الخميس، 27 يونيو 2013

الرفع والوضع -١-


 الحمدلله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..
 أيها المباركون في هذا الجامع المبارك جامع محمد بن سليمان القاضي يرحمه الله ويغفر له في مدينة الرياض نستأنف معكم دروسنا في التفسير ، وكنا قد بينا في لقاءات كثيرة مضت أن المتبع في دروس هذا العام أننا نلجأ إلى مفردتين متضادتين أو متقابلتين وردتا في القرآن ثم نُعرج عليهما في لقاءين غالبا أو ربما في لقاء واحد ، وعنوان لقاء اليوم الرفع و الوضع في القرآن ، وربما هذا الدرس قد يحتاج إلى ثلاثة لقاءات سيُنظر في هذا مع ما سنمليه إن شاء الله تعالى .
 أولا: نقول تأصيلا ثم نبدأ تفصيلا كما جرت عادتنا في دروسنا .
الرفع و الوضع : ينبغي أن يُعلم أن الوضع أعم من الحط ، فالحط يقابل أشياء معينة لكن الوضع يأتي على غيرها يأتي على الحط و يأتي على غيرها ، فتقول : وضعتُ الشيء أو حططته كلاهما صواب ، لكن يمكن أن تستخدم الفعل "وضعَ" في أشياء أُخَر ، من ذلك ما دل عليه القرآن ، قال الله -عز و جل- : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) فهنا لا يوجد شيئٌ مرفوع ثم وضعناه ، و إنما قول الله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) "وُضع" هنا بمعنى جُعل ، بُني ، وهذا البيت رفع قواعده الخليل إبراهيم -عليه السلام- (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) ومرّ معنا -إن لم أنسَ - في دروس سبقت أن بكة المراد بها الأرض التي عليها البيت ، في حين أن مكة تُطلق على الحِل والحرم ،على البلدة كلها ، هذا من دلائل أن "وُضعَ" لا تُستحدم بمعنى الحط فقط .
 أحيانا "وَضَعَ" لا تقابل الرفع ، تقابل الحمل ، الله تبارك وتعالى يقول عن امرأة عمران -وقد مر معنا إجمالا درسها- قال : (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا) وضعت مريم ، و مريم قبل أن تضعها أمها كانت حملاً ، فهنا الوضع مقابل الحمل ، ليس مقابلاً للرفع .
 قال الله -عز وجل- : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) فالمراد بـ (وُضِعَ الْكِتَابُ) أي إبراز أعمال العباد ويؤتى بالكتاب ، ولا يلزم أن يكون هناك شيءٌ مرفوع ثم حُط ، وهذا مدخلٌ جيد في فهمك لآيات الرفع والوضع في كلام الله عز و جل .
 بعد ذلك ننتقل إلى ما جاء في آيات القرآن التي ذُكر فيها الرفع والوضع سواءً كانا مُقترنَين أو غير مقترنَين .
/ قال الله عز وجل : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا *وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) -صلوات الله وسلامه عليه- هذا جاء في سورة مريم بعد ذكر جمٍّ غير قليلٍ من أنبياء الله ورسله ، فقال الله لنبيّه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) أيُّ كتاب ؟ القرآن ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ) وإدريس عليه السلام أُختلف فيه هل هو من عمود نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من غير عمود نسبه ، جملة ما يقول أهل السيَر و الأخبار و التاريخ : أن إدريس -عليه السلام- أول من نُبّئ بعد آدم وشيث -عليهما السلام- ، وشيث: ابن آدم لِصُلبِه ، وشِبهُ اتفاق على نبوّته ، وهناك اتفاق على نبوة آدم كما في حديث أبي ذر ، ويقال أن إدريس أول من نُبّئ بعد آدم وشيث ، وأنه أدرك -أي إدريس- من حياة آدم -عليه السلام- ثلاثمائة سنة وثمانية أعوام -والعلم عند الله- .
 نأتي لمَ اختلف العلماء هل إدريس في عمود نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لا ؟ اختلفوا في سبب أنه جاء في ذكر حديث الإسراء و المعراج أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أنه لقي جمّاً من الأنبياء ، لقي آدم ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم ، ثمانية ، في كل سماء نبي إلا في الثانية كان نبيين ، والسماوات سبع وفي إحدى السماوات اثنين ، إذا العدد ثمانية .
القائلون أن إدريس -عليه السلام- ليس في عمود نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجوا بظاهر الحديث ، ظاهر الحديث : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أن آدم والخليل -عليهما السلام- كلاهما قال في حقه مرحبا بالإبن الصالح والنبي الصالح ، وأن الباقين عيسى ويحيى ويوسف وإدريس وموسى وهارون -عليهم السلام- لم يقل أحدٌ منهم أهلا بالابن ، قالوا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . فالقائلون بأن إدريس ليس في عمود نسب النبي -عليه الصلاة والسلام- قالوا : لو كان إدريس في عمود نَسَبه عليه الصلاة والسلام لقال مثلما قال آدم وإبراهيم ، فلما لم يقل إلا كما قال غيره دلّ على أنه ليس في عمود نَسَبه ، وهذا القول كظاهر الأمر قويٌ جدا لكن اعترض عليه بعض العلماء مثل الحافظ بن كثير رحمه الله .. قالوا : "أنه لا يمنع أن يكون إدريس -عليه السلام- لم يشأ، لم يُرِد أن يقول مرحبا بالإبن لأنه يعلم أيُّ مقام رفيع لنبينا -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يشأ أن يخاطبه بأنه ابنه ، لكن آدم والخليل لهما عذر ، العذر أن آدم عليه السلام نُنسب كلنا جميعآ إليه ، الله تبارك وتعالى يقول : ( يا بني آدم ) ، والخليل مقامه خليل الرحمن وأفضل رسل أولي العزم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكبر الأنبياء سنا بعد نوح ، هذا يجعله يتقوى أن يقول لنبينا -عليه الصلاة والسلام- مرحبا بالابن ، فقالوا أن إدريس ربما كان في عمود نسبه لكن ليس له من المقام والحضوة ما لآدم والخليل فلذلك تواضع ، تأدب -عليه سلام الله- ولم يقل مرحبا بالابن وقال مرحبا بالأخ الصالح . لكننا نتوقف في الترجيح ونقول -العلم عند الله- لكن هذا بعض ما قيل في حق هذا النبي الكريم .
قال الله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ) أي إدريس (كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) فجمع الله له وصفين: وصف بالصديقية و وصف بالنبوة ، ثم قال عنه : (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) فقوله -جل وعلا- (مَكَانًا عَلِيًّا)  يرجح قول من قال أن الرفع حسّي ، ومعلوم أنه إذا قلنا أن الرفع حسي يلزم منه أن يكون منه الرفع معنويا ، لكن إن قلنا أن الرفع معنوي لا يلزم أن يكون كذلك حسيا ، بمعنى أنه لو سلّمنا بقول من قال أنه رُفع إلى السماء الرابعة وأنه بقي فيها ومات فيها وأن النبي رأه في السماء الرابعة فهذا رفعٌ حسي ، لكنه فيه دلالة على الرفع المعنوي ، لأنه لولا رفيع مقامه وجليل مكانه -عليه السلام- لما رُفع إلى هذه المنزلة .
 على ذلك تأتي إشكال وهو : أن الله قال : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) وهذا عموم القرآن وصعب أن نُخرج أحدا من هذا العموم ، فنقول نحن على يقين كما في الصحيح وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي نبي الله إدريس في السماء الرابعة ، لكن هل بقي إدريس من قبل في السماء الرابعة أو أن شأنه شأن الأنبياء غيره الذين لقيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في السماوات السبع ، والأصل أن أجسادهم في الأرض ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (مررت على قبر موسى وهو قائم يصلي فيه عند الكثيب الأحمر) ، ومعلوم أن قبر الخليل في الخليل ، وقبور أنبياء الله منثورة في الأرض الله أعلم حيث هي ، لكن أرواحهم -عليهم السلام- في أعلى عليين على تفاوت فيما بينهم وهذه منازلهم عند الله ، الله أعلم بها لكن المقصود من هذا كله أن الله -جل وعلا- أخبر برفيع المقام و جليل المكان لهذا النبي قال :(وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) وهذا رفعٌ قلنا معنوي بالإتفاق ، لكن الاختلاف في الرفع الحسي ، لكن الإختلاف في الرفع الحسي ، وهذا من معاني الرفع في القرآن .
 و بعض العلماء يقول: أن إدريس أصلا ليس قبل نوح بل هو بعد نوح ، لكن إذا قلنا أنه قبل نوح فنحن نقطع بأنه نبي غير رسول ، و إن قلنا أنه بعد نوح يمكن أن يكون رسولا ، أٌعيد : إن قلنا أن إدريس -عليه السلام- على ما عليه الجمهور هو قبل نوح فلا بد أن نقطع بأنه نبي غير رسول ، وإن قلنا أنه بعد نوح يمكن أن يكون رسولا ، أما الآية ليس فيها دلالة على رسالته ، والدافع والباعث على هذا أن الله لما ذكر نوحا قال : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ) فالرسل إنما جاءت بعد نوح ، وفي حديث الشفاعة أنهم يقولون لنوح : أنت أول رسل الله إلى الأرض ، فنوح أول الرسل فإذا قلنا أن إدريس قبله فإن إدريس نبي وهذا مقطوع به في القرآن ، لكنه ليس رسول -والعلم عند الله- .
هذه الآية الأولى حول الحديث عن الرفع و الوضع في كلام الله .
/ قال رب العالمين -جل ذكره- قال: (الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الإِنسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ*الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ*وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) ثم قال : (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا) وقابلها بالقول (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) ، (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ*أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ*وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ*وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) فجاءت مفردات الرفع والوضع كثيرة في هذه الآيات ، فنشرع في البيان :
أما الرحمن: اسم عظيم من أسماء الله الحسنى وهو لا يُطلق على غيره ، ومرّ معنا هذا كثيرا .
 (عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الإِنسَانَ) بدأ بنعمة الدين قبل نعمة الدنيا ، بنعمة الإرشاد قبل نعمة الإيجاد ، إلى أن قال -جل ذكره- : (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا) أي خلقها مرفوعة ، هي لم تكن على الأرض ثم رُفعت ، ولكنه خلقها -جل وعلا- جعلها مرفوعة سقفها ، قال ربنا : (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا) فجعل الله -جل وعلا- السماء مرفوعة سقفا للناس ، وكتب أن تكون السماء منازل ملائكته ، وقال -كما سيأتي إن شاء الله- (إِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ) وقال (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) وهذا يحتمل معنيين :
 إما أن تكون السماء خُلقت ولا عَمَد فيصبح : أنتم ترون أن لا عمد لها ، ويصبح أن تكون لها عَمًد لكن الناس لا يرونه ، والآية تحتمل المعنيين لكن ليس مقام التفصيل هنا لأنه مر أظنه في العام الماضي .
 فقال -جل وعلا- هنا : (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا) أي جعلها مرفوعة سقفا كما قال :(سَقْفًا مَّحْفُوظًا) وجعلها -ليبين علو كبريائه وعظيم شأنه وجليل رحمته- جعلها مواطن ، منازل لملائكته ، ثم قال : (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ*أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ*وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) المراد بالميزان : العدل ، والطغيان يقابل الميزان ، والميزان يُطلق على ما يُوزن به و يُطلق على العدل و يُطلق على الحكم ، على كم يُطلق ؟ على ثلاثة ، ماهي ؟ الحُكم والعدل وعلى ما يوزن به ، فما يوزن به الظلمُ فيه يكون بالبخس ، أنت الآن شخص يشتري منك بالميزان فتريد أن تظلمه -تبخسه- فإذا بخسته ظلمته ، إذا قلنا الميزان مايوزن به فالطغيان فيه يكون بالبخس ، وإذا قلنا الميزان هو العدل فإن الطغيان به يكون بالجَور ، و إذا قلنا أن الميزان هو الحكم فإن الطغيان به يكون بالتحريف ، إمالة الحكم -تحريفه-طغيانا فيه ، والجور طغيان عن العدل ، والبخس طغيان عما يوزن به ، قال جل ذكره : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) التعامل مع الميزان يكون بأي جارحة ؟ يكون باليد ، لن تقيم الميزان بيدك حتى يتعادل ، يتكافئ إلا إذا أقمت القسط في قلبك ، إذا أقمت القسط في قلبك ونويت ألّا تبخس من تزنه حقه ستأتي يداك على ما تريد ، لكن إن لم تكن تريد القسط أصلا في قلبك ، لم ترد أن تعدل لن تقوم يداك بأن تعدل ، ولهذا جمع الله -جل وعلا- ما بين هذا وهذا قال أصدق القائلين : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) فيُعلم أنه لن يتم بهذه بالجارحة ، باليد إقامة الوزن وتكافؤ الكفتين حتى يكون هناك قسطٌ ومراد حقيقي في القلب أن لا يبخس الإنسان أحدا حقه ، والأمر بإقامة الميزان عموما أمرٌ بإقامة العدل وقد جاء في الخبر: (بالعدل قامت السماوات والأرض) وأُمر من وُّلي أمر المسلمين في السابق واللاحق في كل عصر وفي كل مصر بأن يعدل بين الناس ، والعدل من أعظم المشاق التي كلف الله -جل وعلا- بها الحكام والأمراء والولاة والقضاة ، والقضاة على وجه الخصوص ، وكذلك من يمارس البيع والشراء مع الناس ، وقد كان في زمن الراشدين وزمن الأمويين الموالي هم الذين غالبا يكونون في المتاجر ، فكان الميزان بين أيديهم ، فكان ابن عباس -رضوان الله تعالى عليهما- يقول للموالي : "يا معشر الموالي اتقوا الله فإنكم تليون -تتولون- اثنين هلك بهما الناس من قبل" ..ما هما ؟ قال "المكيال و الميزان" ، "هلك الناس بهما من قبل" يقصد المكيال و الميزان ، لأن الذي يكيل أو يزن بالبخس ، يطفف في المكيال أو يبخس في الميزان فإنما ينجم عن ذلك أن يأكل سحتا فيطعم ويُطعم ما هو سُحت ، وفي أكل الحرام ، أكل السحت هلاك الناس فكان ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يحذر الناس . قال ربنا : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) .
 يوافق العدل -أيها المبارك- أن يُعلَم أن العدل أعظم وأجلّ وأشمل مما يُعرف بالمساواة ، الحضارة الغربية المعاصرة أخرجت لنا في الحضارة الفرنسية وغيرها ما يُعرف بالمساواة ، والمساواة : النظر إلى كل فئة بعين واحدة أو بميزان واحد ، وهذا في شرع الله غير صواب سنأتي بمثل حتى يقترب إليك المراد:
 في أنظمتهم ، في قوانينهم ما يُعرف بالانتخابات فيؤتى بصناديق الانتخابات ويُرشح زيدٌ أو عمرو في فرنسا في أي دولة أوروبية ممن يعمل بهذا في غيرهما ، ثم يُطلبون من الناس أن يُصَوِّتوا ويقولون أن المساواة تقتضي أن الناس سواسية في هذا الأمر فيجعلون صوت وورقة وقول من هم يؤمنون أنه رجل عظيم ،شريف ،أمين ،أستاذ في الجامعة أفنى عمره في نَيل العلم والشهادات، يجعلون صوته كصوت رجل مسجون متلبس بأعظم الجرائم يعلمون انحطاط خُلُقه وذهاب عقله وأنه مدمن خمر فيجعلون صوت هذا مثل صوت هذا بحُجة المساواة . وهذا في دين الله لا يستقيم ، بل أن عليا -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كان إذا جاءته الجنازة فإذا كان بدريا كبّر سبعا وإذا كان من الأنصار، من المهاجرين  غير بدري كبّر ستا ، حتى في التكبيرات يُفاوت بين الناس ، يختلفون لأن العبرة أن الناس يختلفون ، فالله يقول : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مثل غيرهم ، فالمساواة تُقبل في أمور ضيقة لكنها لا تُقبل على كل حال .
 أما العدل : فالعدل أن يُعطى كل ذي حقٍ حقه ، هذا العدل ، ولذلك الأبناء لما كانوا بالنسبة للأب في منزلة واحدة قال -صلى الله عليه و سلم- : (اتقوا الله واعدلوا بين أبناءكم)  لكنك عندما يكون لك ابن ويكون لك ابن ابن فصلة ابنك بك أقرب من صلة ابن ابنك -حفيدك- بك ، فلما يأتي ميراثك حظك لابنك، مالك لابنك لا لحفيدك.. واضح جدا .
 هذا ما تيسر إيراده و تهيأ إعداده حول اللقاء الأول حول الرفع والوضع في كلام الله ، ونستأنف -إن شاء الله- في الدرس القادم وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------------------------------
الشكر موصول لمن قامت بتفريغ الحلقة بارك الله فيها ونفع بها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق