الاثنين، 9 سبتمبر 2013

الوقفــ الثالثة ــة من جـ 20 / تتمة الوقفة السابقة


الوقفة الثالثة تتمة للثانية والأولى ، وأنت تدرك من هذا الشرح أن لنا طرائق متعددة في هذه الوقفات ففي كل جزء نتخذ طريقة وقد نتخذ في أجزاء معينة طرائق محددة فإننا تكلمنا عن موسى بعد بعثته في لقاءات مضت والآن نتكلم عن مراحل حياته الأولى كما قصّ الله في سورة القصص ، قال ربنا (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) يترقب ماذا؟ الصواب أنه يترقب المكروه (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) "إذا" هنا تُسمّى عند النحاة إذا الفجائية قال الله (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ  قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ) رجل شديد المُلاحّة تُعينه على نفسك ، لما قال موسى هذا العتاب للرجل الذي من بني إسرائيل وهو أقبل على القبطي ظن الإسرائلي أن موسى يريد أن يقتله فالناس شاع في البلد أن هناك مقتول لكن القاتل مخفي لا يعرفون من هو ، فهذا الإسرائيلي كما قال عنه موسى (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ) (قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)  من الذي وعى الأمر الآن؟ القبطي فأخبر به فرعون فاجتمعوا لينظروا في أمر موسى فلما اجتمعوا كان هناك رجل مؤمن -قيل إنه مؤمن آل فرعون- علِم بهم فأتى يُخبر موسى بما صنعوا قال الله -جل وعلا- (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) فـ "يسعى" جملة فعلية فاعلها ضمير مستتر تقديره "هو" وهي هنا صفة لـ"رجل" لأن القاعدة تقول: إن الجمل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات . (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى  قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) الملأ في القرآن بمعنى أشراف الناس وسادتهم وأهل الحل والعقد فيهم.
(إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ*فَخَرَجَ مِنْهَا)  أي من أرض مصر (خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) في الأول قلنا يترقب المكروه أما الآن يترقب نصر الله ، (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ*وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ) تَوَجَّهَ بمعنى: أقبل على الشيء بوجهه (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ  قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ) في قوله هذا (عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ) قال ابن عباس والعلماء من بعده : "هداه وأي هداية لم يكن لموسى يوم أن خرج من أرض مصر إلى أرض مدين شيء يملكه إلا حُسن ظنه بربه " فحُسن ظنه بربه أورثه بعد ذلك برحمة الله له مقام النبوة ومقام الرسالة ومقام التكليم (عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ) قال الله (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) هذه نقولها على عجل -حفاظا على الوقت- ورد ماء مدين وجد أمة من الناس أي جماعة ، وجد إمراتين تعجب من حالهما الرجال والرعاة يأخذون الغنم إلى البئر وهؤلاء يدفعون الغنم عن البئر فتعجب فلم يشغله ما فيه لأن القوي قوي في شخصه فلم يشغله حاله عن حال الناس فتوجه إليهما يسألهما فبدأ بالسؤال قبل أن يُعينهما حتى يستبين على أي أمر يعينهم (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا) ما شأنكما حالكما يدعو للغرابة لماذا جئتم إلى البئر إن كنتم تمنعون الغنم عن البئر؟ (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء) حتى ينتهي خوفا من الزحام ونحن نساء ، طيب ما الذي أخرجكما وأنتما نساء؟ هذا في نفس موسى لم يقله ، لم يدعاه أن يقوله قالا (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لفظ قطع العلائق على الشيطان وحرر أنهما ابنتا رجل صالح ، لما تبيّن له حالهما سقى لهما ، الدين قائم على أمرين : توحيد الله الحق ، والإحسان إلى الخلق ، هذا خرج من أرض مصر إلى أرض مدين له سبعة أيام في الطريق حتى كاد يلتصق بطنه بظهره ولم يشغله حاله أنه غريب عن البلدة على أن يُعين الفتاتين قال أصدق القائلين (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) فرغ من السقيا فأسند ظهره إلى ظل شجرة فلما أحسن إلى الخلق أمّل في إحسان الخالق وأخذ يدعوه بعد أن قدم السبب ، فلما قدّم السبب فعلا وهو الإحسان إلى الخلق ، قدّم السبب قولا فلجأ إلى ربه وناداه (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وهذا من قِمم التوسل في القرآن (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قالوا : فما كاد أن يُنزل يديه إلا بإحدى الفتاتين على رأسه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي) وقف (عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ) لأن الحياء هنا في الكلِم ، في طريقة العرض ، طريقة العرض هي التي تُبيّن المستحي من غير المستحي(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي) (عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ) حتى لا يظنن بها السوء (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) قبِل الدعوة ، ذهب إلى الأب الصالح فلما قصّ عليه القصص قال له ذلك الأب الصالح (لا تَخَفْ) لأنه ليس لفرعون سلطان على أرض مدين (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وهذه أول عطايا الله لموسى ثم ما زالت تتابع وبعد عشر سنين أتمّ الله عليه النِعمة وجعله نبيا رسولا صلوات الله وسلامه عليه . هذا ما تيسر إيراده ، وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله ، والحمد لله رب العالمين .       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق