الخميس، 4 ديسمبر 2014

من هدايات سورة الشمس

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري


 سورة الشمس سورة عظيمة أقسم الله عز وجل فيها بأقسام متعددة وأكثر فيها من القسم لبيان حقيقة عظيمة وهي حقيقة أن الفلاح مقرون بتزكية النفوس فقال:
(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)
هذه إحدى عشر قسم يقسمها ربنا سبحانه وتعالى وما يجتمع هذا القسم الكثير إلا لأمر عظيم فماهو يا ترى ذلك الامر العظيم؟
 قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) هذا الفلاح لا يمكن أن يكون بالنّسب، ولا أن يكون بالحظ والصدفة، ولا أن يكون بالغِنى والمال، ولا أن يكون أيضاً بمجرد أن يكون الإنسان في بيئة معينة أومن قبيلة محددة وإنما هو بتزكية هذه النفوس وهو أمر مُتاح لكل أحد وبه يتفاضل الناس، لا يتفاضلون بأنسابهم ولا بأموالهم ولا بأي شيء مِما يكون مِما يستمتعون به في هذه الحياة.
 قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) ماهي التزكية؟
التزكية في أصل اللغة: تدل أو لها معنيان:
 زكّى الشي أي نماه
أو زكّى الشي أي طهّره
 فالتزكية حقيقة مبنية على ركنين عظيمين: تخلية وتحلية، فإذا أردت أن تُزكي نفسك فأنت عليك أن تُخلي هذه النفس من أخلاقها الفاسدة، من ذونبها ومعاصيها، من الشرك بالله عز وجل، من اللهو واللغو وغير ذلك مِما ينبغي أن تُطهّر منه النفس، ثم يجب عليك بعد ذلك أن تُحلِّيها بالعمل الصالح، بالإيمان الصادق الصحيح بهذين الأمرين تتم التزكية وبهما يرتفع الانسان.
 الأصل أن الإنسان هابط وأن الإنسان ينزل في السفول إذ ترك نفسه على هواه ولا يمكن أن يعود الى المحل الذي جاء منه وأُهبط منه وهي الجنة إلا بالتزكية، والتزكية يمكن أن نُشبهها بصعود السُّلم، فصعود السلم شيء شديد على النفس وقوي عليها وهذا يُلاحظه كل واحد منا إذا أراد أن يصعد سُلماً فإنه يجد من حبس النَّفَس الشيء الكثير ومن المشقة في الوصول إلى أعلى السلم الشيء الواضح الذي لا يخفي على أحد وهكذا عندما تُريد أن تصعد إلى الجنة وتصعد إلى رضوان الله عز وجل تحتاج إلى أن تُجاهد نفسك، تُجاهد نفسك بالصوم،  بتلاوة القرآن، بقيام الليل، ببرالوالدين .. بصلة الرحم .. بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. بالجهاد في سبيل الله، .. بإصلاح القلب.
 أيضاً تُجاهد نفسك من جانب آخر وهو التخلية وذلك بتخلية قلبك من الرياء، وتخلية قلبك من الحسد، وتخلية قلبك من الكِبر، تخلية بدنك وشهواتك من كل ما يُغضب الله عزوجل، كشُرب الخمر.. الزنا.. النظر إلى ما لا يحِل النظر إليه، كل هذه الأمور تعتبر تزكية للنفس.
 وبداية التزكية إنما تكون في القلب فإذا زكى القلب سهُل على الإنسان تزكية بدنه، أما إذا زكّى الإنسان بدنه وهو لم يلتفت إلى قلبه -كما يفعله مع الأسف- كثير من الناس فيغفلون عن قلوبهم مع أن جوارحهم تعمل أعمالا من التزكية كالصوم والصلاة ونحوها فإن هؤلاء يتعبون وقد يتعثرون في نصف الطريق. الأصل أن تبدأ بالقلب ثم البدن يأتي تبعا وهذه سنة معروفة قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).
 ثم ذكر في بقيت السورة نموذج لمن لم يزكوا أنفسهم وهم قوم ثمود الذين كانت عندهم نِعم الله، قامت عليهم حجة الله ومع ذلك تركوا أنفسهم على ماهي عليها واتبعوا أنفسهم هواها قال الله (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) لم تكذب لأي سبب إلا لأجل الطغيان (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) وهو الذي قتل الناقة (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ) أي احذرو ناقة الله أن تمسوها بسوء (وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا* وَلَا يَخَافُ) ربنا سبحانه وتعالى (عُقْبَاهَا).
 أسأل الله أن يجعلني وإياكم مِمن زكّى نفسه فأفلح وأنجح. وصلى الله على نبينا محمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق