د. محمد بن عبدالعزيز الخضيري
نصل بعد ذلك إلى المرحلة الثامنة وهي: العناية بتدوين قصص وأخبار العلماء المتصلة بآيات القرآن وسُوره.
فإن من يقرأ في سير السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأمة ومن جاء بعدهم، وعلماء الإسلام في أول الإسلام وفي آخره سيقر مواقف كثيرة جدا مع الآيات تهزه وتغير نظرته لبعض الآيات أو لبعض السور فمثلا عندما تقرأ أن الصحابة كانوا إذا التقوا قال بعضهم لبعض اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسون فيقرؤن سورة العصر، لماذا يقرؤن سورة العصر؟ لأنها تذكير بأهمّ الواجبات التي ينجو بها الإنسان من الخسران والهلاك المبين، فهي سورة مهمة كل واحد منا يقرأها ويذكر نفسه بها ويُذكر إخوانه بها وأنك لن تنجو من الخسران المبين إلا بالأمور الأربعة المذكورة في سورة العصر (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) إذا هذه السورة سترتفع نسبة الأهمية بعدما تقرأ هذا الخبر بشكل كبير. عمر بن الخطاب بقي في سورة البقرة ثلاثة عشر سنة يقرأها وهي تُقرأ في ساعة، ومن يقرأها بهدوء يقرأها في ساعة ونصف، عمر بقي فيها ثلاثة عشر عاما فلما ختمها نحر جزرا فرحا بما آتاه الله -عز وجل- من العل، لأن عمر ما كان يقرأ هذاً، ويظهر أن هذه قراءة غير القراءة التي يقرأها عمر في صلاته وفي قيامه وتهجده، قراءة تعلم وتدرب وفهم. إذا أنا ينبغي لي أن أعلم أني أمام سورة لو أمضيت فيها عشرين سنة لم يكن كثيرا عليها. ابن عمر بقي في سورة البقرة ثمان سنين. يعني هل ابن عمر لم يكن عنده عِلم ولا معرفة حتى يبقى فيها ثمان سنين؟! لا، ابن عمر اكتشف في سورة البقرة شيء لم أعرفه أنا ولا فتشت عنه ولا طرأ على بالي ولا دار في خلدي ولا أنت أيضا فبقي فيها ثمان سنين -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
عندما تقرأ مثل هذه الأخبار ماذا يحصل عندك؟ هنا تتغير نظرتك لبعض الأمور.
/ أحد الصحابة أو أحد التابعين كان يقرأ حزبه من القرآن فمرّ بقول الله -عز وجل- (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فبكى وظل يبكي حتى سقط على فراشه قال: أخشى أن آتي إلى الله يوم القيامة فيبدو لي شيء غير الذي ظننت (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) .
/ ابن عمر يوما من الأيام كان جالسا فاشتهى قِطفا من العنب فأمر خادمه أن يأتي بهذا القِطف، فجاء به من السوق فلما وُضع بين يديه طُرِق الباب فقال: من؟ قيل: سائل، فنظرا إلى الصحن بين يديه قال: أعطوه القِطف ولم يأكل منه شيئا. قيل: يا أبا عبد الرحمن هذا الرجل نرضيه بالدرهم والدرهمين. قال: إني سمعت الله يقول (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإني والله قد أحببت هذا القِطف وأريد أن أنال البِر، أعطوه إياه، قال: فأعطوه إياه فلما جاء من الغد طلب قِطفا من العنب -مشتهي عنب رضي الله عنه وأرضاه تجي للإنسان أحيانا شهوات يصير الإنسان -سبحان الله- نفسه في شيء معين- فجيء له بالقِطف -قِطف آخر- فلما وُضع بين يديه -انظر إلى البلاء- طُرِق الباب مرة أخرى فقيل من؟ قال: سائل، قال: أعطوه القِطف، قالوا: يُرضيه ..، قال: لا والله فإني أُحبّ هذا القِطف وأحب أن أكون من أهل البِر ومن أهل قول الله -عز وجل- (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) .
/ يا أخي: عندما تسمع أن شيخ الإسلام ابن تيمية -وهو في سجن القلعة في آخر عمره- فكان يختم ختمات فختم مع أخيه القرآن ثمانين مرة -يتبارون في ختم القرآن- فكان آخر ما قرأ سورة القمر وقرأ فيها (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) وفاضت روحه. ماذا يُصيبك؟ تتمنى حُسنا الخاتمة، تعظُم في نفسك مكانة شيخ الإسلام، وتعظُم في نفسك هذه المكانة التي جعلها الله للمتقين.
/ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- توفي بعدما فسّر آخر آخر آية من سورة المجادلة (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) مات بعدها.
/ الشيخ المرصفي -رحمه الله- أذكر لكم قصة بإسناد متصل عن طالب للشيخ المرصفي أحد أعضاء اللجنة التي راجعت مُصحف الملك فهد. يقول: كنا نقرأ على الشيخ فاتصل بالشيخ رجل من الإمارات قال: يا شيخ لا يوجد عندنا بالإمارات أحد يُقرئ الناس ويُجيزهم -يعني يعطيهم الإسناد المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال: يا شيخ أنا ما عندي فرصة أني آتي لأجلس عندك كما يجلس بقية الطُلاب فهل تأذن أني آخذ إجازة من عملي وآتي إليك فأقرأ عليك ختمة فتُجيزني حتى أُجيز من ورائي من أهل الإمارات؟ قال: فاستأذن الشيخ منا وقال: ما رأيكم تُتيحون الفرصة لصاحبكم هذا أو لأخيكم حتى يقرأ عليّ ختمة كاملة وتنتظرون أنتم؟ قلنا: ليكن ما تريد. قال: فجاء الرجل فجلس يقرأ على الشيخ فلما وصل سورة تبارك كان الشيخ قد مدّ رجليه وغطاهما والقارئ يقرأ وهو بين يدي الشيخ وهو يقرأ سورة تبارك فلما وصل إلى قول الله -عز وجل- (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) قال: رأيت رأس الشيخ سقط فظننته نعِس فحركته الرجل، يا شيخ، يا شيخ، فلم يُجب، قال: ففزِعت فلمست رأس الشيخ وإذا به قد فارقت روحه الحياة.
يا إخواني: لما تقرأ هذه الآية الآن، ستتذكر هذا الموقف فيحصل اتعاظ بالآية وتأثر بها وانسجام مع معناها وسؤال لله -عز وجل- أن يُحسن خاتمتك فتموت وأنت تسمع آخر آية يكون فيها البشارة.
/ عمر بن عبدالعزيز لما مات أراد بعض أهله أن يبكي فسمِعوا قارئا يقرأ -لا يرونه ويسمعون صوته- (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) . وبهذه الآية نختِم والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
――――――――――――――
تم بحمد الله ومنِّه الانتهاء من تفريغ شرح كتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن / لد.عصام بن صالح العويد.
شرح الد. محمد بن عبدالعزيز الخضيري.
ولتحميل كتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن على الرابط التالي:
http://rehabtanzyl.blogspot.com/2011/06/blog-post_16.html
تم بحمد الله ومنِّه الانتهاء من تفريغ شرح كتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن / لد.عصام بن صالح العويد.
شرح الد. محمد بن عبدالعزيز الخضيري.
ولتحميل كتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن على الرابط التالي:
http://rehabtanzyl.blogspot.com/2011/06/blog-post_16.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق