الأحد، 29 ديسمبر 2013

الوقفــ الأولى ــة من جـ 25 / مع قوله تعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ..) من سورة الشورى


 بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسانٍ .
فنحن الآن مع الجزء الخامس والعشرين من كِتاب ربِنا -جل وعلا- ولنا معه وقفات ثلاث كما جرت به عادةُ هذه اللقاءات.
 الوقفة الأولى من سورة الشورى عند قول الله -جل وعلا- {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} قبل أن يُبين من وهبه الله الإناث ومن وهبه الله الذكور وطدَ ومهَّد فقال (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وتقديم الظرف -الجار والمجرور-هُنا مما يُفيد الحصر وتقديمُه يُفيد هُنا الحصر المُطلق والمعنى : لله مُلك السماوات والأرض ليس مُلكُهن لأحدٍ غيره البتة فهو -جل وعلا- له كمال المُلك وتمامُ التصرف ثم بعد هذا الإجمال العام جاء شيءٌ أخصّ فقال -جل وعلا- (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) والخلق الذين خلقهم الله من بني آدم وآدم وزوجه ومن قبل على أربعة أضرب تمت بخلقهن جميعاً الدلالة على كمال القُدرة، فقد خلق الله أبانا آدم من طين أي ليس له علاقة برَجُل ولا بإمرأة.
 الصورةُ الثانية: خلق الله أُمنا حواء من ضلع آدم فأصبح خلقُ حواء لا علاقة له بالنساء لكن لها علاقة بالرَجُل الذي هو آدم خلقها من آدم ربُنا يقول (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا).
 الصورة الثالثة: خَلْقُ المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فحملت به أُمه من غير أن يطأها رجُل فأصبح خلقُه مُعلقٌ بالنساء لا بالرجال على الضد من حواء.
 الصورة الرابعة: وهي عليها سائر الذُرية من بني آدم خُلقوا من أبٍ وأُم -من رجُل وامرأة- من أبٍ وأُم أو بتعبيرٍ أشمل حتى يدخُل فيه كل مخلوق من رجُلٍ وامرأة فتمت الصور الأربعة (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ).
ثم جاء تخصيصٌ أقل قال -جل ذِكره- (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) كذلك جاءت هُنا صور أربع:
 فرجُلٌ وامرأة يُولد لهم ذكُور فقط
 ورجُلٌ وامرأة يولد لهم إناثٌ فقط
 ورجُلٌ وامرأة يُولد لهم ذكران وإناث
 ورجُلٌ وامرأة لا يولد لهم لا ذكرانٌ ولا إناث
 كم صورة ؟ أربع صور، من المُتملِك الحاكم في هذا كُله؟ هو الله فلا يحق لرجُل أن يُعاتب زوجته ولا لزوجةٍ أن تُعاتب زوجها فليس للزوج ولا للزوجة قُدرة في هذا البتة لهذا قال الله في صدر الآية وهذا لابد من استصحابه قال (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِفلما كان الملك له -جل وعلا- وحده دون سواه ما كان لأحدٍ أن يُعاتب أحداً في مِثل هذا. هذه الصور الأربع.
 نرى في الآيتين أن الله جل وعلا قدم الإناث على الذكور فقال -تبارك اسمه وجل ثناؤه- (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) ونلحظ أنه جاء (إناثاً) بالتنكير وأتى لفظ (الذكور) بالألف واللام -بالتعريف- إذاً الإناث ما حظُهن؟ قُدمن ، والذكور ما حظهم؟ عُرفوا واضح هذا. قال أهل العلم: العِلة التي من أجلها قُدمن الإناث على أقوال:
/ قال بعضهم لأنهن أكثر أي أن النساء أكثر من الرجال
/ وقال آخرون إنما قدم الله الإناث تطييباً وجبراً لقلوب آبائهن لأن الطبيعة تغلب وأن الوالد يُحب أن يكون مولوده ذكراً هذان كم قول ؟ قولان
/ القول الثالث لا يُسمى تعليل لكن يُسمى استفادة -استنباط- قالوا: إن تقديم الإناث على هِبة الذكور يدل على اليُمن والبركة في الذرية فإذا كان المولود أوله أُنثى -على هذا القول- فإنه يعظُم التيامن والبركة به. وهذا قول يعني حسن لكن لا نستطيع أن نجزم به.
هذه الثلاث الأقوال ليس بينهن تعارض فيُمكن أن يُقال للكثرة وللتيمُن وتطييب قلوب آبائهن ومن قواعد التفسير: أن الآية إذا احتملت أكثر من معنى ولا تعارض بين هذه المعاني لا يمنع حمل المعنى عليها كُلها. لأن لو قُلنا لأنهن أكثر وتطييب لقلوب آبائهن ما يوجد تعارض هن أكثر ويمكن أن يقع معه تطيب قلوب الآباء ويمكن معها أن يكون فألُ حسنٍ للأب لا يوجد مايمنع هذا من ناحية تقديم الإناث.
  أما تنكيرهُن وتعريف الذكور فبعض العلماء قال إنه يمكن أن يُستنبط منه فضيلة الذكر على الأنثى لكن لو قدَّرنا أن الألف واللام لا تعني ذلكم الفضل، التنكير والتعريف هنا لا يعني فضل الذكر على الأنثى لكن نقول ليس في هذه الآية دلالة على فضل الذكر والأنثى لكن فضل الذكر على الأنثى ثابتٌ من آيات أُخر بنص صريح (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) فالرجال قوَّامون على النساء وقال -صلى الله عليه وسلم- (كمُل من الرجال كثير ولم يكمُل من النساء إلا...) وعدّ آحادا منهن.هذا كُله يدل على فضيلة الذكر على الأنثى.
 العُلماء -كذلك- يقولون عند هذه الآية إذا ذكروا قول الله (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) قالوا مثل لوط -عليه السلام- فإن لوطاً على المشهور عند أهل السير والأخبار لم يُرزق مولوداً ذكراً كُل ذريته بنات وهم ابنتان، وإذا ذكروا قول الله -جل وعلا- (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) ذكروا الخليل إبراهيم -عليه السلام- وقالوا إن إبراهيم لم يُرزق إناثاً وإنما جميع ذريته ذكور -صلوات الله وسلامه عليهما- وإذا ذكروا قول الله -جل وعلا- (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) قالوا هذا ينطبق على نبينا -صلى الله عليه وسلم- فإن الله زوّجه ذكراناً وإناثاً بمعنى جمع له أبناء ذكور وبنات.
 بقيت الحالة الرابعة (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) العَقْمُ في لُغة العرب: القطع ويُسمون الريح التي لا تلقح شجراً ولا سحاباً ريحاً عقيم لأنه لا منفعة من ورائها مقطوعة، ويُسمون المُلك الذي يُقتّل بسببه الناس وتُقطّع الأرحام حفاظاً عليه يُسمونه مُلكٌ عقيم لأن صاحبه يقتل قرابته ويُقطع أرحامه من أجل بقاء مُلكه فالقطع هو معنى العقم في كلام العرب، وهذا ابتلاء من الله -جل وعلا- لبعض خلقه والذي ينبغي أن تعلم عموماً أن الحاجة الفِطرية إلى الولد حاجةٌ فُطر عليها كُل أحد، كُل أحدٍ يُحب هذا، وهي في بني آدم دلالة على نقصهم وحاجتهم إلى الولد لأنهم لا يُمكن لهم أن يقدروا على كُل شيءٍ لوحدهم خاصة إذا كبُروا وهرُموا ، وهي في حق الله نقص ولذلك نزّه الله -جل وعلا- نفسه عن الصاحبة وعن الولد ليس لله حاجة في صاحبة ولا في الولد ولهذا قال سبحانه (هُوَ الْغَنِيُّ) لمَّا ذكر زعم من زعم أن الله اتخذ صاحبة وولداً كما في يُونس قال( سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ) أي لا حاجة له جل وعلا لصاحبة ولا لولد فاقرأ القرآن بمثل هذا التأمُل تعلم ضعفك وعجزك وعظمة ربك وجلاله فتفتقر بفقرك إلى خالقك وسيدك ومولاك والعلم عند الله . ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق