الأحد، 14 ديسمبر 2014

من هدايات سورة الليل

د.محمد بن عبد العزيز الخضيري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه....
 سورة الليل كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه هي نزلت في السماحة والبُخل ولذلك مدار هذه السورة على البذل في سبيل الله وكف اليد عن الإنفاق فيما يرضي الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل:
 (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
أي عملكم أيها العباد مختلف فمنكم من يسعي للخير ومنكم من يسعى للشر ومنكم من يسعى لمصالح نفسه ومنكم من يسعى لمصالح الناس ومساعيكم وأعمالكم مختلفة ومتفرقة.
 ثم بيّن فريقين من الناس الذين يبذلون لله ويعطون من أجل مرضاة الله وآخرين يمسكون بخلاً وشحا فقال:
 (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)
تأملوا معي إخواني هذه المعاني العظيمة التي وُعد عليها بهذا الوعد الكريم وهو قوله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) فالله يقول (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) أعطى من المال، أُعطى مما أُعطي سواء من المال، أو من الجاه، أو من العلم، أو من الجُهد، أو من الوقت كل ذلك يدخل تحت العطاء فهي جاءت مُطلقة فينبغي أن تبقي على إطلاقها وإن كان المال من أهم ما يدخل وأولى ما يدخل فيها.
قال (وَاتَّقَى) أي واتقى الله سبحانه وتعالى في إعطائه فلم يرد في هذا العطاء إلا وجهه ولم يرد بذلك مدحاً ولا جزاء من أحد من الخلق ولا شكورا ولم يرد بذلك أيضاً أو لم يخلطه بمنٍّ ولا أذى لمن يعطيه، واتقى الله أيضا فيمن يعطي إذا كان من المؤمنين الصادقين أو من طلبة العلم المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل طلب العلم وبذله للناس وتعليمه إياهم فان هذا من التقوى.
 قال (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) صدق بالحسنى قال بعض السلف: أي صدق بلا إله الله
 وقال بعضهم: صدّق بالجنة
 والذي يظهر القول الثالث في هذه الاية وهو أنه صدق بالخَلف من الله لأن الله وعد من أنفق وأعطى بأن يُخلِفه فالله سبحانه وتعالى بيّن في كتابه أنه ما أنفق العبد من نفقة إلا أخلفه الله سبحانه وتعالى خيرا منها.
 قال (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) هذا هو الوعد وهو أن الله ييسر من أعطى واتقى وصدق بالحسنى يسيره لليسرى أي: يُيسر له أموره ويسهل عليه حياته ما يقع في بلاءٍ ولا كربٍ ولا شدة ولا مصيبة إلا رفعها الله عنه ولو وقع لأسرع في الخروج من تلك المصيبة التى حلت به. هذا -يا اخواني- وعد كريم من ربنا سبحانه وتعالى يرغبنا في العطاء والبذل لله جل وعلا.
 وفي المقابل قال (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) أمسك وشحّ بالمال فلم يعطِ ولم يُنفق، كما أنه أيضاً قد يشح بالجاه والوقت والجهد وقد يشِحّ بالعلم وغير ذلك.
 قال (وَاسْتَغْنَى) استغنى عن الله عزوجل، واستغنى عن عباد الله عز وجل، واستغنى أصابه شي من الكِبر بما أُوتي.
 قال (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) أي كذب بالخُلف من الله فلم يرجو من الله عزوجل أن يعوضه عما بذل وعما أنفق.
 قال (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) هذا أيضا وعيد لأولئك الذين بخلوا واستغنوا أن الله يهيؤهم لطريق المشقة ودرب البلاء فالمال يُحيط بهم ويؤذِهم وتنفتح عليهم أبواب الشرور من حيث لا يحتسبون.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم مِمن أعطى واتقى وصدق بالحسنى ويُسرَ لليسرى.
وصلى الله وسلم على محمد عليه الصلاة والسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق