الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

الحلقـــ الخامسة ـــة / (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) -٢-



الحمد لله على فضله والصلاة والسلام على أشرف رسله وخير خلقه وبعد:
فهذا اللقاء الثاني من عنوان (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) ضمن لقاءات متعددة من برنامجنا المبارك (مع القرآن) والذي نتدارسه هذا العام في جامع الد.ناصر الطيار بـ (عرقة) بمحافظة الدرعية بمدينة الرياض ، أسأل الله لنا ولكم فيه التوفيق.
  في اللقاء الأول تحدثنا فوائد تاريخية مُستقاة من قول الله -جل وعلا- (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) وقلنا إن العنوان العام (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) الآن نتدارسها فقهياً وإيمانياً.
 قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) بدأ بالأمهات لعظيم حقهن وجليل مكانتهن وعظيم حرمتهن ، الأمهات : جمع أم -أيّا كانت أقوال أهل الصرف فيها وتكلفهم- لكن هناك والد وهناك والدة ، وهناك ثلاثة حقوق وهناك حق ، الثلاثة للوالدة والحق للوالد . فيم يجتمع الوالد والوالدة؟ في الإيجاد ، في أنهما سبب وجود المولود إذ لا يُتصور -بقدر الله- وجود أحد إلا وله والد وله والدة ، إذا اشتركا في سبب الإيجاد ، فلهذا حق للوالد وحق للوالدة ، الآن انتهى حق الوالد ، بقي للوالدة حقان ينبغي أن يسأل الإنسان نفسه من أين أتيا هذان الحقان للوالدة؟ لابد أن يكون هناك سبب لا تشترك فيه المرأة مع الرجل وإلا لو يشترك فيه الرجل مع المرأة لأضحى له حق مثلما للمرأة . وهذان ظاهران : الحمل والرضاعة فالأب لا يحمل ولا يُرضع ، فبحملها ورضاعتها زادت على الوالد فعظُم حقها على حق الوالد من هذا الباب فبدأ الله -عز وجل- (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) قلنا هؤلاء المحرمون بالنسب ، ثم قال ربنا ، ذكر الرضاعة قال (وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) لما قال أمهاتكم (وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) علمنا أنه يقصد غير الأمهات الأول فهذه أم رضاعة لا أم ولادة ، (وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) وزاد عليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- (يحرُم من الرضاع ما يحرُمُ من النسب) الآن هذا حق الرضاعة.
 ثم قال -جلّ ذكره- يذكر المحرمات بالمصاهرة (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) قال (وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) امرأة عندها ابنة من رجل ما ، مات عنها أو طلّقها فجاء الرجل وعقد على هذه المرأة لكنه لم يدخل بها ثم طلقها قبل الدخول بها فجاز له بعد ذلك أن ينكح بنتها لأن الله يقول (وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) يعني محرمات (فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ) انتفى التحريم (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) يعني أن تنكحوهن ، لكنه لو دخل على الأم حُرِّمت البنت والفقهاء يقولون لو عقد على البنت ثم طلق فإن الأم لا تحِلّ ، تحرُم ، فإن الأم تحرُم ليست كبنتها .
ثم قال -جل وعلا- (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) الحلائل : جمع حليلة بمعنى أن الله -جل وعلا- أحلّها له ، (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) نفي للابن المُتبنى ويدل عليه ما ذكره الله -عز وجل- في سورة الأحزاب من قوله -تبارك وتعالى- (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا) فالذي يُتبنى -يُدعى- غير الإبن من الصلب ، (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) قلنا هذا كله تحريم على التأبيد . ثم قال تحريم التوقيت (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) إلى الآن الآيات ظاهرة. لكن قوله -جل ذكره- (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ، (الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) هنا معطوفة على ماذا؟ على كل ما سبق ، على الأمهات والمعنى: حرمنا عليكم الأمهات وحرمنا عليكم المحصنات من النساء إذاً ما الذي نحاول أن نستله ونبحث عنه؟ معنى كلمة المحصنات من النساء أنها محرمة والله يقول بعدها (إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ،(إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) هذا مستثنى من أين؟ من المحصنات . الآن والدتك -قد تكون والدتك متعلمة- جدتك لم تدرس وتقيم وليمة لأبنائها وأسباطها وأقاربها -تعرفهم- كلما جاءت تُقرّب الغداء ، العشاء قالت اجتمعوا؟ قال أحدهم : حضرنا جميعاً إلا خالداً ، الآن بالعقل هذه الجدة لم تدرس -حفظها الله ورعاها- لكنها فهمت أن خالداً مستثناً من حُكم ، بمعنى أن الحضور شمل الجميع إلا خالداً ، إذاً معنى الاستثناء: تخرج شيئا من حكم ، تقول كافأ المعلم الطلاب إلا زيدا ، حُكم المكافأة إلا زيداً أخرج زيداً من الحكم.
ربنا يقول (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) معنى الآية: إلا ما ملكت أيمانكم مستثنون من حكم تحريم المحصنات من النساء ، إلى الآن أنا لم أقل ما معنى المحصنات من النساء معناها : المتزوجات من النساء ، قد يقول قائل: هذا أصلا لا يُقبل ، معروف أن المرأة المتزوجة لا أحد يريد أن يتزوجها ، لكن ستفهم إذا فهمت الآية جيداً .
الله يقول (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) أفادت أمرين :
 الأول: أن المرأة لا يجوز شرعاً أن تكون في ذمة رجلين ، وهذا استقرت عليه أعراف الناس قديماً وحديثاً في جميع المِلل ، لكن قوله تعالى (إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يبين لك الأمر ، متى تبتدئ المرأة أن تكون مُلك يمين؟ إذا سُبيت أصبحت مُلك يمين ، معنى الآية: أن السبي يرفع حكم الزوجية، يصبح معنى الآية نأتي به في السنة : جويرية بنت الحارث هذه أم المؤمنين ، النبي -صلى الله عليه وسلم- غزى بني المصطلق وكان زوجها اسمه مسافع فوقعت في السبي وزوجها حي لم يطلقها لكن وقوعها في السبيي الغى حكم الزوجية فأصبحت في السبيي مُلك يمين فأعتقها النبي -صلى الله عليه وسلم- أعان على عتقها ثم تزوجها فيُصبح معنى الآية المرأة المتزوجة لا سبيل لك عليها توقيتاً معطوف على (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) لكن إذا كانت عن طريق السبيي فإن السبي يرفع حكم الزوجية فتُصبح مُلك يمين فتحِل لأن "إلا" استثناء وقلنا أن الاستثناء يرفع الحكم ، قلنا في موضوع الجدة ، موضوع النجاح ، أنه يرفع الحكم فيُصبح معنى الآية (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) لا سبيل لكم عليهن أن تتزوجوهن إلا أن تكون سبياً فإن السبي يرفع حكم الزوجية.
 حتى تفهم لماذا شرع الله هذا . لا يمكن أن يكون هناك دين حتى يكون هناك ناس ، إذ لا يوجد ناس لا يوجد دين ، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال يوم بدر "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض أبداً" يعني إذا ماتوا هؤلاء ما فيه أحد يعبدك ، إذا لم يوجد ناس لا يوجد دين ، حتى يحمي الله عَصَبة المؤمنين عظّم هذا الأمر وهو: أمر كيف تغلبون أعداءكم من أهل الأوثان، كيف عظّمه؟ العرب الغيرة فيها إلى أبعد حد وكان الإسلام وقت ذاك في المدينة وجزيرة العرب كلها كافرة ، لو تكالبت هذه الجزيرة كلها على المدينة العدد معهم فحتى يرتدعوا ولا يأتوا المدينة أباح الله لنبيه وللمسلمين أنهم إذا سبوا من الكفار حلّ لهم أن يتزوجوهم فالعرب تخشى السُّبة ، تخشى العار ، كلما جاء أحد من قريش للعرب تعالوا معنا نغزوا المدينة ما الذي يحسبه العربي؟ يخاف أن يُغلب فيُسبى أهله فيُصبحوا حلالا لمحمد وأصحابه فيرتدع ، شاع هذا الحكم في جزيرة العرب ، فلما شاع هذا الحكم في جزيرة العرب لم يجد الناس قوة ولا بعثاً في أنهم يوافقوا قريش في كل ما تقول ويغزون المدينة ، التي هي مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فكان هذا الحكم حفاظا على وحدة المسلمين ، لكن ينبغي أن يُفهم القرآن حقاً ، الآية تتكلم عن كفار صريحي الكفر ، مو يأتي إنسان للمسلمين يرفع عليهم السيف ويُكفّرهم ثم يستبيح دماءهم ونساءهم هذا من أبين الباطل وأعظم الضلال ، لكن الآية تتكلم عن كفار ، إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ولا يؤمنون بالشهادتين لا أُولاها ولا أُخراها ولا يقيمون الصلاة ولا يعترفون بـلا إله الا الله ولا أن محمداً رسول الله ، لم يدخلوا الإسلام طرفة عين ، ولو قلت لأحدهم إنك مسلم لأبى وقال أنا صابئ لا أريد الإسلام ، تتحدث الآية عن هؤلاء لا تتحدث عن ما يظهر في أزمنة متعددة وأحقاب متنوعة وغير ذلك .
فقال -جل وعلا- (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْهذا عنوان الحلقة أي: الزموا كتابه ، الزموا هديه ، الزموا شرعه .
(وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ) اي هؤلاء هن المحرمات وما سوى ذلك لكم معشر المؤمنين أن تنكحوهن (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) والآية تتحدث عن المهر (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) معنى ذلك أن الرجل اتفق مع أهله على أن المهر مثلاً ثلاثون ألفا ثم بعد أن تزوجها ودخل بها قال لها حبذا لو جعلت المهر أقل لسوء حالي وقلة ذات يدي وما أشبه ذلك فلو وافقت فإن الله يقول (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، والمقصود هاهنا ذكر ما بيّناه من قضية أمر النكاح في دين الله -تبارك وتعالى- ، والآية إذا ضُمت إلى غيرها -وهذا في المُحرمات- إذا ضُمت إلى غيرها من الآيات التي ذكرهن الله -عز وجل- في كتابه العظيم عن النكاح عُلم أن النكاح من أعظم المُباحات قال الأول:
فإن كان النكاح أحلّ شيئ ** فإن نكاحها عمرا حرام
فطلقها فلست لها بكفء ** وإلا يعلو مفرِقَك الحسام
 هذي شواهد نحوية لا تشغل بالك بها ، لكن أنا أريد أن آتي للمقطع الذي يقول فيه :
" فإن كان النكاح أحل شيئ" لأن الله -جل وعلا- يقول (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) وقد اختلف الناس في قضية التعدد هل هو أولى أو أن يبقى الإنسان على امرأة واحدة؟ والذي يظهر لي من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء من قبله وقد قال -عز وجل- (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) أن التعدد أولى وأحرى وأولى وأقرب إلى السنّة لكن لا يُلزم به كل أحد ، ولا يلزم أن يأتِه كل من يراه حقاً ، لكن لا ريب أن إحياءه فيه حفاظ لكثير من أخواتنا المؤمنات اللاتي لم يكتب الله لهن بعد الزواج.
هذا ماتيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله وصلى الله على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق