الاثنين، 17 يونيو 2013

الوقفــ الأولى ــة من جـ12 / مع قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا..)


 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن وآلاه وبعد:
 هذه الوقفة الأولى من الجزء الثاني عشر والآيات هي قول الله -جل وعلا- {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ...} الخ الآيات يخبر الله -جل وعلا- فيها بقوله (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا) أضاف الله الرسل إليه والإضافة هنا تقتضي التشريف والرُسل هنا أجمع الناس على أنهم الملائكة لكن أُختلف في من هم من الملائكة والأرجح : أنهم جبريل وإسرافيل وميكال لكن لا أعلم في هذا نصاً صريحاً يمكن رفعه النبي -صلى الله عليه وسلم- جاؤه بأي شيء؟ جاؤه بالبشارة ، والبشارة أصلا لا تكون إلا في شيء يُرتقب وقد كاد يدبُ اليأسُ إلى صاحبه ، وإبراهيم -عليه السلام- تزوج سارة أولاً ثُم تزوج هاجر وكان له منها إسماعيل فجعل هاجر وابنها في مكة وبقي هو في الشام وقد شَاخَ -عليه الصلاة والسلام- وكبُرت امرأته فَكتب الله له أن يُرزق ، فإجلالا له -عليه السلام- قبل أن تحمل زوجه جاءته الملائكة بالبشارة من الله وفي هذا دلالة على أن الإنسان إذا استطاع أن يحمل بشارة إلى أحد فليفعل لأن هذا مما يتنافس فيه العقلاء والنبي -صلى الله عليه وسلم- قَال ( إن مَلَكا نزل من السماء إلى الأرض لم ينزل إلى الأرض من قبل استأذن الله أن يبشرني بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) فهذا المَلَك فقِه معنى البشارة وعلِم في الملكوت الأعلى أن الله جعل الحسن والحسين سَيِّدي شباب أهل الجنة فنزل بهذه البشارة ، فهؤلاء الملائكة الأصل أنهم ذاهبون إلى قوم لوط ، في طريقهم مروا يحملون البشارة على إبراهيم. ربُ العالمين هُنا يخبر عن هذا قال (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا) على تحية أهل الفضل في كل عصر ومصر وهي التحية التي علمتها الملائكة أبانا آدم ( قَالَ سَلاَمٌ ) ثم أدخلهم وكان من أكرم خلق الله ، (فَمَا لَبِثَ) : أي لم تطل المدة (أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) فلفظ "عجل" أفادنا أي نوع من بهيمة الأنعام ذبح إبراهيم لضيفه ، ولفظ "حنيذ" أفادنا أي طريقة طهى بها إبراهيم العجل لضيفه ، في قوله -جل وعلا- في سورة أخرى { بِعِجْلٍ سَمِينْ } أفاد وصفاً لذلك العجل.
 فقال الله -جل وعلا- (فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) وهو لا يعلم أنهم ملائكة فلما وضعوا بين أيديهم -مرّ معنا أن المؤاكلة حُرمة يعظمها العقلاء قال أبو الطيب: "إن المعارف في أهل النُهى ذِمم" فالجوار ولو لحظة ذمة لا ينقُضها العقلاء، والمؤاكلة من أعظم ما يمكن أن يُقرب بين الناس- فهذا الخليل -عليه السلام- لا يعلم أنهم ملائكة ، رأى أيدي تلك الملائكة لا تصل إلى الطعام فأصابه الخوف أن هؤلاء ما جاؤا لخير إنما أرادوا سوء بدليل أنهم رفضوا أن يأكلوا طعامه قال الله -جل وعلا- (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ) أي : لا تصل الى الطعام (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) قبل أن نتجاوزها ، الغيب لا يعلمه إلا الله فهذا خليل الله وليس هناك يومها على الأرض أحد أفضل منه ولا اتقى لله منه ولا يرفع لأحد عمل صالح في زمانه أعظم منه -عليه السلام- ومع ذلك لم يكن يدري أنهم ملائكة، فالغيب لا يعرفه إلا الله . {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} هنا طمأنوه (قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ) فأخبروه أن الله بعثهم إلى قوم لوط وقوم لوط عُرفوا بالفساد وشاع هذا بين الناس ، وإبراهيم يعلم أن لوطاً هو ابن أخيه وربما كان يترقب أخباره ووصل إليه شيء منها فشيوع الفساد من قوم لوط كان ذائعاً (إِنَّا أُرْسِلنَا إلى قَومِ لُوطْ) قال الله (وَامْرَأَتُهُ) امرأة من؟ امرأة إبراهيم سارة زوجه الأولى قائمة تعين زوجها على خدمة ضيفه (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ قال الشافعي -رحمه الله- وبعض العلماءٍ أن ضحكت هنا بمعنى : حاضت.
 الموقف الأول : لا يُنكر أن الشافعي كان إماما في اللغة نعم ولا يجادل في هذا من له إطلاع على أحوال العلماء فقد مكث في هُذيل عشر سنوات يأخذ عنهم اللغة لكن القول بأنه هنا بمعنى : حاضت لا يستقيم ، بعيد جداً لأن هذا لا يصل إلى مفهوم الملائكة وهو شيء خفي المقصود (فَضَحِكَتْ يبقى الأمر على أصلها لأن الضحك هو إنفلاج الفم عن الأسنان الضحك المعروف لكن السؤال لماذا ضحكت ؟! الأرجح أنها ضحكت سروراً بأنها علمت أن أولائك أهل الفساد سيُعذبون فكان هذا نوع من العمل الصالح ، تعاطفها مع أهل الإيمان وبغضها لأهل الكفر والخسران ، فهذا به -كسبب وقد سبق في علم الله- قال الله (فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، هل بُشرت بإسحاق ويعقوب في موقف واحد أو بُشرت بإسحاق ثم بشرت بيعقوب في موقف آخر والله ذكرهما إجمالاً؟ الآية تحتمل الإثنين .
(فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) ، هي مهما بلغت بشر (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى) تعجُباً ليس رداً (أَأَلِدُ)  إستفهام (وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي)  تشير إليه إبراهيم (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) أما كونه عجيب فنعم، فأجابتها الملائكة (قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) فقد كان لآل إبراهيم ، لبيت إبراهيم مقام جليل جداً عند الله ( إِنَّهُ) أي الله (حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) هذان الاسمان الله -جل وعلا- يشكر من شكره وهو مجيد يضفي بالرفعة لمن اتقاه ولهذا قال الله هنا (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) ماكان في قلب إبراهيم من رَوع وخوف لما قبُضت أيديهم عن الطعام لأن الملائكة لا يأكلون قال الله -جل وعلا- (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ) زال ما كان يخشاه من أنهم أعداء له أخذ يجادلهم في لوط خوفاً على ابن أخيه قال الله -جل وعلا- (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ) وحتى لا يقع في قلب أي أحد شيء من سوء الظن بإبراهيم أثنى الله عليه قال الله (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) كثير الأوبة إلى ربه ، كثير الصبر على من يخطئ عليه بأعظم آية قال ربي (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ثم لما فرغت الملائكة من البشارة لإبراهيم عليه السلام وأخبروه بما وقع ، بما كان ومرادهم ذهبوا -عليهم السلام- إلى قوم لوط وهذا ما سنبينه إن شاء الله في الوقفة الثانية مع قَول الله -جل وعلا- {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق