الثلاثاء، 4 فبراير 2014

الوقفــ الثانية ـــة من جـ 27 / مع سورة القمر


 هذه الوقفة الثانية من الجزء السابع والعشرين: وهي من سورة القمر والآن قد نحتاج إلى التنوع في الإلقاء لأن السورة تبدأ ندخل في المُفصل تدريجياً فتكثُر السور أكثر من كونها في الأجزاء الأُول فأُعطي فوائد ما أمكن إلى ذلك سبيلاً.
 قال الله -جل وعلا- في سورة القمر (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) وقال في القارعة (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) فوصف الله -جل وعلا- حال الناس يوم البعث وصفين وصفٌ بالجراد ووصفٌ بالفراش. الفراش طائش لا جماعات له، والجرادُ يسير على هيئة جماعات، والجمع بين الآيتين: أن الناس عندما يُبعثون من القبور لا يدرون أين يذهبون وهذا معنى قول الله -جل وعلا- (بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) ثم لا يلبثوا أن يسمعوا إسرافيل ونداءه فيتقدمهم إسرافيل فيتَّبعونه فإذا اتَّبعوه ضُبط أمرهُم فانتقلوا من حالة كونهم كالفراش إلى حالة كونهم كالجراد هذا أظهر ما قيل في الجمع ما بين هاتين الآيتين.
 في سورة القمر قال -جل ذكره- (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) ثمود في سياق عُرف المؤرخين وأهل الأخبار هم من العرب البائدة ونبيُهم صالح، وقوله -جل وعلا- (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) ولم يأتهم إلا نبي واحد هذا لأن التكذيب بأي نبي تكذيبٌ بالأنبياء جميعاً (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ)، وهُناك علَّة في تكذيب الأُمم اتفقت عليها الأُمم كُلها وهو: أنهم يعجبون كيف يكون النبي بشراً وهذه ما من أُمة إلا وقالتها لنبيها واعترضوا على أنبيائهم بكونهم بشراً ومن جملة هؤلاء قوم صالح أي قبيلة ثمود (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا)  ثم قالوا (بَلْ) وهذا إضراب انتِقالي (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) فوصفوه -عليه السلام- بوصفين وصفٌ بأنه كذاب وزادوه بأنه أشِر فأما معنى كذاب -فظاهر-: مالا يقول الصدق لكن ما معنى (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)؟ معنى الكذاب الأشر كالتالي:
 لو أن أحداً وأنت تدخُل الدار وجدته في فِناء دارك كان قد دخل قبلك يُريد أن يسرق فلما فاجأته خاف فسألته ما الذي أدخلك الفِناء فكذب وقال بأي عُذر فقال ظننته بيت فُلان، أوراقٌ لي طارت سقطت في الفِناء، ابني دخل الفِناء فأردت أن أتبعه، أيُ كلمة قالها ولو كانت كذِباً لِمَ قالها؟ ليخرُج من الأمر الذي وقع فيه ويتنصل مما حلّ به -هذا ظاهر- هذا يُسمى كذاب، من الكذاب الأشِر؟ نعود للأول هذا كذبَ وهو في حاجة إلى أن يكذب لأنه لن يخرج إلا حتى كذب لو قال الصدق قُبض عليه، الكذاب الأشِر في اللغة: هو ذلك الذي يكذب ولا حاجة له في الكذب إنما يُريد به رِفعة، يُريد به عُلو منزلة. رجُل يجلس مع زُملائه، مع أقرانه، مع أهله، مع جماعته ثم يأتي بأكاذيب لم تقع حتى تعلو منزلتُه ويُظن به أنه سيدٌ وشريف هذا لا حاجة له أن يكذب لكنه لو وقع هذا فهو يكذب ليرتفِع هذا الكذاب الأشِر فهم يقولون -والقرآن يُصدق بعضه بعضاً- (يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا) مثلك لا يحتاج يكذب أنت رجل لك مقام وحسنُ الوضع فينا ونرجوك لمُلِمات الأمور علام تكذب فأتيت بالنبوة -بزعمهم- وأنت تكذب حتى نجعلك لوحدك في المقام الرفيع في نظرنا -والكلام لثمود كذاب أشِر- هذا معنى كذابٌ أشِر (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ). قال رب العالمين (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) غداً: يعني في المستقبل القريب ليس غداً الذي بعد اليوم لكن اليوم مثلاً نحن سبت أمس ماذا كان ؟ جمعة قطعاً، الأمس: يُطلق على كل يومٍ قبل السبت، الأمس يُطلق على كل يوم قبل هذا اليوم أمَّا أمس: لا تطلق إلا على يوم الجمعة فيُصبح فيها عكس المعروف هذه الكلمة كلمة أمس إذا نُكرت عُرّفت وإذا عُرّفت نُكرت يعني إذا عرَّفتها قُلت الأمس صارت نكرة لأنها تحتمل كل يوم قبل يوم السبت، وإن أذهبت الألف واللام -نكرتها- أصبحت معرفة لأنك إذا قُلت السبت جلست أمس في مجلس كذا أصبح الجمعة، وإن قُلت الأحد جلست مجلس كذا يوم أمس أصبح السبت. واضح. أما غداً فهي تُطلق غداً الذي بعد اليوم وغداً في المستقبل القريب.
 قال أصدق القائلين (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ*إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ) والناقة معروفة إحدى بهيمة الأنعام -أنثى الجمل-، (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) هذه(فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) لصالح (وَنَبِّئْهُمْ) أي يا نبينا (أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) بين من ومن؟ ما بين الناقة وما بين القوم، يوجد بئر تشرب منه الناقة لوحدها في اليوم والقرية كُلها تشرب في اليوم التالي (لَهَا شِرْب وَلَكُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم)،(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) كل من يحضر في وقت شِربه. ماذا أصابهم ؟ تنادوا قال الله (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ) أي أمر جليل طبعاً كلمة جليل من .... لكن أي أمر عظيم سواءً في الخير أو في الشر آخر الأمر يقوم به واحد، هؤلاء القوم جُلّهم كفره وكُلهم يُريدوا أن يعقروا الناقة ثم انتهى هذا الأمر إلى تسعة ثم هؤلاء التسعة أصبح أمرهم في واحد  (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ) الذي هو قُدار بن سالف أُحيمرُ ثمود النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه (أشقى الأولين) -نسأل الله العافية- فقام هذا كما قال الله (فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ) فعقر الناقة فحلّ عليهم العذاب فتوعدهم نبيهم عليه السلام ثلاثة أيام قال (ذَلِكَ وَعْد غَيْر مَكْذُوب) قال في هود (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ*وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) وذكر الله -جل وعلا- لعنته لهم المقصود هُنا: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) هذا الذي وقع منهم أن الإنسان غالباً يكون إماماً في الخير أو إماماً في الشر، وتابعاً في الخير أو تابعاً في الشر فالإنسان إن لم يقدر أن يكون إماماً في الخير فلا أقل من أن يكون تابعاً في الخير فإن عجِز فلا يكونن تابعاً في الشر. هذا نبأُ قوم ثمود مع نبيهم صالح صلوات الله وسلامه عليه تأملناها من سورة القمر ونزدلف إن شاء الله إلى الوقفة الثالثة في الجزء السابع والعشرين من كلام رب العالمين. ‏‫‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق