السبت، 31 أغسطس 2013

صفات مهمة لطالب العلم من قصة موسى عليه السلام مع الخضر

*أ.ضحى السبيعي

في القرآن العظيم مساحات للتأمل والعظة تتنوع فيها الدلالات ، نقف عليها ونهتدي بما فيها .. من ذلك أحبتي اخترنا لكم من (مجالس قرآنية لـ د/ عويض العطوي) وقفات مع قصة لها مدلولها وأبعادها في سماء التربية وطلب العلم هي ما دار في سورة الكهف بين موسى -عليه السلام - والعبد الصالح ، نبدأها بقوله تعالى :
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}
 [لا أبرح ] أي لا أزال سائراً ، وهذا يشعر بعزم موسى عليه السلام على الاستمرار مهما كانت الصعوبات والعقبات .. [ أو أمضي حقبا] ولو أن أسير حقباً من الزمان وهذا يدل على عزمٍ وحرصٍ كبير من موسى -عليه السلام-.
  إن هذه البداية لتشعر بهمة عالية ، وتصميم واضح لبلوغ الهدف ، وهكذا تتضح لنا من أول القصة الصفات المهمة لطالب العلم الذي يرغب في التميز ، والوصول إلى مستويات عالية من التحصيل والإتقان ، يقول القرطبي-رحمه الله- : "في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم ، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب ، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم، وذلك كان دأب السلف الصالح ، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح ، وحصلوا على السعي الناجح.. فرسخت لهم في العلوم أقدام .. وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام .."
 ففزْ بعلمٍ تعشْ حيّاً به أبداً ** فالناسُ موتى و أهلُ العلمِ أحْيـاء.

 / {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}
موسى -عليه السلام- قد بلغ مراده ( مجمع البحرين ) وفي هذا ما يُحفز من يسمع أو يقرأ هذه القصة بأن الجهد والتنظيم ، وبذل الوسع ، يوصل صاحبه إلى تحقيق الهدف ، فهاهو ذا موسى -عليه السلام- يحقق الهدف القريب، وهو الوصول إلى مجمع البحرين، وهذا يعني بالطبع أنه سافر، وكابد، وصبر، حتى قطع تلك المسافة ووصل إلى المحدد، ثم يصممّ ثانية للمضي في الطريق ، لتحقيق مطلبه الأساس وهو التعلم.
 معالي الأمور، والطموحات الكبرى لا تكشف وجهها لك، حتى تمسح العرق عن جبينك! 

{لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}
هنا نجد دليلاً واضحاً على حجم التعب والنصب الذي تجشمه موسى -عليه السلام- في سبيل العلم في هذه الرحلة ، وقد ذكر الله لموسى أسفاراً أخرى ، إلى مدين ، وإلى فرعون ، وإلى ربه .. ولم يرد معها ذكر للمشقة والنصب بينما هنا في رحلة العلم ذُكر التعب والنصب في إشارة لطيفة لضرورة بذل الوسع والطاقة في سبيل التعلم..
نحن الآن أمام نموذج عظيم في تخطي العقبات ، والصبر على المشاق، في سبيل العلم. وهذا ماينقص أكثر المتعلمين اليوم ، فهم يتوقفون أو يضعفون لأدنى عقبة ! وهذا ما تؤكده الدراسات بأن خبرات النجاح السهل الذي يأتي بدون تعب ومشقة ، تجعل المتعلم يتوقع دائماً نتائج سريعة ، ويخشى الوقوع في الفشل ، ويكون سريع الإحباط عند أي عقبة ! لذا فنحن نجد عبر تاريخنا الطويل أن العلماء المؤثرين في الأمة سلوكاً ، وعلماً هم أولئك الذين قاسوا شدائد وصعوبات، وتحملوا في سبيل العلم مشقة كبيرة تمثلت في طول الأسفار والصبر على مشاق الحياة ، لذلك علينا عدم المبالغة في ترفيه التعليم ، بل لابد من إعادة النظر في آثار ذلك وإيجاد برامج تبني فيهم قيم الجدية ، والقوة ، والصبر ، والتحمل ، وتقدير قيمة العلم أخذاً بمبدأ { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } .

/{ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا }
 هنا ذكرٌ للنسيان ، وهو أمر قد يحدث للمتعلم ، وذكرٌ للشيطان أيضاً وهو قد يصرف الإنسان عن الخير.. وفي هذا إشارة إلى بعض المعوقات التي تعترض طريق المتعلم.. والصعوبات - كما هو معلوم - جزءٌ من مكونات الموقف التعليمي، قد يتعرض لها أي متعلم، وعلى المتعلم أن يتكيّف معها، إما بتغيير الموقف بكامله ، وإما بتغيير طريقته وأسلوبه ، المهم أن يصبر ويفكر حتى يتسنّى له بلوغ الهدف المطلوب.
 والمتأمل يلحظ أن موسى-عليه السلام- لم يتوجه بلوم الفتى على نسيانه ، وهذا يعني أن النسيان عذر شرعي لا يُلام عليه الإنسان غالباً ، إذا لم تظهر منه بوادر التفريط .
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "تأملت عجبًا، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله. فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار، وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس! [صيد الخاطر ص (281)]

/ { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا ..} نجد هنا أن أول وصف يقابلنا في هذا القسم من القصة الخاص بلقيا موسى -عليه السلام- بالعبد الصالح هو < العبودية > (عَبْدًا) والعبودية لله شرف كبير يفخر به المؤمن ، لأن كل أحد إما أن يكون عبداً لله،وإما أن يكون عبداً لسواه من مال، أو منصب ، وفي إبراز هذه الصفة للعالم الذي قصده موسى-عليه السلام- إشارة إلى أن أولى الصفات للعالم هي: [ التعبد لله ] بمعنى أن يكون علمه في سبيل الله ، وبمعنى آخر أن يقوده علمه إلى هذه الغاية العظيمة وهي: العبودية بمعناها الشامل، الذي يعني عمارة الأرض على مراد الله . وهذا يدل أيضاً على أن التعلم له مقصد وغاية، ويجب أن تكون هذه الغاية بانيةً , نافعةً , مُصلحة ، لا هادمة ولا ضارة ولا مضلة.
/ الصفة الثانية وهي الواردة في قوله تعالى { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا} 
والصفة الثالثة: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا }

/{ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا} الرحمة من أهم صفات المعلم الناجح ، ومما يكاد يتفق عليه جلّ الدارسين هو موضوع الرحمة في المعلم ، ونعني بذلك عطف المربيّ ، ولينه، وشفقته على الناس، وإحساسه بمعاناتهم وحاجاتهم ، ومشكلاتهم ،{ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } بيان للمؤهل الثالث ، وللصفة الثالثة : وهي العلم ، وهي بلا شك مؤهل مهم لابد أن يكون في العالم ، وقد قدم الله سبحانه إيتاء الرحمة على الاتصاف بالعلم!! وهذا يدل على أن صفة الرحمة من صفات المعلم المهمة ويمكن الاسترشاد بذلك على سَبْقِ التربية على التعليم ، وأن يكون مهمة المعلم التربية أولاً ، ولن تصلح تربية دون خُلق الرحمة .
بعد ذكر هذه المؤهلات الثلاثة التي أشرنا إليها ، نجد أول كلمة نطق بها موسى-عليه السلام- هي "هل" ، وهي أداة السؤال الذي هو مفتاح المعرفة ، وأن طالب العلم الراغب في التعلم يتلقاه بشغف ورغبة ، و"هل" سؤال لطيف ، يحمل أدباً جماً.
هذه هي العلاقة المستمرة بين العالم والمتعلم ، المتمثلة في قضية الاتباع واضحة في كلمة ( اتبعك ) التي ذكرها موسى-عليه السلام- في بيان تعلمه من العبد الصالح ،،

 / ختاماً : جددي النية.. احتسبي خطواتك، وقتك، جهدك، ابتسامتك : ) و تذكري أنكِ تتعاملين مع أكرم الملوك. يا ( معلمتي -- وطالبتي) وعام دراسي حافل بالجد والعطاء.
-------------------
#مجالس_المتدبرين
*بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق