السبت، 24 نوفمبر 2012

تفسير سورة الطور / أشراط الساعة

الشيخ / محمد بن علي الشنقيطي



الحمد لله رب العالمين الذي له الحمد في الأولى والآخرة ، له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه . اللهم لك الحمد أنت أحقّ من ذُكر ، وأحق من عُبد، وأنصر من ابتُغي ، وأرأف من ملك ، وأجود من سُئل وأوسع من أعطى ، أنت الملك لا شريك لك والفرد لا ند لك ، كل شيء هالك إلا وجهك ،  لن تُطاع إلا بإذنك ، ولن تُعصى إلا بعلمك ، تُطاع فتشكر ، وتُعصى فتغفر ، أقرب شهيد وأدنى حفيظ ، حُلت دون النفوس ، وأخذت بالنواصي ، وكتبت الآثار ونسخت الآجال ، القلوب لك مفضية ، والسر عندك علانية ، الحلال ما أحللت والحرام ما حرّمت ، والدين ما شرعت ، والأمر ما قضيت والخلق خلقك ، والعبد عبدك ، وأنت الله الرؤوف الرحيم .
نسألك اللهم بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تُشرق نور الإيمان في قلوبنا ، وأن تجعل مجالسنا محفوفة بملائكة رحمتك ، وأن تُنزل علينا في هذه الساعة من سكينتك ورحمتك ما تزيد به إيماننا وتشرح به صدورنا وتُزكي به نفوسنا وتبلغنا به أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات إنك كريم مجيب جواد على كل شيء قدير .
 وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأنبياء وإمامهم محمد - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد :
 معاشر الحضور الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
 بالأمس كان أول لقاء مع سورة الطور وتحدثنا فيه عن الطور ومعاني هذه الكلمة وعن جبل الطور وفضائله وخصائصه وعن الواد الذي يقع فيه جبل الطور - الواد المقدس - وعن الناحية الغربية من جبل الطور وما حصل لجبل الطور من تجلي الله - جل وعلا - عليه ، ومن نزول التوراة عليه ، ومن نقله من الأرض ورفعه على بني إسرائيل ، وما سيكون له في المستقبل مع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - عند خروج يأجوج ومأجوج ، وذكرت أن القسم بالشيء يدل على فضله وأن الله - جل وعلا - ما أقسم بمخلوق وإلا ذلك المخلوق له شأن عظيم فلو كان هذا المخلوق الذي أقسم الله - جل وعلا - به لو كان محسوسا كجبل الطور أو كان غير محسوس من الأشياء المعنوية التي حصل القسم بها .
 وهذه السورة أقسم الله - جل وعلا - فيها بخمسة أقسام : (وَالطُّورِ) هذا القسم الأول ، (وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ) هذا القسم الثاني ، (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) القسم الثالث، (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) القسم الرابع (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) القسم الخامس، هذه الأقسام كلها على أن عذاب الله واقع (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) .
 هذه الأقسام أيضا اشتملت على ذكر ثلاث أشياء حصلت فيها مناجاة خالصة لله من عباد مخلصين لله :
/ أما جبل الطور فناجا فوقه رب العالمين وكلّمه موسى - عليه السلام - .
/ والبيت المعمور فكلم الله عنده وناجاه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
 / والبحر المسجور فالذي تكلم في بطن الحوت في داخل البحر يونس بن متى .
 فحصل في المواطن الثلاث مناجاة لله :
- قال موسى عند جبل الطور (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) 
- وقال محمد - صلى الله عليه وسلم - عند البيت المعمور : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فسلّم على نفسه وعلى أمته وعلى عباد الله الصالحين ليلة الإسراء والمعراج عند البيت المعمور .
- وأما البحر المسجور والحوت الكبير فيه الذي ابتلع يونس فحصلت هناك أيضا مناجاة لله قال فيها يونس بن متى (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .
 فانظر لهذه المناجاة الثلاث (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) ، ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) ، (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي هذه المناجاة الثلاث بقي مستمرا مدى الحياة وسيبقى مستمرا بعد الحياة الدنيا في الآخرة ؟
مناجاة من ؟ (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)
كل هذه المناجاة يوم القيامة ستبقى :
- أما مناجاة موسى  (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) فستتحقق فعلا في الآخرة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) 
- مناجاة محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما سلّم عليه الله وسلّم هو على نفسه وعلى المؤمنين أيضا ذلك السلام سيبقى في الجنة (سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ*سَلامٌ عَلَيْكُم) وأيضا هم فيما بينهم (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)
- أما مناجاة يونس (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فهذه ثلُثيها باقيين ، التوحيد  (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ) والتسبيح (سُبْحَانَكَ) أما (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فهذا الاعتراف في الدنيا وإذا انتهت الدنيا انتهت بما فيها من ظلم ، انتهت بما فيها من عدل ولا يُلتفت للماضي وإنما يكون بدله الحمد (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ، (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) .
/ (وَالطُّورِ*وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ*فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ*وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ*وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ*وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ*إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ*مَا لَهُ مِن دَافِعٍ)
توقفنا هنا بالأمس ونبدأ اليوم من قوله تعالى (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) :
هذا العذاب متى يقع ؟
يقع يوم تمور السماء مورا ، إذا يوم القيامة هو يوم عذاب ، بدايته عذاب ، ونهايته أيضا لقوم عذاب لكن قوما يُنجيهم الله من ذلك العذاب من بدايته إلى نهايته لا يمسهم السؤ ،  إذا على من تقوم الساعة ؟ لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق.
 فأين المؤمنون ؟ أين عمّار المساجد عند قيام الساعة ؟
 يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فإذا أراد الله قيام الساعة أرسل ريحا طيبة تدخل من تحت آباط المؤمنين فتأخذ أرواحهم دفعة واحدة ) فيموت كل المؤمنون على وجه الأرض في لحظة واحدة والكافرون والمجرمون يبقون أحياء يعيشون بعد ذلك سنين من سنين الدنيا يعيثون في الأرض فسادا ، لا آمر ، لا ناهي ، لا صلاة ، لا زكاة ، لا صيام ، لا ذكر لله حتى أن أعلمهم يقول لقد كنت أذكر جدي يقول أن هناك شيء اسمه الله ، على أولئك تقوم الساعة لأن الساعة مُحال أن تقوم وفي الأرض من يقول لا إله إلا الله . الكون بحذافيره ، السموات السبع ، وأراضيه السبع وجباله الراسيات وبحاره وأنهاره وأشجاره وما فيه من دواب كل ذلك في أمن وأمان ما دام الإسلام في الأرض ، فإذا انتهى الإسلام من الأرض ، إذا رُفع القرآن من قلوب القارئين ، ورُفع القرآن من بطون المصاحف ورُفع الإيمان وأهله عندئذ تقوم الساعة ، لا تقوم الساعة حتى تأتي أشراطها ، وأشراط الساعة ثلاثة أنواع : نوع قد مضى وانقضى ، ونوع نحن نعيش فيه الآن ، ونوع ننتظره .
 / أما ما مضى وانقضى فبعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - (بُعثت أنا والساعة كهاتين) - قرن بين السبابة والوسطى - يعني ليس بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيام الساعة إلا ما زاد به هذا الأصبع - الأوسط - على هذا - السبابة - فالبقية المتبقية من الدنيا ما زاد به الأصبع الأوسط على السبابة ، هذه البقية كل ما جرى فيها أشراط للساعة .
 منها أيضا : مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - .
 ومنها : الفتنة التي حصلت بين الصحابة .
 منها : الطوائف الذين خرجوا
 منها : نار خرجت شرقي المدينة عام 650هـ واستمرت شهرا أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى حتى أصبح الليل نهارا لمدة شهر وأهل الشام يكتبون على ضوء تلك النار كتبهم ، وذكرها ابن كثير في كتابه البداية والنهاية وقد ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار شرقي المدينة تُضيء لها أعناق الإبل ببُصرى ) . أيضا من العلامات التي وقعت نهاية البدو الرُحل ، العرب البدو الرُحل الذين كانوا يتنقلون من مكان لمكان خلف المرعى إذا تركوا البادية وتقرّوا فذلك من علامات الساعة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال فأخبرني عن أماراتها ، قال : أن تلد الأمة ربتها ) وهذا قد وقع وهو حصول التزاوج بين الأحرار والعبيد وقد حصل ، وقيل: ظهور العقوق - وهذا القول الصحيح - أن يكثر العقوق في الأمة الإسلامية حتى تكون البنت تأمر أمها فتكون البنت لأنها مُدرِسة أو موظفة تأمر أمها ، وتكون الأم المسكينة تكسب رضا البنت (أن تلد الأمة ربتها) تصبح البنت ربة للأم .
 (وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان) نهاية رعاية الغنم ، نهاية البادية إلى بداية الهجر والمدن .
 أيضا قال الله - جل وعلا - (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا)
من العلامات أيضا من العلامات التي حصلت : ظهور الظلم وتفشيه . إلى غير ذلك . هذا كله من العلامات التي وقعت .
 / من علامات الساعة التي نحن الآن واقعون فيها تكلم الحديد : الميكرفون ، الجوال ، التلفون ، التفاز ، الإذاعة ، تكلم الحديد من علامات الساعة ، تقارب البعيد فأصبح الكون كله كالقرية الواحدة تجلس في بيتك وتعلم ماذا حصل في الكون من حولك ، الأقمار الصناعية ، البث المباشر تستطيع أن تعرف ماذا يحصل في أي بقعة في العالم إذا شئت يصبح البعيد قريب ، تقارب البعيد .
 كذلك السفر البعيد أصبح الناس المسافة التي يقطعونها في شهر تقطعها في نصف ساعة. تقارب البعيد وتكلم الحديد وغير ذلك من الأشياء التي نعايشها الآن من علامات الساعة .
/ منها أيضا : رفع بركة الزمن ، كان الناس اليوم عندهم يفعلون فيه أعمال كثيرة ، الآن اليوم يمرّ كأنه ساعة ، والأسبوع يمر كأنه يوم ، والشهر يمر كأنه أسبوع ، والسنة تمر كأنها شهر ، بالأمس القريب كنا في رمضان واليوم جاء رمضان ، شعرتم بالسنة التي مرت ؟ أصبح الزمن سريع وهذا من علامات الساعة .
 / من علامات الساعة التي لم تقع وهي ستقع لا محالة ، ننتظرها : خروج رجال ذكرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم رجل من قحطان اسمه محمد بن عبد الله يوطد مُلك المهدي وهذا يأتي مقدمة قبل المهدي ، ومنهم : المهدي المنتظر وهو محمد بن عبد الله حسني الأب حُسيني الأم وسيخرج في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يملأ الأرض عدلا كم مُلأت جورا وظلما .
 / ومنها أيضا : العلامات الكبرى وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم منها ثمانية : أولها : خروج الدجال وهذا كله قبل أن تمور السماء مورا ، قبل أن تأتي الساعة ، هذه التي سنتحدث عنها في الآيات هي الساعة أما ما ذُكر فهذه علامات إذا حصلت فانتظروا الساعة وهي :
 أولا : الدجال - تعرفون قصته - وهورجل قيل إنه من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : إن هذا الرجل فتنة يخرج في كل أمة فقد خرج في أمة موسى باسم السامري وهو الذي صنع العجل ودعاهم لعبادته فاتبعوه ثم جاء موسى فحرّق العجل ورماه في اليمّ ولم يفعل شيء للسامري ، لم يُسلط عليه ، قال (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ) قيل لا مساس أي لا يستطيع يمسه ، وقيل : أي سيصاب بحساسية فيهرب من الناس ، إلى غير ذلك .
 وظهر أيضا في قوم عيسى - عليه الصلاة والسلام - ففتن في صورة أخرى وباسم آخر. وظهر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة ابن صياد كما قال بعض أهل العلم ، وجاءه النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليه وقال : قد خبأت لك خِباء وقد خبأ له النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة الدخان ، فقال : الدُّخ ، فقال : اخسأ . ولم يُعلم لابن صياد موت ، لم يُعلم أين مات .
 وقيل : أن هذه الأمة فيها ثلاثون دجال ، ظهر ابن صياد في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم ظهر مسيلمة ، ثم ظهر الأسود العنسي ومختار الثقفي وغيرهم من الكذابين المتنبئين الدجاجلة ، رقم ثلاثين من الدجاجلة هو الدجال الأعور الكبير ، هذه ثلاثين دجال نصيب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكل أمة دجاجلتهم .
 إذا هذا الدجال الأعور المنتظر الخطير الذي كل نبي حذر منه أمته يخرج أول ما يخرج في قارة آسيا ، يخرج في المنطقة ما بين العراق وإيران في مدينة أصفهان يعيث يمنة ويعيث يسرة ، صورته كما صوره النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرته أدهم اللون - أي ليس بأبيض ، بني - عينه اليمنى ممسوحة كأنها زبيبة يابسة فوق العين مكتوب بين عينيه كفر يقرؤها من يقرأ ومن لا يقرأ ، يخرج مدة إقامته في الدنيا منذ خروجه إلى أن يذبحه عيسى بن مريم أربعون يوما ، يومه الأول كسنة ، والثاني كشهر ، والثالث كأسبوع ، ثلاثة أيام تختلف عن أيام الدنيا ولا تختلف أيام الدنيا منذ أن خلقها الله إلى أن تنتهي إلا في أيام الدجال ، في اليوم الأول تمكث الشمس على الناس مدة 360 يوم الذين عليهم نهار عليهم نهار ، والذين عليهم ليل ، عليهم ليل سنة كاملة لكن النهار معاه يمكث في هذا اليوم يمر على ما شاء الله أن يمر عليه من الكرة الأرضية ماعدا بقعتين يمنعه الله منهما مكة والمدينة على أنقابهما ملائكة لكن من فيهم من أتباعه يخرج إليه ، تهتز المدينة ، تتزلزل ويخرج الناس هربا ويأتوا إلى الدجال فيتبعوه ويخرج له رجل من أهل المدينة من أفضل رجالات أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في عهده ، يخرج إليه فيقول : أشهد بالله أنك الدجال الأعور الكذاب الذي حذرنا منك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترجع طائفة فيقتله - يقطعه من نصف رأسه شطرين - ثم يقول للناس أرأيتم إذا جمعته وأحييته أتعلمون أني رب العالمين فيقول له بعض أتباعه نعم ، فيقول له: قم كما كنت ، فيقوم كما كان فينطقه الله فيقول : أشهد أنك أنت الدجال الكذاب الذي حذرنا منك رسول الله فيقتله ثانية ثم يُرجعه ثم يحاول قتله في الثالثة فلا يستطيع فعندئذ يرجع جماعة من الناس قد اتبعوا الدجال في المدينة وهذه من خصائص المدينة وفضائلها. هذا الدجال هو رقم واحد من علامات الساعة الكبرى .
 ثم بعد ذلك العلامة الثانية نزول عيسى بن مريم ، وهو سينزل في هذه الأمة حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويُحرق سائر الكتب الموجودة في أمة محمد ما عدا كتاب الله وسنة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا مذهب مالكي ولا شافعي ولا حنفي ولا حنبلي عند نزول عيسى بن مريم ، فيه قال الله ، قال رسول الله ، قال زيد ، قال عمر انتهت .
 أيضا يمكث عيسى بن مريم ما شاء الله أن يمكث في أمة محمد حتى يخرج يأجوج ومأجوج وهم العلامة الثالثة ، ثم يأجوج ومأجوج يمكثون حتى يهلكهم الله بدعوى من عيسى بن مريم آمّن عليها المؤمنون فيُهلكهم الله ببعوض يدخله في أنوفهم فيموتون ثم يُنزل ماء ويرسل طيرا نسور فتأخذهم إلى البحر فيطهر الله الأرض بعدهم ، بعد ذلك تعود الأرض على بركتها كما كانت وهذه من علامات الساعة ، أن تعود للأرض بركتها كما كانت يوم خلقها الله حتى إن الفئام من الناس ليجتمعون على الشاة الواحدة يشربون من لبنها وما ينتهي لبنها ، عشرات الرجال يأتون لشاة واحدة فيشربون واللبن لا ينتهي حتى إن الفاكهة الواحدة ليأكل منها الإنسان ويشبع ويستظل بظلها من ضخامتها ، حبة البرتقال تكون مثل الفلة من ضخامتها وكِبرها وهذا من البركة التي ستحصل في الأرض بعد هلاك يأجوج ومأجوج ، بعد هلاك الدجال ، بعد ملئ الأرض بالعدل والنور والإيمان .
 بعد ذلك تأتي الدابة وهي من علامات الساعة الكبرى ينشق عنها صحن مكة فتخرج ما بين المقام والكعبة ، وقيل تخرج ما بين الصفا والمروة ، هذه الدابة ذكرها الله في القرآن (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) هذه الدابة لا يُدركها طالب ولا يفوتها هارب ، تخرج من مكة وكل إنسان تختم عليه بختم ، المؤمن يُختم عليه بختم الإيمان فيُعرف ، والكافر يُختم عليه بختم الكفر فيُعرف فلا يُنادي الناس بعضهم بعضا بعد خروج الدابة إلا بما كُتب على جباههم فيقول المؤمن للمؤمن يا مؤمن تعال كم هذا ، ويقول الكافر للكافر يا كافر ويُعرف الناس بعد ذلك بما بصمتهم به هذه الدابة ، وعندما تخرج لا ينفع نفس إيمانها وقيل إن ذلك يحصل عند طلوع الشمس من مغربها وهي أيضا من العلامات الكبرى فتخرج الشمس على الناس من جهة غروبها لمدة ثلاثة أيام ، اليوم الأول تطلع من جهة الغرب وتغرب من جهة المشرق ، واليوم الثاني تطلع من جهة الغرب وتغرب من جهة المشرق ، اليوم الثالث تطلع من جهة الغرب وتغرب من جهة المشرق ، اليوم الرابع تبدأ من جهة المشرق وتعود الحياة كما كانت ، هذه من العلامات الكبرى .
العلامة الأخرى الدخان وهو دخان يأتي من جهة السماء (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ*يَغْشَى النَّاسَ) حتى يصبح النهار ليل ولا يُفرق بين الليل والنهار من شدة سواد الدخان ، هذا الدخان من العلامات الكبرى التي ستحصل قبل قيام الساعة .
فإذا انتهت العلامات الكبرى آخرها بداية الساعة ، وتبدأ الساعة بصيحة ، هذه الصيحة ذكرها الله - جل وعلا - في القرآن (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) أول ما تبدأ الساعة تبدأ بالصيحة ، هذه الصيحة من إسرافيل - عليه الصلاة والسلام - رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء وهو مُلتقم الصور وقد أصغى بأذنه ينتظر الإذن من الله قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأصغى الأذن وانتظر الإذن) إذا أذِن الله له بالنفخ في الصور فإنه ينفخ في ذلك الصور نفخة واحدة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ) نفخة الصور هذه ستُحدث ما ستسمعون :
- (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) لماذا؟ لأن الصور قد نُفخ فيه . 
- يوم تتزلزل الأرض زلزالها لماذا؟ لأن الصور قد نُفخ فيه .
- يوم تُحمل الأرض والجبال فتُدكان دكة واحدة لأن الصور قد نُفخ فيه .
إنها نفخة تُدمر هذا الكون :
- تتشقق السماء منها (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ)
- تتفطر (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ)  
- تتساقط النجوم (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ)  
- الشمس تُخسف (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)
كل ذلك يحصل بسبب النفخة في ذلك الصور لكن من هو أول من يسمع هذه النفخة من بني آدم ؟ أول من يسمعها من بني آدم رجل من بادية الشام يلوط حوض إبله ، يصنع الحوض ويصب الماء فيه ليسقي الإبل فيسمع الصيحة فيُصعق هو وإبله ، ثم يسمعها الناس من بعده فيُصعقون فلا يبقى أحد على وجه الأرض إنسانا أو حيوانا أو ملَكا أو جنا إلا ومات من هذه النفخة الأولى(فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ)  فإذا هلك هؤلاء يُنادي الله ملك الموت فيقول : يا ملك الموت من بقي من عبادي ؟ من بقي بعد الصيحة حيا ؟ فيقول ملَك الموت يارب بقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وعُبيدك الماثل بين يديك - يقصد نفسه ملك الموت - فيقول الله له يا ملك الموت اقبض أرواحهم ، فتُقبض روح جبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش . فيقول الله له يا ملك الموت من بقي من خلقي ؟ فيقول ما بقي غير عُبيدك الماثل بين يديك ، فيقول : مُت يا ملك الموت ، ذق الموت يا ملك الموت ، فيموت ملك الموت بأمر الله . فإذا مات ملك الموت قال الله : لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهّار .
أربعين ، قيل لأبي هريرة أربعين يوما ؟ قال : أبيتُ ، أربعين سنة ؟ قال : أبيتُ ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (ما بين النفخة الأولى والنفخة الثانية أربعين) ولم يُحدد ، خلالها رب العالمين يقول (لمن الملك اليوم) ولا أحد يُجيب لأنه الواحد الذي ليس قبله شيء وليس بعده شيء ، هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن والملائكة يموتون - سبحانه - . 
/ قال الله - جل وعلا - (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ*مَا لَهُ مِن دَافِعٍ*يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) بدأنا : ما معنى (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) ؟
قيل في "تمور السماء مورا" أي تموج موجا كما يموج البحر ، هي الآن بناء ، السماء مبنية والأرض متحركة لكن يوم القيامة لا بناء ، الكل متحرِك (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) قيل في مورها يعني تتمايل وتتكفأ كما تتمايل المرأة إذا مشت ، أو تموج موجا كما يموج موج البحر يدخل بعضه في بعض ، إذا انتهى البناء . إذا حصل المور حصل الانشقاق   (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ) إذا حصل الانشقاق حصل الانفطار(إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) وإذا انفطرت السماء تمزقت إذا أين الملائكة الذين كانوا فوقها لا تجد موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد أو قائم أو راكع ذهبوا ، عندما تمور السماء مورا أين يذهبون ؟ عندما تتشقق السماء أين يذهبون ، عندما تصبح السماء وردة كالدهان ماذا يحصل للملائكة ؟ (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) اصطفت الملائكة صفوفا ومارت السماء ، السموات كلها السبع تمور مورا ثم تتشقق إنشقاقا ثم تتنزل الملائكة منها تنزيلا ثم يطويها الله - جل وعلا - بيمينه كما يطوي السجل الكتب (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) .
إذا السماء كم لها من حركة ؟ 
الحركة الأولى : المور ، والثانية الانشقاق ، والثالثة الانفطار ، والرابعة الطي ، انتهى  موضوعها ، طُويت ، طي السماء إيذان بنهاية الحياة الدنيا ، وانتهاء العمل ، وانتهاء الرزق (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) .
(يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا*وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) هذا موضوع درسنا اليوم لكن لعلنا نؤجله لدرس الغد لانتهاء الوقت .       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق