الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

قوله تعالى في سورة الزمر (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) / (فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)
 (حتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) أبوابها مفتوحة، ما هي مغلّقة، لأن من عادة الكريم أن يفتح بابه لمن يريد أن يكرمهم قبل أن يصلوا إلى بيته ليروا غاية الإكرام ، لكن إذا أغلقوا الباب دل ذلك على الإهانة.
 فإن قلت قال في الآية الأولى (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) قلنا نعم جاؤوها عند المجيء تفتح فصار فُتِحت جواب (إذا) وهنا لم يأتِ بالجواب بل جعله مقدراً (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) حصل لهم من السعادة والسرور والطيب واللذة والحبور والنعمة والفضل والمنزلة والدرجة شيء لا يوصف ولا يقادر.(1)

 / (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) "الواو" للحال والجملة حالية بتقدير "قد" على المشهور أي: جاءوها وقد فتحت لهم أبوابها كقوله تعالى (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) ويُشعر ذلك بتقدم الفتح كأن خزنة الجنات فتحوا أبوابها ووقفوا منتظرين لهم، وهذا كما تفتح الخدم باب المنزل للمدعو للضيافة قبل قدومه وتقف منتظرة له، وفي ذلك من الاحترام والإكرام ما فيه، والظاهر أن قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا) ... الخ عطف على (فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)  وجواب (إذا) محذوف مقدر بعد (خالدين) للإيذان بأن لهم حينئذ من فنون الكرامات ما لا يحيط به نطاق العبارات كأنه قيل: إذا جاؤها مفتحة لهم أبوابها وقال لهم خزنتها (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) أي من جميع المكاره والآلام وهو يحتمل الإخبار والإنشاء.(2)

 / (وَفُتِحَتْ أبوابها) 
فإن قيل قال أهل النار فتحت أبوابها بغير الواو ، وقال ههنا بالواو فما الفرق ؟
قلنا الفرق أن أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها ، فأما أبواب الجنة ففتحها يكون متقدماً على وصولهم إليها بدليل قوله (جنات عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب) [ ص : 50 ] فلذلك جيء بالواو كأنه قيل : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها.(3)

 / قال ابن القيم : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)  قال في صفة النار (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) بغير "واو" ، فقالت طائفة : هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو . وهذا قول ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين.
 وقالت طائفة أخرى : الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية. وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة.         
وقالت طائفة ثالثة : الجواب محذوف وقوله (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) عطف على قوله (جَاءُوهَا) 
وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج وغيرهم.
 قال المبرد: وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم قال أبو الفتح بن جني وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به.
 بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة وذكره في آية أهل النار؟ فيقال هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزى فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول ، وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعوه ما شاء الله أن يدعوه ثم يأذن له في رفع رأسه وان يسأله حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح ابوابها فيشفعه ويفتحها تعظيما لخطرها وأظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه وإن مثل هذه الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد.(4)

 / قال في النار { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وفي الجنة { وَفُتِحَتْ } بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها. وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.(5) 

لماذا يقال ادخلوا أبواب جهنم ولا يقال ادخلوا جهنم؟
 لأن العذاب يصل إليهم من الباب ، فالباب من حين ما يفتح يفجؤهم بعذاب مهيب وصوت مفزع فيُقال ادخلوا الأبواب فما ينتظركم في النار أعظم مما يأتيكم في الباب. أما المتقين ما قال ادخلوا أبوابها لأن المؤمنين لا يجدون النعيم عند الباب ، النعيم في الداخل ، الغرف والدور والقصور ، أما الكفار (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) لأنه عند الباب يبدأ العذاب ، عذاب لا يطاق.(6)
 --------------------------------------------------
1- تفسير سورة الزمر / د.محمد بن عبد العزيز الخضيري / دورة الأترجة .
 2- روح المعاني الألوسي
3- مفاتيح الغيب
4- حادي الأرواح
5- تفسير السعدي
6- تفسير سورة الزمر / د.محمد بن عبد العزيز الخضيري / دورة الأترجة .

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم ادخلنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، واصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما

    ردحذف