الأحد، 1 سبتمبر 2013

نفخ الصعقة ونفخ الفزع

قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]
/ هذه الآية الكريمة من السورة ذكر الله فيها نفختين نفخة الصعق ونفخة البعث.
والنفخات ثلاث، قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وأما النفخات في الصور فثلاث نفخات: "نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث" أ. هـ1.
 وقال أبو بكر بن العربي : الصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل ، ينفخ فيه بأمر ربه ثلاث نفخات: "أولاها نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة البعث" أ. هـ2.
فعدد النفخات ثلاث وقد وردت كلها صريحة في القرآن.
الأولى نفخة الفزع : وهي المذكورة في قوله ـ جل وعلا ـ: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ}3. قال ابن كثير: "يخبر ـ تعالى ـ عن هول يوم نفخة الفزع في الصور وذلك في آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء فيفزع من في السموات ومن في الأرض" أ. هـ4.
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال: ـ سبحان الله ـ أو لا إله إلا الله. أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدث أحداً شيئاً أبداً إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمراً عظيماً يحرق البيت ويكون، ويكون. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين. لا أدري: أربعين يوماً أو أربعين شهراً، أو أربعين عاماً فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه. ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته. حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل5 لدخلته حتى تقبضه" قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع6 لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً7 قال وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله"8 ... الحديث9.
 فهذه النفخة المذكورة في الحديث هي نفخة الفزع ثم تأتي بعدها نفخة الصعق. قال ابن كثير: "فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها، وميدانها بأهلها وتكفيها يميناً وشمالاً قال الله ـ تعالى ـ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَاَ * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}.
 وقال تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً}.
 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}.
ولما كانت هذه النفخة -أعني نفخة الفزع- أول مبادئ القيامة كان اسم يوم القيامة صادقاً على ذلك كله. كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة، وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها"10 ، وهذا إنما يتجه على ما قيل في نفخة الفزع أنها الساعة لما كانت أول مبادئها. أ. هـ11.
وقد ثبت في الحديث في وصف أهل آخر الزمان بأنهم شرار الناس وعليهم تقوم الساعة12.
 النفخة الثانية: نفخة الصعق: وهي نفخة الموت، وهذه هي التي فيها الهلاك لجميع الموجودين من أهل السموات ومن في الأرض من الإنس والجن والملائكة إلا من شاء الله. وقد قدمنا أن نفختي الصعق، والبعث دلت عليهما السورة. قال ـ تعالى ـ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ... } . قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: ونفخ إسرافيل في القرن ... وقوله {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} يقول: مات.
وقال السدي {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} مات13.
قال ابن كثير: يقول ـ تبارك وتعالى ـ مخبراً عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الآيات العظيمة والزلازل الهائلة فقوله ـ تعالى ـ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ} "هذه النفخة هي الثانية وهي نفخة الصعق وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض إلا من شاء الله" أ. هـ14(*) 

/ {وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} واختلفوا في الصعقة ، منهم من قال إنها غير الموت بدليل قوله تعالى في موسى عليه السلام {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} [ الأعراف : 143 ] مع أنه لم يمت ، فهذا هو النفخ الذي يورث الفزع الشديد ، وعلى هذا التقدير فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد ، وهو المذكور في سورة النمل في قوله {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور فَفَزِعَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض} [ النمل : 87 ] وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين. والقول الثاني : أن الصعقة عبارة عن الموت والقائلون بهذا القول قالوا إنهم يموتون من الفزع وشدة الصوت ، وعلى هذا التقدير فالنفخة تحصل ثلاث مرات أولها : نفخة الفزع وهي المذكورة في سورة النمل والثانية : نفخة الصعق والثالثة : نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة -سورة الزمر-.(**) 
----------------------------
1- النهاية: 1/180.
2- عارضة الأحوذي 9/267 ـ 268.
3- سورة النمل آية: 87.
4- تفسير القرآن العظيم 5/259.
5- "في كبد جبل" أي وسطه وداخله، وكبد كل شيء وسطه.
6- "في خفة الطير وأحلام السباع" أي في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير، وفي العدوان وظلم بعضهم بعضاً في أخلاق السباع العادية.
7- الليت هو صفحة العنق، أي أمال عنقه ليستمعه من السماء جيداً.
8- "يلوط حوض إبله" أي يطينه ويصلحه.
9- صحيح مسلم 4/2258 ـ 2259.
10- صحيح البخاري مع الفتح 11/352.
11- النهاية 1/181.
12- انظر صحيح مسلم 3/1525، وسنن ابن ماجة 2/1341، المسند للإمام أحمد رحمه الله 1/405.
13- جامع البيان 23/29.
2- تفسير القرآن العظيم 6/109.
(*) [مباحث العقيدة في سورة الزمر]
(**) [مفاتيح الغيب]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق