الاثنين، 11 نوفمبر 2013

الوقفــ الأولى ــة من جـ 22 / التعريف بمجمل سورة الأحزاب


 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.. فهذه وقفات ثلاث مع الجزء الثاني والعشرين ، والجزء الثاني والعشرين تقريباً يبدأ من منتصف سورة الأحزاب ، ولم نكن قد تعرّضنا لشيء من هذه السورة في الجزء الواحد والعشرين ، سنعرض لبعض آياتها -إن شاء الله تعالى- في هذه الوقفة ، لكن قبل أن نقف نبيّن السورة عموماً وإن كان في ذلك فيئاً إلى أوائل الجزء الواحد والعشرين .
 سمّيت سورة الأحزاب بهذا الاسم لأنه ذُكر فيها الأحزاب ، وكلمة أحزاب تدل على أن هناك جماعات اجتمعوا ، لمَ اجتمعوا ؟ لأنهم قبائل ، فلما ألّبت يهود الناس على النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتمعت قبائل العرب ، فعُيينة بن حصن قاد غطفان وجاء من جهة الشرق ، وأبوسفيان قاد قريشاً وجاء من جهة الجنوب ، فاجتمعت عدة قبائل ، كل منها بقادتها ولهذا سماها الله -جل وعلا- أحزاباً لتحزّبهم على أمر واحد حتى يضربوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوس واحدة .
صعب علينا أن نتكلم عن سورة الأحزاب ، عن آيات منها ونغفل شيئاً من أوائلها بصرف النظر عن الأجزاء (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) وهذه شهادة من رب العالمين للجيل الأمثل والرعيل الأكمل أصحاب محمد -صلوات الله وسلامه عليه- .
 حصلت أمور عدة يستفيد منها المؤمن ، الحضارات أيها المبارك نقلها لا يلزم أن تكون شرعية ، فالشرع عندنا كامل ، لكن الاستفادة من حضارات الآخرين لا بأس بها خاصة إذا كانت نافعة ولا تعارض شرعنا ، فالعرب لم تكن تعرف حفر الخندق كوسيلة لدفع العدو فأشار سلمان -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- به فقَبِلَه لما له من مصلحة ظاهرة .
 في غمرة الجوع يذبح جابراً شاة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ورفقاء معدودين معه لكن الشاة تُطعِم عدداً كبيراً من الجيش :
 وشاة جابر يوم الحرب معجزةٌ ** نِعم النبي ونِعم الجيش والشاة
 إني أتيت ببعض المدح معتذراً ** فمدحك الوحي والسبع القراءات
 صلوات الله وسلامه عليه. كما ظهر هذه الخصيصة  للمؤمنين من الصحابة ظهر المنافقون الله -جل وعلا- يقول : (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا)
فحتى يُعين بعضهم بعضاً على الفِرار والخُذلان أعادوها قومية قديمة فقالوا : (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ) لا يريدون أن يقولوا يا أهل المدينة حتى لا يُبقُوا على صِبغة الإيمان ، أعادوها قومية قديمة (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) والله يقول : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا) ، وقال -جل وعلا- عنهم في هذه السورة قال : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا) الآن تأمل عقليّاً لمّا قال ربنا : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) هذا نفي أم إثبات ؟ نفي ، فنفى الله عنهم أنهم يأتون البأس، ثم قال (إِلاَّ قَلِيلا) هذا إثبات ، لا يُعقل أن يأتي أحد فيقول إلا قليلاً منهم يأتون هذا غير صحيح ، لا يتم بهذا معنى ، والقرآن يُنزّه عن مثل هذا لكن لابد هناك من معنى .
أولاً كلمة ( بَأْس ) جاءت في القرآن بمعنى الشدة واللأواء (مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) وجاءت بمعنى العذاب الذي ينزل من عند الله ( فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ) أي من عذاب الله إن جاءنا. وجاءت بمعنى الحرب والقتال وحومة الوغى وساحة المعركة كما هو الآن ( وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) ما معنى قول الله عن هؤلاء المنافقين ( وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) ؟ بيانه كالتالي -وأنا أضرب أمثلة من واقع الناس تُقرب المعنى ولا يلبث أحد أن يستطيع أن يطبقها على الواقع فيفقهها- ثمة صديق يعمل في شركة ما أو في دائرة ما ، أراد أن يتزوج وهو شخص شِبْهُ مقطوع، يحتاج إلى من يقوم في يوم زواجه معه ، يستقبل الأضياف ، يشرف على الطعام ، وما يترتب على إقامة هذا الاحتفال ، فله أصحاب كلٌّ يدّعي صحبته ، أصحاب خُلّص وأصحاب كاذبون ، فالأصحاب الخُلّص أتوا من أول النهار ، من أول ساعة العمل إلى آخره ، وهؤلاء نظيرهم في الخندق الصحابة ، وأصحاب كاذبون ، ما معنى (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) لا يأتون الفرح إلا قليلاً ، علموا أن الصديق سيأتي الساعة العاشرة صباحاً فيطمئن فسبقوه ، فإذا جاء يطمئن فإذا هم بكامل هيئتهم فلما خرج خرجوا وراءه ، فلما جاء في المساء ليحضر ويطلب من الناس أن يدخلوا صالة الطعام إذا بهم مصطفون عند صالة الطعام يُرحبون كما يرحب ، فلما دخل الناس خرجوا ، فلما أرادوا أن يذهبوا به إلى زوجته إذا بهم يأتون ويقفون عند باب سيارته حتى يراهم وذهبوا ، فهم حقيقة لم يأتوا لأنهم لم يصنعوا شيئاً ، وهم في نفس الوقت احتاطوا لأنفسهم حتى إذا جاء الغد قالوا كنا معك كذا وكذا وكذا وهم في حقيقة الأمر لم يصنعوا شيئاً ، فالخندق حُفر والنبي -صلى الله عليه وسلم- قسّم الصحابة إلى مجموعات ، وكل جماعة أناط بهم قطعة من الأرض يحفرونها ، فالصحابة الخُلّص يتناوبون، يقومون بالأمر ، هؤلاء إذا سمعوا أن النبي جاء يريد أن يقول توجيهاً جاءوا وسمعوا ، فالنبي يراهم ، وإن خلُص -صلى الله عليه وسلم- إلى غيرهم انصرفوا هم إلى بيوتهم ولم يصنعوا شيئاً ، فأثبت الله لهم ما صنعوه ، ونفى الله عنهم ما لم يصنعوه ، وبيّن -جل وعلا- في الآيات أنه لم يكن منهم عون لنبيّه -صلى الله عليه وسلم- قال -جل وعلا- : (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا).
وقال -جل وعلا- في السورة : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) الصدق مع الله هو الدين كله ، ولهذا قال الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) والإنسان إذا صَدَق مع الله يَصْدُقه الله . في معركة بدر جاء الأسرى ، تعلمون أن الصحابة اختلفوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسألة الأسرى ، فآخر الأمر اُتُفق على أن الأسرى هؤلاء يدفعون عِوضاً فإن دفعوا عِوضاً خُلِّيَ سبيلهم ، فالعباس بن عبد المطلب كان أحد الأسرى ، كان يقول : أنا آمنت . فقال الله -جل وعلا- : ( قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ) أنتم الآن فديتم أنفسكم وأنتم أحد أمرين : إن كنتم صادقين أنكم تريدون الدِّين ما دفعتموه عِوضاً سيُعوضكم الله إياه ، وإن كنتم كاذبين فإنكم أنتم أو غيركم أو سِواكم لن تُعجزوا الله . كان العباس صادقاً فجمع مبلغاً كان مُدخراً وفدى به نفسه ، ثم إنه بعد أن عاد إلى مكة وبقي على إسلامه لا لأنه خرج من الأسر ، بقي على إسلامه أتاه الله أرقاء كثيرين قرابة العشرين فكانوا يعملون له ويأتون بالمال له فكان يجمع في الشهر كذا كذا ألف، فهو يقول : عوضني الله خيراً وإني لأرجو بعد ذلك من الله الجنة . لأنه صدق مع الله ، والله وحده من يتولى السرائر، والصدق مع الله هو قوت القلوب ، وهو السبيل الأعظم إلى رحمة علام الغيوب.
هذه الوقفة الأولى من الجزء الثاني والعشرين وخصصناها للتعريف بمُجمل سورة الأحزاب.
-----------------------------------------------------
الشكر موصول لمن قامت بتفريغ الحلقة وفقها الله ونفع بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق