الأربعاء، 25 يونيو 2014

الحلقـ التاسعة عشرـــة/ متاع الحياة الدنيا -١-



الحمد لله وإن كان يقِل مع حق جلاله حمد الحامدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وبعد:
أيها المباركون هذا اللقاء في هذا الدرس المبارك في هذا المسجد المبارك. وعنوان لقاء اليوم (متاع الحياة الدنيا) مضاف ومضاف إليه والدنيا صفة للحياة. والمتاع ورد في القرآن كثيرا مُتصرفا، ذُكر بصيغ اﻷفعال كلها الماضي واﻷمر والمضارع والمصدر أي أن القرآن ثري بلفظ الفعل (متع) وما يتصرف منه.
 وسنُعرِّج -إن شاء الله تعالى- في لقاءين متتابعين تحت هذا العنوان المبارك، ونحاول قدر الإمكان ما استطعنا إلى ذلك سبيلا أن نأخذ وفق ترتيب المصحف. إﻻ أننا نقول في التأصيل العلمي أولا: من حيث الجملة المتاع: اﻻنتفاع المؤقت. وﻻ يُذم المتاع إذا جردناه وﻻ يمدح بدليل أن الله -عز وجل- وصف به أهل الكفر وأهل اﻹيمان فقال -جل وعلا- عن قوم يونس وقد زكاهم ربهم ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ﴾ وقال عن أهل الكفر ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ فعلى هذا في نفسه، بتجرده ﻻ يتعلق به مدح وﻻ ذم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) والمعنى: أن اﻹنسان عقلا المفترض أﻻّ يجد مكانا يطمئن فيه أفضل له من بيته لكن إذا كان اﻹنسان ﻻ يطمئن في بيته فأين سيطمئن؟! لا يعقل أن الناس يفتحون لك أبوابهم، فاﻹنسان مهما غدا وراح في معاشه حتى في عبادته يتقلب في المساجد ويأتيها فمُنقلبه مادام حيا آخر الليل، آخر النهار إلى بيته فإن كان في البيت امرأة صالحة فإن اﻹنسان كل همّ وغمّ ينتابه خارج البيت إنما يذهب عنه أثره إذا عاد إلى بيته لكن إذا كان -عياذا بالله وعافانا الله وإياكم- بيته بالنسبة له غمّ ما أضحت هذه المرأة متاعا حقا. وهذا يجعل حال اﻷزواج -الزوجات- حالهم وشأنهم واﻷمانة المُلقاة عليهم كبيرة جداً يجب أن يفقهوها.
 نعود فنقول المتاع هو اﻻنتفاع المؤقت. والعرب تُسمي ماﻻ يعبأ به وﻻ يتنازع الناس من أجله وﻻ يلتفت أحد إليه تسميه سقط المتاع، وسقط المتاع ﻻ يوجد أحد يلتفت إليه وﻻ تجد إثنان يتنازعان حوله. وقد شاع هذا في أشعار وأدبيات الخوارج. والخوارج سبحان من أضل عقولهم وأنطق ألسنتهم، آتاهم الله قلوبا شجاعة وألسنة فصيحة لكن الله بقدره أضل عقولهم. فقطري بن الفجاءة هو من ساداتهم في الزمن اﻷول يقول:
 أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً ** مِنَ الأَبطالِ وَيحَكَ لَن تُراعي
 فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ ** عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي
 فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً ** فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ
 وَمَن لا يُعتَبَط يَسأَم وَيَهرَم ** وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ
 وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ ** إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ
هو اﻵن يريد أن يخاطب نفسه -روحه- حتى تصمُد في أرض القتال يقول: هب أنكِ لم تأتِ المعركة خوفا من الموت فبقيتي."لم يعتبط" العبيط: الدم إذا سال. "ومن لم يعتبط" يعني فرضنا أنه لم يسِل دمك ولم تموتي ماذا سيحصل؟ ستُعمرين، فإذا عُمرتي مات أقرانك بقيتي لوحدك فلا يعرفك أحد ولا يلتفت إليك أحد وﻻ يحضر مجلسك أحد.
 وَمَن لا يُعتَبَط يَسأَم وَيَهرَم ** وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ
 يعني يبقى وحيدا، مات أقرانه. ثم قال إذا بقيت على هذه الحالة في ركن البيت ﻻ يلتفت إليك أحد أصبحت سقط متاع فأي حياة هذه التي تريدها؟! فاﻷولى -هذه نظرته هو- أن تُبادر للقتال قال:
 وَمَن لا يُعتَبَط يَسأَم وَيَهرَم ** وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ
 وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ ** إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ
 لكن اﻹقدام ﻻبد أن يكون مصحوبا برأي وبصيرة وعقيدة سوية تفقه على أي شيء قادمة وإﻻ أبو جهل وهو حصب جهنم لما ارتقى عبدالله بن مسعود على صدره قال: "لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويع الغنم" فهذا يدل على جبروته وإقدامه لكن إلى أين -عياذا بالله- يسوق نفسه إلى النار. فالمراد ذكر كلمة المتاع كتأصيل علمي لغوي قبل الشروع في اﻵيات التي ورد فيها لفظ المتاع وقلت سنأتي  على درسين متتابعين -إن شاء الله تعالى- في ذكر المتاع.
ستلحظ أن كلمة المتاع تأتي على أحوال عدة فليست كلها في مسلك أدبي أو إيماني تأتي فقهيا، تأتي أدبيا، تأتي تاريخياً،كما سيأتي. قال رب العزة والجلال -جل شأنه- في ذكر أبينا آدم عليه السلام ونزوله من الجنة وأنه أخرج إلى اﻷرض ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين ﴾ انتفاع مؤقت إلى حين كلمة (إلى حين) هنا المقرونة بكلمة متاع تأتي على ضربين يعني تحتمل معنيين متلازمين، يعني لبس بينهما تضاد:
 المعنى اﻷول: عندما نتكلم عن الناس جميعاً، عن الخلق كلهم فكلمة (إلى حين) ماذا تعني؟ تعني أن الحين هو قيام الساعة.
وإن تكلمنا عن كلمة (إلى حين) عن كل فرد بعينه فكلمة (إلى حين) إلى موته. فقال رب العزة ﴿اهْبِطُواْ﴾ من السماء إلى اﻷرض
﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ فيه أشياء متفق عليها العداوة مابين بني آدم والشيطان قد يُدرِج بعض العلماء في كلمة (بعض) هنا قد يدرج الحية معهم ويستأنس بالحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر الحيايا قال (ما سالمنهن منذ أن حاربناهن) وقد كانت العرب في ثقافتها، في أساطيرها تضرب أمثاﻻ كثيرة على الحية ﻷن الحية فيها شيء متأصل من العداوة يقولون في أمثالهم: أظلم من حية. ويضربون لهذا مثلا وإن كان في هذا المثل نصر للحية من وجه آخر لكن ذكره -أظنه- النابغة الذبياني في قصيدة طويلة شهيرة، ﻻ حاجة لكم بالقصيدة لكن أعطيكم الفكرة اﻵن. يقولون: إن العرب تستنطق الحيوانات تأتي بأمثلة عليها حتى تتأدب في حياتها، في طرائقها. يقولون: أن هناك وادٍ تحرسه حية يعني أصبح هذا الوادي كأنه في حمى الحية وهناك أخوان قال أحدهما للآخر -فيما ترويه العرب- نريد أن نرعى، فاتفقا على أن يرعيا فيه فجاءت الحية فنهشت أحدهما فمات، فلما مات أراد اﻵخر أن ينتقم ﻷخيه، فلما أراد أن ينتقم ﻷخيه وأخذ سلاحه ودخل الوادي، وقطعا هو يشعر بالظلم، يشعر بباعث -داع- للانتقام ﻻ يستطيع أن يجبُن، والحية تفقه هذا فأرادت أن تراضيه فقالت له: أعطيك كل يوم دينارا وتتركني، تتنازل عن ثأر أخيك. الرواية -اﻷسطورة- تقول قبِل الرجل، لما قبِل الرجل أصبحت الحية تعطيه كل يوم دينارا وبالنسبة لها كُفّ شره. مضت على هذا أزمنة، الرجل يأخذ كل يوم دينارا أصبح ذا مال، لما أصبح ذا مال قال ما أريده أنا من المال وجدته سأعود إلى قتل الحية فأصبح ظفرت باﻷمرين، ظفرت بالمال وقتلت الحية، انتقمت ﻷخي -أخذت بثأري- فأخذ فأسه وحدّ غُرابها -العرب تسمي رأس الفأس غُراب- فحدّ غُرابه وذهب يبحث عن الحية فلما ضربها ضربها لكنه لم يقتلها، أصابتها على رأسها وقيل على رأس جحرها دون أن تموت.
اﻵن انقلب اﻷمر أصبحت الحية تبحث عن ثأرها فقال لها نعود كما كنا. قال النابغة وهو يسطر هذا، وهذا الفرق مابين النظم ومابين الشعر. اﻵن كلنا مافيه طالب علم ﻻ يحفظ نظما مثلا: ابن مالك يقول:
 والخبر متم الفائدة ** كالله بر واﻷيادي شاهدة
 وبعد لوﻻ واجب حذف الخبر**كما تقول لوﻻ زيد في هجر.
 هذه منظومة لكن ليس فيها روح الشعر إنما هي تأتي للقواعد المتفرقة تجمعها فنحن نحفظها، يحفظها طلبة العلم من باب أنها تحفظ العلم لكن ليس فيها ماء الشعر لكن النابغة يأتي بالمثل يقول:
 فلما وقاها الله ضربة فأسه ** وللبر عين ﻻ تغمض ساهرها.
اﻵن هو ذكر القصة في أحد اﻷبيات يقول:
 فلما وقاها الله ضربة فأسه ** وللبِرِّ عين ﻻ تغمض ساهره
 ﻷن من الذي غدر باﻵخر؟ هو غدر بها وهي كانت بارة به، فهو يريد أن يقول لك إن المكر السيء ﻻ يحيق إلا بأهله وهذا الذي جاء به القرآن، مكر السيء ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه﴾  فقال النابغة أبيات طويلة لعلكم تراجعونها في مصادرها لكن قال: "وللبر عين ﻻ تغمض ساهره" آخر المطاف تقول له الحية مُحال أن نتفق لماذا؟ تقول له: أنا أرى أثر الضربة فلا آمنك وأنت ترى قبر أخيك فلا يمكن أن تعطف علي، ما دمت أنت ترى القبر سيُحيي فيك الثأر وأنا مادمت أرى أثر الضربة لن أطمئن إليك فلن نتفق أبدا.واضح؟ ظاهر؟.
 أنا ﻻ أدري لماذا قلت هذا ولكني كنت أتكلم ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ قلنا إنه قيل إن الحية هبطت معهم. الله يقول -إبليس والحية وآدم- ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾ انتفاع مؤقت في الدنيا التي سخرها الله -عز وجل- لنا ﴿إِلَى حِين﴾ إلى أن تقوم الساعة كما بينا قبل قليل تأصيلا. فإذا كلمة (متاع) هي الانتفاع المؤقت. هذه آية.
 تلحظ أن اﻵية هنا ﻻ تحمل شيئاً فقهيا. يقول رب العزة في آية أخرى في السورة نفسها -سورة البقرة- يقول ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه..﴾ إلى أن قال ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾
معنى اﻵية: اﻵن جاء لفظ التمتُع لكنه جاء مصدرا في اﻵية اﻷولى ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾ هنا جاء على صيغة فعل ماض ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾ التمتع هو أحد أنواع الأنساك الثلاثة في الحج وهي: اﻹفراد والقران والتمتع. فرب العزة يقول هنا ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾ يخرج اﻹنسان من دويرة أهله -بيته- مكان سكنِه يخرج بعمرة -يعتمر- وقد بيّت الحجّ في العام نفسه لكن خروجه يكون في أشهر الحجّ -شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة- وقيل ذو الحجة كامل لكن الصواب عشر ذي الحجة. فالتمتع اﻷصل أن يخرج اﻹنسان من دويرة أهله للعمرة في أشهر الحجّ ثم ﻻ يعود إلى دويرة أهله. فمن عاد إلى دويرة أهله فإن عمرته انقطعت وانقطع التمتع لكن ما دام باقيا في مكة لم ينتقل عنها سفرا يقصُر فيه الصلاة -على قول الجمهور- يصبح متمتعا. هذا المتمع ﻷنه شعر باﻻنتفاع أوجب الشارع الحكيم عليه دما يسميه بعض العلماء دم جبران.
قال رب العزة ﴿فَمَنْ﴾ أداة شرط ﴿تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا﴾ الفاء واقعة في جواب الشرط ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ والهدي هنا هدي واجب وﻷنه واجب إذا تعثر القيام به ينتقل إلى غيره قال ربنا ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ سواء لم يجد ماﻻ يشتري هديا أو ملك مالا ولم يجد هديا -وهذا بعيد لكنه قد يوجد- ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ أصبحت كاملة كم؟ عشرة قال ربنا ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ لكن الله يأبى إلا أن يُكرِم أهل حرم بيته وهم سُكان مكة فأعفاهم الله من هذا قال رب العزة ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ليسوا من سكان المسجد الحرام، ماالمراد بالمسجد الحرام هنا؟ مكة ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ يعني ليس من سكان مكة -على الصحيح-. هذا نوع من التمتع يتشابه من جزء يسير مع قول الله -عز وجل- من قبل ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾. اﻵن انتقلنا من شيء تاريخي إلى شيء فقهي نبقى في الفقهي نفسه في ذكر المتاع في السورة نفسها.
 شرع الله الطلاق وأذن به، والطلاق يقع على أضرُب وليس المقام اﻵن مقام تفصيل الكلام في الطلاق لكن المقام في كلمة متاع قال رب العزة ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ هنا تلحظ أن الشارع -على خلاف بين العلماء- الوجوب وغير الوجوب ولكن فلنقل بالوجوب. أوجب مسألة أن المُطلِق يعطي مُطلقته متاعا. اﻵن -حتى تعلم عظمة الشرع- المرأة عندما تُطَّلق أصيبت من جهتين: الجهة اﻷولى أنها فقدت زوجها، وليس أمرا هينا فتحتاج إلى شيء يجبرها.
  واﻷمر الثاني: هي ﻻ تستطيع أن تكون في ذمة أحد بعد زوجها اﻷول حتى تنقضي العدة، فترة العِدة هذه هي ﻻ تستطيع أن تتزوج إذا ﻻ يوجد زوج يُنفق عليها ‏فلما تُعطى متاع من نفس المُطلِق فهذا المال الذي فرضه الله -عز وجل- لهذه الزوجة يجبر الكسرين، المُطلِق نفسه أعطي مال في الوقت نفسه المال هذا تستعين به على حياتها حتى يكتب الله لها زوجا آخر.
الله يقول ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ هذا في ظاهره عموم ليست هناك مُطلقة مُستثاة لكن قال الشافعي -رحمه الله- في آخر قوليه قال: "إن المُطلقة إذا كانت مُطلقة قبل المسيس -يعني قبل أن يدخل عليها- فإنها ليس لها متاع" قلنا يا أبا عبد الله لماذا ليس لها متاع؟ قال -رحمه الله-: لأن المُطلقة إذا طُلِّقت ولم يكن هناك جريان وطء -يعني لم يدخل عليها زوجها- فطلّقها كم تستحق من المهر؟ النصف. ربنا يقول
 ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فقال: "هذا نصف المهر وهي لم توطأ يكفي لا حاجة للمتاع فلا يُعقل أن نُكلّف الزوج وهو لم يكن جريان وطءٍ لتلك المرأة أن نُطالبه يُعطي نصف المهر ويُعطي متاع" وقول الشافعي -رحمه الله- يستقيم عقلا ونقلا وليس المقام مقام ترجيح هؤلاء أئمة فقهاء والدين واسع ويُسر. متى يُبتلى الإنسان؟ تُبتلى بالذي لا يعرف إلا قول واحد، هذا أعانك الله عليه، أما من يعرِف أن أئمة الإسلام كلٌ عنده دليل وقالوا عدة أقوالا تجده مطمئن النفس لا يُفسِّق أحدا ولا يُبدِّع إلا من يستحق التبديع ولا يُكذِّب أحدا ويعلم أن هذه مسائل ذكرها أئمة أعلام وتكلّم فيها أئمة كِرام وأن المسألة أوسع مما نتصور والدين يُسر بلا شك. والله لم يكتب علينا العنت وربنا يقول ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق