الثلاثاء، 25 يونيو 2013

الوقفــ الثانية ــة من جـ12 / مع قوله تعالى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا...)


هذه الوقفة الثانية من الجزء الثاني عشر:
بينا في اللقاء الأول أن الملائكة جاءت إبراهيم بالبشرى والله قال (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ*إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) قال الله ( سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) لا على أنهم ضيوف لكن على حالهم وما سيترتب من دخولهم بيته فقال الله (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) وليس في هذا إعتراض على القدر لكنه وصف لليوم لا سبٌ للدهر حتى يُفهم المعنى (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) المشهور أن زوجته هي التي أنبأت قومه بأضيافه ، وامرأة نوح كانت تقول للناس إنه مجنون ، وامرأة لوط كانت تخبر الناس بمن يأتي للوطٍ من الأضياف فكِلا المرأتين خانت زوجها وكلٌ منهما لم يقع منهما إيمانٌ البته وهذا يدلك على أن الهداية بيد الله ، فامرأة نوح تبيت وتَطعم على فرآش عبدٍ قال الله فيه (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ، وامرأة لوط تبيت وتَطعم مع لوطٍ عليه السلام الله يقول (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) يعني لإبراهيم مع ذلك لم تنتفع أي امرأة منهما بصحبة ذلك النبي، وآسية بنتُ مُزاحم تبيت وتَطعم مع أكفر الكفره -مع فرعون- ويلقي الله في قلبها الإيمان ،والهداية نور من الله جل جلاله .
قال الله (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) هنا المقصود بها السيئات عموماً والفاحشة المعروفة على وجه الخصوص (وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) مر معنا أن لوطاً عليه السلام كان مهاجراً من الشام إلى أرض سدوم، ليس منهم فليس له عَصبة تحميه كما كان أبو طالب يحمي النبي -صلى الله عليه وسلم- (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) وعرض عليهم بناته بقوله قال (هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) وقال (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ) وقال (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ) وقد اختلف العلماء رحمهم الله اختلافا كثيراً في معنى قول الله -جل وعلا- على لسان هذا النبي الكريم العفيف الغيور (هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) على أقوال عدة :
- فبعضهم قال إنه قصد بنات القرية جميعاً وقصد الزواج المعروف.
 لكن الآية لا تحتمل هذا لأنه يشير "هؤلاء" اسم إشارة على شيء حاضر (هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ).
 وأظهر الأقوال -والعلم عند الله- سآتي بمثال إن فقهت المثل تفقه الآية، تفقه مرادي من الآية لأنه قد يكون مرادي غير صحيح.
 لو أن رجلاً جاء لشابٍ فقتله ثم فر فجاء أولياء المقتول يتبعون القاتل، فالقاتل دخل بيت رجلٍ من وجهاء القرية وله علاقة وطيدة بالمقتولين بأولياء الدم فلما تبعوه دخل الدار فلما دخل الدار طلب الجوار والذمار والحمية من صاحب البيت ،وهو لا يدري من خصومه ولا يدري لماذا جاء ولا يدري عن من يفر ولا يدري ماذا صنع، طلبه الأمان ،طلبه الجيرة طلبه الذمار أعطاه ، فلما أعطاه أصبح هذا القاتل في جواره ،بعد برهه دخل أولياء الدم بسلاحهم يريدون الذي قتل ابنهم فأصبح صاحب البيت صاحب الدار في حرج لأن هؤلاء يطلبون بالدم وهذا قد أُعطي الجوار فأراد أن تبرأ ساحته وذمته وصنيعه أمام من استجار به فقال للقادمين ،لأولياء الدم، قال اُقتلوا أبنائي بدلا منه ،هو يعلم يقيناً أن أحداً منهم مُحال أن يقتل أبناءه ،لم؟ لأنهم لو قتلوا أبناءه جميعاً لن يستفيدو شيئاً، لم يذهب الجرح الذي في قلوبهم عندما قتلوا ابن جار لهم ، ابن صديق لهم ، لو قتلوا مئة ما خرج الشيء الذي في قلبهم ، هم قلبهم على هذا القاتل ، لكن هذا القول منه يجعل ساحته تبرأ مع من استجار به يعني أنا ماذا أفعل لك أكثر من هذا ، ماذا يمكن أن أصنع لك أكثر من هذا ، ماذا يمكن أن أقدم لك أكثر من أني عرضت أبنائي وهم رفضوا ، لكن ما الذي جعله يعرض أبناءه يقينا أن هؤلاء أولياء الدم لن يقتلوا أبناءه ، اليقين هنا هو القرينه الكبرى ، هو على علم أنهم لو قتلوا ابناءه كلهم ما استفادوا شيء ، إذا لن يقتلوهم ، هو واثق من هذا واثق منه علم يقيني واضح هذا ؟!
 لوطٌ عليه السلام دخلت عليه الملائكة في صورة شباب حسان هو لا يدري أنهم ملائكة لكن دخلوا في جواره ، دخل هؤلاء الفجار إلى بيته ، هو يعلم أن هؤلاء الفجار يقيناً ليس لهم إربة في النساء ، لا يريدون النساء بدليل أنهم تركوا أزواجهم خلفهم ، كلهم متزوجون لا يريدون زوجات ،ولا يريدون المرأة عموماً لا بحلٍ ولا بحرام ، هذه مُتيقن منها لأنه خالطهم سنين يعرف ليس لهم طمع في النساء قال الله عنهم {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم} فقال لهم -لأنه يريد أن تبرأ ساحته أمام الضيوف- قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين .
وضحت القضية هو قالها حتى يبرأ ساحته من الضيوف لا أنه يريد الخنا لأهله ، محال هذا لا يفعله أي أحد فكيف يُرمى به أنبياء الله ؟! لكن هو أراد أن تبرأ ساحته لأنه على علمٍ ويقينٍ بأن أولئك القوم لن يلتفتوا لذلك ، الدليل والقرينة  أنهم (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ) أي لا نريد مطلب في بناتك ، قد علمت طبعنا وعلمت حالنا وعلمت ما نريد ، نحن لا نبتغي النساء لقد علمت مالنا في بناتك من حق ،هم فهموها (قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) أنت خبرتنا وتعرف ماذا نريد.
 هنا لما اشتد الكرب جاءت قدرة الرب قال الله -جل وعلا- (قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) أماطت الملائكة اللثام عن شخصيتها (لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ) وخرج جبريل وضربهم ضربة أولى على وجوههم فطمس أعينهم فخرجوا يتحسسون الحيطان ،ويتلمسون الجدران ويقولون إذا أصبحنا سيكون لنا ولهم شأن ، فقالت الملائكة للوط (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) لم موعدهم الصبح؟ سيأتي . قال (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) هو يريد أن يخلُص فكأنه استبطأ الصبح فقالت له الملائكة (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) هنا أمرته الملائكة أن يخرج بأهله هذا سبب التأجيل للصباح فلما خرج بأهله حتى لا يقع في قلب الفتاتين شيء من أن أمهم ستهلك قال الله لهم (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ) ولا يوجد عبادة اسمها عدم الالتفات ، ما في عبادة اسمها لا يلتفت منكم أحد لكن حتى تقوم الحجة على الأم خرجوا لوط وابنتاه وزوجه لما خرجوا الأم -زوجة لوط- مازالت على دين قومها تتعاطف معهم مازالت تلتفت تلتفت تريد أن تكون معهم فدب البغض من الفتاتين والبراءة من أمهم فتأخرت وتقدموا فقال الله -جل وعلا- (جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) هم نكسوا الفطرة أباح الله لهم الإناث فلجؤا للذكران فلما نكسوا الفطرة قلبهم الله جل وعلا بأن نكس الأرض التي هم عليها ولا يقدر على هذا إلا الله إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ*فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ*مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ) قال الله بعدها -نسأل الله العافية لنا ولكم- (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ). من أهلكهم قادر على أن يُهلك أمثالهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق