الجمعة، 27 ديسمبر 2013

( تفسير سورة الأنعام من الآية 1-11 )/ دورة الأترجة

د.مساعد الطيار

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلامُ على أَشرَفِ خَلقِ الله أجمعين .. أما بعــد :
سورة الأنعام الآية الأولى. 
قراءة من كتاب كلمات القرآن :
 قال في كلمات الغريب : "الحمد الله الذي خلق السماوات والأرض وأنشأ وأبدع الظُّلمات والنُّور,ثم الّذين كفروا يُسووّن به غيره في العبادة ,هو الذي خلقكم من طِينٍ ثم كَتَب وقَدَّر زمانا ًمُعيَّنا ًللموت وزمن مُعيّنٌ للبعث مستأثر بِعلمه, ثم أنتم تشكُّون في البعث أو تجحدونه أيّ المعبود أو المُتوحِّد بالأُلوهية ,في السماوات وفي الأرض يعلمُ سِرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون".

قراءة من التَّفسير المُيسَّر( التَّفسير الإجمالي) :
"هو الذِّي خَلَق أباكُم آدمَ من طينٍ وأنتم سُلالةٌ منه, ثم كتَب مدّة بقاءكم في هذه الحياة الدنيا وكتبَ أجلا آخر مُحدَّدا لا يعلمه إلا هو -جلَّ وعلا- وهو يوم القيامة,ثم أنتم بعد هذا تَشكُّون في قدرة الله تعالى على البعث بعد الموت.والله سبحانه هو الإلهُ المعبود في السماوات والأرض,ومن دلائل ألوهيته أنَّه يعلم جميع ما تُخفونه أيُّها الناس وما تُعلنونه , ويعلم جميع أعمالكم من خير أو شر,ولهذا فإنه -جل وعلا- وحده هو الإله المستحق للعبادة هؤلاء الكُفَّار الّذين يُشركون مع الله تعالى غيره قد جاءتهم الحُجَج الواضحة والدلالات البيّنة على وحدانية الله -جَلَّ وعلا- وصِدقِ محمد -صلى الله عليه وسلم- في نبُوَّته وما جاء به،ولكن ما إن جَاءَتهم حتى أعرضوا عن قبُولها ولم يؤمنوا بها".

 تعليق الشِّيخ:
 بسم الله الرَّحمن الرَّحيم. الحمدُلله والصَّلاة والسَّلام على رسُول الله:
طبعا الحديث عن سورة الأنعام بعمومها ، لعلنا نؤجل إن شاء الله بعد العشاء نخصص لقاء لموضوع سورة الأنعام وكيف يمكن نستخلص موضوعاتها.
قوله سبحانه وتعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)
من بابِ الفائدة دائما ًإذا جئنا إلى ألفاظ القرآن.هل ورد (خَلَقَ الظُّلمات والنور) في القرآن ؟ الجواب: لم يَرِد ..
سؤالٌ يَرِد هنا: لماذا اُختير "الجَعل" في الظُّلُمات والنُّور و"الخَلق" في السَّماوات والأرض.لماذا اُختير هذا وهذا ؟
 فالخَلق هو بمعنى (التَّقدير) والجَعل بمعنى (التَّصيير) . هم قالوا: الثَّناء على الله بصفاته التي كلها أوصافُ كمال، وبِنِعَمِه الظَّاهرة والبَاطنة الدينية و الدُّنيوية الذي أنشأ السَّماوات والأرض، وخلق الظلمات والنور هم فسّروا الجعل بمعنى الخَلق ,من باب تغيير العِبَارة لكن هل المراد الآن (الجَعل) هنا بمعنى (خَلق) الظلمات ؟
 - من خلال النَّص هنا عندنا المراد به (خَلق) الظلمات وليس (التَّصيير) الذِّي هو التَّحويل من شيء إلى شيء,معنى ذلك أننَّا الآن إذا جِئنا إلى الأُولى هِي معنى الثَّانية,لكن خَالَفَ بينهما الذِّي هو (خَلَقَ) (وَجَعَل) - بناءً على التَّفسير المُيسَّر- أيّ خالَفَ بينهما مُجرِّد مخالفة في الألفاظ من باب التَّفَنُّن، وإلّا في النِّهاية المَعنى واحِد عندهم .
- أو أن يكون خَلَق شيء ، وجَعَل شيء , لأنَّ المَخلُوق الآن أمر مرتبط بالذوات , والمَجعول مرتبط بصفات الذَّوات ,لأنَّ (الظَّلمات والنُّور) مُرتبطة بالسَّماوات والأرض، ومُرتبطة بالشَّمس والقمر .. الذِّي أُريدُه وأقصِد إليه: أن البحث عن هذه الدقائق عسيرٌ وأحيانا ًيدخُلُه التكلُّف، ولهذا لا نجد عند السَّلف -الصحابة والتابعين وأتباعهم- البحث والفَحص عن مثل الفُرُوقات بين (جَعَل وخَلَق) ولماذا عُبّر بِخلَقَ هنا ولماذا عبَّر بِجَعَل هنا, وإنَّما كانوا يُفسِّرُونها على ظاهرها,لكن لا يعني هذا أنه لا يَصِحّ لنا أن نَبحث ونُنقِّب عن المعنى. لكن يُنتبه إلى أنه قد يقع التكلف في مثل هذا الأمر مثلما ذكرت أن بعضهم قال أنه لما ذكر الذوات ذكر الخلق ..ولما ذكر شيء من الأحوال أو الأعراض ذَكَر الجَعل لأنَّها تابعة لتلك...... توقف التَّسجيل .
/ قال الله (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) ذكروا هنا قولهم: إنَّ الكافرين يُسَّوون بالله غيره ويُشركون به.إذاً (يَعْدِلُونَ) هنا الآن "يميلون" يعني عَدَل بالشيء أو عَدلَ عن الشيء إذا مال ,فهم يميلون عن التوحيد إلى الشِّرك , فوصَفَهم الله سبحانه وتعالى بأنَّهم هنا يَعدلُون وليس المراد بالعدل هنا العدل المطلوب أو العدل المحمود, وإنَّما هو عدل مذموم, وبناءً على هذا يُنتبه إلى أن اللفظ الواحد قد يأتي لأكثر من معنى ويسمى عند علماء العربية أحرُف التَّضاد . فـ (يَعْدِلُونَ) في هذا الموطن (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) بمعنى يَميلُون عن الحقّ إلى الباطل، يميلون عن التوحيد إلى الشرك ، ولكن في قوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) لو جاء أحدُهُم وفسَّرَهَا هي كقوله (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) من جِهَة المعنى العامّ صحيح أو ليس بصحيح ؟ الجواب : ليس بصحيح. فإذا ننتبه إلى أنَّه وإن اتَّفقت المّادة إلاّ أنَّ لها معنى هنا,ولها معنى نقيض غيرُه في موطنٍ آخر,وهذا الذِّي يسمى عندهم بالأضداد وهو نَـوعٌ من المُشتَـرَك اللَّفظي.
 هذه المُقدِّمة الآن قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) لو رجعنا إلى آخر السورة، ماذا نجد في آخر السورة ..فقط نريد نربط بين أول السورة وآخر السورة سريعا , في الآية (165) آخر آية في الأنعام (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) لو أردنا أن نرُّد آخر الآية على أوَّل آية في قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) بقوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) هَذا يُسمَّى رد العَجُزِ على الصَّدر, العَجُز الذي هو آخر الشَّيء على الصَّدر الذي هو أوله ,هذا أيضا ًمن المباحث التي بحثها أيضا العلماء وأفاضوا فيها مثل كتاب نزل قريباً في السَّنوات الأخيرة قبل تقريباً ثلاث سنوات أو يزيد للسُّيُوطي في (المَطَالِع والمَقَاطِع) يعني مَطلَعِ السَّورة وخاتَمَةِ السُّورة نفسها والعلاقة بينهما ,وخاتمة السورة ومطلع السُّورة التي بعدها , فهذا يَدُلّ على الترابط .. أيضا هذا مما يقع فيه نوع من التَّكَلُّف ولكن أحيانا يتبّين أو يَبين المعنى ويكون معنا واضحاً,وأحيانا قد يخفى حتى يحتاج الإنسان أن يتكلَّف التَّدبُر لكي يُبرز المعنى الموجود أو الرَّابط الموجود بين معاني هذه الآيات . لو اجتهدنا الآن في مُحاولة الرَّبط ..ما العلاقة بين آخر هذه السورة وأوَّل السورة ؟ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) مع قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) هل هناك نوع من ترابط ؟ (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) يعني نأخذ من ... (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) يعني أنه خلقهم ...
(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) يعني معناه ممكن لكن أنا كنت فهمت أنك تريد أن تقول أن رفع بعضهم البعض درجات أن بعضهم مؤمن وبعضهم كافر ولاشك أن درجة المؤمن أعلى من درجة الكافر فتعود إلى قوله (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) يعني أن بعضهم كفر بربه وبعضهم آمن ، وكما قلنا لكم أن هذا باب واسع للاجتهاد ولكن أيضا يقع فيه شيء من التكلف .
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) تقديم (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) ألا يتناسب مع (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ أيضا فيه نوع من التَّناسب لأنَّ تقديم التَّهديد مناسب للذِّين كفروا بربهم. هذا لو أردنا أن نأخذ آية مع آية ، لو أخذنا جملة من الآيات مع جملة من الآيات في الآخر أيضا ًسنجد نوع من الترابط أوسع وأكثر لأنه إذا كان آية وآية يضيق أكثر، لكن لو جمعنا آيات مُقدِّمة السورة وخاتمة السورة قد يكون عندنا أيضا نوع من الترابط أكثر .
 في قوله سبحانه وتعالى (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ) سبق التنبيه إليها أعيدها مرة أخرى: وهي قضية أنه لا يَلزم من رؤية الآيات الإيمان بها, والكُفَّار قد رأوا عيانا انشقاق القمر ومع ذلك لم يُـؤمنوا وما آمن منهم إلّا قليل مع أنهم رأوا انشقاق القمر, وادَّعَو أنَّه سحر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل إنَّ القرآن كان ينزل عليهم وهو أعظم المعجزات ,ومع ذلك ما آمنوا به وبعضهم آمن به ولكنَّه كفر يعني جحده فإذا المقصود من ذلك: أننَّا حينما نأتي لمثل هذا الأمر يجب أن نعلم أن في بعض الناس في نفسه إشكالًا في قضية الإيمان مع وضوح الأمر عنده مثل ما حَصَل لأبي طالب ، أبو طالب مُوقِن يقينا تامَّا أنَّ محمد -صلى الله عليه وسلم-  مُرسَلٌ من ربِّه , ولكن منعه ما منعه من الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ، وبناء على هذا كما قلت لكم سابقا أنَّه حينما نأتي إلى مثل هذه الأمور في الدَّعوة إلى الله سبحانه وتعالى يجب أن يكون عندنا نوع من الاعتدال في التَّعامُل ، كما أيضاً يكون عندنا اعتدال في قضيِّة الطَّرح, الاعتدال في التَّعامل مثل ما قُلنَا (مَا على الرَّسُول إلّا البلاغ) فهو الآن يأتيهم بالآيات ويُشاهدونها ومع ذلك يكفرون فإذا هناك نفوس عَصِيَّــة ، لاحظوا أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول لموسى في أوَّل دعوته هو وهارون قال (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) مع أنَّه سابق في علم الله أنه كافر وأنه سيموت على الكفر , ومع ذلك يأمُر موسى -عليه الصلاة والسلام- وهارون -عليه الصَّلاة والسلام- بأن يتلطّفا بالقول معه لعلّه يتذكر أو يخشى ، وهذا يَدُلّ على أنَّ الإنسان مأمور بأن يعمل من منظورِه هو ولا يتألّى على الله ويقول إنَّ هذا الإنسان لن يهديه الله ,ولن تكون له هداية ..لا ,وإنما أنت تعمل من منظورك أنت كبشر ، فالأصل عندك أنك إذا دعوت بالدَّعوة الصحيحة أن يُستجابَ لك , ما استجيب لك فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ولا تُكلِّف نفسك عليهم كما قال الله سبحانه وتعالى لِنَبيِّه .
 قراءة في كلمات القُرآن: 
قال صاحب الغريب : "(وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ*فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) أخبار وهو ما يَنالُهم من العُقُوبات (مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) (أَلَمْ يَرَوْا) كثيراً (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم) من أُمَّةٍ من النَّاس أعطيناهم من المُكنَةِ والقُوَّة في الأرض (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ)وأرسلنا المطر عليهم غزيرا ًكثيرَ الصَّب. ( وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) .
قراءة من التَّفسير المُيسَّر (التَّفسير الإجمالي) :
لقد جحدَ هؤلاء الكُفّار الحقّ الذِّي جاءهم به محمد -صلى الله عليه وسلم- وسَخِرُوا من دُعاتِه جهلا ًمنهم بالله واغترارا ًبإمهاله إياهم ,فسوف يرون ما استهزؤا به أنَّه الحق والصِّدق, ويبيّن الله للمكذبين كذبهم وافتراءهم وسيجازيهم عليه ..
 الآية السادسة : ألم يعلم هؤلاء الّذين يجحدون وحدانية الله تعالى واستحقاقه وحده العبادة , ويُكذِّبون رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ما حلَّ بالأمم المكذّبة قبلهم من هلاك وتدمير , وقد مكنّاهم في الأرض ما لم نُمكّن لكم أيها الكافرون , وأنعمنا عليهم بإنزال الأمطار وجريان الأنهار من تحت مساكنهم استدراجا وإملاء لهم فكفروا بنعم الله تعالى وكذّبوا الرسل فأهلكناهم بسبب ذنوبهم , وأنشأنا من بعدهم أمَما ًأخرى خلفُوهم في عِمَارة الأرض .
 تعليق الشِّيخ :
 لاحظوا الآن قوله (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ*فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) هذا الخطاب في قوله (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ) موجَّهٌ لِمَن؟ أيّ أوَّل من خُوطب بهذا الكلام من هم ؟ كفار قريش .
هل الآن الخطاب في قوله (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ*فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) هل الخطاب هذا الآن مقتصر على قريش فقط ؟ الجواب: لا.. إذا أدخلنا غير قريش في معنى الآية، فلنا طريقان: الطَّريق الأوَّل: تعميم اللَّــفظ.
الطَّريق الثَّاني: القـــِيَاس.
وبعض من يَقِلّ تَعاطِيه للتَّفسير أو لا يفهم منهج التفسير يَظُنّ أنَّ العبرة بعموم اللّفظ مُتَّصلَة , أيّ أنَّها قاعدة سَائِغة يُطلقها في كُلّ حين. وهذا ليس بصواب، لأنّ دائمًا عندنا قواعد فيها تَقييدات. فالعبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبَّب إلاَّ إذا كانَ في الخِطاب ما يدُلّ على نوع من التَّخصيص فهذا يخرج. وليس دائمًا العبرة بعموم اللَّفظ، لا تستخدم دائماً العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بدون ما يكون هناك ما يدُلّ على أن المراد بالخطاب العُموم نفسه وليس أنّه يقاس عليه .
كيف نستطيع أن نُفرِّق بين هذا وذاك ؟ نستطيع أن نفرق في النظر في الآيات ..الآن (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ) هل هذا الخطاب يحصل لجميع البشر ؟ أنَّه أَتتهُم آية من آيات ربهم فيكونوا مخاطبين به؟ إذا كان يحصل لجميع البشر فإنهم دخلوا في الخطاب، إذا كان لا يحصل لجميع البشر فمعنى ذلك انه لا يدخل في الخطاب هذا إلّا من يصلُح له قياسا وليس تعميما ًللّفظ .
 قال الله (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) هنا نأخذ قضية بقضية أخرى وهي كيف نظُرُنا نحن أصحاب هذه الحضارة لمُعطيات الحضارة عندنا ..الآن لو تأملت ..عندنا أمران : مقال ..وحال ..
- مقال : تجد أنَّ بعض من يتكلَّم عن حضارة اليوم, يقول بِمَقَالِهِ أو يزعُم أنَّ هذه الحضارة حضارة ثابتة لن تزول , وأنَّها قد رسَّخَت أقدامَها في الأرض واستطاعت أن تعمُرَ الأرض عمارة لم تُعمر قبله, وقد يقول لن تُعمَر بعدها من شدَّة ثقته بما أُوتي من العلم وما أُوتي من الحضارة ..
- وحال كثير من الناس أنَّه أيضا ًيظن أن هذه الحضارة لن تزول,وأنَّه كيف تزول هذه الحضارة الضخمة والكبيرة, وهذا لا شك أنه ظَنٌّ فَائِل وأنَّه رأيٌ ضعيف، لماذا ؟
لأنَّ الله سبحانه وتعالى يُخبرنا في القرآن أنَّه أهلك أُمَم سابقة , ولا يمكن أن يجزم الإنسان اليوم أنه لم يوجد في هذه الأرض حضارات أفضل من هذه الحضارة التي نعيشها ، لا يمكن له أن يجزم .. لكن أيّاً ما كان الأمر فالمسألة مرتبطة بقضية الزَّوال ,فإننَّا نقول يقينا أنَّ هذه الحضارة زائلة بلا ريب وأن هذه الحضارة ما دامت سائرة على هذه الطريقة التي نراها اليوم فهي طريقة لا تُرضي الله سبحانه وتعالى , وأنَّ سنن الله سبحانه وتعالى لن تتخلَّف , فسَيَلحقُها مثل ما لَحِقَ الحضارات السابقة ,ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) الآن الذِّي عندنا نحن أشدّ ممَّا كان عند كثيرين ممَّن قبلنا , وسرعة الاتصال وكثرة الآلات وأشياء كثيرة من الحضارة التي بين يدينا, ولكن مع ذلك هي كُلَّها بتقدير من الله سبحانه وتعالى أن يقول لشيء كن فيكون فيتغيَّر كل ما في هذه الأرض ويتغيّر أشياء كثيرة جدّا.
 من باب الفائدة : فيما يتعلّق بقضية ما يسمى بــــــ (استشراف المُستقبل) ، لو تأملنا ، ذكرنا في سورة المائدة في قول الله تعالى (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ) وعندنا هذه الآية (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ) التي تتكلم عن تلك الحضارات التي بَادت .
 في استشراف المستقبل -مع الأَسف- نجد أنَّ الغَـرب يبحث عن جميع النُّبُؤَات الموجودة في العالم يمينا ويساراً, شرقا وغربا, شمالا وجنوبا ويَمُرّ بالمسلمين لا يأبه لهم أبدا وكأنَّ المسلمين ليس عندهم أيّ نبُــؤات لما سيكون في المستقبل, وكأنَّه ليس عندهم كتاب ولا خبَر من نبيِّهم ماذا سيحدث .. والآن الدراسات التي تقوم, وبعض ما يحاول أن يُنتِجُه سَاسة الأَفلام في هُوليود في هذا الموضوع بالذات قضية -نُبــُؤات المُستقبل- لا تجد فيه أبدا ًأيّ حديث عن نُبُؤَات نبيّ الإسلام--عليه الصَّلاة والسَّلام- وهذا لا شك أنه مُتعمَّد ومَقصود ألّا يُذكر,لأنَّ النُّبؤات الموجودة عندنا نبؤات لا تُوافَق ما يريدون، من أكبر النُّبؤات الموجودة الآن عندهم ويتحدَّثون عنها ما يُسمُّونه (هرمَج الدُّون) الذي هو المَعركة الفاصلة الكبيرة التي تَحدُث في فلسطين عند جبل (هرمَج الدُّون) بين الكُفَّار والمؤمنين- طبعا ًبِنَظرهم هم- وأن عيسى -عليه الصلاة والسلام - بنظر الصليبيين- يخرج وأنَّه يقتل اليهود ويقتل أيضا ًالمسلمين -بزعمهم- ، واليهود يقولون أنه سيخرج وهو مسيحُهُم الدَّجال ، فإذا ًهناك معركة كبيرة جدا ،مع أنَّنا طرف وعندنا نبًؤات مرتبطة بهذا إلّا أنهم لا يذكرون ما عند المسلمين البتَّة .. الذي أقصده وإن كنت خرجت عن الآيات: أننَّا بحاجة إلى أنَّ نَنظُر في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن نعرف كيف نَخطُو للمستقبل .. سَأذكر مثالاً من باب التمثيل: وكما قيل: "ليس من عادة الفُحل الاعتراض على المُثل" يعني المِثال لا يُعترض عليه .
 من يرى أنَّ الصين وتلك الجماعات التي في شرق آسيا من هذه الأقوام هُم يأجُوج ومَأجُوج وينظر في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وحربَنا مع الرُّوم وأن جزء كبير جدا ًمن الرُّوم يُسلِمُون. استشراف المستقبل بناء ًعليه يجعلُك تذهب وتدعو الصِّينيِّن، أو تَدعُو الغربيين؟ الغربيين وأما الصِّينيُّون نراهم -يأجوج ومأجوج- فلا تَشغَل بالَك كثيراً بدعوتهم-أي لا تضع في دعوتهم مثل ما تضع في دعوة الغَرب (كمثال) القصد من ذلك: أننَّا لو تأملنا ما في كتاب الله سبحانه وتعالى، وما في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وانطلقنا باستشراف شيء من المستقبل المتعلق بنا نحن المسلمين ,وحاولنا جاهدين أن نعمل من خلال هذا الاستشراف,وليس المقصود أننَّا نعجِّل أو نُسرِّع بقضية ما وإنَّما نستفيد من الواقع الذي نعيشه بناءً على هذه المعطيات المستقبلية عندنا فإنّا سنجنِي شيئا ًكثيرا .. هذا إشارة فقط من خلال ما ذكره سبحانه في قوله (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) معناه أن هناك حضارات بادت وهذه الحضارة التي بين أيدينا في يوم من الأيام ستزول.أين دورنا نحن؟ هذا الذي نسأل عنه في قضية (استشراف المستقبل) لأن سُنَّة الله سبحانه وتعالى لا تتغيّر .  
قراءة من كتاب كلمات القرآن :
قال صاحب الغريب "(ولو نزَّلنا عليك) مَكتوبا ًبِكَاغَدٍ أو رَقٍّ (فلمسُوه بأيديهم لقال الذِّين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين).(وقالوا لولا أُنزِلَ عليه ملَكٌ ولو أنزلنا ملكا ًلقُضي الأمر) ثم لا يُمهَلُون لحظة بعد إنزاله (ولو جعلناه مَلَكا ًلجعلناه رجُلا ً) ولخَلَطنا وأشكلنا عليهم حِينئذٍ ما يخلِطون على أنفسهم اليوم (ولقد استهزئ برسل من قبلك) فأحاط وأنزل (بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون)، (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذّبين).
 قراءة من التَّفسير المُيسَّر (التَّفسير الإجمالي) :
 ولو نَزَّلنا عليك أيها الرسول كتابا ًمن السَّماء أو في أوراقٍ فَلمَسَهُ هؤلاء المشركون بأيديهم لقالُوا إن ما جئتَ به أيها الرسول سحرٌ واضح بيّن,وقال هؤلاء المشركون هلّا أَنزل الله تعالى على مُحمَّد مَلكا من السَّماء لِيُصَدّقه فيما جاء به من النُّبوة,ولو أنزلنا ملكا من السماء إجابة لطلبهم لقُضي الأمر بإهلاكهم ثم لا يُمهلون لتوبة,فقد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون,ولو جعلنا الرّسول المُرسل إليهم ملكا إذ لم يقتنعوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- لجعلنا ذلك المَلَك في صورة البشر حتى يستطيعوا السماع منه ومخاطبته إذ ليس بإمكانهم رؤية المَلَك على صورته الملائكية,ولو جاءهم المَلك بصورة رجل لاشتبه الأمر عليهم كما اشتبه عليهم أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- ولمَّا كان طلبهم إنزال المَلَك على سبيل الاستهزاء بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بيّن الله تعالى له أن الاستهزاء بالرُّسل -عليهم السلام- ليس أمراً حادِثا بل قد وقع من الكفار السابقين مع أنبيائهم فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يَهزؤن به ويُنكرون وقوعه.
تعليق الشِّيخ: يقول الله (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ماذا نستفيد من كلمة (قِرطاس)؟
الجواب:
/ من دلالات كونه نَزل في (قِرطاس) أنَّه محفوظ من عند الله سبحانه وتعالى لم يلحقه أيَ تغيير أو أيّ تبديل لو نزل عليهم من السَّماء في قرطاس.
 / أيضا (في قرطاس) فيه فائدة أخرى -فالفوائد مفتوحة قد تستفيد منه عِدَّة فوائد - الأن كونه قال في قرطاس هل فيه إشارة إلى قضية كتابة المصحف ؟ قال الله (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ) معنى ذلك أنَّه أحد الأدوات المعروفة عند العرب والتي يعرفونها هي (القِرطَاس) ,فأحد أدوات الكتابة (القِرطاس) لكنّهُ في عهد الصحابة لم يكن عندهم قرطاس بحيث يكتبون جميع المصحف فيه فكان عندهم أدواتهم التي بين أيديهم. فلمَّا ذَكرَ القِرطاس هنا كان فيه إشارة إلى نوع من الإعجاز الذِّي ليس موجوداً عندهم نوع من الآية أنه يكون هذا الكتاب في قِرطاس، والقرطاس نادر عندهم,فكونُه يُكتَب في قرطاس وينزل عليهم كاملا هذا لا شكَّ أنه آية من آيات الله عليهم.
 قال (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) وهل اللَّمس يكون بغير اليد؟ هو الأصل أن يكون باليد فقوله (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) زيادة تأكيد أنَّهم عاينوه معاينة يقينية, وصل الأمر عندهم إلى حق اليقين. قال (لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) وكما قلتُ لكم إنَّ هذا فيه دلالة أن الكافر كافر,يعني هذا الكافر كفرُه مُتأصِّل وليس المسألة عنده هي مسألة أنَّه تأتي آية لِكَي يؤمن وإنما هو معاند وجاحد,مجرَّد مُقترح للآيات وطالب للآيات ليس إلّا. وهذا الصنف يوجد إلى اليوم, حتى أحيانا ًيوجد من فيه مثل هذه الخصلة من المسلمين لكن ليس في قضايا الكفر وإنما في قضايا أخرى, كأن هذه طبيعة بشرية. (وَقَالُوا) من باب الاقتراح(لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ) لأنَّ رؤية المَلَك لا تكون إلاّ عند الموت,فكأن هذا نوع من التَّهديد والتَّنبيه من الله سبحانه وتعالى عليهم كما ذكر بعضَ السَّلف أنَّ المَلَك لا يُرَى وإذا رؤيَ لا يُرى إلّا في حال المَوت طبعاً في صورته الملكية , أما في كونه يتحوّل إلى بشر هذا رُوِي مثل ما كان حصل من دِحيَة الكلبي أو غيره من الملائكة. قال (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا) يعني لو أننَّا قبِلنا اقتراحهم هذا وجعلناه مَلكا ،ًجعلنا الرسول ملكاً -أنزلنا ملكاً- لا يمكن أن يخالطهم بالطبيعة الملائكية لأنه لن يستطيعوا أن يأخذوا عنه لأنَّ الطبيعة مختلفة قال (لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)  أيّ خَلطنا عليهم ما هم يظنُّون أنَّه مختلط عليهم (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) أيّ ما يَخلِطُون . فإذا ًسيقع الآن مرة أخرى نَوع من الدَّور أنتم تطلبونه مَلَك لا يمكن أن ينزل ملك في صورته البشرية فمعنى ذلك أنه انتهى الأمر,لو نزل في صورته البشرية لعاد الأمر مرة أخرى إلى كونه بشر . فإذا لا محيد أن يكون الرَّسول من البشر ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى- (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) فإذا طلب هذه المقترحات هو نَوعٌ من الهُزء والسُّخرية وليس المراد منه -أيّ من هذا الطلب- هو أنهم يريدون الإيمان حقا ً,لأننَّا كما نعلم طلبوا آية وهي (انشقاق القمر) فحصل ومع ذلك لم يؤمنوا . فإذا طلب الآيات أو اقتراح الآيات هو دلالة على عدم القناعة وعدم وجود الصِّدق في الإيمان..
 قال الله -سبحانه وتعالى- بعد ذلك (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ختم هذا المقطع بقوله لهؤلاء الذِّين طلبوا هذه المقترحات وهم كفار قريش (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) المُكذّبين قبلكم الذِّين شاركوكم بنفس الطَّلبات وطلبوا من أنبيائهم ما طلبوا سيروا وانظروا ماذا فعل الله سبحانه وتعالى بهم فليس أمَامهم إلّا عذاب الاستئصال, فأغلب هذه الأمم كان فيها عذاب الاستئصال وهم يعرفونها، يعرفون قوم شعيب، يعرفون قوم لوط (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ﴿١٣٧﴾ وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) يعرفون ثمود, يعرفون صالح, يعرفون نوح, كُل أخبار هذه الأقوام يعرفُونها. فهَذا من باب التهديد لهم فيما يتعلّق بقضية هذه المقترحات التي طلبوها .. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلّا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
--------------------------------------
مصدر التفريغ/ ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق