الأحد، 29 ديسمبر 2013

الحلقــ الثانية عشرة ــة / ليلة القدر


الحمد لله حمدا كثيرا طيباً مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أّﻻ إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
 نتدارس معكم في هذا اللقاء المبارك المتجدد والذي قد بينا سلفا طريقته وقلنا نأتي بالمفردة من كلام الله -عز وجل- غالبا ما تكون مركبة تركيبا إضافيا أولها نكرة وآخرها معرفة وقد يطول العنوان أكثر من كلمتين وقد يكون عنوانا عاماً وقد يكون مجزوءا والمراد تدارس القرآن. عنوان لقاء هذا اليوم ليلة القدر وهذا العنوان نحن على يقين أنه قد مضى الحديث عنه في دروس سبقت لكن هذه السورة المباركة يمكن تدارس ما فيها من طرائق عدة والمقصود الزاد العلمي والمعرفي والفقهي واﻹيماني، وفي كل عام أو حتى أحيانا نتحرى في كل درس أن يكون هناك طريق ما حتى لا تتكرر الطرائق فلا ينتفع الناس انتفاعا مأمولا ملموسا.
 ربنا -عز وجل- يقول: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ} مر معنا أن الحديث اﻷشهر فيها أن اﻹنسان يقول كما علّم النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة قالت: أرأيت يارسول الله إن علِمت أي ليلة هي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) لكن درسنا اليوم لا يتعلق من هذا الباب يتعلق من أبواب أخر.
 يتعلق من باب لماذا سميت ليلة القدر بهذا الاسم؟
فجماهير أهل العلم لسببين:
 السبب اﻷول: أن الطاعات فيها تعطى ثوابا جزيلا ويكون لها شأن عظيم، أي يكون للطاعات شأن عظيم.
 واﻷمر الثاني: أن الله يقدر فيها تقديرا حوليا. وسيأتي التفصيل في أنواع التقدير.
هذا ما عليه جماهير أهل العلم، والمدون في كتب التفسير.
الخليل بن أحمد الفراهيدي أحد أئمة اللغة الكبار وهو الذي أنشأ علم العروض-كما تعلمون- وهذا اﻹمام صنعته اللغة فهو يقول: إن الله -عز وجل- يقول في القرآن ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) ويقول (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ما معنى (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)؟ ما معنى (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)؟ بمعنى ضُيق. هذا اﻹمام يقول: "إن ليلة القدر سميت بليلة القدر ﻷن اﻷرض تضيق فيها بمن ينزل من الملائكة" ويؤيد قوله هذا -أنا لا أرجح اﻵن أنا أتكلم عنه- أقول ويؤيد قوله هذا أن الله -عز وجل- قال (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) وأصل اﻷية تتنزل في غير القرآن، (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر) فهذا سبب ثالث إلى ما ذكره جماهير أهل العلم في اﻷول من السببين اللذين قلنا إن أهل العلم يقولون إنها سميت ليلة القدر من باب هذا الاسم.
 قلنا قبل قليل إن التقدير فيها تقدير حولي والتقدير الكتابي الذي كتبه الله -عز وجل- أو أمر الملائكة أن تكتبه يُقسِمه جمع من محققي العلماء إلى أقسام فيقولون:
 أولا: الكتابة الكونية وقالوا هذا وقعت يوم خلق الله -عز وجل- القلم فقال اكتب قال وما أكتب؟ فأمره الله أن يكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة. فهذا يتعلق بكتابة كل ماهو كائن فهو كوني من باب ماهو كائن وكوني من أنه لا يتعلق بحياة أمة من اﻷمم إنما يتعلق بحياة الخلق جميعا. هذه الكتابة الكوني الكونية.
هناك كتابة أخرى تسمى الكتابة النوعية وهي تتعلق ببني آدم -ببني اﻹنسان- وهؤلاء يقولون إنها مرتبطة بعض الشيء بما كان في عالم اﻷرواح يوم أن خلق الله أبانا آدم وأخرج من ظهره ذريته وكل نسمة كائنة إلى يوم القيامة وهي التي مرت معنا في درس الفطرة قال ربنا (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِين (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) إذا أصبح معنا كم كتابة؟ كتابان، كتابة كونية وكتابة نوعية.
وهناك كتابة فردية ودلّ عليها مافي الصحيحين عند البخاري ومسلم -رحمة الله تعالى عليهما- من طريق اﻷعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -وهو الصادق المصدوق- (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأتيه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتابة رزقه وأجله وشقي أم سعيد) بعد أن ينفخ فيه الروح. هذه الكتابة تسمى كتابة فردية، وهذا الحديث تلقته اﻷمة بالقبول وقلنا قبل قليل أخرجه الشيخان -البخاري ومسلم رحمة الله تعالى عليهما- في صحيحيهما، فالكتابة التي يقوم بها المَلَك هاهنا تسمى كتابة فردية ﻷنها تتعلق بكتابة بني آدم لكن كل فرد لوحده منفكا عن أخيه والعلماء يقولون إن المَلَك هنا اسم جنس ليس ملكا معينا بخلاف من يقبض اﻷرواح فإنه ملك معين هو وحده من يقبض اﻷرواح ربما كان معه أعوان الله -عز وجل- يقول (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ). أضحت اﻵن ثلاثة.
وهناك كتابة حولية وهي التي تكون ليلة القدر فهذه يكتب فيها ماهو كائن إلى الحول أي إلى ليلة القدر من العام الذي يأتي حتى قال عكرمة -رحمه الله- وهو أحد تلامذة ابن عباس الكبار قال: "إنه يكتب فيها من كتب الله لهم أن يحجُّوا في ذلكم العام" في شهر ذي الحجة الذي يأتي بعد رمضان قال: "يكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم". فهذه كتابة حولية.
 بقيت كتابة يومية والعلماء يعبرون عنها باﻹيجاد والخلق والتقدير ودليلها قول ربنا -تبارك اسمه وجل ثناؤه- ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فأخذوا من قوله -سبحانه- ( كُلَّ يَوْمٍ ) أنها كتابة يومية لكن لا يلزم أن تكون كتابة ولذلك قلت إنه قد يُعبر عنها بالخلق واﻹيجاد والتدبير، والعلماء -وربما اطلعتم كثيراعلى شيء من هذا- يقولون إذا ذكروا هذه اﻵية: يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، ويرفع وضيعا، ويضع رفعيا، يحكم في خلقه -تبارك وتعالى- ويدبر ما يشاء فالملك ملكه واﻷمر أمره والخلق خلقه.
تمخض عن هذا أن هناك كتابات خمس: قلنا كتابة نوعية، وكتابة كونية، وكتابة حولية، وكتابة فردية، وكتابة يومية. هذه كلها متعلقة بقول الله -جل وعلا- (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)  العلماء يقولون ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ ) هذه ظاهرة لكن اختلفوا في الروح، فظاهر القرآن أن الروح هنا اسم من أسماء جبريل، فإذا قلنا هنا إن الروح اسم من أسماء جبريل فيصبح هذا بمقتضى قواعد تفسير القرآن عطف خاص على عام فالروح إذا أطلقت على جبريل أصبحت خاصة والملائكة عام فيصبح عطف خاص على عام فيكون ذكر جبريل لوحده - تنويه به وتشريف له وهذا له نظائر في القرآن ربنا يقول (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ) فذكر جبرائيل أولا لوحده ثم ذكر الملائكة مع أنه مُندرج فيهم لكن هذا عكس الموجود في سورة القدر ﻷن هذا عطف عام على خاص، والذي في ليلة القدر -إذا قلنا إن الروح هو جبريل- فهو عطف خاص على عام.هذا رأي.
 آخرون يقولون: إن الروح اسم جنس لجمع من الملائكة وهم -أي عند القائلين بهذا- من أرفع الملائكة قدرا. وبعض أهل العلم يُغرِب -أي يقول قولا غريبا- ونحن نقوله نقلا لكن لا يلزم من قول نقوله أننا نتبناه لكن المجال مجال تعليم، مجال تفسير، يقولون: إن هؤلاء الملائكة يُسمون بالروح هم جمع وهم من أرفع الملائكة قدرا والملائكة -اﻷولون المذكورون- لا يرون هؤلاء الملائكة كما أننا نحن بني آدم لم يكتب الله لنا قدرة على أن نرى الملائكة قالوا إن الملائكة نفسها ليس لها قدرة على أن ترى جمعا من الملائكة المقربين يسمون الروح. قلت هذا الرأي -هذا القول- قال به بعض اﻷئمة لكن لا نعلم دليلا يعضده والكﻻم في الغيب أمر صعب ويحتاج إلى أثر بيّن والظن فيه ليس باﻷمر الهين، ولا نعلم قرائن تُعين على القول بهذا القول، لكننا نرجح -والعلم عند الله- أن المراد بالروح في قوله سبحانه (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر) على أن المراد به جبريل ﻷن القرآن جاء فيه أن الله -عز وجل- يقول عن الصدّيقة مريم (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) والمراد به جبريل باتفاق العلماء، والمراد به جبريل بالاتفاق، فعلى هذا أقرب إلى أن يكون المراد بالروح جبريل-عليه السلام-.
 ربنا يقول فيها (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أي أنزلنا القرآن، جمهور العلماء على أن ليلة القدر في رمضان وكان ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- وهو لا يحب للناس أن يتكلوا، ﻷن اﻹنسان دائما عندما يُسأل غالب إجابته تنبئ عن شخصيته فلما سئل -رضي الله عنه وأرضاه- أي ليلة هي ليلة القدر؟ قال: "من قام العام كله أدرك ليلة القدر" ولو وجدنا إنسانا كتب الله له أنه قام سنة كاملة -بمعنى لم يفته قيام الليل عاما كاملاً- فهذا قطعاً وافق ليلة القدر لكن هذا لا يمنع أن تكون ليلة القدر في رمضان، فلما قيل ﻷُبيّ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكلهم صحابة أجلاء ورِثوا العلم عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الحقنا الله بهم- سئل، قيل له إن أبا عبد الرحمن -عبد الله بن مسعود- يقول من قام العام كله أدرك ليلة القدر، قال: رحم الله أبا عبد الرحمن أراد ألّا يتكل الناس. ثم انظر هذا يقول قُم العام كله، يعني أبعد في التحديد، هو لم يقل في العشر الأواخر ولا في رمضان، قال قم العام كله، الآن هذا في الشق هاهنا، أبي بن كعب لم يأت بالكﻻم الوسط إنما حددها قال: "والله لقد علمت أي ليلة هي -وهو يقسم اﻵن-إنها ليلة سبع وعشرين" فانظر أحدهم يقول في العام كله هذه مدرسة وأحدهم يقسم أنها ليلة سبع وعشرين وكلاهما ومن معهما من الصحابة على الرأس والعين :
يا ليتني كنت فردا من صحابته ** أو خادما عنده من أصغر الخدم
 لكن هذا يعلمك -هذا المهم- أنه توجد مدارس علمية فليس اتباع مدرسة معناه عداوة مدرسة أخرى، وليس اتباع عالم في قول معناه عدواة غيره مِمن خالفه، والمدارس العلمية ليست أندية رياضية يتصارع الناس حولها، هذا مقام جليل، مقام فِقه دين الله -تبارك اسمه وتعالى جده- ينبغي للعاقل أن يعرف أن هذه مدارس كانت موجودة، أبو جعفر المنصور يقول للإمام مالك -رحمه-رحمه الله- "وطء للناس كتاباً تجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس" وابن عباس وابع عمر غير بعيدين في السن، ابن عمر أكبر وأقدم هجرة لكن كلاهما من أئمة اﻷعلام ومن مشاهير أهل اﻹسلام ومن الصحابة الكرام لكن هذه مدرسة وهذه مدرسة، والكوفة نشأت على يد عبد الله بن مسعود فأخذ منه أبو حنيفة العلم عن علقمة، وكذلك نشأت في الحجاز مدارس وهذا أمر بدهي، هيئة كبار العلماء في بلادنا -وفقهم الله ورعاهم- مدرسة علمية قائمة لها أصولها وكيانها، اﻷزهر الشريف مدرسة قائمة، هذه مدارس ليست بينها عداوات لكن من يضيق قلبه، يضيق عقله بمثل هذه اﻵراء لا يحتمل فإما أن توافقه وإما أن يتهمك في دينك أو في رأيك أو في قولك وليس هذا بضاعة من يعرف الله حقا أو من يعرف طرائق العلم صدقا لكن ينبغي للناس أن يوطئوا هذا السائل يسأل ابن مسعود فيقول له قم العام كله ويسأل صحابيا آخر يقول له هي ليلة سبع وعشرين ولو سأل عمر -كما في المسند- قال ليلة أربع وعشرين، هذه أفهام تختلف وكلهم ينهلون من منهل واحد، من منهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. هذا ما يتعلق بتحديدها بالجواب عنها.
 (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) أي ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر . أبعد عكرمة -رحمه الله- أبعد رأيا ليس أبعد شخصا، نحبه نواليه لكن نتكلم عن الرأي، فقال: "إن ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان" وقال "إن الله يقول في سورة الدخان(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)" وقوله هذا -رحمه الله- يخالف القرآن من باب أن الله قال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) والنبي -صلى الله عليه وسلم- بالتواتر ارتقبها في العشر الوسطى ثم أتمّ اعتكافه في العشر الأواخر وقيل له إن الذي تتحراه أمامك فتحراها -صلى الالله عليه وسلم- في العشر الأواخر وقال (أرى رؤياكم تواطأت أنها في العشر الأواخر). فظاهر القرآن، ظاهر السنة على أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والعلماء في هذا يجتهدون لكنك لو رجعت إلى عبدالله بن مسعود ونصيحته والله تطمئن نفسك ولهذا أعرف بعض الحذاق -يعني يفقهون كيف يدعون- كل ليلة إذا أوتروا يقولون "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" وهذا لا يكلف شيئاً، دعاء فإن وافق ليلة القدر فبها ونعمة وإن لم يوافق ليلة القدر فبها ونعمة ﻷن اﻹنسان لا يُدرى أي دعائه أقرب وأي دعائه أسمع، لا يُدرى أي ساعة دعا فيها تقبل الله -عز وجل- منه.
خاتمة اﻷمر : الصدق مع الله، من أراد أن يفلح قبل أن يقرأ ما دونه العلماء، قبل أن يشتغل بزيد أو عمرو يسأل الله أن يرزقه الصدق معه، من يرزق الصدق مع الله فيما يقوله وفيما يفعل دعك من الناس ورؤيتهم لك أحبوك أو ذموك، والناس إذا أحبوا أحداً نسبوا إليه كل خير، وإذا ذموا أحدا نسبوا إليه كل شر، وهذا لا يمكن أن ينكره أحد لكن لا يمكن أن يكون هؤلاء الناس هم الذين يتولون الحساب عنك يوم القيامة وأنت أعلم بسريرة نفسك ذموك أم مدحوك والمراد قضية الصدق مع الله.
 كنت عصر هذا اليوم أزور الشيخ خالد الرومي عائد من خارج البلاد لرحلة علاجية فوجد مسجدا صلى فيه فأُخبر بقصة شراء المسجد. كان هذا المسجد في الولايات المتحدة الأمريكية مبنى استأجره المسلمون من يهودي، ثم إن هذا اليهودي كلما رأى كثرت الصفوف وحاجتهم للمسجد طلب الزيادة في الآجار، فقام إمام المسجد يخبر الناس بالقضية أن الكراء -الآجار- زاد علينا فقام فتى مصري حاضر الصلاة -صلاة الجمعة- وأتى بمال وهو يعمل يبيع في -كشك- أسفل المسجد يبيع أطعمة -طعام مصري معروف- فقال: هذا ما جمعته طوال العام خذه أيها اﻹمام وافتح به باب تبرع لشراء المبنى، فقالوا الناس نحن اﻵن مغرمون في اﻵجار كيف الشراء؟! قال هذا الذي وقع في قلبي. فلما قال هذا -المبلغ الذي أتى به يسير جدا- تتابع الناس يوم يومين ثلاثة أربعة حتى اجتمع لدى اﻹمام مبلغاً وافيا كافيا رضي به صاحب المبنى فاشتُري المبنى وأصبح مسجدا.
 اﻵن أي أحد كان حاضرا يقع في قلبه أنه ربما هذا الفتى قام رياء، يقع في القلب أن تظن به الرياء لكن هذا الفتى هو أعلم بنفسه وأعظم علما منه بنفسه ربه، في نفس العام كتب الله له أن يحجّ وأتى الحجّ في عشية عرفة وهو قائم يدعو قُبضت روحه.
 الله يقول (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) هذا أمر يدل على أن هذا الرجل -رحمة الله تعالى عليه- كان صادقا حقا مع ربه فلا يمكن أن توصي أخا لك تريد أن يوفق، أن يكون قريبا من الله، أن يكون متقبلا عمله بوصية أعظم من أن يصدق مع الله. من صدق مع الله صدقه الله. جعلني الله وإياكم من الصادقين وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق