إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنآ وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وآشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له أراد من العباد ماهم فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله بلّغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ماجزى به نبيا عن أمته صلى الله وملائكته والصالحون وخلقه عليه كما و حّد الله وعرّف به ودعى إليه وبعد :
أيها المباركون كنا قد تحدثنا في اللقاء الماضي عن الإرث المعنوي واليوم ننتقل إلى الإرث الحسي وقلنا أننا سنتكلم إجمالا عن آيات المواريث نحاول في هذه الدروس أن نجمع مابين العلم والفقه والفرائض والعظات وغير ذلك ما أمكن . الموفق والهادي والمعين الله .
/ قال ربنا - جل وعلا - : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)
وقال ربنا - جل وعلا - (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ)
وقال ربنا - جل وعلا - (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) هذه كلها تسمى آيات المواريث ، وعلم الفرائض من أجلّ العلوم والصحابي الجليل زيد بن ثابت يُعد عند جماهير أهل العلم - وقد دلت على ذلك بعض الآثآر- ، أعظم الصحابة قدرا في مسألة الفرائض . سنتحدث إجمالا وفق مادلت عليه هذه الآيات المباركة .
الإرث له أسباب ثلاثة : النكاح والولاء والنسب .
- فعقد الزوجية الصحيح به يرث أحد الزوجين الآخر إن مات قبله على أنه لابد أن تكون الزوجة مسلمة حرة فإن كانت رقيقة أو كتابية فإن هذان مانعان من الإرث ، الكتابية لإختلاف الدين ، والأمة لأنها رقيقة هذا الأول وهو النكاح .
- الثآني : الولاء ومعنى الولاء أن يأتي رجل إلى رجل مملوك فيشتريه أو يكون هو أصلا في ملكه فيعتقه فإذا أعتقه أصبح الولاء له فإذا مات هذا الحر بعد أن أعتقه سيده أو اشتراه وأعتقه ممن يرثوه من أعتقه حتى لو كانت من أعتقه امرأة
وليس في النساء طُرا عصبة ** إلا التي منّت بعتق الرقبة
"طُرا" يعني جميعا . هذه الحالة الثانية . قلنا نكاح وولاء ونسب .
- النسب المراد به القرابهة ولا تحتاج لإيضاح .
فهذه الثلاثة هي أسباب الإرث بين الناس ، يقابل هذه الثلاثة ، ثلاث تمنع الإرث :
رِق وقتل واختلاف دين ** فافهم فليس الشك كاليقين
"فافهم" هذه عبارة الناظم ليست عبارتي لكم أنتم أجلّ ، لكن هذا بيت محفوظ .
فالرق واختلاف الدين والقتل يمنعان من الإرث ، اختلاف الدين لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ، والرق بيّناه ، بقي القتل .
فبعض أهل العلم يرى أن كل قتل يوجب منع التوارث بمعنى لو أن رجلا قتله ابنه فإن الإبن لا يرث أباه ، ولنجعل هذا المثال أصل ، فبعض العلماء يقول أي قتل حتى لو قتله خطأ ، وبعضهم يقول : يرث لكن لا يرث من الدية ، وغيرهم يقول : غير ذلك . وأظهرها عندي - والعلم عند الله - أنه يتعلق فقط بالقتل العمد وشبه العمد ، أما قتل الخطأ فنميل إلى القول الذي يقول به كثير من الفقهاء وهو أنه لا يكون مانعا من الإرث والعلم عند الله . فهذه الثلاث من أسباب منع التوارث كما بينا .
وكون الإنسان يعتق رقيقا وهذا استطراد من أعظم القربات بدليل أن الرسول - عليه السلام - قال كما عند مسلم في الصحيح (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيُعتقه) فإذا كان الإبن إذا وجد أباه مملوكا فأعتقه قد جازاه دلّ ذلك على عظيم منزلة عتق الرقبة في الإسلام . هذه الأسباب وهذه الموانع .
نأتي الآن نستطرد قليلا في بعض مصطلحاتهم أخبارهم أي من له عناية بعلم المواريث، النبي عليه السلام يقول (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر) والمعنى : أن الذي يريد أن يقسم التركة يبدأ أولا بأصحاب الفروض ثم إذا فرغ وبقي شيء من التركة يُعطى للعصبات واضح .
حدثت في زمن أمير المؤمنين عمر قضية : جاءه قوم قالوا يا أمير المؤمنين إن أختنا ماتت وتركت زوجا - يعني زوجها حي - وأما وإخوة لأم وأخا أو أكثر شقيق أي أخا لأب وأم . قلنا ما القاعدة ألحقوا الفرائض بأهلها فقسّم عمر التركة على النحو التالي: أعطى الزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث الله يقول {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ} أعطاه النصف ، بقي النصف الثاني أعطى الأم السدس لأنها من أصحاب الفروض ، كم بقي ؟ ذهب نصف وسدس يبقى الثلث ، بقي الثلث الإخوة لأم ليسوا عصبة ، العصبة الإخوه الأشقاء لكن الإخوة لأم أصحاب فروض فأعطاهم الثلث يستوي فيه الذكر والأنثى ، الآن انتهت التركة ذهب السدس والثلث يُكونان نصف ونصف أخذه الزوج لم يبقى شيء من التركة ، أصبح الإخوة الأشقاء لأب وأم لم يرثوا شيئا ورجعوا . بعد عام جاءه قوم آخرون في القضية نفسها فقالوا يا أمير المؤمنين إن أختنا ماتت وتركت زوجا وأما وإخوه لأم وأخ شقيق ، ماذا صنع عمر ،أعاد ما صنعه في العام الماضي فأعطى الزوج النصف وأعطى الأم السدس وأعطى الإخوة لأم الثلث وقال للإخوة الأشقاء كما قال لغيرهم إن التركة انتهت (وألحقوا الفروض بأهلها) ألحقنا الفروض بأهلها ولم يبقى لكم شيء . الآن هؤلاء يختلفون عن هؤلاء قال له أحدهم : يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ه، هب أن أبانا كان حجرا ، هب أن أبانا كان في يم ، هب أن أبانا كان كذا وكذا ، لا تعُد أبانا شيئا ، اعتبرنا مالنا أب ، أليست أمنا واحدة؟ يعني أنت ورثت الأولين ، إخوتنا لأم ، لماذا ورثتهم ؟ ما قرابتهم من الميت ؟ أمهم وأم الميت واحدة ، قالوا حتى نحن أمنا وأم الميّت واحدة أبونا هذا شئ زائد ، تعُدّه عصبة ،عُدّه ما شئت ، عُدّه حجر مرمي ، عُدّه لا شيء ، أزله بالكلية ، أليست أمُنا واحدة ؟ يعني السبب الذي ورَّثت من أجله في إخوتنا موجود فينا ونحن زدنا عليهم بأننا أشقاء ، بأننا إخوة لأب . فوقف أمير المؤمنين - رضي الله عنه - واعمل عقله فيما قاله ذلك المعترض وأخذ برأيه ماذا صنع؟ ألغى الأب جعلهم جميعاً كأنهم اخوة لأم نسي أن هؤلاء أشقاء وقسّم ثلث التركة على هؤلاء جميعا وهذا ما يُعرف بالمسألة الحجرية نسبة لقولهم حجرا في يم ، أو الحمارية نسبة لقولهم هب أن أبانا كان حمارا ، وتسمى بالعمرية لأن الذي قضى فيها عمر - رضي الله عنه - .
بعد ذلك اختلف العلماء في هذه المسألة تتكرر في كل السنين :
مذهب بعض الصحابة أنه يبقى الأمر على أصله (الحقوا الفرائض بأهلها) ويُروى هذا عن علي أبي طالب وغيره ، ويُروى عن زيد بن ثابت . قلنا أنه أكثر الصحابة علما بالفرائض . وغيره الأخذ بالقول الثاني الذي قضى به عمر في المرة الثانية وهذا الذي عليه أكثر عمل المسلمين اليوم قال الناظم :
وإن تجد زوجا وأما ورثا ** وإخوة لأم حازوا الثلثا
وأيضا إخوة لأم وأبِ ** واستغرق المال فرض النُصُبِ
فاجعلهم كلهم لأمِ واجعل ** أباهم حجرا في اليم
واقسم بين الإخوة ثلث التركة ** فهذه المسألة المشتركة
لماذا تُسمى المسألة المشتركة ؟ لأنه اشركهم جميعا في شئ واحد ظاهر هذا .
يأتي في قضايا الميراث ما يُسمى بالحجب والحجب ينقسم إلى قسمين : حجب نقصان وحجب حرمان .
حجب النقصان : أن يكون للوارث نصيب ثم وجود آخر يجعله ينقص .
وحجب الحرمان : يجعل وجود أحد غيره مانع له أن يرث .
وهذا ظاهر فالزوج مثلا إذا كان للزوجة أولاد يرث الربع لكنه لو لم يكن لها أولاد يرث النصف فوجود الأولاد حجبه من النصف إلى الربع ، والزوجة ترث من زوجها فإن كن له أولاد ينتقل حالها من الربع إلى الثمن ، لكن ينبغي أن تعلم أن الزوج والزوجة لا يحجبان حجب حرمان لكنهم يحجبان - كما بينا - حجب نقصان .
بقينا في حجب الحرمان فوجود الأبناء يحجب الأخوة فالإخوة لا يمكن أن يرثوا مع وجود الأبناء فهذا ليس حجب نقصان وإنما حجب حرمان يعني يمنعهم أن ينالوا شيئا من التركة .
بقية مسألة وهي قضية وجود الجد والإخوة ، وقد كان ابن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - وهو هو في جلالة قدره وعلمه وفضله - رضوان الله عليه - يقول إذا دخل المدينة "اعرضوا علي مسائلكم وجنبوني عويصها - يقصد مسألة الجد مع الإخوة - ويقول جنبوني مسألة الجد لا حياه الله ولا بياه" لا يقصد ابن مسعود ذم الجد كما أن الأبناء في الأول لا يقصدون أن يعقوا أبيهم ، من يعرف اللسان العربي يعرف أنهم لم يريدوا هذا وإلا لأنكر عمر ولكنهم يريدون أن يقربوا المفهوم لعمر ، فقول ابن مسعود رضي الله عنه "لا حياه الله ولا بياه" لا يقصد جد بعينه بل يتكلم عن المسألة أنها من يجرؤ أن يحكم بين الجد والإخوة ، لماذا من يجرؤ؟! لأن الميت إذا مات وليس له أب وليس له أبناء وجده حي وإخوته أحياء فقرابة الإخوة مع الميت جاءت عن طريق الأب ، الجامع مابين الإخوة وأخيهم أبوهم ، والجامع ما بين الميت والجد الأب ، فالأب هو الذي أدلى به الجد وهو الذي أدلى بالإخوة ، هو الوسيط ما بين الميت وإخوته ، وهو الوسيط ما بين الميت وجده . فالعلماء يقولون : أن الواسطة في الإثنين واحد . فمذهب الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - أن الجد يقوم مقام الأب وأن الإخوة لا يورثون مع وجود الجد . ومذهب غيره من الصحابة - والذي يعمل الناس به اليوم - أنهم يشركوهم فيُورثون الإخوة مع الجد ويحتجون بما بيناه أن الوسيط واحد ، وهي مسألة عقلية يقولون : هب أن رجلا ميسور وله إخوة يساعدونه ثم إن هذا الأخ مات وأبوه ميت من قبل ، فلو اخذنا بالرأي الأول المال كله يذهب للجد على القول أن الجد يحجب الاخوه فقالوا أن الجد يكون غالبا في مثل هذه الحال هرِم كبير لا يستفيد من المال وهؤلاء الإخوة الوسيط بينهم وبين الميت هو الأب كما هو الواسطة بين الجد والميت فلا ينالهم إلا البكاء على أخيهم والتفجع على المال الذي يرونه يذهب للجد ، ثم لو أن هذا الجد مات يرثه أبناؤه الذين هم أعمام هؤلاء الإخوة فيرون المال ينتقل من جدهم إلى أعمامهم ولا يرون في أيديهم شئ يقول بعضهم لا ينالهم إلا البكاء والتفجع . هذه قلت الجمهور على أنهم يورثون الإخوة مع الجد ، لكن فيما أنا أختاره لنفسي في كل المسائل بلا استثناء لا يُعدل بقول أبي بكر قول أحد إلا الرسول عليه السلام ، لكن طالب العلم يُقعّد لنفسه طريقة ويحاول قدر الإمكان أن يلتزمها ما استطاع إلى ذلك سبيلا وتكون هذه القاعده مبنية قدر الإمكان على علم ، وأقول - والعلم عند الله - يصعب وإن قال بالقول الثاني أجلاء الصحابة لكن يصعب مخالفة الصديق في أمر، وأنا قلت في دروس عدة أني جمعت أراء الصديق في مسائل كثيرة ، فقهية وسياسية وغيرها لو تأملتها - حتى لو أخرجته أنه الصديق تنظر فقط في القول - لا تجد والله شيئا يعارضها ، لا يقوى الطرف الآخر على أن يعارضها ، بل استبان لكثير من الصحابة - كما تعلم في السير - إصابة قول الصديق في كثير من المسائل وإن قال بالقول الآخر أجلاء الصحابة - رضي الله عنهم - مثل زيد بن ثابت ، والمقصود هذه المسائل لابد للإنسان في تأصيله العلمي أن يفقه ما الإجماع والمخالفة والقياس ، يكون اطلع عليها كي يكون على بصيرة. فمثلا : بعض أهل العلم لا يرى أن مخالفة أهل الظاهر تقدح في الإجماع ، وبعضهم لا يرى أن مخالفة ابن حزم خصوصا تقدح في الإجماع ، وبعضهم لا يرى أن قول الروافض يقدح في الإجماع ، وبعضهم يرى أن مخالفة فلان وفلان تقدح في الإجماع .
ابن العربي من يقرأ له فيه جرأة - رحمه الله - كما قال أهل العلم على أنه ينقل الإجماع مع اشتهار الخلاف في المسألة ، يعني يقول أجمع المسلمون أو العلماء مع أنك ترى أن المسألة في طيات الكتب ليست عليها إجماع كما قال ابن العربي .المراد أن الإنسان يؤصل لنفسه علميا وهو يمضي في هذا السبيل .
الجد المقصود هنا الجد الصحيح ، لأنه يوجد جد صحيح وجد فاسد ، فالجد الصحيح : الذي ليس بينه وبين الميت أنثى ، أما إذا كان الجد ما بينه وبين الميت أنثى فهذا خارج عن محل النزاع لم يقل أحد بتوريثه مع وجود الأخوة ، كجد والد الأم أو والد أم الأب فهذا كذلك لا يُعد جد صحيحا إنما الجد المعين المعتبر هنا في الخلاف هو الجد الصحيح . كذلك لابد أن يُفرق ما بين الحرمان الأصلي في الموانع وما بين الحجب ، فالذي يُحجب يؤثر ، أما الذي يُحرم لمانع لا يؤثر. واختم به على عجل فمثلا : لو أن رجلا مات عن ابن قاتل - قتله - وترك زوجة وترك أما أو أبا هذه الزوجة مع وجود الإبن ترث الثمن لكن لأن الإبن هنا قاتل لا يعتد بوجوده ابدا فترث الربع كأن الإبن غير موجود .
هذآ بعض مايتعلق بالمواريث ، وينبغى أن تعلم أن أمور المال ثلاثة كلهن قضى الله فيهن ولم يكلها إلى أحد : الصدقات والمواريث والغنائم، تولى رب العالمين قسمتها ، والعلم عند الله وصلى الله على محمد وآله والحمدلله رب العالمين .
وليس في النساء طُرا عصبة ** إلا التي منّت بعتق الرقبة
"طُرا" يعني جميعا . هذه الحالة الثانية . قلنا نكاح وولاء ونسب .
- النسب المراد به القرابهة ولا تحتاج لإيضاح .
فهذه الثلاثة هي أسباب الإرث بين الناس ، يقابل هذه الثلاثة ، ثلاث تمنع الإرث :
رِق وقتل واختلاف دين ** فافهم فليس الشك كاليقين
"فافهم" هذه عبارة الناظم ليست عبارتي لكم أنتم أجلّ ، لكن هذا بيت محفوظ .
فالرق واختلاف الدين والقتل يمنعان من الإرث ، اختلاف الدين لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ، والرق بيّناه ، بقي القتل .
فبعض أهل العلم يرى أن كل قتل يوجب منع التوارث بمعنى لو أن رجلا قتله ابنه فإن الإبن لا يرث أباه ، ولنجعل هذا المثال أصل ، فبعض العلماء يقول أي قتل حتى لو قتله خطأ ، وبعضهم يقول : يرث لكن لا يرث من الدية ، وغيرهم يقول : غير ذلك . وأظهرها عندي - والعلم عند الله - أنه يتعلق فقط بالقتل العمد وشبه العمد ، أما قتل الخطأ فنميل إلى القول الذي يقول به كثير من الفقهاء وهو أنه لا يكون مانعا من الإرث والعلم عند الله . فهذه الثلاث من أسباب منع التوارث كما بينا .
وكون الإنسان يعتق رقيقا وهذا استطراد من أعظم القربات بدليل أن الرسول - عليه السلام - قال كما عند مسلم في الصحيح (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيُعتقه) فإذا كان الإبن إذا وجد أباه مملوكا فأعتقه قد جازاه دلّ ذلك على عظيم منزلة عتق الرقبة في الإسلام . هذه الأسباب وهذه الموانع .
نأتي الآن نستطرد قليلا في بعض مصطلحاتهم أخبارهم أي من له عناية بعلم المواريث، النبي عليه السلام يقول (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر) والمعنى : أن الذي يريد أن يقسم التركة يبدأ أولا بأصحاب الفروض ثم إذا فرغ وبقي شيء من التركة يُعطى للعصبات واضح .
حدثت في زمن أمير المؤمنين عمر قضية : جاءه قوم قالوا يا أمير المؤمنين إن أختنا ماتت وتركت زوجا - يعني زوجها حي - وأما وإخوة لأم وأخا أو أكثر شقيق أي أخا لأب وأم . قلنا ما القاعدة ألحقوا الفرائض بأهلها فقسّم عمر التركة على النحو التالي: أعطى الزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث الله يقول {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ} أعطاه النصف ، بقي النصف الثاني أعطى الأم السدس لأنها من أصحاب الفروض ، كم بقي ؟ ذهب نصف وسدس يبقى الثلث ، بقي الثلث الإخوة لأم ليسوا عصبة ، العصبة الإخوه الأشقاء لكن الإخوة لأم أصحاب فروض فأعطاهم الثلث يستوي فيه الذكر والأنثى ، الآن انتهت التركة ذهب السدس والثلث يُكونان نصف ونصف أخذه الزوج لم يبقى شيء من التركة ، أصبح الإخوة الأشقاء لأب وأم لم يرثوا شيئا ورجعوا . بعد عام جاءه قوم آخرون في القضية نفسها فقالوا يا أمير المؤمنين إن أختنا ماتت وتركت زوجا وأما وإخوه لأم وأخ شقيق ، ماذا صنع عمر ،أعاد ما صنعه في العام الماضي فأعطى الزوج النصف وأعطى الأم السدس وأعطى الإخوة لأم الثلث وقال للإخوة الأشقاء كما قال لغيرهم إن التركة انتهت (وألحقوا الفروض بأهلها) ألحقنا الفروض بأهلها ولم يبقى لكم شيء . الآن هؤلاء يختلفون عن هؤلاء قال له أحدهم : يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ه، هب أن أبانا كان حجرا ، هب أن أبانا كان في يم ، هب أن أبانا كان كذا وكذا ، لا تعُد أبانا شيئا ، اعتبرنا مالنا أب ، أليست أمنا واحدة؟ يعني أنت ورثت الأولين ، إخوتنا لأم ، لماذا ورثتهم ؟ ما قرابتهم من الميت ؟ أمهم وأم الميت واحدة ، قالوا حتى نحن أمنا وأم الميّت واحدة أبونا هذا شئ زائد ، تعُدّه عصبة ،عُدّه ما شئت ، عُدّه حجر مرمي ، عُدّه لا شيء ، أزله بالكلية ، أليست أمُنا واحدة ؟ يعني السبب الذي ورَّثت من أجله في إخوتنا موجود فينا ونحن زدنا عليهم بأننا أشقاء ، بأننا إخوة لأب . فوقف أمير المؤمنين - رضي الله عنه - واعمل عقله فيما قاله ذلك المعترض وأخذ برأيه ماذا صنع؟ ألغى الأب جعلهم جميعاً كأنهم اخوة لأم نسي أن هؤلاء أشقاء وقسّم ثلث التركة على هؤلاء جميعا وهذا ما يُعرف بالمسألة الحجرية نسبة لقولهم حجرا في يم ، أو الحمارية نسبة لقولهم هب أن أبانا كان حمارا ، وتسمى بالعمرية لأن الذي قضى فيها عمر - رضي الله عنه - .
بعد ذلك اختلف العلماء في هذه المسألة تتكرر في كل السنين :
مذهب بعض الصحابة أنه يبقى الأمر على أصله (الحقوا الفرائض بأهلها) ويُروى هذا عن علي أبي طالب وغيره ، ويُروى عن زيد بن ثابت . قلنا أنه أكثر الصحابة علما بالفرائض . وغيره الأخذ بالقول الثاني الذي قضى به عمر في المرة الثانية وهذا الذي عليه أكثر عمل المسلمين اليوم قال الناظم :
وإن تجد زوجا وأما ورثا ** وإخوة لأم حازوا الثلثا
وأيضا إخوة لأم وأبِ ** واستغرق المال فرض النُصُبِ
فاجعلهم كلهم لأمِ واجعل ** أباهم حجرا في اليم
واقسم بين الإخوة ثلث التركة ** فهذه المسألة المشتركة
لماذا تُسمى المسألة المشتركة ؟ لأنه اشركهم جميعا في شئ واحد ظاهر هذا .
يأتي في قضايا الميراث ما يُسمى بالحجب والحجب ينقسم إلى قسمين : حجب نقصان وحجب حرمان .
حجب النقصان : أن يكون للوارث نصيب ثم وجود آخر يجعله ينقص .
وحجب الحرمان : يجعل وجود أحد غيره مانع له أن يرث .
وهذا ظاهر فالزوج مثلا إذا كان للزوجة أولاد يرث الربع لكنه لو لم يكن لها أولاد يرث النصف فوجود الأولاد حجبه من النصف إلى الربع ، والزوجة ترث من زوجها فإن كن له أولاد ينتقل حالها من الربع إلى الثمن ، لكن ينبغي أن تعلم أن الزوج والزوجة لا يحجبان حجب حرمان لكنهم يحجبان - كما بينا - حجب نقصان .
بقينا في حجب الحرمان فوجود الأبناء يحجب الأخوة فالإخوة لا يمكن أن يرثوا مع وجود الأبناء فهذا ليس حجب نقصان وإنما حجب حرمان يعني يمنعهم أن ينالوا شيئا من التركة .
بقية مسألة وهي قضية وجود الجد والإخوة ، وقد كان ابن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - وهو هو في جلالة قدره وعلمه وفضله - رضوان الله عليه - يقول إذا دخل المدينة "اعرضوا علي مسائلكم وجنبوني عويصها - يقصد مسألة الجد مع الإخوة - ويقول جنبوني مسألة الجد لا حياه الله ولا بياه" لا يقصد ابن مسعود ذم الجد كما أن الأبناء في الأول لا يقصدون أن يعقوا أبيهم ، من يعرف اللسان العربي يعرف أنهم لم يريدوا هذا وإلا لأنكر عمر ولكنهم يريدون أن يقربوا المفهوم لعمر ، فقول ابن مسعود رضي الله عنه "لا حياه الله ولا بياه" لا يقصد جد بعينه بل يتكلم عن المسألة أنها من يجرؤ أن يحكم بين الجد والإخوة ، لماذا من يجرؤ؟! لأن الميت إذا مات وليس له أب وليس له أبناء وجده حي وإخوته أحياء فقرابة الإخوة مع الميت جاءت عن طريق الأب ، الجامع مابين الإخوة وأخيهم أبوهم ، والجامع ما بين الميت والجد الأب ، فالأب هو الذي أدلى به الجد وهو الذي أدلى بالإخوة ، هو الوسيط ما بين الميت وإخوته ، وهو الوسيط ما بين الميت وجده . فالعلماء يقولون : أن الواسطة في الإثنين واحد . فمذهب الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - أن الجد يقوم مقام الأب وأن الإخوة لا يورثون مع وجود الجد . ومذهب غيره من الصحابة - والذي يعمل الناس به اليوم - أنهم يشركوهم فيُورثون الإخوة مع الجد ويحتجون بما بيناه أن الوسيط واحد ، وهي مسألة عقلية يقولون : هب أن رجلا ميسور وله إخوة يساعدونه ثم إن هذا الأخ مات وأبوه ميت من قبل ، فلو اخذنا بالرأي الأول المال كله يذهب للجد على القول أن الجد يحجب الاخوه فقالوا أن الجد يكون غالبا في مثل هذه الحال هرِم كبير لا يستفيد من المال وهؤلاء الإخوة الوسيط بينهم وبين الميت هو الأب كما هو الواسطة بين الجد والميت فلا ينالهم إلا البكاء على أخيهم والتفجع على المال الذي يرونه يذهب للجد ، ثم لو أن هذا الجد مات يرثه أبناؤه الذين هم أعمام هؤلاء الإخوة فيرون المال ينتقل من جدهم إلى أعمامهم ولا يرون في أيديهم شئ يقول بعضهم لا ينالهم إلا البكاء والتفجع . هذه قلت الجمهور على أنهم يورثون الإخوة مع الجد ، لكن فيما أنا أختاره لنفسي في كل المسائل بلا استثناء لا يُعدل بقول أبي بكر قول أحد إلا الرسول عليه السلام ، لكن طالب العلم يُقعّد لنفسه طريقة ويحاول قدر الإمكان أن يلتزمها ما استطاع إلى ذلك سبيلا وتكون هذه القاعده مبنية قدر الإمكان على علم ، وأقول - والعلم عند الله - يصعب وإن قال بالقول الثاني أجلاء الصحابة لكن يصعب مخالفة الصديق في أمر، وأنا قلت في دروس عدة أني جمعت أراء الصديق في مسائل كثيرة ، فقهية وسياسية وغيرها لو تأملتها - حتى لو أخرجته أنه الصديق تنظر فقط في القول - لا تجد والله شيئا يعارضها ، لا يقوى الطرف الآخر على أن يعارضها ، بل استبان لكثير من الصحابة - كما تعلم في السير - إصابة قول الصديق في كثير من المسائل وإن قال بالقول الآخر أجلاء الصحابة - رضي الله عنهم - مثل زيد بن ثابت ، والمقصود هذه المسائل لابد للإنسان في تأصيله العلمي أن يفقه ما الإجماع والمخالفة والقياس ، يكون اطلع عليها كي يكون على بصيرة. فمثلا : بعض أهل العلم لا يرى أن مخالفة أهل الظاهر تقدح في الإجماع ، وبعضهم لا يرى أن مخالفة ابن حزم خصوصا تقدح في الإجماع ، وبعضهم لا يرى أن قول الروافض يقدح في الإجماع ، وبعضهم يرى أن مخالفة فلان وفلان تقدح في الإجماع .
ابن العربي من يقرأ له فيه جرأة - رحمه الله - كما قال أهل العلم على أنه ينقل الإجماع مع اشتهار الخلاف في المسألة ، يعني يقول أجمع المسلمون أو العلماء مع أنك ترى أن المسألة في طيات الكتب ليست عليها إجماع كما قال ابن العربي .المراد أن الإنسان يؤصل لنفسه علميا وهو يمضي في هذا السبيل .
الجد المقصود هنا الجد الصحيح ، لأنه يوجد جد صحيح وجد فاسد ، فالجد الصحيح : الذي ليس بينه وبين الميت أنثى ، أما إذا كان الجد ما بينه وبين الميت أنثى فهذا خارج عن محل النزاع لم يقل أحد بتوريثه مع وجود الأخوة ، كجد والد الأم أو والد أم الأب فهذا كذلك لا يُعد جد صحيحا إنما الجد المعين المعتبر هنا في الخلاف هو الجد الصحيح . كذلك لابد أن يُفرق ما بين الحرمان الأصلي في الموانع وما بين الحجب ، فالذي يُحجب يؤثر ، أما الذي يُحرم لمانع لا يؤثر. واختم به على عجل فمثلا : لو أن رجلا مات عن ابن قاتل - قتله - وترك زوجة وترك أما أو أبا هذه الزوجة مع وجود الإبن ترث الثمن لكن لأن الإبن هنا قاتل لا يعتد بوجوده ابدا فترث الربع كأن الإبن غير موجود .
هذآ بعض مايتعلق بالمواريث ، وينبغى أن تعلم أن أمور المال ثلاثة كلهن قضى الله فيهن ولم يكلها إلى أحد : الصدقات والمواريث والغنائم، تولى رب العالمين قسمتها ، والعلم عند الله وصلى الله على محمد وآله والحمدلله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق