الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

الوقفــ الثالثة ــة من جـ 24 / مع قوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)


هذه الوقفة الثالثة : وهي من سورة فصّلت عند قول الله -جل وعلا- : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
هنا رب العالمين يقول بعد أن رأى هؤلاء ينصبون الأنداد -الأصنام- التي لا تنفع ولا تضر ويجعلونها أنداداً يعبدونها من دون الله ، قال جل وعلا : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وأخبر-جل وعلا- أنه خلق الأرض وبارك فيها وقال : ( وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) سنقف الآن وقفات إيمانية حول هاتين الآيتين .
الوقفة الأولى في ضمن الوقفة الثالثة :
 لما خلق الله الأرض جعلت تميد -كما في حديث حَسَن- فخلق الله الجبال رواسي لها فتعجبت الملائكة فقالت : أي رب هل في خلقك خلق أعظم من الجبال ؟ قال الله : نعم الحديد ، قالت الملائكة : أي رب هل في خلقك ماهو أعظم من الحديد ؟ قال الله : نعم النار ، قالت الملائكة : أي رب هل في خلقك ماهو أعظم من النار ؟ قال الله : نعم الماء ، قالت الملائكة : أي رب هل في خلقك أعظم من الماء ؟ قال الله : الريح -لأنها تحمل السحاب- ، قالت الملائكة : أي رب هل في خلقك من هو أعظم من الريح ؟ قال الله رب العالمين : نعم ابن آدم يتصدق بصدقة فيخفيها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، هذا من أعظم القرائن على عظَمَة العمل الصالح ، فالإخلاص عزيز وإخلاص العمل لله ليس ليس أبداً بالشيء اليسير فيلزم المرء ، يحتاج المؤمن إلي الكثرة من الأوبة والتوبة والإستغفار وسؤال الإخلاص ومجاهدة النفس . هذا ما يتعلق بالجبال لما قال الله : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا ).
 وأما السماء والأرض فقد قال بعض العلماء أن لكل أحد من بني آدم باب في السماء ينزل منه رزقه ويصعد منه عمله ، فإذا مات ابن آدم أُقفل هذا الباب لأنه بالموت انقطع الرزق ، وبالموت وُفّي العمل ، فلا يصعد عمل ولا ينزل رزق ، فإن كان العبد عبداً صالحاً بكى هذا الباب عليه لفقده للعمل الصالح الذي يعبر من خلاله ، قالوا -والعلم عند الله- : هذا معنى قول الله : (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) . قال ربنا هنا في هذه الآيات : (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) فجعل هذه النجوم زينة وحفظاً وقال في آيةٍ أخرى : (وَعَلَامَاتٍ).وأصبح هذه النجوم -ظاهر القرآن- أنه محصور بثلاث :
تكون رجوماً للشياطين وهذا معنى ( وَحِفْظًا ) ، وتكون زينة وتكون مصابيح .
 الذي نريد أن نصل إليه في هذا الشأن زيّنها الله بالشمس والقمر لكنه جعل الشمس آية ظاهرة ، وجعل القمر آية ممحُوّة وقال : ( فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ) والعرب تضرب المثل في الجمال بالقمر ، وتضرب المثل في الشيء الظاهر البيّن بالشمس ، ففي حقيقتهما ما يفتن العباد ، فلما كان فيهما ما يفتن العباد قضى الله عليهما بالخسوف والكسوف حتى يُعلم أن الكمال المطلق لا يكون إلا لله ، وقد قلنا غير ذات مرة نبيّنا -صلى الله وعليه وسلم- سَبط الشعر في جبينه عرق يدرّه الغضب ، أشمّ الأنف طويل أشفار العينين ، أبيض مشرباً بحمرة ، كث اللحية ، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، كأن عنقه إبريق فضة ومع ذلك شُجَّ رأسه وكُسرت رباعيته يوم أحدٍ ودخلت حدائد المِغْفَر في وجنتيه ، وقام علي وفاطمة يرممان الجرح ويأتيان بالجريد والحصير ويحرقانه ويضعان رماده على جسده ووجهه -صلى الله عليه وسلم- حتى يكُف الدم ، والله قادر على أن يحفظ وجه نبيّه من مثل هذا لكن لما يرى الصحابة هذا يعلمون أن الوجه الذي لا يحول ولا يزول هو وجه الله جل جلاله ، وعندما يرى الناس الشمس كل يوم فيُفتَنون بها فتُكسَف -وقد كسفت في عهد النبوة- يعلمون أنها لوكانت إلهً لوكانت تسيّر أمرها ما كُسفَت لكن يعلمون أن الشمس والقمر لا تخرجان عن كونهما آيتين من آيات الله تُسيّر بأمره -تبارك وتعالى- : (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فهذا من التدبّر والتأمل في آيات الله جل جلاله . ثم أن هذه السماء منها تصعد روح المؤمن فتمرُّ على أبينا آدم أرواح بنيه ونحن قطعاً ستصعد أرواحنا ولا ندري هل يفرح بها أبونا أو لا يفرح بها ، كلٌ بحسب ما يُختم عليه ، للسماء خَزَنة ملؤها إن صعدت روحك وهي طيبة تُنادى رُوحك -وستسمعها- بأحسن أسماءها في الدنيا ، يقول -صلى الله عليه وسلم- : (مررت ليلة أُعرِجَ بي بريح طيبة قلت ما هذا ياجبريل ؟ قال : هذه ريح ماشطة ابنة فرعون ، قال : وما ماشطة ابنة فرعون ؟ -يعني مازدتني إلا ضباباً- ، قال : إن ماشطة ابنة فرعون جارية كانت تمشط لابنة فرعون شعرها فسقط المشط من يدها فهمّت تتناوله قالت : بسم الله -ابنة فرعون لم تألف هذا من قبل لم تألفه من قبل- قالت: هذا أبي -يعني إسم جديد لأبي- قالت : لا ، هذا ربي وربك ورب أبيك ، غضبت الفتاة قالت : لأخبرن أبي ، قالت الجارية : أخبريه، فأقدمها فرعون -أقدم الماشطة وهو فرعون وحوله جنده وزراؤه خدمه حشمه ودخلت جارية ماشطة جُملة رزقها من مشط الشعر- قال لها : ألكِ رب غيري؟ قالت : ربي وربك الله الذي في السماء ، فقضى عليها أن أحرقها في نُقرة من نحاس ، جاء بنقرة أشبه بالإناء الكبير ووضع فيه زيتاً ثم ألقاها ومعها أبناءها فالآخِر منهم أنطقه الله قال : يا أماه اثبتي فإنكِ على الحق فرماها) ما أراده فرعون قالته السحرة من قبل (إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ماتت وهي حتى لو عُمِّرت ستموت ، حتى لو عفا عنها ستموت ، فالموت كلٌ مصيره إليه ، عاشت حياة البرزخ ، لمّا أجَلَّت الله في الدنيا أجلّها الله في البرزخ ، فيمر الملائكة جبريل معه خير الخلق والنبيين محمد -صلوات الله وسلامه عليهما -فيجدان في السماوات -هذا موضع الشاهد- ريحاً طيبة لهذه المرأة ، وكل أحد الجزاء من جنس العمل ، أخبرنا الله -جل وعلا- بهذا وسكت عن كثيرين من عباده المكرمين وقد يقع هذا حتى في بعض الصالحين في زماننا لكن لا سبيل إلى المعرفة حتي نموت ، والمقصود أنه روحك ستمر على السماء فالعاقل من وطّن نفسه على العمل الصالح واستعد ليوم تصعد فيه روحه إلى رب العالمين جل جلاله ، ولا أحد يهدي ويرحم ولا يغفر إلا الله . بلّغنا الله وإياكم الدرجات العُلا وألبسنا الله وإياكم لباسي العافية والتقوى والحمدلله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق