقرة تزكية فيها وإن كانت التزكية في آيات كثيرة وفي سور كثيرة لكن ركزت على معاني دقيقة -بإذن الله- نقف عليها. كتزكية قلب المؤمن، على الطيب والخبيث، على المنافقين وأعمال المنافقين، على -أيضا- على ما يتعلق بشؤون الأسرة والحجاب الآن هي معركة كما تعلمون وإخراج المرأة من عِفتها، على قضايا التثبت فيما يتعلق بالشهادة وغيرها في قصة الإفك إذا لم يأتوا بشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون .
السورة عجيبة ولا عجب ومن الوقفات التي أختم بها وإن كان لي وقفة قلت الأسبوع القادم كمدخل إشارة فقط لماذا اخترنا السورة
( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) فنور الله -جل وعلا- في السموات والأرض لماذا إذا بعض القلوب ليس فيها نور مع الله نور السموات والأرض؟ لأن هناك حجاب يحجب عن هذا النور كما أن الشمس في رابعة النهار -ولله المثل الأعلى- (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) وهذا المثل كما تعلمون قالوا: تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي وهذه قاعدة معروفة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سألوه عن رؤية الله -جل وعلا- كيف نرى الله كلنا أهل الجنة؟ قال: هل ترون القمر ليلة البدر؟ قالوا: نعم، قال: هل تُضامون في رؤيته؟ قال: فكذلك.. تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، لا يمكن أن يُشبّه الله -جل وعلا- وهو هنا قال (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) فهو تشبيه للرؤية للنور بالنور -لنور الله جل وعلا- لأنه لا يمكن أن يُشبّه الله -جل وعلا- الشاهد: أن هذا النور من وجد في نفسه قسوة أو ظلما أو بغيا فقد حُجِب عن هذا النور وإلا فالله نور السموات والأرض كما قلت الشمس في رابعة النهار إذا وجدت مكانا ليس فيه نور فقد حُجِب عن الشمس وإلا الشمس موجودة متاحة للجميع إذا كان في صحو ، كما نقول هذا المكان انظروا للإنارة لاحظوا بعض الأماكن ليس فيها إنارة كافية في الزوايا الخلفية لأن هناك حاجز حجب الإنارة فكذلك الإنسان يأخذ من هذا المعنى أن نور الله موجود في السموات والأرض، نور السموات والأرض -سبحان الله- لكن يُحجب الإنسان بسبب نفسه نرجع مرة أُخرى للعبودية التي اختارها الإنسان فيحول هو بين نفسه وبين هذا النور العظيم.
سورة النور -أيها الإخوة- إمتدادا لهذا الكلام وهو -إن شاء الله- قلت لكم مدخل مهم تفاؤل والله مع ما عرضته من قضايا عظيمة من حوادث المنافقين وغير المنافقين وأصحاب الشهوات لما بيّن الله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا) يحبون...يحبون  (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) كلها عرضت مآسي موجودة وهي نور اسمها النور ولذلك يجب أن لا يُفارق النور تفكيرنا وآراءنا وأعمالنا في كل هذا الأمر فهو التفاؤل الذي اشرت إليه وسأظل أُشير إليه لأنه جزء من حياتنا لأنني ألحظ أن البعض يفقد هذا المعنى، معنى النور ومعنى التفاؤل فتسميتها بالنور النور مقابل الظُلمة ، التفاؤل نور، التشاؤوم ... اليأس ... القنوط ظُلمة، كيف نحوّل هذا الأمر إلى واقِع وليس مجرد تنظير، ترسمه لنا سورة النور بإذن الله مع وقفات كثيرة لنعيش فعلا في ظلال هذا النور من أول السورة إلى آخرها، مع نور الله -جل وعلا- ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) نسأل الله ألا يحرمنا هذا النور لا في الدنيا ولا في الآخرة وألا يحرمنا رؤيته -جل وعلا- في الآخرة .
نعم أيها الأحبة : هذه السورة تُقيّم حياتنا في الحقيقة ، هذه السورة تدُلنا على الطريق المُستقيم، هذه السورة تُختم بـ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) -نسأل الله السلامة والعافية- وكم أولئك الذيم خالفوا أمر الله (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) حتى بعض العلماء شددوا في هذا المعنى سئلوا ما رأيك فيمن يُحرِم قبل الميقات؟ قال: لا يجوز، لماذ؟ قال:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) مع أن المسألة خلاف والقول الراجح الجواز نصّ العلماء قالوا "أن تُحرِّم من دويرة أهلك" وهذا هو القول الراجح حتى لا يُفهم كلامي خطأ، لكن دقتهم حتى في المسائل الخلافية حرصا على أمر الله ورسوله.
أدع هذا إلى الأسبوع القادم في الحديث عن سورة النور وأسأل الله التوفيق.              

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق