الاثنين، 26 نوفمبر 2012

الدواب



الحمد لله الذي خلق آدم من طين و أسجد له ملائكته المقربين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد :
 فنستأنف دروسنا في هذا المسجد المبارك ولقاء اليوم وقبل أن أقول عنوانه نبيّن :
 أنّا نعلم أن في القرآن سورا سمّيت بأسماء مثل سورة البقرة ، سورة الفيل ، سورة العنكبوت ، وهذا يدل على أن الدواب ذُكر بعضها في القرآن ، ففي لقائين متتابعين - إن شاء الله تعالى - سنتكلم عن بعض الدواب التي ورد ذكرها في القرآن ، أي نذكر الآيات التي ورد فيها ذلكم الموقف، فلقاء اليوم اللقاء الأول للدواب ونتكلم فيه عن العنكبوت .
/ الله تبارك وتعالى سمّى سورة في القرآن اسمها سورة العنكبوت ، واختلف العلماء إن كانت مكية أو مدنية والأظهر أنها مكية وربما كان يعض آيها قد نزل في المدينة .
 مما يعنينا فيها في هذا اللقاء قول الله - جل وعلا - : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) الآية تخبر أن هؤلاء الكفار الذين الذين يعبدون الأصنام من دون الله حالهم مثل حال العنكبوت ، والمثل: قول سائر يُشبّه فيه الآخِر بالأول ، والإتيان بالمشاهد المحسوسة المعروفة ليُبين من خلالها المعاني الخفية الدقيقة الجليلة ولذلك ضرب الله - جل وعلا - الأمثال في القرآن كثيرا كما قال ربنا هنا (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ) .
/ (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا).
 الفعل "اتخذ" يدل على أن هناك شيئا من التكلف في الصنعة، فلا يوجد أحد يجهل أن بيت العنكبوت أوهن البيوت ، فقول الله جل وعلا : (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ليس معناه لوكانوا يعلمون إن بيت العنكبوت أوهن البيوت ، لا..لا يوجد أحد يجهل أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت ، فالعنكبوت تتكلف في نسجه وهو لا يكِن من حر ولا يصون من برد ولا يُحصّن من طالب ، ومع ذلك تتكلف في نسجه وهو لا يدفع ضرا ولا يجلب نفعا ولا يوجد أحد إذا ألمّت به ملمة احتصن ببيت أو تعزز ببيت من بيوت العنكبوت ، فالله - جل وعلا - يقول لهؤلاء الكفار أن تلكم الأصنام التي تعبدونها والأوثان التي تتخذونها آلهة من دون الله حالكم معها كحال العنكبوت مع بيتها ، فبيت العنكبوت لا يقيها من شيء أبدا، كحالكم مع حال أصنامكم ، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) ... ليدل به على سفاهة أحلامهم وعلى ضلالة مذاهبهم وعلى أنهم ذهبوا مذهبا يدل على أن عقولهم لا تعي ، ولهذا قال الله - جل وعلا - بعدها :
(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ) اختلف النحويون في "ما" هذه لكن أرجحها - والعلم عند الله - ما اختاره جمهورهم وهو: أنها بمعنى النفي "ما" هنا نافية فيصبح المعنى: إن الله يعلم أن هؤلاء القوم لا يدعون شيئا أبدا مع أنهم في واقع الحال يدعون لكن المراد أن الله جعل الموجود هنا كالمعدوم . لِمَ جعل الله الموجود كالمعدوم ؟..
 لأن هذا الموجود لا يتعلق به نفع البتة ، وأي شي لا يتعلق به نفع البتة يصبح وجوده مثل عدمه . قال ربنا: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا) »أي مايفقهها« (إِلاَّ الْعَالِمُونَ)... فمن فَقٍهَ عن الله - جل وعلا - كلامه فهو العالِم ، ومن لم يفقه عن الله - جل وعلا - مراده وكلامه فليس بعالمٍ البتة . إذاً هذه الآيات الثلاث من سورة العنكبوت تتحدث عن أجلّ قضية جاء بها القرآن وهي قضية توحيد الله جل وعلا وإفراده بالعبادة ودعاؤه سبحانه وتعالى وحده دون سواه .
/ الله تبارك وتعالى لما ضرب هذا المثل حتى يعيه العباد ، من يقرأ القرآن وقت نزوله ، ومن يأتي بعدهم إلى قيام الساعة إلى أن يُرفع القرآن ويُطوى في آخر الزمان ، قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ما اتخذوا تلك الأصنام ، لوكانوا يعلمون أن حالهم مثل حال العنكبوت لما اتخذوا تلك الأصنام ولا ما تقربوا إليها .
ما معنى ولي ؟..ولي يلي أمرك يدفع عنك الضر ويجلب لك النفع وهذا لايقدر عليه إلا الله ، قال ربنا : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)... ومعنى (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) أي أنه - جل وعلا - لا يضيّع أولياءه ، وكان العباس بن عبدالمطلب إذا دعا يقول : اللهم ل اتجعلنا بدار مَضْيَعَة . فربنا - جل وعلا -هنا يقول :  (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء) ... وقال بعدها : (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ) .. الدعاء هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم. ومِن أعظم ما يجعل قلبك رقيقا أن تنظر في أحوال الصالحين في القرآن الذين لجؤا إلى ربهم فكشف الله كربتهم ، حتى لو قرأتها قراءة مسترسلة لكن لابد أن تقف عندها وتُحيي بها في بعض الأحيان بعض ليلك.
 تعجب زكريا من البشارة فقال له المَلَك : (كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء) ..
 وتعجبت مريم من أنها تحمل من غير زوج فقال لها المَلَك (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء) ، وتعجب إبراهيم وزوجته سارة من أن يأتيهم ولد على كِبَر فقالت لهم الملائكة قالت لسارة (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) ...
 هؤلاء نفعهم صالحات كانت لهم قبل أن يدعوا فلما دعوا كتب الله لهم بصلاحهم وبرحمته من قبل ومن بعد أن أغاثهم.
  ومنهم - وأنت تتلو - نبي الله يونس يوم أن لجأ إلى ربه يقول كما قال الله : (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ) ..لا يُرى فيها للظلمة ولا يُسمع فيها لبُعد القعر هذا لو كان يدعو مخلوقا فالمخلوق لا يسمع صوته ولا يراه لكنه كان يدعو من يسمع الأصوات وان خُفيَت ويقضي الحاجات وإن عظمت ، ويجيب الدعوات وإن كَثُرَت ، ويغفر الزلات وإن جلّت وهذا كله لايقدر عليه إلا الله ، قال ربنا : (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)..فهو كعبد ضعيف قدّم أكثر ما يقدر عليه وهي كلمات يستجدي بها رحمة ربه، ماذا كان له بعد ذلك؟
 ردّ الله إليه قوّته ،وشاع ذكره ، واجتباه خالقه ، وآمن قومه ، وهي عطايا جليلة من رب جليل، والله لما ذكره بيّن أن يونس قد مات لكن الذي أغاثه حيّ لا يموت قال الله (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) ثم قال ربنا : (وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ).
 وأعظم ما يمكن أن تدعوا الله به بعد أن تسأل الله أن يرزقك الجنة وأن يجيرك من النار هو أن يغفر الله لك ذنوبك ، ما حُمل على الكاهل شيء أعظم من ذنب يحمله بنو آدم ، وهذه الذنوب كتب الله أنها وِزر ولا يمكن أن يُذهبها إلا الخلاّق العظيم ، قادر على أن يغفرها ، وإذا بلغنا عن رسولنا - عليه الصلاة والسلام - أنه علّم أبا بكر أن يقول : (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت) أخذنا بوصية رسولنا عليه الصلاة والسلام إلى الصدّيق أبوبكر وقلنا اللهم إنا ظلمنا انفسنا ظلما كثيرا فاغفرلنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
أحيانا يعِزّ المطلوب أو يتسلط المرهوب هنا يظهر حقيقة التعلّق بالله فبعض الناس إذا عزّ المطلوب يَقِلّ ويُحجم عن الدعاء ظنا منه أن هذا لن يتحقق ، وإذا تسلط المرهوب يُحجِم عن الدعاء ظنآ منه أن هذا لن يُرفع ، من الذي يُقدِم على هذا الدعاء؟ من حَسُنَ ظنه بالله ومعنى من حَسُنَ ظنه بالله : ليس كما يفهم بادي الرأي أن الله رحيم وتقف ، هذا لا يكفي، حٌسن الظن بالله أن تعلم أن الله يقدر ثم تعلم أن الله يرحم لكن في الأول لابد أن تعلم أن الله يقدر وإلا وأنت في حال بلاء حتى من يراك من بني آدم يرحمك فليس الحال بينك وبينه أنه لا يرحمك لكنه لا يقدر على نصرتك ، لا يقدر على أن يرفع بلاءك فحُسن الظن بالله مِفتاحُه أن تعلم أن الله لا يُعجزه شي في الأرض ولا في السماء حتى تكون هذه الحقيقة في القلب راسخة ، هذا ما يُقرأ في كتب ولا يُدرّس في كليات ولا يُعطى في محاضرات، هذا من القرآن (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هذا مفتاح العبودية الأعظم أن تعلم أن الله على كل شيء قدير ، إذا هذا اليقين راسخ في القلب ، أيّ هذا من الخلق حتى تبالي به ، حتى تسأله ، حتى تقف عند بابه ، لا يوجد أحد ، إذا غلب على ظنك أن الله على كل شيء قدير وقتها متى ما تسلط المرهوب ومتى ما عزّ المرغوب علِمت أن الله - جل وعلا - يقدر على أن يدفع البلاء وعلى أن يُتمّ النّعماء وعلى أن يتفضل عليك ، لكن اقرأ ما منّ الله - جل وعلا - به على خلقه، ألم يكن موسى عليه السلام حبيسا في قصر فرعون يقول عنه فرعون (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ) لا يكاد يُعرف ماذا يقول هذا في نظر فرعون لكنه عندالله (وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) أخرجه الله من قصر فرعون ثم جعله راعي غنم ، وهو يرعى الغنم كان يعرف أن الله وحده واهب النِعم ، رعاها عشر سنين على عِفة فرجه وإشباع بطنه ولا يعبد غير ربه، ولا يسأل أحدا غير الله ، فلما أراد الله به فضلا أخرجه الله من الصحراء من رعي الغنم ، من أرض مدين وساقه إلى أرض مصر على غير موعد عنده أي عند موسى ،(ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) عندالله ، وكلّمه ربه وناجاه وقرّبه وأدناه وجعله نبيا ورسولا . وأين موسى؟ يقول عليه الصلاة والسلام (قبره عند الكثيب الأحمر مررت به وهو قائم يصلي في ليلة الإسراء والمعراج) أي أنه ميت في دار البرزخ ، لكن الذي قرّبه وناجاه وأدناه وكلّمه وأغاثه ووهبه حي لا يموت (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا).
والمقصود أن مثل هذه الآيات إذ تتلى ، إذ تُقرأ ينبغي أن تجعل القلب يعي عن الله جل وعلا كلامه فيثبت راسخا في تقوى ربه تبارك وتعالى، فعندما تخطوا قدماك إلى المسجد أو تضغ جبهتك في التراب تسجد لربك تعلم أنك تسجد لمن يستحق العبادة ، وقد قلنا مرارا أن الأمر كالتالي :
الدعاء والعبادة هي الذروة في العبودية ، والخلق والرزق والإحياء والإماتة هي الذروة في الإنعام والألوهية ، فلما كانت هذه الأربع لا يقدر عليها إلا الله وجب أن الدعاء والعبادة لا تُصرف إلا لله ، ولهذا قال الله جل وعلا مُحتجا على كفار قريش (هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ) إن كان أحد من شركائكم يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت فاعبدوه لكن لا أحد يخلق أو يرزق أو يُحيي أو يُميت إلا الله ، هذا ما يتعلق عظةً بقول الله جل وعلا : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .
 تبقى حقائق تاريخية تتعلق بالموضوع ، العنكبوت دويبة معروفة لا أظن أحدا يجهلها ولها أنها تضع بيتا ينسج. أحيانآ ينصر الله - جل وعلا - بالضعيف من خلقه ، فالقوي ضعيف إذا أراد الله أن لا ينفع ، والضعيف قوي إذا أراد الله أن ينفع .
 يقول بعض أهل التاريخ والسيَر - والله أعلم - من هذا أوقع أو لم يقع لكن ذكره مثل الحافظ بن عساكر في تاريخ دمشق وذكره غيره أن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، أبوه زين العابدين المعروف ، وزين العابدين هذا سُئل أين منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الذي يسأله يريد منه أن يقدح فيهما ولما سأله سأله عند القبر فقال رضي الله عنه : "منزلتهما في حياته كمنزلتهما الساعة في قبره" فهما بجواره صلى الله عليه وسلم . ابنه زيد قدّر الله له أن يخرج زمن هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي المعروف ، فيُروى أنه قُتل ، زيدا هذا قبل أن يُقتل تبعته الآن الفرقة المعروفة الآن بالزيدية وطلبت منه بعض الفرق أن يتبرأ من أبي بكر وعمر ، فقال : معاذ الله أن أتبرأ من وزيري جدي فرفض ثم قُتل وصُلب في أرض يقال لها الكُنّاسة ، يقول أهل السِيَر أنه صُلب عريانا ، وأراد الخليفة أن يُخوّف به الناس ، فجاءت عنكبوت فنسجت على عورته بيتآ حتى لايرى الناس عورته . قلت هذا خبر تاريخي ، ذكره الحافظ بن عساكر في تاريخ دمشق ولا يبعُد ، لكن الذي يعنينا هنا أن الحافظ الله ، كلما أحسنت صلتك في حياتك كفاك الله ما بعد وفاتك ، كفاك الله في قبرك ، وكفاك الله في ذريتك ، وكفاك الله يوم أن تخرج إلى أرض المحشر ، فالمعوّل عليه عظيم الصلة بالله ، وقد قلنا أن يعقوب عليه السلام لما كان في أرض فلسطين وخرجت العير من مصر تحمِل قميص يوسف ، جاءت ريح الصبا تستأذن ربها أن تُبلّغ يعقوب ريح يوسف قبل أن يصله البشير ولهذا قال الله (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) ما الذي جعل ريح الصبا تستأذن ربها ؟ ما تعلَمُه من كرامة يعقوب على الله ، وليس بين الله وبين أحد من خلقه نَسَب إنما هي الأعمال الصالحة والإيمان به قال ربنا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا) .
 بلّغنا الله وإياكم جنات عَدْن وصلى الله على سيدنا محمد وآله والحمد لله رب العالمين.
-----------------------------------------------
الشكر موصول للأخت الفاضلة من قامت بتفريغ الحلقة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق