د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
إنّ الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
إنّ الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهده الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
فهذا هو " المجلس السّادس" من مجالس تفسير سورة النّساء ، نسأل الله أن يَمُنَّ علينا بكرمه فنفهمَ هذه السُّورة، ونعمل بمقتضاها، وذلك في جامع الإمام محمد بن عبدالوّهاب بِبُريدة في ليلة الرَّابع من شهر الله المحرّم من عام اثنان وثلاثون بعد الأربعمائة وألف من الهجرة النّبوية .
المَقطع الأوّل
يقول الله عزّوجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)}.
يقول الله عزَّوجل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) هذه الآية نزلت في شأنِ عثمان بن طلحة،وكانت بيده مفاتيح الكعبة.وهؤلاء الشيَّبِيُّون من آل شَيبة ما زالت مفاتيح الكعبة بأيديهم إلى اليوم، لأنَّ النّبي - صلى الله عليه وسلّم - لمَّا فتح مكّة طلب عُثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتَح الكعبة ثمّ دخل فيها فَصَلَّى، ثمّ أنزل الله عزَّوجل عليه قوله ( إنّ الله يأمُرُكُم أن تُؤَّدُّوا الأماناتِ إلى أهلها) فقال: أين عُثمان؟ فجاء عثمان وقد خَشِيَ أن يُنزَعَ مِنهُ المفتاح، فقال : خذها فهي باقيةٌ بأيديكم إلى يوم القيامة، أو كما قال - صلى الله عليه وسلّم - .
وهذا السَّبب نموذج للأمانات التّي يجب أن تُؤَدَّى، فالله عزّوجل أمَرَ أن تُؤدَّى الأمانات إلى أهلها، فكُلُّ أمانةٍ أؤتِمِنَ الإنسان عليها وَجَب عليه أن يُؤدِّيها إلى أهلها ، وأن يجتهد في ذلك وأن يقوم بالمسؤولية على وجهها ·
العَمَل أمانة يجب عليك أن تُؤَّدِيَها إلى أهلها.
والزَّوجة أمانة يجب عليك ان تُؤَّدِيها إلى أهلها.
والمال الذِّي اُؤتمنت عليه أمانة يجب عليك أن تُؤَّدِّيَهُ إلى أهله.
والكَلمة التِّي استودَعك صاحبُك أن تحفَظَها، أو السِّر يجب عليك ألا تؤدِّيَه إلاَّ إلى أهله، وأن تحفَظَهُ عن غير أهله.
فهي عامَّة في كُلِّ شيء، ولذلك قلنا إنّها تَعُمّ في الأمانات بين العبد وربِّه وبين العباد أنفُسهم.
بل إنّ الرَّجُل لو جلس معك فحدَّثك بحديث ثمّ التفت فهي أمانة، فكأنّه يقول لك لا تُفشي هذا الكلام إلى أحدٍ غيرك ولا تَنقُلُه إلى أحد، فيجب عليك أداء هذه الأمانة وحفظ هذا السِّر وعدم إفشائه.
/ قال سبحانه: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أمر الله عزَّوجل بأمرٍ آخر، وهُوَ أنّنا إذا حكمنا بين النَّاس أن نحكُم بالعدل، والعدل معناه : أن نُعطيَ كُلّ ذِي حقّ حقّه ، ويختلف العدل عن المساواة. فالإسلام دين العدل وليس دين المساواة ، لأنَّ المساواة تقتضي أن تُسَّوِي بين المتماثلات وبين المختلفات. وأمّا العدل فهُو أن تُعطِيَ كُلَّ ذِي حقٍّ حقّه.
· ولذلك من العدل أنّ الابن الكبير تُعطيَهُ من المال ما يَصلُحُ له، والصَّغير تُعطيَهُ من المال ما يصلُحُ له، أو تُنفِق عليه بحسب ما يحتاج.
ومن العَدل ألاّ تُسَوِّي بين الطَّالب المجتهد الذّي يُواظِب على الحُضور كُلّ يوم، وبين الطَّالب الكَسُول الذّي يُؤذِيك بكسله، وتهاونه وكثرة مشاغباته، فليس إذا أخطأ أحدهُما تُعطيه من العُقوبة بمثل ما تعطي الآخر، بل تُعطي كل واحدٍ ما يُناسبه.
قال الله (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) قد يظُنّ بعض النّاس أنّ هذه الآية خاصّة بالقُضاة، والحقيقة أنّ القُضاة معنيُون بها،
ولكنّنا جميعاً نُمارِس الحُكم في حياتنا في مواطِنَ كثيرة:
- فالمعلّم يحكُم بين طُلاّبه.
- والأب يحكُم بين أبنائه.
- والزَّوج يحكُم بين زوجاته.
- وأيضاً المدير يحكُم بين مُوَّظفيه.
فكُلٌّ منهم له شأنٌ في هَذه الآية، وهذه الآية تُخاطبُهم. بعضُ النّاس يَقصُرها على القُضاة وَيَظُنّ أنّ العدل وقضاياه وما يتَّصِل به، أنّها مُخاطَبٌ بها القُضاة دون غيرهم، والحقيقة أنّه مُخاطَب بها القُضاة وغيرهم.
/ قال الله عزّوجل (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) نِعِمَّا: أيّ نِعمَ ما يَعِظُكُم به. فالله عندما أمرنا بهذا، أمَرنا بأمرٍ عَظيم وجليل، وليس فيه نقصٌ ولا حَيفٌ بوجهٍ من الوُجُوه.
/ قال الله (
إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) لاحِظُوا، لــمَّا أَمر بأداء الأمانات، وأمر بأن نحكُم بالعدل، ذكَّرَنا بأنَّهُ سميعٌ لِكُلِّ أقوالنا، بصيرٌ بِكُلِّ أفعالنا ، وأنّه لا يَخفى عليه من أمرنا شيء وهذان الاسمان هما الاسمان المناسِبَان لحُكمَيّ الآية.
فأداء الأمانة يحتاج إلى إنسان يكون مراقب لله عزّوجل يعلم أنّ الله يسمعه وأنَّ الله يُبصِرُه، ومن يحكم بين النّاس يجب عليه أن يَعلم أنّ الله يَسمع منه كُلَّ لفظةٍ يلفِظها، ويَرى منه كُلَّ فِعلةٍ يفعلها إذا حَكَمَ بين الخَصمين.
/ قال الله عزّوجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ما صلة هذه الآية باللَّتي قبلها؟
لـــمّا أمر بأن نحكم بالعدل، ذكّر بأنَّ العدل لا يكون إلا بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلّم - ولذلك قال (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فما يكون عَدل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلّم - (أفَحُكمَ الجَاهليَّةِ يبغُون ومن أحسَنُ من الله حُكماً لقومٍ يُوقنون) جعل الحُكم في الأَرض نوعين: حكم جاهلية ، وحكمُ الله.
لا يوجد غيرهما، ولذلك إمّا حُكم الله، وإمّا حُكمُ الجاهلية. ليسَ ثَمّ سِوَى هذين الاثنين (أفَحُكمَ الجَاهليَّةِ يبغُون ومن أحسَنُ من الله حُكماً لقومٍ يُوقنون) وتأمَّلُوا كيف أنَّ الله ذكَّر في بداية هذه الآية بالنِّداء باسم الإيمان (يا أيُّها الذِّين آمنوا) لِيَدُّلنا على أنّ الإيمان لا يَتِمُّ لصاحبه حتى يُطيع الله، ويُطيعَ رسوله.
وانظروا كيف أنّه جعل طاعة الله بفعلٍ مُستَقِلّ، وطاعة الرّسول بفعلٍ مُستَّقِل، ليُبيّن أنَّ طاعةَ كُلِّ واحدٍ منهما منفرِدة، فإذا جاءَك أمرٌ من رسول الله وجبت عليك طاعتُه، لا تقول ذَرُوني أنظر، هل يُوافَق ما في القُرآن، أو لا يُوَافَق! بل يُقال: طاعةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - واجِبة بكُلِّ حال ( ومن يُطعِ الرّسول فقد أطاع الله) ولذلك أفردَهُ الله - عزّوجل - بطاعةٍ مستقلة، لكن لـــمَّا جَاء إلى أولي الأمر قال (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ليُبيِّن أنَّ طاعة ُأُولي الأمر ليست مُستقلّة، وإنَـّما هي تابعة لِطَاعة الله وطاعة رسوله، فإذا أَمروا بطاعة الله وطاعة رسول الله أُطِيعُوا، وإذا أَمَروا بِضِّد طاعة الله وطاعة رسول الله لم يُطاعُوا، ولم يُؤخَذ بقولهم .
(وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فمن هُم؟ أُولوا الأمر يُطلَق على اثنين : العُلماء، والأُمراء.
والعُلماء مُقدَّمُون على الأُمراء لماذا؟ لأنَّ الأمراء إنّما هم مُنَّفِذُون، والعُلماء حَاكِمون مُوَّقِعُون عن الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - فلا يجوز للأُمراء أن يعملوا إلاّ بما يقوله ويأمر به العلماء ، فصارت طاعة العُلماء أَعظم وهي مُقدَّمة على طاعة الأمراء.
وممّا يُؤَّكِد هذا الأمر أنّه جاء في هذه السُّورة تسمية العُلماء بــــ" أُولي الأمر" قال الله عزّوجل (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فأُولوا الأمر هنا : العُلماء. والقُرآنُ خيرٌ ما يُبيِّن به القرآن، فالآية شاملة للعلماء وشاملة الأُمراء. قال (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أنتم يا أهل الإسلام وليس من غيركم.
( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
يعني متى وقع التّنازع بين :
- العُلماء والأمراء.
- أو بين الأمراء والنّاس.
- أو بين العُلماء أنفسهم .
- أو بين العُلماء والنّاس.
- أو بين النَّاس أنفسهم.
وَجَبَ عليهم أن يمتثلُوا أمر الله في هذه الآية (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أمَّا الرَّد إلى الله فلا يكون إلاَّ إلى كتابه، وأمّا الرَّد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - فإليه في حَياَته، وإلى سُنَّته بعد مماته - عليه الصّلاة والسّلام - ، قال الله عزَّوجل (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) علّق هذا الحكم على الإيمان بالله، وهذا يَدُّلنا على أنَّ من مقتضيات الإيمان الرَّدُ عند التَّنازُع إلى حُكُم الله وحُكمِ رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأنَّ من لم يفعل ذلك لم يكُن مؤمناً، إمّا كافراً خارجاً من الــمِلَّة، وإمَّا كافراً كُفراً دونَ كُفُر كما سيأتي في تفسير سورة المائدة بإذن الله.
/ قال الله عزَّوجل (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أَيّ ذلك الرَّد إلى حُكم الله وحُكُم رسوله، خيرٌ في الحال وفي المآل، خيرٌ لكم أيُّها النّاس في دِينكُم وفي دُنياكم في أبدانكم، وفي أموالكم، في أحوالكم الاجتماعية، والسِّياسية، والاقتصادية، وفي كُلِّ شؤونِ الحَياة.
/ قال الله عزّوجل (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أيّ أحسنُ عاقبة، أحسنُ مآلاً، هاهي الدُّوَل يا إخواني حكَّمت القوانين الوضعية، فماذا كسبت! يَقولون إنّهم صنَعُوا الطّائرات، وصنعوا الــمُتَّفَجِّرات، وصَنعوا الحاسب الآلي، ووصلُوا إلى القمر. وهذه حقيقة، وقد أضافت إلى الإنسانية شيئاً من الرَّفاهية لكنَّها ما جَلَبَت السّعادة، سبحان الله! هؤلاء الذّينَ صَنعُوا كُلَّ هذا ما استطاعُوا أن يصنعوا السَّعادة، ولذلك أشقى النّاس في الحياة هُم أولئك القوم الذّين صنعُوا هذه الأشياء، والله إنَّ فقراء أفريقيا أهنَأُ بالعَيش من أغنياء أمريكا، وأوروبا، بدليل أننّا لا نسمع في أفريقيا أنّ أحد ينتحِر إلا قليلاً، لكن نسمع في السُّويد وسويسرا أثرى دُوَل العالم من ينتحِرون بالعَشَرات، والمئات، والأُلوف، والمستشفيات النَّفسية سبعين بالمئة من سُكَّان تلك الدُّوَل عندهم ملفَّات في المستشفيات النّفسية، وهذا يَدُّلنا على ماذا؟ على أنّ السَّعادة لا تُنال بالرَّفاهية المادِّية ولا بلذّة الأجساد ونعيمها.
/ قال الله عزّوجل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)
ألا تعجَبون يامن خُوطِبتم بالقُرآن (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) كلمة يزعُمُون عندما تأتي تدُلّ على أنَّ الذِّي يقولها ليس صادقاً في قوله ، "يزعُمُون" (بئس مطيّة الرَّجُلِ (زَعَمَ).
/ (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ومع ذلك يُريدون أن يتحاكَمُوا إلى الطَّاغُوت، فكيف يجتمع إيمانـُهم بما أُنزِل إليك وما أُنزل من قبلك، وإرادتُهم للتَّحاكم إلى الطَّاغُوت، الطَّاغوت : كُلّ من يُشَّرِع غير شرع الله عزَّوجل، كل من يَحكُم بغير ما أنزل الله فهُو طاغوت لأنّه قد طغى، وتَعَدَّى، وزادَ عندما ادّعى ، قال ليس إلاّ لله (إنِ الحُكمُ إلاّ لله) ما الحُكم إلاّ لله يا إخواني . فمن قال: لا. أنا لي حقَّ التَّشريع، وحقّ وضع النُّظُم، وسياسة أُمُور العِباد، ووضع الحُدود والعُقوبات، من دُونِ الله عزّوجل أو مثل الله عزّوجل فقد طَغَى، فمن تَحَاكم إليه وهُو يَزعُم أنّه مؤمن بالله، وما أُنزِلَ إلى رسول الله وما أُنزِلَ من قَبله، فهذا شيءٌ عجيب !؟ لا يجتمعان .
مُقتضى الإيمان بالله وبرسوله والإيمان بما أُنزِلَ على الأنبياء من قبل رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم أَن لا تتحَاكم إلاَّ إلى ما أنزل الله ، وإلى ما جاءت به رُسُل الله صَلَوات الله وسلامه عليه. قالَ جلَّ وَعَلاَ (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أُمِروا في هَذِه الكُتُب أن يكفروا بالطَّاغوت، فكيف يكونونَ مؤمنينَ!. قال: (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا).
/ قال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) طبعاً كان المفترض هنا أن يقول "رأيتهُم يَصُدُّون عنكَ صُدوداً" لكنَّه قال: (رأيتَ الــمُنَافقين) فأظهَرَ في مَقامِ الإِضمار، لماذا؟
أوّلاً: ليحكُم عليهم بالنّفاق، وأنّ هذا من أعظم علامات المنافقين، أن يُدعَوا إلى حُكمِ الله وحُكمِ رسوله، ثمّ يَصُّدُّون عن حُكمِ الله، وعن حُكم رسوله صلى الله علية وسلّم صُدُوداً، ويُعرضُون إعراضاً .
وثانياً: ليُعلَّق الحُكمَ بالوَصف، فيُعرف أنّ كُل من كان كذلك فهُو منافق.
/ قال الله عزّوجل: ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)
· إمّا أن يُقال فكيف إذا أصابتهم مُصيبة أيّ نزلت بهم نازلة من قَحط وجَدب وفقر، فجاؤُوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - ، يعني اُضطُرُّوا إلى المجيء إليه فإنَّهم سَيَعتِذُرون عن تحاكُمِهِم إلى غيرِ شرع الله ، وإلى تقاضيهم عند غير رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - ، فيأتُون إليك مُعتذرين، ما أردنا يا محمَّد إلاَّ إحساناً وتوفيقاً لا تَظُنّ أننّا مُعرضُون عمَّا جِئتَ به، وإلاّ غيرُ مقتنعين بما تدعُونا إليه، ولكن نحن نريد التَّوفيق والتّلفيق وألاَّ يُسيء النّاس بنا الظَنّ، وأيضاً لا يَتحدَّث عنّا الإعلام الغَربي أوّ تقول عنّا النُّظُم والقوانين، أو هيئة الأُمم أو غيرها (
إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ) . فاللّه عزَّوجل يقول هؤلاء إذا جاؤوا إليك مُضطَّرين يا محمد عندما تُصيبهم مُصيبة ، ينزل بهم فاقة، فقر، جُوع، قحط، مَرَض، إلخ،، يأتُون إليك يستعينُوا بك ويعتذروا ممّا بَدَرَ منهم كَذِباً وبُهتاناً.
· أو يكونُ المعنى والآية صَالحة لهما، فكيف إذا أصابتهم مصيبة بأن نزلت عليهم آياتٌ تفضحُهُم وتُبِين وَاقعهم وما حَدَثَ منهم، جاؤُوا إليك سِراعاً يا محمد يعتَذِرون، ويقولون ما أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً عندما تحاكمنا إلى غيرك، نُريد لــَـملَمَــة الأُمور ونريد ألاّ يُتحدَّث عنّا وألاَّ يقولَ النّاس، ونريد ألاّ نكون صفحة يقرأُوها كُلُّ أحد، سبحان الله! أفِي مثل هذا تستهينُون بالله، وبِحُكمِهِ وبما أنزَلَ على رسوله، وتُؤثِرُونَ رضا النَّاس، وتَبغُونَ أن تُحسِنُوا في هذا الأمر، وهذه مثل قول الله عزَّوجل ( فَترَى الذين في قُلُوبِهم مرضٌ يُسارِعُونَ فيهم يقولون نخشى أن تُصِيبنا دائرة فعسى الله أن يأتِيَ بالفتحِ أو أمرٍ من عنده فيُصبِحُوا على ما أسَّرُوا في أنفسهم نَادِمِين).
/ قال الله عزّوجل (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ) هُنا فَضحَهُمُ الله عزّوجل وبيّنَ أنّهم كاذِبُون . (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) فليس فيها إلاَّ الكُفرَ بك يا مُحمّد وعدم الإيمان بما جِئتَ به، وعدم القَناعة بالتَّحاكم إليك وإلى الكِتاب الذِّي أُنزِلَ عليك،( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) لا تُلقي لهم بالاً، فلن يَضُّروك في شيء فلا تحمل في قلبك أنّ جُزءاً من النّاس قد انخذلُوا عنك، فإنّهم هؤلاء مثل ُالحشرات (إن هُم إلا َّكَالأنعامِ بل هُم أضّلُ سبيلاً) وجُودُهُم كَعَدَمهم يا مُحمّد فلا تُبالي، ولا تُهلِك نفسك من أجل النَّظر إليهم، والاهتمام بشأنهم، فهُم أقلّ من أن يُهتّمَ لشأنهم، لا تُلقي لهم بالاً ولكن قم بما أوجب الله عليك .(وَعِظْهُمْ) والوَعظ التّذكير مع التّرغيب والتّرهيب ، والوَعظ إنَّما يكون لمن يعرف الحُكم الشّرعي، ولكنَّه يستنكف عن قَبُـوله والانقياد له .
قال سبحانه (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا )
- إِمَّا أن يكونَ المعنى قل لهُم في أنفسهم، أيّ فيما بينكَ وبينهم يعني خَاصّاً غير مُعلَن.
- وإمَّا أن يكون قل لهم قولاً يَصِل إلى قَرارة أنفُسِهِم، كأنّك تُبلِغُهُم الموعظة إبلاغاً تامّاً.
(قَوْلًا بَلِيغًا) أيّ واضحاً زاجِراً يَصُّدُّهُم عن هذا الأمر الذّي هُم فيه، ويُذَكِّرهُم بأنّ العاقبة السيئة تنتظرهم.
/ قال الله عزّوجل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) أيّ ما أرسلنا من رسول إلاَّ تكونُ طاعتُه بإذن الله ليس بمهاراته، ولا بِقُدراته ولا بما أعطاهُ الله مِنَ المُعجزات، أرأيتُم محمَّداً - صلى الله عليه وسلّم - سَيّدَ البشر وسيد ولَد آدم كم أُوتي من الخُلُق ، كم اُوتي من الفصاحة والبلاغة ، كم أُوتِي من القُدرة على التَّأثير في الآخرين ، هل استطاع أن يُنقِذَ أبا لهب؟ ما استطاع وهُوَ عَمُّه ، وهذا أبو طالب اقتنعَ بدعوته، ودَافَعَ عنه، وبَقيَ حياته كُلَّها حتى تحمَّل المَشاق من أجلِ رسول الله - صلّى الله عليه وسلَّم - ومع ذلك ما آمن، قال الله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء). فاللَّه يقول ليُطاَع بإذن الله، فلن تكونَ طاعةٌ لرسول الله إلاّ إذا أَذِنَ الله إذاً فلا تقلق عليهم يا محمّد، فلو أَذِن الله لهم أن يُطِيعُوك لأطاعُوك.
/ قال تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) يعني لو أنَّ هَؤلاء القوم عندما وقعوا في ما وقعوا فيه من التَّحاكم إلى الطَّاغوت، وتَرك التّحاكُم إليك جاؤُوا مُعتذرين، مستغفرين، تائبين، نادمين. واستغفروا الله وطلبُوا منك يارسول الله أن تَستغفر لهم ربَّك جلَّ وعلا، (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) . فإنَّ الله عزَّوجل يُحِبُّ أن يتوبَ على عباده، ويُحِبُّ التَّوابين من عباده، وهُوَ توَّاب أيّ يتوب على العِباد مرّةً بعد مرّة، لو أذنبُوا في اليوم مائة مرّة ثمّ تابُوا بعد كُلِّ مرَّة لَقَبِلَ منهم في المرّة المائة كما يقبل منهم في المرّة الأُولى - جلَّ جَلاله - من عِظَمِ ومن سَعةِ توبته. رحيماً بعباده يَرفُق بهم ويقبل توبتهم.
/ ثم قال الله عزَّوجل مُبيِّناً أنّه لا اجتماع بين الإيمان والتَّحاكم إلى الطَّاغُوت، وأنّ من آمن فمِصداقُ إيمانه أن يأتِيَ إليك يا محمّد، أو يَعرِض إليك قضيَّته، ويُحاكِم إلى دينك وَشَرعِك ثَمَّ لا يجد في نفسه حَرَجاً ممّا قضيت، ثمّ يُسَّلِّم تسليماً تامّاَ ظاهِراً وباطناً .
قال الله عزّوجل (فَلَا وَرَبِّكَ) اُنظُر كيف نفى الإيمان، وأقسم بنفسه الكريمة، والإقسام بالله ليس كثيراً في القرآن ، أقسم بنفسه الكريمة مُضافةً إلى هذا الرَّسُول العظيم فقال (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) حتى يأتُوا إليك مُتحاكمين في كُلِّ ما تنازعُوا فيه.
قوله (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) قال العُلماء هذه مرتبة الإسلام، إذا تحاكمُوا إليك فقد أسلمُوا يعني ظَهَرَ منهم ما يَدُلُّ على إسلامهم لأنّهم تحاكمُوا إليك.
قال جلّ وعلا ( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) هذه مرتبة الإيمان، لأنَّ الإيمان قلبي، فالإيمان أصلُهُ ومادَّتُه في القلب، فإذا وُجِدَ الحَرَج في القَلب معنى ذلك أنّه ما وافق إيماناً، لكنَّ القلب إذا كانَ مؤمناً إيماناً بأنَّ هذا هُو الحقّ وهذا هُو الخير، وهذا هو الأحسنُ عاقبة فإنّه لا يبقى في النّفس حَرَج، أيَّ حَرَج من حُكمِ الله وحُكمِ رسوله - صلى الله عليه وسلّم - وهذه مرتبة الإيمان.
ثمّ قال جلَّ وعلا (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) قال العُلماء وهذه مرتبة الإحسان.
حكَّموك فأسلموا.
· لم يجدُوا في أنفسهم حرَجاً ممّا قضيت دلّ ذلك على إيمانهم.
· سلّمُوا تسليماً اِنقادُوا ظاهراً وباطناً هذه مرتبة الإحسان وهي أعلى مراتب الدِّين. والإحسان أن تعبُدَ الله كأنّك تراه فإن لم تكُن تراهُ فإنّه يراك .
/ قال الله عزّوجل مُبيِّناً أنّهم قومٌ مُعَانِدُون وأنَّك لو أمرتهم بالذِّي يفعلونه من المعاصي لتركُوها. لو أَمَرتهم بمعصية لتركُوها من شدّة عنادهم، يعني إذا كانُوا يُحِبُّون الرِّشوة أو الزَّنا ، فقلتَ لهم اِزنُوا أو اسرقُوا لتركُوا الزِّنا أوّ السَّرقة لشّدة عنادهم ، قال الله (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) لو أنّهم فعلوا ما أُمِرُوا به وما وُعِظُوا عليه، وهُوَ التَّحاكم إلى شَرع الله أوّلاً لكانَ خيراً لهم في الحال والمآل ، وأشدَّ تثبيتاً هذا يُثَّبِتُهُم على الإيمان، ويُثَّبِتُهُم أيضاً على الصِّراط، ويُثَّبِتُهُم عند السُّؤال. لأنّ هذه هي دلائل الإيمان العَمَلية ، الإيمان ليس بالتَّمني ولا بالتّحلي، ولكن ما وقَر َفي القلب وصدَّقَهُ العمل، لا تقول أنا مؤمن أنا أُحِبّ الله ورسُوله، وتدمع عِينُك عندما يُذكر رسُول الله - صلى الله عليه وسلّم - ولكن عندما يُقال لك تعالى لِنتحاكم في المحكمة الشّرعية التّي فيها قاضٍ يُبَيِّن لك حُكم الله وحكم رسوله، تقول لا، أنا لا أرضى بهذا ، أنا أريد المحكمة التّجارية، أو محكمة الأَوراق البَنكية، أو المحكمة الإعلامية، أوالاقتصادية أو السِّياسية، أو البنك الدَّولي، أو هيئة الأُمم أو غيره، لا أرضى بحكم الله . أين أنتَ يا أخي من قول الله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا.وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ) وهذه الفائدة الثالثة (مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
لا يهتدي الإنسان حتى يتحاكم إلى شرع الله وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، لا يُهدَى الإنسان ويتبيّن له دقائق الحقّ حتّى يُذعِن، ويرجِع إلى الله وإلى رسول الله فيما يحكُمانِ به.
/ قال (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بدأ اللّه عزّوجل المَقطع بـــــطاعة الله وطاعة رسوله، عندما قال (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ثمّ ذكر المُعرضين عن طاعة الله وطاعة رسوله ، ثمّ جاء بالوعد الكريم نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل ذلك الوعد قال الله (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا .ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا )
يقول سعيد بن جُبير - رضي الله تعالى عنه - فيما رواه ابن جرير " جاءَ رجُلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهُوَ محزون
فقال له النّبي صلى الله عليه وسلّم. : يا فُلان، مَا لِي أراكَ محزوناً؟
فقال: يا نبيَّ الله، شيءٌ فكّرتُ فيه.
فقال: ما هُوَ؟ .
فقال: نحنُ نغدُو عليكَ ونرُوح ننظُر إلى وجهك ونُجالِسُك، وغداً تُرفَعُ مع النّبييّن فلا نَصِلُ إليك.
فلم يَرُدَّ النّبي صلى الله عليه وسلّم عليه شيئاً فأتاهُ جبريلُ بهذه الآية، فَبعث النّبي صلى الله عليه وسلّم إليه فبَشَّره" يعني إن أردتَ أن تَكُونَ معي يوم القيامة فعليكَ بهذه الآية ، أَطِع الله، وأَطِع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلّم- فيما تُحِبّ، وفِيما تَكره ، في السِّر وفي العَلانية ، في اللِّيل وفي النَّهار، في شُؤونك المالية ، وفي شُؤونك الزَّوجية ، وفي شؤونك الاقتصادية ، وفي شؤونك السِّياسية ، وفي كُلِّ شأن من شُؤون الحياة.
/ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) من هُم الذِّين أنعم الله؟
النِّعمة التّامة التّي يُغبَط عليها الإنسان وتستحقُّ الشُّكرَ كُلَّه، إنَّها نعمةُ الطّاعة ونعمة أن تُحشَر مع النَّبيين، والصِّدِّيقين، والشُّهداء، والصَّالحين. وهؤلاء هم أعلى أصناف البشر.
وقد رُتِّبُوا في الآية أيضاً بحسب مراتبهم، فابتدأ الله بالنّبيين ثمّ ثَنَّى بالصِّدِّيقين ، والصِّدِّيق هُـو : الذِّي يَصدُق ظاهِرَهُ باطنه، والذِّي يَصدُق في أقواله وأفعاله، والذّي لا يُؤثَرُ منه كَذِبٌ قَطّ (إنّه كان صِدِّيقاً نبيِّاً) قالوا لأنَّه لم يُؤثَر عليه كِذبَة، ولأنَّ ظَاهِرَه يُصَّدِقُ باطنه، وباطنه يُصَّدِق ظاهره.
· والشُّهداء : وهُمُ الذِّين قدَّموا أنفُسَهُم رخيصةً لله عزّوجل،لا يطلبُون إلا إعلاء كلمة الله
· والصَّالحين : وهُم من صَلَحت أحوالهم فاستقاموا على طاعة الله،واجتهدوا في طاعة الله وطاعة رسوله ، وبَقُوا على ذلك واستقامُوا عليه حتى لَقُوا الله ، نسأل الله أن يحشُرنا معهم .
وهؤلاء همُ الذّين أشار الله إليهم في سورة الفاتحة بقوله: ( اِهدنا الصِّراط المستقيم. صراط َ الذّين أنعمتَ عليهم) من هُم الــمُنعَم عليهم؟
من (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وحَسُنَ أولئك رَفيقاً * ذَلكَ الفَضلُ مِنَ الله وكَفَى بالله عليماً) أيّ ذلك الفضل عندما تكون مع هؤلاء، هؤلاء الأخيار، هؤلاء الأبرار الأطهار، هذا هُو الفضل من الله، ولذلك إذا سألتَ الله فضله فلتستحضِر هذا الفضل وإيَّاك أن يقتصُر نَظَرُك على مالٍ تكسبُه، أو بيتٍ تتأثلُه، أو دُنيا تُصِيبُها، أو امرأةٍ تنكِحُها.
بل لتكُن همّتك أعلى من ذلك وأجَلّ من ذلك، وأرفَعَ من ذلِك، أن تسألَ الله أن يَجعلَكَ مُطيعاً لله في كُلِّ حال، ولرسول اللّه صلى الله عليه وسلّم قائماً بأمر الله في كُلِّ شان، قال الله جلّ في عُلاه
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) .
جعلني الله وإيّاكم منهم، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً .
------------------------------------
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير
------------------------------------
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق