الخميس، 27 يونيو 2013

الوقفــ الثالثة ــة من جـ12 / مع قوله تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ..)



هذه الوقفة الثالثة من الجزء الثاني عشر :
قال الله جل وعلا {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ}
/ (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) جاء كل الأنبياء بهذا لكن سنقف وقفات أُخر مع هذا الخبر القرآني :
الأولى : من الفقه في الدعوة أن الإنسان لا يقدم شيئاً على الدعوة إلى التوحيد ثم يأتي للناس في المنكر الذي شاع فيهم فيبدأ بما هو شائع فيهم فذكر الله -جل وعلا- هنا أن شُعيباً نهى قومه عن التطفيف والبخس في الكيل والميزان لأن هذا أمرٌ كان شائعاً فيهم .
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ*بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ما معنى بقية الله؟ اختلف العلماءُ فيها لكن عندما يبيع الإنسان ويشتري لا يبيع أحدٌ إلا يريد ربحاً فلو اشترى عيناً ما بألف ثم باعها بألف وثلاث مئة من غير أن يغش فهذه الثلاث مئة -مثلا- هي ربح ساقه الله إليه لأنه لا غش في بيعه هذا يُسمى (بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ) لكنه لو لم يقتنع بهذا ولجئ إلى أن يغش من باعه فهو طلب شيئاً لم يشرعه الله هذا الذي أراد شُعيبٌ أن ينهى قومه عنه لمَّا قال لهم هذا (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هم يرونه يصلي فأخذوا يسخرون من صلاته ( أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء ) هو عالج قضيتين: قضية عَقَدية وقضية دُنيوية
 القضية العَقَدية : إشراكهم مع الله . والقضية الدُنيوية : بخسهم للناس حقوقهم والتطفيف في الكيل والميزان، فَهُم ردوا عليه إنه لا يُعقل أن أمراً نشأنا عليه إعتقاداً وهو عبادة غير الله وسلوكاً وهو التطفيف في الكيل والميزان أن نترك هذا وهذا من أجل ما تُمْليه علينا ثم قالوا تَهَكُماً ............ (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا) هو لم يحدد ما الرزق الحسن لكن أعظم رزق رزقه الله إياه هو النبوة ويتبع ذلك أشياء كُثر (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) وهذا المقطع من الآية من أعظم ما يوعظ به الأئمة والخطباء ومن تصدر لوعظ الناس (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) ونظيره في القرآن (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) ونظيره وهو الثالث (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) .
قال ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) يبين ضعفه ثم قال (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ) هذه الكلمة عزيزة لم ترد في القرآن متعلقة بالله إلا في هذا الموضع ولذلك قال العلماء إنها عزيزة وقالوا من أحب أحداً ودعا له بالتوفيق فقد أخلص له في الدعاء . قال الله -جل وعلا- عن نبيه شعيب أنه قال (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ) فأنا أعمل لكن أن أُصيب ما أردت إصابته لا يمكن أن يكون إلا بتوفيق من الله (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) والتوكل عبادة قلبية كُلٌ يَدَّعيها لكن ليس كل أحدٍ يُقَدر له أن يأخذ بأسبابها على أتم وجه وأكمل نحو (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) .
(وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ) أي : لا يدفعنكم (شِقَاقِي) أي عداوتكم لي (أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ) فقهنا تاريخياً أن قوم هود وقوم لوط وصالح كلهم كانوا قبل شُعيب ظاهرٌ هذا ، لمَّا قال (وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ) فهمنا أن هذه الأمم قبل قومِ شُعيب حتى الإنسان يستحضر القرآن ويعرف الترتيب الزمني لأنبياء الله . 
ثم قال (وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ) من هنا معنى الكلام وما قوم لوط ببعيدٍ منكم هل هم بعيدون زمناً ؟! أم هم بعيدون مكاناً ؟! يعني غير بعيدين زمناً أو غير بعيدين مكاناً أو غير بعيدينٍ طبعاً ؟!
 القول بأنه طبعاً بعيد لأن معصية قوم شُعيب غير معصية قوم لوط هذه نحيناها.
 بقي مكاناً : شُعَيْبٌ كان في جزيرة العرب في أسفلها في جنوبها وأما قوم لوط كانوا في شمالها فهذا قد يبعُد .
مابقي إلا الزمن ، لكن تحتمل المكان تقريباً لأن مسألة المكان نسبية (وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ) .
/ ثم قال (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) الاستغفار أعظم طرائق جلب رحمة الله بدليل القرآن قال الله -جل وعلا- عن نبيه صالح (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، في الخبر الصحيح (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه سبع مرات غُفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف) ، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه / (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) الآن أنخ مطاياك في معنى الاسمين العظيمين رحيم ودود :
الرحمة واضحة المعنى لكن سنأتي بمثال نُقرب فيه المعنى: لو أن إنساناً رأى دابة من الدواب لنفرض كلباً والكلب يلهث من العطش فسقاه هل هذه رحمة ؟! أو غير رحمة ؟! رحمة باتفاق العقلاء لكن هل سقيك للكلب ورحمتك به يدل على أنك تَوده وتُحبه محال فلا يلزم من الرحمة الود والمحبة ، شخص كافر رأيته في موقف إنساني ينزف دماً فَحملته إلى المستشفى فأنت رحمته لكن لا يلزم من ذلك أنك تُوده .
هنا شُعيبٌ لمَّا عَرَّف بربه -جل وعلا- قال (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) يرحم أولياءه ، لابد من هذا القيد وعباده الصالحين وهو يَودُهم يعني يحبهم ويحبونه لا يرحمهم لمجرد الرحمة إنما يرحمهم وهو وادّ لهم -جل وعلا- هذا معنى قول الله (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ).
 أصابهم الكبر على فَصَاحته (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ) وهم يفقهون لأنهم عربٌ خُلص ، أقحاح (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) وهذا يدل على دناءة أخلاقهم ،جعلوا رهطه أعزّ عليهم من الله ولهذا عيرهم بها وقدحهم بها قال كما قال الله جل وعلا- (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ) تفقه منها من ذكرك بالله اقبل تذكيره ،من خوفك بالله اقبل تخويفه، ومن جاءك عن طريق ربك ترغيباً ،وتذكيراً ،وترهيباً فاقبله ، كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا رأى أحد غِلمانه يصلي يُعتقه فلما كثُر العتق في غلمانه أصبح الغلمان كلما رأوا ابن عمر جالساً جاؤا يصلون فإذا رأى أحداً يصلي أعتقه فجاءه أحدٌ ينصحه قال: يا ابن عمر إنهم يخدعونك، قال: من خدعنا بالله انخدعنا له، قبلنا خِدعته لأنهم جاؤه عن طريق الله لا يعني هذا أن يكون الإنسان غافلاً يُسخر منه أو ما أشبه ذلك ، لا لكن في الأشياء التي يملكها المرء والمراد كُلا من الآية تعظيم الله في القلب ، (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ثم بين لهم أن القضية قضية ارتقاب حتى يقع الأمر ،فوقع الأمر من رب العالمين ، فصل بين عباده وأهلكهم كما قال الله -جل وعلا- (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ*كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا) قال الله (أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) اتفقوا وتشابهوا في سوء المُعتقد فحُق عليهم أن يتشابهوا في البعد عن الله تبارك وتعالى.
 هذه الوقفة الأخيرة الثالثة مع الجزء الثاني عشر من كلام الله وقد حصرنا هذه الوقفات كلها في سورة هود والله المستعان وعليه البلاغ والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق