الجمعة، 16 أغسطس 2013

الوقفــ الثانية ــة من جـ 17 / مع قوله تعالى ((وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ..)



 الوقفة الثانية من الجزء السابع عشر :  مع قول الله -جل وعلا- (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّالِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ*فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ*وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) سنقف مع داود.
 داوود -عليه السلام- جاء في الأثر : أن الله لمَّا خلق أبانا آدم مسح على ظهره فأخرج من ظهره ذُريته إلى يوم القيامة فوجد في عيني أحد الذُرية وبيصاً من نور فقال أي رب من هذا قال هذا عبدٌ من عِبادي من ذُريتك يكون في آخر الزمان يُقال له داوود ، قال : رب كم جعلت عمره؟ قال : ستين عاماً ، فقال : ربِ خُذ من عمري أربعين عاماً واجعله مئة ولهذا لمَّا جاء في الأثر أن آدم لمَّا جِيء يُقبض روحه قال -صلى الله عليه وسلم- : (فنسي آدم فنسيت ذُريته ، وجحد آدم فجحدت ذُريته) الذي يعنينا هذا النبي الكريم أثنى الله -جل وعلا- عليه بأُمور وهذا هو الغاية من إنزال القرآن فالله لمَّا يقول (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) إن لم تعرف هديهم لا يمكن أن تصِل إليه فنحن كما نقول مِراراً وإن عَرَّجنا على قضايا أدبية أو فقهية لكن العبرة كل العِبرة بالاتعاظ والاقتداء بأنبياء الله .
هذا النبي آتاه الله سبحانه وتعالى حظاً عظيماً من العبادة صلاة وصياماً ، فكان ينامُ نِصف الليل ويقوم ثُلثه وينام سُدسه ، كما أنه -عليه السلام- كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً، في كسبه -عليه السلام- كان يأكُل من عمل يده ، والعُلماء لمَّا تكلموا عن قضية الكسب والرِزق أفضلُه قالوا إن أفضل أسباب الرزق الجِهاد ، ما يكون من غنائم الجِهاد ، لم قالوا هذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هذا جُل رِزقه ، بعدها قالوا أكل الرجُل من كسب يده واحتجوا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مدح داوود بهذا الشأن ، والثالث قالوا أنه التِجارة لأنه كان شأن كِبار المهاجرين ، والرابع الزِراعة لأنه كان دأبُ الأنصار في المدينة وقالوا أشياء أُخر لكن هذه الأربعة هُن الأُمهات.
 قال الله هنا (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ) ألان الله -جل وعلا- لداوود الحديد وقال له (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ما معنى وقدر في السرد؟ لمَّا ألان الله له الحديد أخذ يصنع الدروع فلمَّا صنعها ولم تكُن تُصنع قبله معنى قدر في السرد أي : لو فرضنا أن هذا هو الدرع الذي صنعه داوود معنى قول الله -جل وعلا- (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) لا تجعله رقيقاً فيخرقه الرمح ولا تجعله سميكاً فيثقُل على حامله واجعله بين بين هذا معنى قول الله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) لا تجعله رقيقاً فيخرقه الرمح فيُصبح لا انتِفاع به ولا تجعله ثقيلاً فيثقل على حامِله فلا يستطيع أن يُقاتل به .
كذلك من مناقبه -عليه السلام- أن الله سخر له الجِبال والطير تُسبح معه فكان إذا ذكر الله وتلا الزبور -عليه السلام- وكانت قد خُففت على لِسانه ، الطير معه تذكُر الله والجِبال وهي عجماوات ، صمَّاء ، صخور ملساء تذكُر الله -جل وعلا- بِذكره والشرف الحقيقي أن يهدي الله بك الخلق وأن يتأسى بك من يعبُد الله ، فهذا النبي الكريم -عليه السلام- داوود آتاه الله -جل وعلا- صوتاً حسناً ولهذا جاء في الحديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري : (لقد أُتيت مزماراً من مزامير آل داوود) المقصود داوود لكن قال آل لأن هذا أُسلوب عربي إذا أرادوا أن يُعظموا أحداً قدموا عليها الآل وهم يقصدونه عيناً ومنه قول الله تبارك وتعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) ليس المقصود آل هارون ولا آل موسى المقصود موسى وهارون لأن هما النبيان وإنما قُدمت الآل للتعظيم فمثلها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داوود) أي صوتاً حسناً مثل صوت داوود فكان يذكُر الله ، الله يقول (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ*وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ) تمر من بلدٍ إلى بلدٍ فإذا رأته يذكُر الله وقفت صافة بأجنحتها تذكُر الله معه حتى ورد إن منها من يموت وهو واقفٌ يذْكُر الله -جل وعلا- مع من مع داوود ولمَّا أنزل الله جل وعلا عليه قوله (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) قال العُلماء لم يخلُ بيت آل داوود ساعة من نهار من أحدٍ يعبُد الله فإذا عجِز أحدُهم أو قصّر قام الآخر مقامه فلا يخلو البيت من صائم أو قائم أو أحدٍ يذكُر الله. قال ربنا بعدها وإن كان هذا ليس في الجُزء السابع عشر لكن نحن نتكلم عن داوود والإيقاعات كُلها اسمها مع القرآن قال -جل وعلا- (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) فما عُظِّم داوود إلا لأن هذا الأمر قليلٌ في الناس وإلا لو كان هذا كلُ أحدٍ يصنعه لما كان هُناك فضلٌ لداوود .
قال الله -جل وعلا- (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) بينَّا أن الله ألان له الحديد ولم تُلن لأحدٍ قبله ، يقولون في أخبار التاريخ : أن داوود لمَّا ألان الله له الحديد أخذ يصنع الدُروع فلم يكن للناس عهدٌ بالدروع من قبل فجاءه لُقمان فوقف على رأسه فلما وقف على رأسه أدركته الحِكمة فلم يسأل فمازال داوود يصنع حتى أتمها فلمَّا أتمها لبِسها وقال: نِعم لبُوس الحربِ أنتي ، فعرف لُقمان أنها دُروع يُتقى بها من الرماح والسيوف فتعجَّب داوود من صمت لُقمان وقال : الصمت حكمة وقليلٌ فاعِله ، فالشيء الذي يغلب على الظن أنه سيأتيك خبره فلا حاجة لأن تسأل عنه ، والشيء الذي تكفيك فيه الكلمة لا حاجة لأن ترفع سوطك ، والشيء الذي يكفيك فيه سوطك لا حاجة فيه لأن ترفع السيف ، والعاقل يضع الأمور في مواضعها الصحيحة .
وداوود عليه السلام ونحن نتحدث عنه ذكرنا مسألة قيامه لليل وأنه ينام نِصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه ، بالنسبة لأهل زماننا أنا أُوصيك وصية عامة ، طبعاً الناس يختلفون لكن أتكلم عن الحالة الوسطى ، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (إن بلال يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويُرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) الآن يُعمل في بعض مدن المملكة  -ولا أدري إن كان هذا عامّا- بما يُعرف بالأذان الأول أي قبل الفجر بساعة وفق ما يُعمل بالحرمين ، المهم بالنسبة لأي مؤمن ما استطاع إلى ذلك سبيلاً إذا أذن المؤذن الأول حاول أن تكون أحد رجُلين إما أن  تكون قد صليت تُريد أن تنام ، وإما أن تكون قد نمت وقمت لتُصلي ، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول : (ليُرجع قائمكم) فتكون أنت قد صليت فبقي ساعة من الفجر كن نائماً فيها هذا معنى (ليُرجع قائمكم) ، وإما أن تكون قد نمت فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول : (ليُوقظ نائمكم) فيقوم يُصلي حتى يطلُع الفجر ، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- جاءت صلاة الليل عنده فيما نُقل إلينا من خبر عائشة وغيرها أنها كانت مُتفرقة ، أوتر أول الليل أوتر نصفه أوتر آخره ، صلى ثمان سرداً ، صلى ست سرداً ، صلى مثنى مثنى وهي أكثر صلاته يقرأها المؤمن كلها ثم يُحاول في كل ليلة أن يأتي ببعضها. والله الموفق وهذه هي الوقفة الثانية وننتقل إن شاء الله في هذا الجزء المبارك إلى الوقفة الثالثة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق